٢٣٢٩وَلَقَدْ رَآهُ يعني رأى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم جبريل عليه الصلاة والسلام على صورته التي خلق فيها بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ يعني بالأفق الأعلى من ناحية المشرق حيث تطلع الشّمس ، وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لجبريل عليه الصّلاة والسّلام (إني أحب أن أراك في صورتك التي تكون فيها في السّماء قال : لن تقوى على ذلك قال ، بلى قال ، فأين تشاء أن أتخيل لك قال بالأبطح ، قال لا يسعني ذلك ، قال : فبمنى قال لا يسعني ذلك قال فبعرفات ، قال : لا يسعني ذلك قال بحراء قال إن يسعني فواعده فخرج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك الوقت. فإذا هو بجبريل قد أقبل من حيال عرفات بخشخشه ، وكلكله قد ملأ ما بين المشرق ، والمغرب ، ورأسه في السماء ، ورجلاه في الأرض ، فلما رآه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خر مغشيا عليه ، فتحول جبريل عن صورته ، وضمه إلى صدره ، وقال : يا محمد لا تخف ، فكيف لو رأيت إسرافيل ، ورأسه تحت العرش ، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وإن العرش لعلى كاهله ، وإنه ليتضاءل أحيانا من مخافة اللّه جلّ جلاله وعلا علاؤه وشأنه حتى يصير كالصّعو ، يعني العصفور حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته) وَما هُوَ يعني محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم عَلَى الْغَيْبِ أي الوحي وخبر السّماء ، وما اطلع عليه مما كان غائبا عن علمه من القصص والأنباء. بِضَنِينٍ قرأ بالظاء ، ومعناه بمتهم والمظنة التهمة ، وقرئ بضنين بالضاد ، ومعناه ببخيل يقول إنه يأتيه علم الغيب ، ولا يبخل به عليكم ، ويخبركم به ، ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلوانا ، وهو أجرة الكاهن ، وقراءة الظاء أولى لأنهم لم يبخلوه ، وإنما اتهموه ، فنفى اللّه عنه تلك التهمة ، ولو أراد البخل لقال وما هو بالغيب. وَما هُوَ يعني القرآن بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ يعني إن القرآن ليس بشعر ، ولا كهانة كما قالت قريش ، وقيل كانوا يقولون إن شيطانا يلقيه على لسانه ، فنفى اللّه ذلك عنه ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ أي فأين تعدلون عن القرآن ، وفيه الشفاء ، والهدى ، والبيان ، وقيل معناه أي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم. إِنْ هُوَ يعني ما في القرآن إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ أي موعظة للخلق أجمعين لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ أي يتبع الحق ، ويقيم عليه ، وينتفع به ثم بين أن مشيئة العبد موقوفة بمشيئته فقال تعالى : وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ أعلمهم اللّه أن المشيئة في التوفيق للاستقامة إليه ، وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة اللّه ، وتوفيقه ، وفيه إعلام أن أحدا لا يعمل خيرا إلا بتوفيق اللّه تعالى ولا شرا إلا بخذلانه ، ومشيئته واللّه تعالى أعلم. |
﴿ ٢٣ ﴾