سورة والتين(مكية وهي ثمان آيات وأربع وثلاثون كلمة ومائة وخمسة أحرف) بسم اللّه الرّحمن الرّحيم وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) ١٥قوله عز وجل : وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ قال ابن عباس : هو تينكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت ، قيل إنما خص التين بالقسم لأنه فاكهة مخلصة من شوائب التّنغيص ، وفيه غذاء ويشبه فواكه الجنة لكونه بلا عجم. ومن خواصه أنه طعام لطيف سريع الهضم لا يمكث في المعدة يخرج بطريق الرشح ويلين الطبيعة ، ويقلل البلغم وأما الزيتون فإنه من شجرة مباركة فيه إدام ودهن يؤكل ويستصبح به وشجرته في أغلب البلاد ولا يحتاج إلى خدمة وتربية وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية ويمكث في الأرض ألوفا من السنين ، فلما كان فيهما من المنافع ، والمصالح الدّالة على قدرة خالقهما لا جرم أقسم اللّه بهما ، وقيل هما جبلان فالتين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس ، واسمهما بالسريانية طور تينا وطور زيتا لأنهما ينبتان التين والزيتون ، وقيل هما مسجدان فالتين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس ، وإنما حسن القسم بهما لأنهما موضع الطاعة ، وقيل التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء ، وقيل التين مسجد نوح الذي بناه على الجودي والزيتون مسجد بيت المقدس وَطُورِ سِينِينَ يعني الجبل الذي كلم اللّه موسى عليه الصّلاة والسّلام وسينين اسم للمكان الذي فيه الجبل سمي سينين وسيناء لحسنه ولكونه مباركا وكل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سينين وسيناء وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ يعني الآمن ، وهو مكة حرسها اللّه تعالى لأنه الحرم الذي يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام لا ينفر صيده ولا يعضد شجره ، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد وهذه أقسام أقسم اللّه بها لما فيها من المنافع والبركة وجواب القسم قوله تعالى : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ يعني في أعدل قامة ، وأحسن صورة ، وذلك أنه تعالى خلق كل حيوان منكبا على وجهه يأكل بفيه إلا الإنسان فإنه خلقه مديد القامة حسن الصورة يتناول مأكوله بيده مزينا بالعلم ، والفهم ، والعقل ، والتّمييز ، والمنطق. ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ يعني إلى الهرم وأرذل العمر فيضعف بدنه وينقص عقله والسّافلون هم الضّعفاء ، والزمنى والأطفال والشّيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعا لأنه لا يستطيع حيلة ، ولا يهتدي سبيلا لضعف بدنه وسمعه وبصره وعقله ، وقيل ثم رددناه إلى النّار لأنها دركات بعضها أسفل من بعض ثم استثنى. فقال تعالى : إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨) ٦٨إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فإنهم لا يردون إلى النار أو إلى أسفل سافلين وعلى القول الأول يكون الاستثناء منقطعا ، والمعنى ثم رددناه أسفل سافلين فزال عقله وانقطع عمله فلا تكتب له حسنة لكن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضّعف ، فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملون في حالة الشّباب والصّحة وقال ابن عباس : هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عذرهم وأخبرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم فعلى هذا القول السبب خاص وحكمه عام قال عكرمة ما يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم اللّه له بأحسن ما كان يعمل وروي عن ابن عباس : قال إلا الذين قرءوا القرآن وقال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ يعني غير مقطوع لأنه يكتب له بصالح ما كان يعمل قال الضّحاك : أجر بغير عمل ثم قال إلزاما للحجة. فَما يُكَذِّبُكَ يعني يا أيها الإنسان وهو خطاب على طريق الالتفات بَعْدُ أي بعد هذه الحجة والبرهان بِالدِّينِ أي بالحساب والجزاء ، والمعنى فما الذي يلجئك أيها الناس إلى هذا الكذب ألا تتفكر في صورتك وشبابك ، ومبدأ خلقك ، وهرمك ، فتعتبر وتقول أن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني ، فما الذي يكذبك بالمجازاة ، وقيل هو خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمعنى فمن يكذبك أيها الرّسول بعد ظهور هذه الدّلائل ، والبراهين أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ أي بأقضى القاضين يحكم بينكم وبين أهل التكذيب يوم القيامة عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (من قرأ والتين والزيتون ، فقرأ أليس اللّه بأحكم الحاكمين ، فليقل بلى وأنا على ذلك من الشّاهدين) أخرجه الترمذي وعن البراء أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان في سفر فصلّى العشاء الأخيرة فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قراءة منه صلّى اللّه عليه وسلّم) واللّه تعالى أعلم. |
﴿ ٠ ﴾