٣

٥

قوله عزّ وجلّ : وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ أي شيء يبلغ درايتك قدرها ومبلغ فضلها ، وهذا على سبيل

التعظيم لها ، والتّشويق إلى خيرها ثم ذكر فضلها من ثلاثة أوجه :

فقال تعالى : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قال ابن عباس : ذكر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجل من بني إسرائيل حمل السّلاح على عاتقه في سبيل اللّه ألف شهر ، فعجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لذلك ، وتمنى ذلك لأمته فقال : يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا ، وأقلها أعمالا ، فأعطاه اللّه تبارك وتعالى ليلة القدر ، فقال ليلة القدر خير من ألف شهر التي حمل فيها الإسرائيلي السّلاح في سبيل اللّه لك ولأمتك إلى يوم القيامة ، وعن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم أن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أرى أعمار الناس قبله ، أو ما شاء اللّه من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته أي لا يبلغوا من العمل مثل الذي يبلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه اللّه ليلة القدر خيرا من ألف شهر أخرجه مالك في الموطأ قال المفسرون : معناه العمل الصّالح في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، وإنما كان كذلك لما يريد اللّه تعالى فيها من المنافع والأرزاق وأنواع الخير والبركة.

الوجه الثاني : من فضلها

قوله عزّ وجلّ : تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ يعني إلى الأرض وسبب هذا أنهم لما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وظهر أن الأمر بخلاف ما قالوه وتبين حال المؤمنين وما هم عليه من الطاعة ، والعبادة ، والجد ، والاجتهاد نزلوا إليهم ليسلموا عليها ويعتذروا مما قالوه ، ويستغفروا لهم لما يرون من تقصير قد يقع من بعضهم وَالرُّوحُ يعني جبريل عليه الصّلاة والسّلام قاله أكثر المفسرين : وفي حديث أنس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : (إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون ، ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر اللّه عزّ وجلّ) ذكره ابن الجوزي ،

وقيل إن الرّوح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا في تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشّمس إلى طلوع الفجر ،

وقيل إن الروح ملك عظيم ينزل مع الملائكة ، تلك الليلة فِيها أي في ليلة القدر بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أي بأمر ربهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ أي بكل أمر من الخير والبركة ،

وقيل بكل ما أمر به وقضاه من كل أمر.

الوجه الثالث : من فضلها

قوله تعالى : سَلامٌ أي سلام على أولياء اللّه وأهل طاعته قال الشّعبي : هو تسليم الملائكة في ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر ،

وقيل الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمنا أو مؤمنة يسلمون عليه من ربه عزّ وجلّ ،

وقيل تم الكلام عند قوله مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ثم ابتدأ

فقال تعالى : سَلامٌ هِيَ يعني القدر سلامة وخير ليس فيها شر ،

وقيل لا يقدر اللّه في تلك اللّيلة ولا يقضي إلا السلامة ،

وقيل إن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا أو يحدث فيها أذى حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ أي أن ذلك السّلام أو السّلامة تدوم إلى مطلع الفجر ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده.

﴿ ٣