٥٨وَالسَّماءِ وَما بَناها أي ومن بناها ، وقيل والذي بناها فعلى هذا كأنه أقسم به وبأعظم مخلوقاته ، ومعنى بناها خلقها ، وقيل ما بمعنى المصدر أي والسماء وبنائها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها أي بسطها وسطحها على الماء وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها أي عدل خلقها وسوى أعضاءها هذا إن أريد بالنّفس الجسد وإن أريد بها المعنى القائم بالجسد فيكون معنى سواها أعطاها القوى الكثيرة كالقوة الناطقة ، والسامعة والباصرة ، والمفكرة ، والمخيلة وغير ذلك من العلم ، والفهم ، وقيل إنما نكرها لأنه أراد بها النّفس الشّريفة المكلفة التي تفهم عنه خطابه ، وهي نفس جميع من خلق من الإنس والجن فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قال ابن عباس : بين لها الخير والشّر وعنه علمها الطّاعة والمعصية ، وعنه عرفها ما تأتي وما تتقي ، وقيل ألزمها فجورها ، وتقواها ، وقيل وجعل فيها ذلك بتوفيقه إيّاها للتّقوى ، وخذلانه إياها للفجور ، وذلك لأن اللّه تعالى خلق في المؤمن التّقوى ، وفي الكافر الفجور (م) عن أبي الأسود الديلي قال : قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ، ومضى عليهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلونه مما أتاهم به نبيهم صلّى اللّه عليه وسلّم وثبتت الحجة عليهم ، فقلت بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم ، فقال أفلا يكون ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا ، وقلت كل شيء خلق اللّه وملك يده فلا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون فقال لي يرحمك اللّه إني لم أرد بما سألتك إلا لأختبر عقلك (إن رجلين من مزينة أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا يا رسول اللّه أرأيت ما يعمل الناس اليوم ، ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ، ومضى عليهم ، من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلّى اللّه عليه وسلّم وثبتت الحجة عليهم فقال لا بل شيء قضى عليهم ، ومضى فيهم ، وتصديق ذلك في كتاب اللّه عز وجل ، ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها) (م) عن جابر قال : (جاء سراقة بن مالك بن جعشم فقال : يا رسول اللّه بين لنا ديننا كأننا خلقنا الآن فيم العمل اليوم فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير أو فيما يستقبل قال : لا بل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير قال : ففيم العمل؟ فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له) وهذه أقسم اللّه تعالى بالشمس وضحاها وما بعدها لشرفها ومصالح العالم بها ، وقيل فيه إضمار تقديره ورب الشمس وما بعدها. وأورد على هذا القول أنه قد دخل في جملة هذا القسم قوله ، وَالسَّماءِ وَما بَناها وذلك هو اللّه تعالى ، فيكون التقدير رب السماء ، ورب من بناها ، وهذا خطأ لا يجوز وأجيب عنه بأن ما إن فسرت بالمصدرية فلا إشكال وإن فسرت بمعنى من فيكون التقدير ورب السّماء الذي بناها وجواب القسم قوله تعالى : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) |
﴿ ٦ ﴾