سورة قريشمكية وقيل مدنية والأول أصح وأكثر وهي أربع آيات وسبع عشرة كلمة وثلاثة وسبعون حرفا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) ١قوله عزّ وجلّ : لِإِيلافِ قُرَيْشٍ اختلفوا في هذه اللام ، فقيل هي متعلقة بما قبلها وذلك أن اللّه تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم بما صنع بالحبشة ، فقال فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش ، أي هلك أصحاب الفيل لتبقى قريش ، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف ، ولهذا جعل أبي بن كعب هذه السّورة وسورة الفيل واحدة ولم يفصل بينهما في مصحفه ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم والذي عليه الجمهور من الصحابة وغيرهم ، وهو المشهور أن هذه السّورة منفصلة عن سورة الفيل وأنه لا تعلق بينهما وأجيب عن مذهب أبي بن كعب في جعل هذه السّورة ، والسورة التي قبلها سورة واحدة بأن القرآن كالسورة الواحدة يصدق بعضه بعضا ويبين بعضه معنى بعض وهو معارض أيضا بإطباق الصّحابة ، وغيرهم على الفصل بينهما ، وأنهما سورتان فعلى هذا القول اختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله لِإِيلافِ ، فقيل هي لام التعجب ، أي اعجبوا الإيلاف قريش رحلة الشّتاء والصّيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، ثم أمرهم بعبادته ، فهو كقوله على وجه التعجب اعجبوا لذلك ، وقيل هي متعلقة بما بعدها تقديره ، فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، أي ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعمة والإيلاف من ألفت الشيء إلفا وهو بمعنى الائتلاف فيكون المعنى لإيلاف قريش هاتين الرحلتين فتتصلا ولا تتقطعا ، وقيل هو من ألفت كذا ، أي لزمته وألفنيه اللّه ألزمنيه اللّه ، وقريش هم ولد النضر بن كنانة ، فكل من ولده النضر ، فهو من قريش ، ومن لم يلده النضر ، فليس بقرشي (م) عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (إن اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم) (م) عن جابر رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (الناس تبع لقريش في الخير والشر) (ق) عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال (إن الناس تبع لقريش في هذا الشّأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم) عن سعيد بن زيد قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (من أراد هوان قريش أهانه اللّه) أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن غريب عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (اللهم أذقت أول قريش نكالا ، فأذق آخرهم نوالا) أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح غريب. النكال : العذاب ، والمشقة ، والشّدة ، والنّوال : العطاء ، والخير ، وسموا قريشا من القرش ، والتقريش وهو الجمع ، والتكسب ، يقال فلان يقرش لعياله ، ويقترش لهم ، أي يكتسب وذلك لأن قريشا كانوا قوما تجارا وعلى جمع المال ، والأفضال حراصا ، وقال أبو ريحانة سأل معاوية عبد اللّه بن عباس لم سميت قريش قريشا قال لدابة تكون في البحر هي من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته ، وهي تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، قال وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم وأنشده شعر الجمحي. وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا سلطت بالعلو في لجة البحر وعلى سائر البحور جيوشا تأكل الغث والسمين ولا تترك فيه لذي الجناحين ريشا هكذا في الكتاب حي قريش يأكلون البلاد أكلا كشيشا ولهم في آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا يملأ الأرض خيلة ورجالا يحشرون المطي حشرا كميشا وقيل إن قريشا كانوا متفرقين في غير الحرم ، فجمعهم قصي بن كلاب ، وأنزلهم الحرم فاتخذوه مسكنا فسموا قريشا لتجمعهم ، والتقرش التجمع يقال تقرش القوم إذا تجمعوا ، وسمي قصي مجمعا لذلك قال الشاعر : أبو كم قصي كان يدعى مجمعا به جمع اللّه القبائل من فهر إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤) ٢٤وقوله تعالى : إِيلافِهِمْ هو بدل من الأول تفخيما لأمر الإيلاف ، وتذكيرا لعظم المنة فيه. رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ قال ابن عباس كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف فأمرهم اللّه تعالى أن يقيموا بالحرم ، ويعبدوا رب هذا البيت ، وقال الأكثرون كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة : رحلة في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ ، ورحلة في الصيف إلى الشام ، وكان الحرم واديا مجدبا لا زرع فيه ، ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكانوا لا يتعرض لهم أحد بسوء ، وكانوا يقولون قريش سكان حرم اللّه وولاة بيته وكانت العرب تكرمهم ، وتعزهم ، وتعظمهم لذلك ، فلو لا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، فشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام ، فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة ، أهل الساحل حملوا طعامهم في البحر على السفن إلى مكة وأهل البر حملوا على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة وألفوا بالأبطح فامتار أهل مكة من قريب ، وكفاهم اللّه مؤنة الرحلتين جميعا وقال ابن عباس : كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين ، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني ، والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم ، وقال الكلبي : كان أول من حمل السمراء يعني القمح إلى الشام ، ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر : قل للّذي طلب السّماحة والنّدى هلّا مررت بآل عبد مناف هلا مررت بهم تريد قراهم منعوك من ضر ومن إكفاف الرّائشين وليس يوجد رائش والقائلين هلم للأضياف والخالطين غنيهم بفقيرهم حتى يكون فقيرهم كالكافي والقائمين بكل وعد صادق والرّاحلين برحلة الإيلاف عمرو العلا هشيم الثّريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف سفرين سنهما له ولقومه سفر الشتاء ورحلة الأصياف قوله عزّ وجلّ : لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ يعني الكعبة ، وذلك أن الإنعام على قسمين أحدهما : دفع ضر ، وهو ما ذكره في سورة الفيل ، والثاني جلب نفع ، وهو ما ذكره في هذه السّورة ، ولما دفع اللّه عنهم الضّر ، وجلب لهم النفع ، وهما نعمتان عظيمتان أمرهم بالعبودية ، وأداء الشكر ، وقيل إنه تعالى لما كفاهم أمر الرّحلتين أمرهم أن يشتغلوا بعبادة رب هذا البيت. فإنه هو الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ومعنى الذي أطعمهم من جوع ، أي من بعد جوع بحمل الميرة إليهم من البلاد في البر والبحر ، وقيل في معنى الآية أنهم لما كذبوا محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم دعا عليهم ، فقال اللّهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فاشتد عليهم القحط ، وأصابهم الجوع ، والجهد ، فقالوا : يا محمد ادع اللّه لنا فإنا مؤمنون فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخصبت البلاد ، وأخصب أهل مكة بعد القحط ، والجهد ، فذلك قوله تعالى الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ، أي بالحرم وكونهم من أهل مكة حتى لم يتعرض لهم أحد في رحلتهم ، وقيل آمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم الجذام ، وقيل آمنهم بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وبالإسلام واللّه أعلم. |
﴿ ٠ ﴾