سورة الطارق

مكية وهي سبع عشرة آية ، وإحدى وستون كلمة ، ومائتان وتسعة وثلاثون حرفا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)

١

٣

قوله عز وجل : وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ قيل نزلت في أبي طالب وذلك أنه أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأتحفه بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذ انحط نجم فامتلأ ماء ثم نارا ففزع أبو طالب ، وقال : أي شيء هذا فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : هذا نجم رمي به ، وهو آية من آيات اللّه ، فعجب أبو طالب فأنزل اللّه والسماء والطارق يعني النجم يظهر بالليل ، وكل ما أتاك بالليل فهو طارق ، ولا يسمى ذلك بالنهار ، وسمي النجم طارقا لأنه يطرق بالليل قالت هند :

نحن بنات طارق نمشي على النمارق

تريد أن أباها نجم في علوه وشرفه. وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ قيل لم يكن صلّى اللّه عليه وسلّم يعرفه ، حتى بينه اللّه له بقوله النَّجْمُ الثَّاقِبُ ، أي المضيء المنير ،

وقيل المتوهج ،

وقيل المرتفع العالي ،

وقيل هو الذي يرمى به الشيطان فيثقبه أي ينفذه ،

وقيل النجم الثاقب هو الثريا لأن العرب تسميها النجم ،

وقيل هو زحل سمي بذلك لارتفاعه ،

وقيل هو كل نجم يرمى به الشيطان لأنه يثقبه فينفذه ، وهذه أقسام أقسم اللّه بها ،

وقيل تقديره ورب هذه الأشياء وجواب القسم

قوله تعالى :

إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨)

يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)

٤

٩

إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ ، يعني أن كل نفس عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر ، قال ابن عباس : هم الحفظة من الملائكة ،

وقيل حافظ من اللّه تعالى يحفظها ، ويحفظ قولها ، وفعلها ، حتى يدفعها ويسلمها إلى المقادير ، ثم يحل عنها ،

وقيل يحفظها من المهالك والمعاطب إلا ما قدر لها.

قوله عزّ وجلّ : فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ يعني نظر تفكر واعتبار مِمَّ خُلِقَ أي من أيّ شيء خلقه ربه ، ثم بيّن ذلك

فقال تعالى : خُلِقَ مِنْ ماءٍ يعني من مني دافِقٍ ، أي مدفوق مصبوب في الرحم ، وأراد به ماء الرجل ، وماء المرأة ، لأن الولد مخلوق منهما وإنما جعله واحدا لامتزاجهما يَخْرُجُ يعني ذلك الماء وهو المني ، مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ يعني صلب الرجل ، وترائب المرأة ، وهي عظام الصدر والنحر. قال ابن عباس : هي موضع القلادة من الصدر ، وعنه أنها بين ثديي المرأة ، قيل إن المني ، يخرج من جميع أعضاء الإنسان ، وأكثر ما

يخرج من الدماغ ، فينصب في عرق في ظهر الرجل ، وينزل في عروق كثيرة من مقدم بدن المرأة ، وهي الترائب ، فلهذا السبب خصّ اللّه تعالى ، هذين العضوين بالذكر إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يعني إن اللّه تعالى قادر على أن يرد النطفة في الإحليل ،

وقيل قادر على رد الماء في الصلب الذي خرج منه ،

وقيل قادر على رد الإنسان ماء كما كان من قبل ،

وقيل معناه إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا ، إلى النطفة

وقيل إنّه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر ،

وقيل معناه إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء قادر على إعادته حيا بعد موته ، وهو أهون عليه ، وهذا القول هو الأصح ، والأولى بمعنى الآية لقوله تعالى بعده يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ وذلك يوم القيامة. قيل معناه تظهر الخبايا.

وقيل معنى تبلى تختبر ،

وقيل السرائر هي فرائض الأعمال كالصوم ، والصلاة ، والوضوء ، والغسل من الجنابة ، فكل هذه سرائر بين العبد وبين ربّه عزّ وجلّ وذلك لأن العبد قد يقول صليت ولم يصلّ ، وصمت ولم يصم ، واغتسلت ولم يغتسل ، فإذا كان يوم القيامة يختبر حتى يظهر من أداها ومن ضيعها. قال عبد اللّه بن عمر : يبدي اللّه تعالى يوم القيامة كل سر ، فيكون زينا في وجوه وشينا في وجوه ، يعني من أدى الفرائض كما أمر كان وجهه مشرقا ، مستنيرا يوم القيامة ، ومن ضيعها أو انتقص منها كان وجهه أغبر.

فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)

إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)

١٠

١٧

فَما لَهُ أي لهذا الإنسان المنكر البعث. مِنْ قُوَّةٍ أي يمتنع بها من عذاب اللّه وَلا ناصِرٍ أي ينصره من اللّه ، ثم ذكر قسما آخر

فقال تعالى وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ أي ذات المطر ، سمي به لأنه يجيء ويرجع ويتكرر وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ أي تتصدع وتنبثق عن النبات ، والشجر ، والأنهار ، وجواب القسم.

قوله تعالى : إِنَّهُ يعني القرآن لَقَوْلٌ فَصْلٌ أي إنه لحق وجد يفصل بين الحق والباطل. وَما هُوَ بِالْهَزْلِ أي باللعب والباطل. إِنَّهُمْ يعني مشركي مكة ، يَكِيدُونَ كَيْداً يعني يحتالون بالمكر بالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة وتشاوروا فيه. وَأَكِيدُ كَيْداً يعني أجازيهم على كيدهم بأن استدرجهم من حيث لا يعلمون فأنتقم منهم في الدنيا بالسيف ، وفي الآخرة بالنار فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أي لا تستعجل ولا تدع بهلاكهم. قال ابن عباس : هذا وعيد لهم من اللّه عز وجل ، ثم لمّا أمره بإمهالهم بيّن أن ذلك الإمهال قليل.

فقال تعالى : أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً يعني قليلا ، فأخذهم اللّه يوم بدر ونسخ الإمهال بآية السيف ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده.

﴿ ٠