سورة النازعات

مكية وهي ست

وقيل خمس وأربعون آية ومائة وسبع وتسعون كلمة وسبعمائة وثلاثة وخمسون حرفا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢)

١

٢

قوله عز وجل : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً اختلفت عبارات المفسرين في هذه الكلمات هل هي صفات لشيء واحد أم لأشياء مختلفة على أوجه واتفقوا على أن المراد بقوله فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً وصف لشيء واحد وهم الملائكة :

الوجه

الأول : في

قوله تعالى : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً يعني الملائكة تنزع أرواح الكفار من أقاصي أجسامهم.

كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المد ، والغرق من الإغراق أي ، والنازعات إغراقا وقال ابن مسعود :

(إن ملك الموت ، وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل ، فتخرج نفس الكافر كالغريق في الماء) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً الملائكة تنشط نفس المؤمن أي تسلها سلّا رفيقا فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير ، وإنما خص النزع بنفس الكافر والنشط بنفس المؤمن ، لأن بينهما فرقا فالنزع جذب بشدة والنشط جذب برفق ، وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً يعني الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا ، ثم يدعونها حتى تستريح ، ثم يستخرجونها كالسابح في الماء يتحرك فيه برفق ولطافة ،

وقيل هم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس الجواد إذا أسرع في جريه. يقال له سابح فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً يعني الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح ،

وقيل هم الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة.

الوجه الثاني : في قوله وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً يعني النفس حين تنزع من الجسد ، فتغرق في الصدر ثم تخرج وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً ، قال ابن عباس : هي نفوس المؤمنين تنشط للخروج عند الموت لما ترى من الكرامة ، وذلك لأنه يعرض عليه مقعده في الجنة قبل أن يموت وقال علي بن أبي طالب : هي أرواح الكفار تنشط بين الجلد ، والأظفار حتى تخرج من أفواههم بالكرب والغم.

وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)

٣

٧

وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً يعني أرواح المؤمنين حين تسبح في الملكوت فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً يعني استباقها إلى الحضرة المقدسة.

الوجه الثالث : في

قوله تعالى : وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً يعني النجوم تنزع من أفق إلى أفق تطلع ثم تغيب وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً ، يعني النجوم تنشط من أفق إلى أفق ، أي تذهب وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً ، يعني النجوم

والشمس والقمر يسبحون في الفلك. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً يعني النجوم يسبق بعضها بعضا في السير.

الوجه الرابع : في

قوله تعالى وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً. يعني خيل الغزاة تنزع في أعنتها وتغرق في عرقها وهي الناشطات نشطا لأنها تخرج بسرعة إلى ميدانها ، وهي السابحات في جريها ، وهي السابقات سبقا لاستباقها إلى الغاية.

الوجه

الخامس : في قوله وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً يعني الغزاة حين تنزع قسيها في الرمي فتبلغ غاية المد وهو قوله غرقا ، وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً ، أي السّهام في الرمي وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً ، فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً يعني الخيل والإبل حين يخرجها أصحابها إلى الغزو.

الوجه السادس : ليس المراد بهذه الكلمات شيئا واحدا ، فقوله والنازعات يعني ملك الموت ينزع النفوس غرقا حتى بلغ بها الغاية ، وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً يعني النفس تنشط من القدمين بمعنى تجذب ، وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً يعني السفن ، فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً يعني مسابقة نفوس المؤمنين إلى الخيرات والطاعات.

أما قوله : فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً ، فأجمعوا على أنهم الملائكة قال ابن عباس : هم الملائكة وكلوا بأمور عرفهم اللّه عز وجل : العمل بها وقال عبد الرّحمن بن سابط يدبر الأمر في الدنيا أربعة أملاك جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، واسمه عزرائيل ، فأما جبريل فموكل بالرّياح والجنود ،

وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنّبات ،

وأما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس ،

وأما إسرافيل فهو ينزل عليهم بالأمر من اللّه تعالى أقسم اللّه بهذه الأشياء لشرفها ، وللّه أن يقسم بما يشاء من خلقه ، أو يكون التقدير ، ورب هذه الأشياء ، وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن ، ولتحاسبن ،

وقيل جوابه (إن في ذلك لعبرة لمن يخشى)

وقيل هو قوله :

قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢)

فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)

٨

١٤

قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ يعني النفخة الأولى يتزلزل ويتحرك لها كل شيء ، ويموت منها جميع الخلق تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ يعني النفخة الثانية ردفت الأولى وبينهما أربعون سنة ، وقال قتادة : هما صيحتان فالأولى تميت كل شيء ، والأخرى تحيي كل شيء بإذن اللّه عز وجلّ

وقيل الرّاجفة التي تزلزل الأرض ، والجبال والرادفة التي تشق السماء ،

وقيل الراجفة القيامة والرّادفة البعث يوم القيامة روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي بن كعب قال : (كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا ذهب ربع اللّيل قام وقال : أيّها الناس اذكروا اللّه جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه.

قوله عز وجل : قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ أي خافقة قلقة مضطربة ،

وقيل وجله زائلة عن أماكنها أَبْصارُها خاشِعَةٌ أي أبصار أهلها خاشعة ذليلة ، والمراد بها لكفار بدليل

قوله تعالى : يَقُولُونَ يعني المنكرين للبعث إذا قيل لهم إنكم مبعوثون بعد الموت. أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ يعني أنرد إلى أول الحال ، وابتداء الأمر فنصير أحياء بعد الموت كما كنا أول مرة والعرب تقول رجع فلان في حافرته ، أي رجع من حيث جاء فالحافرة عنده اسم لابتداء الشيء وأول الشيء ويقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه الذي جاء منه يحفره بمشيئته ، فحصل بأثر قدميه حفر فهي محفورة في الحقيقة ،

وقيل الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم سميت حافرة لأنها يستقر عليها الحافر ، والمعنى أإنا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقا جديدا نمشي عليها ،

وقيل الحافرة النار أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً أي بالية وقرئ ناخرة وهما بمعنى ،

وقيل الناخرة المجوفة التي يمر فيها الريح

فتنخر أي توصت قالُوا يعني المنكرين للبعث إذا عاينوا أهوال القيامة تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ أي رجعة غابنة يعني إن رددنا بعد الموت لنخسرن بما يصيبنا بعد الموت. فَإِنَّما هِيَ يعني النفخة الأخيرة زَجْرَةٌ واحِدَةٌ أي صيحة واحدة يجمعون بها جميعا فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يعني وجه الأرض سميت ساهرة لأن عليها نوم الحيوان وسهرهم ،

وقيل هي التي كثر الوطء عليها كأنها سهرت ، والمعنى أنهم كانوا في بطن الأرض. فلما سمعوا الصيحة صاروا على وجهها ،

وقيل هي أرض الشام

وقيل أرض القيامة ،

وقيل هي أرض جهنم.

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)

فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)

فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧)

١٥

٢٧

قوله عز وجل : هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى يا محمد وذلك أنه صلّى اللّه عليه وسلّم شق عليه حين كذبه قومه ، فذكر له قصة موسى عليه الصلاة والسلام وأنه كان يتحمل المشاق من قومه ليتأسى به إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ أي المطهر طُوىً هو اسم واد بالشام عند الطور اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى أي علا وتكبر وكفر باللّه فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى أي تتطهر من الشّرك والكفر ،

وقيل معناه تسلم وتصلح العمل وقال ابن عباس : تشهد أن لا إله إلا اللّه وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ أي أدعوك إلى عبادة ربك وتوحيده فَتَخْشى يعني عقابه وإنما خص فرعون بالذكر ، وإن كانت دعوة موسى شاملة لجميع قومه لأن فرعون كان أعظمهم فكانت دعوته دعوة لجميع قومه فَأَراهُ أي أرى موسى فرعون الْآيَةَ الْكُبْرى يعني اليد البيضاء والعصا فَكَذَّبَ يعني فرعون بأنها من اللّه وَعَصى أي تمرد وأظهر التجبر ثُمَّ أَدْبَرَ أي أعرض عن الإيمان يَسْعى يعمل الفساد في الأرض فَحَشَرَ أي فجمع قومه وجنوده فَنادى أي لما اجتمعوا فَقالَ يعني فرعون لقومه أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى أي لا رب فوقي ،

وقيل أراد أن الأصنام أرباب وهو ربها وربهم فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى أي عاقبة فجعله عبرة لغيره بأن أغرقه في الدنيا ويدخله النار في الآخرة ،

وقيل أراد بالآخرة والأولى كلمتي فرعون وهما قوله ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي وقوله أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى وكان بينهما أربعون سنة إِنَّ فِي ذلِكَ أي في الذي فعل بفرعون حين كذب وعصى لَعِبْرَةً أي عظة لِمَنْ يَخْشى أي يخاف اللّه عز وجل ثم عاتب منكري البعث

فقال تعالى : أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها معناه أخلقكم بعد الموت أشد أم خلق السّماء عندكم في تقديركم.

فإن كلا الأمرين بالنسبة إلى قدرة اللّه واحد ، لأن خلق الإنسان على صغره وضعفه إذا أضيف إلى خلق السماء مع عظمها وعظم أحوالها كان يسيرا فبين تعالى : أن خلق السماء أعظم ، وإذا كان كذلك كان خلقكم بعد الموت أهون على اللّه تعالى : فكيف تنكرون ذلك مع علمكم بأنه خلق السموات والأرض ولا تنكرون ذلك. ثم إنه تعالى ذكر كيفية خلق السّماء والأرض

فقال تعالى :

رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢)

مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧)

وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩)

وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢)

فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤)

٢٨

٤٤

رَفَعَ سَمْكَها يعني علو سمتها ،

وقيل رفعها بغير عمد فَسَوَّاها أي أتقن بناءها ، فليس فيها شقوق ، ولا فطور ، وَأَغْطَشَ أي أظلم لَيْلَها والغطش الظلمة وَأَخْرَجَ أي وأظهر وأبرز ضُحاها أي نهارها ، وإنما عبر عن النهار بالضحى لأنه أكمل أجزاء النهار في النور ، والضوء ، وإنما أضاف الليل والنهار إلى السماء لأنهما يجريان بسبب غروب الشمس وطلوعها ، وهي في السماء ثم وصف كيفية خلق الأرض.

فقال تعالى :

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أي بسطها ومدها قال أمية بن أبي الصلت :

دحوت البلاد فسويتها وأنت على طيها قادر

فإن قلت ظاهر هذه الآية ، يقتضي أن الأرض خلقت بعد السّماء بدليل

قوله تعالى بَعْدَ ذلِكَ وقد قال تعالى : في حم السّجدة ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فكيف الجمع بين الآيتين وما معناهما.

قلت خلق اللّه الأرض أولا مجتمعة ، ثم سمك السماء ثانيا ، ثم دحا الأرض بمعنى مدها وبسطها. ثالثا ، فحصل بهذا التفسير الجمع بين الآيتين ، وزال الإشكال قال ابن عباس : خلق اللّه الأرض بأقواتها ، من غير أن يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ،

وقيل معناه والأرض مع ذلك دحاها كقوله عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أي مع ذلك أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها أي فجر من الأرض عيونها ، ومرعاها أي رعيها ، وهي ما يأكله النّاس ، والأنعام واستعير الرعي للإنسان على سبيل التّجوز.

وَالْجِبالَ أَرْساها أي أثبتها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ أي الذي أخرج من الأرض هو بلغة لكم ولأنعامكم.

قوله عز وجل : فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى يعني النّفخة الثانية ، التي فيها البعث ،

وقيل الطامة القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل شيء فتعلو عليه ، والطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع. يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى أي ما عمل في الدنيا من خير ، أو شر. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى يعني أنه ينكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق فَأَمَّا مَنْ طَغى أي كفر وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا أي على الآخرة فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى أي لمن هذه صفته

وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى أي المحارم التي يشتهيها

وقيل هو الرجل يهم بالمعصية ، فيذكر مقامه بين يديه جلّ جلاله للحساب فيتركها لذلك فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى أي لمن هذه صفته.

قوله عز وجل : يَسْئَلُونَكَ أي يا محمد عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها أي متى ظهورها وقيامها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها أي لست في شيء من علمها وذكراها حتى تهتم لها وتذكر وقتها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها أي منتهى علمها لا يعلم متى تقوم الساعة إلا هو ،

وقيل معناه فيم إنكار لسؤالهم ، أي فيم هذا السّؤال ، ثم قال أنت يا محمد من ذكراها ، أي من علامتها ، لأنك آخر الرّسل ، وخاتم الأنبياء ، فكفاهم ذلك دليلا على دنوها ، ووجوب الاستعداد لها.

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)

٤٥

٤٦

إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها أي إنما ينفع إنذارك من يخافها. كَأَنَّهُمْ يعني الكفار يَوْمَ يَرَوْنَها أي يعاينون يوم القيامة. لَمْ يَلْبَثُوا أي في الدنيا ،

وقيل في قبورهم إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها.

فإن قلت العشية ليس لها ضحى فما معنى قوله أَوْ ضُحاها؟

قلت قيل إن الهاء والألف صلة ، والمعنى لم يلبثوا إلا عشية ، أو ضحى ،

وقيل إضافة الضّحى إلى العشية ، إضافة إلى يومها ، كأنه قال : إلا عشية أو ضحى يومها. واللّه أعلم بمراده وأسرار كتابه.

﴿ ٠