٢

٤

وقوله تعالى : إِيلافِهِمْ هو بدل من الأول تفخيما لأمر الإيلاف ، وتذكيرا لعظم المنة فيه. رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ قال ابن عباس كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف فأمرهم اللّه تعالى أن يقيموا بالحرم ، ويعبدوا رب هذا البيت ، وقال الأكثرون كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة : رحلة في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ ، ورحلة في الصيف إلى الشام ، وكان الحرم واديا مجدبا لا زرع فيه ، ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكانوا لا يتعرض لهم أحد بسوء ، وكانوا يقولون قريش سكان حرم اللّه وولاة بيته وكانت العرب تكرمهم ، وتعزهم ، وتعظمهم لذلك ، فلو لا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، فشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام ، فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة ، أهل الساحل حملوا طعامهم في البحر على السفن إلى مكة وأهل البر حملوا على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة وأهل البر بالمحصب وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة وألفوا بالأبطح فامتار أهل مكة من قريب ، وكفاهم اللّه مؤنة الرحلتين جميعا وقال ابن عباس : كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين ، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني ، والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم ، وقال الكلبي : كان أول من حمل السمراء يعني القمح إلى الشام ، ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر :

قل للّذي طلب السّماحة والنّدى هلّا مررت بآل عبد مناف

هلا مررت بهم تريد قراهم منعوك من ضر ومن إكفاف

الرّائشين وليس يوجد رائش والقائلين هلم للأضياف

والخالطين غنيهم بفقيرهم حتى يكون فقيرهم كالكافي

والقائمين بكل وعد صادق والرّاحلين برحلة الإيلاف

عمرو العلا هشيم الثّريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف

سفرين سنهما له ولقومه سفر الشتاء ورحلة الأصياف

قوله عزّ وجلّ : لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ

يعني الكعبة ، وذلك أن الإنعام على قسمين

أحدهما : دفع

ضر ، وهو ما ذكره في سورة الفيل ،

والثاني جلب نفع ، وهو ما ذكره في هذه السّورة ، ولما دفع اللّه عنهم الضّر ، وجلب لهم النفع ، وهما نعمتان عظيمتان أمرهم بالعبودية ، وأداء الشكر ،

وقيل إنه تعالى لما كفاهم أمر الرّحلتين أمرهم أن يشتغلوا بعبادة رب هذا البيت. فإنه هو الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ومعنى الذي أطعمهم من جوع ، أي من بعد جوع بحمل الميرة إليهم من البلاد في البر والبحر ،

وقيل في معنى الآية أنهم لما كذبوا محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم دعا عليهم ، فقال اللّهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف فاشتد عليهم القحط ، وأصابهم الجوع ، والجهد ، فقالوا : يا محمد ادع اللّه لنا فإنا مؤمنون فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخصبت البلاد ، وأخصب أهل مكة بعد القحط ، والجهد ، فذلك

قوله تعالى الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ، أي بالحرم وكونهم من أهل مكة حتى لم يتعرض لهم أحد في رحلتهم ،

وقيل آمنهم من خوف الجذام فلا يصيبهم ببلدهم الجذام ،

وقيل آمنهم بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم وبالإسلام واللّه أعلم.

﴿ ٢