سورة الزلزلة

وهي مكية

وقيل مدنية وهي ثمان آيات وخمس وثلاثون كلمة ومائة وتسعة وأربعون حرفا عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن ، وقل هو اللّه أحد تعدل ثلث القرآن ، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن) أخرجه التّرمذي وقال : حديث غريب وله عن أنس رضي اللّه عنه قال :

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (من قرأ إِذا زُلْزِلَتِ عدلت له نصف القرآن ومن قرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ عدلت له ربع القرآن ومن قرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عدلت له ثلث القرآن) وقال حديث غريب.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦)

١

٦

قوله عزّ وجلّ : إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها أي تحركت حركة شديدة ، واضطربت ، وذلك عند قيام الساعة ،

وقيل تزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل ما عليها من شدة الزّلزلة ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل ، وشجر ، وبناء وفي وقت هذه الزّلزلة قولان

أحدهما : وهو قول الأكثرين ، أنها في الدّنيا ، وهي من أشراط السّاعة

والثاني أنها زلزلت يوم القيامة. وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها فمن قال إن الزّلزلة تكون في الدّنيا قال أثقالها كنوزها ، وما في بطنها من الدّفائن ، والأموال فتلقيها على ظهرها يدل على صحة هذا القول ، ما روي عن أبي هريرة رضي اللّه تعالى عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب ، والفضة ، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع ، فيقول في هذا قطعت رحمي ، ويجيء السّارق فيقول في هذا قطعت يدي ، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا) أخرجه مسلم والأفلاذ جمع فلذة وهي القطعة المستطيلة شبه ما يخرج من باطنها بأقطاع كبدها ، لأن الكبد مستور في الجوف ، وإنما خص الكبد لأنها من أطيب ما يشوى عند العرب من الجزور ، واستعار القيء للإخراج ، ومن قال بأن الزّلزلة تكون يوم القيامة ، قال أثقالها الموتى فتخرجهم إلى ظهرها قيل إن الميت إذا كان في بطن الأرض ، فهو ثقل لها وإذا كان فوقها ، فهو ثقل عليها ، ومنه سميت الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم أحياء وأمواتا. وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها يعني ما لها تزلزلت هذه الزلزلة العظيمة ، ولفظت ما في بطنها وفي الإنسان وجهان.

أحدهما أنه اسم جنس يعم المؤمن والكافر ، وهذا على قول من جعل الزّلزلة من أشراط السّاعة ، والمعنى أنها حين وقعت لم يعلم الكل أنها من أشراط السّاعة ، فيسأل بعضهم بعضا عن ذلك ،

والثاني أنه اسم للكافر خاصة وهذا على قول من جعلها زلزلة القيامة لأن المؤمن عارف بها فلا يسأل عنها ، والكافر جاحد لها ، فإذا وقعت سأل عنها ،

وقيل مجاز الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها فيقول الإنسان ما لها ، والمعنى أن الأرض تحدث بكل ما عمل على ظهرها من خير أو شر ، فتشكوا العاصي ، وتشهد عليه وتشكر الطّائع وتشهد له (عن أبي هريرة قال : قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم

هذه الآية يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال أتدرون ما أخبارها قالوا اللّه ورسوله أعلم ، قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا كذا وكذا فهذه أخبارها) أخرجه التّرمذي ، وقال حديث حسن صحيح بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها أي أمرها بالكلام وأذن لها أن تخبر بما عمل عليها قال ابن عباس :

أوحى إليها قيل إن اللّه تعالى يخلق في الأرض الحياة ، والعقل ، والنطق حتى تخبر بما أمر اللّه به وهذا مذهب أهل السنة.

قوله تعالى : يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أي عن موقف الحساب بعد العرض أَشْتاتاً أي متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ قال ابن عباس ليروا جزاء أعمالهم ،

وقيل معناه ليروا صحائف أعمالهم التي فيها الخير والشّر وهو

قوله تعالى :

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)

٧

٨

فَمَنْ يَعْمَل ْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ

قال وزن نملة صغيرة

وقيل هو ما لصق من التراب باليد خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ قال ابن عباس : ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا أو شرا في الدّنيا إلا أراه اللّه إياه يوم القيامة ، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر اللّه له سيئاته ، ويثيبه بحسناته ،

وأما الكافر ، فيرد حسناته ويعذبه بسيئاته ، وقال محمد بن كعب القرظي فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره من كافر يرى ثوابه في الدّنيا في نفسه وولده وأهله وماله حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند اللّه خير ومن يعلم مثقال ذرة شرا يره من مؤمن يرى عقوبته في الدّنيا في نفسه ، وماله ، وولده وأهله حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند اللّه شر قيل نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزلت وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ وكان

أحدهما يأتيه السائل ، فيستقل أن يطعمه التّمرة والكسرة ، والجوزة ونحو ذلك ويقول هذا ليس بشيء يؤجر عليه إنما يؤجر على ما يعطي ونحن نحبه ، وكان الآخر يتهاون بالذّنب الصّغير مثل الكذبة والنظرة وأشباه ذلك ويقول إنما وعد اللّه النار على الكبائر وليس في هذا ، إثم فأنزل اللّه هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم من اليسير من الذّنب ، فإنه يوشك أن يكبر والإثم الصغير في عين صاحبه يصير مثل الجبل العظيم يوم القيامة قال ابن مسعود : أحكم آية في القرآن فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وسمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية الجامعة الفاذة حين سأل عن زكاة الحمير ، فقال ما أنزل اللّه فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وتصدق عمر بن الخطاب وعائشة كل واحد منهما بحبة عنب ، وقالا فيها مثاقيل

كثيرة ، قلت إنما كان غرضهما تعليم الغير وإلا فهما من كرماء الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم وقال الربيع بن خيثم : مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السّورة فلما بلغ آخرها قال حسبي اللّه قد انتهت الموعظة ، واللّه سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

﴿ ٠