٦٢

قوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ *}

قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى}

  حَدَّثَنَـا أَبِي، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيِّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِ دِينٍ كُنْتُ مَعَهُم، فَذَكَرَ مِنْ صَلاتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ}".

  حَدَّثَنَـا أَبِي، ثنا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا}، فَأَنْزَلَ اللّه بَعْدَ ذَلِكَ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلُ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}".

  ‏ حَدَّثَنَـا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: "{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أَصْحَابِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، فَبَيْنَـا هُوَ يُحَدِّثُ النَّبِيَّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَكَرَ أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيُؤْمِنُونَ بِكَ، وَيَشْهَدُونَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ نَبِيًّا، فَلَمَّا فَرَغَ سَلْمَانُ مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يَا سَلْمَانُ، هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، فَأَنْزَلَ اللّه تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّه الْيَوْمِ الآخِرِ} فَكَانَ إِيمَانُ الْيَهُودِ أَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ وَسُنَّةِ مُوسَى حَتَّى جَاءَ عِيسَى، فَلَمَّـا جَاءَ عِيسَى كَانَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالإِنْجِيلِ مِنْهُمْ وَشَرَائِعِ عِيسَى كَانَ مُؤْمِنًـا مَقْبُولا مِنْهُ، حَتَّى جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ وَيَدَعْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّةِ عِيسَى وَالإِنْجِيلِ كَانَ هَالِكًا"، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ نَحْوُ هَذَا

قوله: {وَالصَّابِئِينَ}، قال أبو محمد: اختلفوا في تفسيره علي ثمانية أقاويل، فمن ذلك:

  مَا حَدَّثَنَـا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: "{وَالصَّابِئِينَ} مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى".

 وَالْقَوْلُ الثَّانِي:

  مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأَحْمَسِيُّ، ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: "{وَالصَّابِئِينَ} قَوْمٌ بَيْنَ الْمَجُوسِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لَيْسَ لَهُمْ دِينٌ"، وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ نَحْوُ ذَلِكَ

 وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ:

  مَا حَدَّثَنَـا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، ثنا آدَمُ، ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: "{وَالصَّابِئِينَ} فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ"، وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ:

  مَا حَدَّثَنَـا أَبِي، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَرْزَمِيُّ، ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْحَكَمِ، فَحَدَّثَهُ رَجُلٌ مِنَ الْبَصْرَةِ، عَنِ الْحَسَنِ،"أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الصَّابِئِينَ: إِنَّهُمْ كَالْمَجُوسِ"، قَالَ الْحَكَمُ: أَلَمْ أُخْبِرْكُمْ بِذَلِكَ ؟

 وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ:

  مَا حَدَّثَنَـا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى قِرَاءَةً، أَنْبَأَ ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: "الصَّابِئُونَ قَوْمٌ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ، وَهُوَ بِكُوثَى، وَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالنَّبِيِّينَ كُلِّهِمْ، وَيَصُومُونَ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ شَهْرًا ثَلاثِينَ يَوْمًا، وَيُصَلُّونَ إِلَى الْيَمَنِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ صَلَوَاتٍ".

 وَالْقَوْلُ السَّادِسُ:

 مَا حَدَّثَنَـا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، ثنا آدَمُ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ"بَلَغَنِي أَنَّ الصَّابِئِينَ قوم يَعْبُدُونَ الْمَلائِكَةَ، وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ، وَيُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ".

  حَدَّثَنَـا أَبُو زُرْعَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ: "فَذَكَرَ الصَّابِئِينَ، فَقَالَ هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلائِكَةَ".

 وَالْقَوْلُ السَّابِعُ:

  أَخْبَرَنَـا أَبُو عَبْدِ اللّه الطِّهْرَانِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْكَرِيمِ، ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ،"أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا الصَّابِئُونَ ؟ قَالَ: الَّذِي يَعْرِفُ اللّه وَحْدَهُ، وَلَيْسَتْ لَهُ شَرِيعَةٌ يَعْمَلُ بِهَا، وَلَمْ يُحْدِثْ كُفْرًا".

 الْقَوْلُ الثَّامِنُ:

  مَا حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ حَمْزَةَ، ثنا شَبَابَةُ، ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،"

قوله: {وَالصَّابِئِينَ}، قَالَ: بَيْنَ الْمَجُوسِ، وَالْيَهُودِ، لا دِينَ لَهُمْ".

قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللّه}

  حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،"

قوله: {مَنْ آمَنَ بِاللّه} يعْنِي مَنْ وَحَّدَ اللّه".

قوله: {وَالْيَوْمِ الآخِرِ}

  بِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "{وَالْيَوْمِ الآخِرِ} يعْنِي مَنْ آمَنَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ، يَقُولُ: آمَنَ بِمَا أَنْزَلَ اللّه".

قوله: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}

  حَدَّثَنَـا أَبِي، ثنا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: "أَجْرٌ كَبِيرٌ لِحَسَنَاتِهِمْ، وَهِيَ الْجَنَّةُ".

﴿ ٦٢