سورة الانفطارمكية وهي تسع عشرة آية وثمانون كلمة وثلاثمائة وسبعة وعشرون حرفا بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) ١٦قوله عز وجل : إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ أي انشقت وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ أي تساقطت وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ أي فجر بعضها في بعض واختلط العذب بالملح ، فصارت بحرا واحدا ، وقيل معنى فجرت فاضت. وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ أي بحثرت ، وقلب ترابها وبعث من فيها منه الموتى أحياء. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يعني علمت في ذلك اليوم ما قدمت من عمل صالح ، أو سيئ ، وأخرت بعدها من حسنة أو سيئة ، وقيل ما قدمت من الصّدقات وأخرت من الزّكوات ، وهذه أحوال يوم القيامة. قوله عز وجل : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ أي ما خدعك ، وسول لك الباطل حتى صنعت ما صنعت ، وضيعت ما أوجب عليك ، والمعنى ماذا أمنك من عقابه ، قيل نزلت في الوليد بن المغيرة ، وقيل في أبي الشّريق ، واسمه أسيد بن كلدة ، وقيل كلدة بن خلف ، وكان كافرا ضرب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يعاقبه اللّه وأنزل اللّه هذه الآية ، وقيل الآية عامة في كل كافر وعاص ، يقول ما الذي غرك ، قيل غره حمقه ، وجهله وقيل تسويل الشّيطان له ، وقيل غره عفو اللّه عنه حيث لم يعاجله بالعقوبة في أول مرة بربك الكريم ، أي المتجاوز عنك ، فهو بكرمه لك لم يعاجلك بعقوبته بل بسط لك المدة لرجاء التّوبة. قال ابن مسعود (ما منكم من أحد إلا سيخلو اللّه عز وجل به يوم القيامة. فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم! ماذا عملت؟ فيما علمت يا ابن آدم؟ ماذا أجبت المرسلين) ، وقيل للفضيل بن عياض لو أقامك اللّه يوم القيامة فيقول لك يا ابن آدم ما غرك بربك الكريم ماذا كنت تقول. قال : أقول غرني ستورك المرخاة ، وقال يحيى بن معاذ : لو أقامني بين يديه ، وقال ما غرك بي أقول غرني بربك بي سالفا وآنفا ، وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ما غرك بربك الكريم لقلت غرني كرم الكريم ، وقال بعض أهل الإشارة. إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه ، وصفاته كأنه لقنه حجته في الإجابة حتى يقول غرني كرم الكريم. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) ٧١٥الَّذِي خَلَقَكَ أي أوجدك من العدم إلى الوجود فَسَوَّاكَ أي جعلك سويا سالم الأعضاء ، تسمع وتبصر فَعَدَلَكَ أي عدل خلقك في مناسبة الأعضاء فلم يجعل بعضها أطول من بعض ، وقيل معناه جعلك قائما معتدلا حسن الصّورة ، ولم يجعلك كالبهيمة المنحنية فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ أي في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم ، وجاء في الحديث (إن النطفة إذا استقرت في الرّحم أحضر كل عرق بينه وبين آدم ثم قرأ : فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ، وقيل معناه إن شاء ركبك في صورة إنسان ، وإن شاء في صورة دابة أو حيوان ، وقيل في أي صورة ما شاء ركبك من الصور المختلفة بحسب الطول ، والقصر ، والحسن ، والقبح والذكورة ، والأنوثة ، وفي هذه دلالة على قدرة الصانع المختار القادر. وذلك أنه لما اختلفت الهيئات ، والصفات دل ذلك على كمال القدرة ، واتساع الصنعة ، وأن المدبر المختار هو اللّه تعالى. قوله عز وجل : كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ أي بيوم الحساب والجزاء وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ يعني رقباء من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم كِراماً أي على اللّه كاتِبِينَ أي يكتبون أقوالكم وأعمالكم يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ يعني من خير أو شر. قوله عز وجل إِنَّ الْأَبْرارَ يعني الذين بروا وصدقوا في إيمانهم بأداء ما افترض اللّه عليهم ، واجتناب معاصيه. لَفِي نَعِيمٍ يعني نعيم الجنة وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ روي أن سليمان بن عبد الملك قال : لأبي حازم المزني ليت شعري ما لنا عند اللّه ، فقال له : اعرض عملك على كتاب اللّه ، فإنك تعلم ما لك عند اللّه ، قال : أين أجد ذلك في كتاب اللّه؟ قال : عند قوله إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ قال سليمان فأين رحمة اللّه قال قريب من المحسنين يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ يعني يوم القيامة لأنه يوم الجزاء. وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩) ١٦١٩وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ أي عن النّار ثم عظم شأن ذلك اليوم فقال تعالى : وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ قيل المخاطب بذلك هو الكافر ، وهو على وجه الزّجر له ، وقيل هو خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : والمعنى أي شيء أعلمك به لو لم نعرفك أحواله ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ التكرير لتعظيم ذلك اليوم ، وتفخيم شأنه يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً أي لا تملك نفس كافرة لنفس كافرة شيئا من المنفعة وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يعني أنه لم يملك اللّه في ذلك أحدا شيئا كما ملكهم في الدنيا ، واللّه أعلم. |
﴿ ٠ ﴾