سورة المسدمكية وهي خمس آيات وعشرون كلمة وسبعة وسبعون حرفا. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥) ١٥قوله عز وجل : تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (ق) (عن ابن عباس قال : لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على الصفا ، ونادى يا بني فهر يا بني عدي لبطون من قريش حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيّ ، قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني لكم نذير بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب تبّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ وفي رواية (أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل ، فنادى يا صباحاه فاجتمعت عليه قريش). الحديث وذكر نحوه ومعنى تبت خابت وخسرت ، والتباب هو الخسار المفضي إلى الهلاك ، والمراد من اليد صاحبها وجملة بدنه ، وذلك على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله ، وجميعه ، وقيل إنه رمى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بحجر ، فأدمى عقبه فلهذا ذكرت اليد ، وإن كان المراد جملة البدن فهو كقولهم خسرت يده ، وكسبت يده فأضيفت الأفعال إلى اليد ، وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه. فإن قلت لم كناه وفي الكنية تشريف وتكرمة قلت فيه وجوه أحدها أنه كان مشتهرا بالكنية دون الاسم ، فلو ذكره باسمه لم يعرف الثاني أنه كان اسمه عبد العزى ، فعدل عنه إلى الكنية لما فيه من الشّرك الثالث. أنه لما كان من أهل النّار ومآله إلى النار ، والنار ذات لهب وافقت حاله كنيته ، وكان جديرا بأن يذكر بها. وَتَبَّ قيل الأول أخرج مخرج الدعاء عليه ، والثاني أخرج مخرج الخبر كما يقال أهلكه اللّه ، وقد هلك وقيل تبت يدا أبي لهب ، يعني ماله وملكه ، كما يقال فلان قليل ذات اليد يعنون به المال ، وتب يعني نفسه أي وقد أهلكت نفسه ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ قال ابن مسعود : لما دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقرباءه إلى اللّه تعالى قال أبو لهب : إن كان ما تقول يا ابن أخي حقا ، فأنا أفتدي نفسي بمالي وولدي ، فأنزل اللّه تعالى : ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ ، أي شيء يغني عنه ماله ، أي ما يدفع عنه عذاب اللّه ، وما كسب يعني من المال ، وكان صاحب مواش ، أي ما جمع من المال أو ما كسب من المال ، أي الربح بعد رأس ماله ، وقيل وما كسب يعني ولده لأن ولده الإنسان من كسبه ، كما جاء في الحديث (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أولادكم من كسبكم) أخرجه التّرمذي ثم أوعده بالنّار فقال تعالى : سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ أي نارا تلتهب عليه وَامْرَأَتُهُ يعني أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية بن أبي سفيان ، وكانت في نهاية العداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. حَمَّالَةَ الْحَطَبِ قيل كانت تحمل الشّوك ، والحسك والعضاه باللّيل ، فتطرحه في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه لتؤذيهم بذلك وهي رواية عن ابن عباس فإن قلت إنها كانت من بيت العز والشرف فكيف يليق بها حمل الحطب؟ قلت يحتمل أنها كانت مع كثرة مالها ، وشرفها في نهاية البخل والخسة ، فكان يحملها بخلها على حمل الحطب بنفسها ، ويحتمل أنها كانت تفعل ذلك لشدّة عداوتها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا ترى أنها تستعين في ذلك بأحد بل تفعله هي بنفسها ، وقيل كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث وتلقي العداوة بين النّاس وتوقد نارها ، كما توقد النار الحطب يقال فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به ، وقيل حمالة الخطايا والآثام التي حملتها في عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأنها كانت كالحطب في مصيرها إلى النار. فِي جِيدِها أي عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال ابن عباس : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا تدخل من فيها ، وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها. فتلت من حديد فتلا محكما وقيل هو حبل من ليف ، وذلك الحبل هو الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت ، فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك ، فجذبها من خلفها ، فأهلكها ، وقيل هو حبل من شجر ينبت باليمن يقال له المسد ، وقيل قلادة من ودع ، وقيل كانت لها خرزات في عنقها ، وقيل كانت لها قلادة فاخرة. قالت لأنفقنها في عداوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم واللّه تعالى أعلم. |
﴿ ٢ ﴾