٤

{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَاب... }

عَنْ ابن هاشم العبدي، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُمَا، قَالَ:"ملك مَا بين المشرق والمغرب أربعة: مؤمنان، وكافران، أما الكافران: فالفرخان، وبختنصر، فأنشأ أبو هاشم يحدث، قَالَ: كَانَ رجل مِنَ اهْل الشام صالحاً، فقرأ هذه الآية: { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَاب} إِلَى قَوْلِهِ { عُلُوًّا كَبِيرًا}، قَالَ: يارب، أما الأولى فقد فاتتني فأرني الآخرة، فأتى وهو قاعد في مصلاه قد خفق برأسه، فقيل: الّذِي سألت عنه ببابل اسمه: بختنصر، فعرف الرجل انه قد استجيب لَهُ، فاحتمل جراباً مِنْ دنانير، فأقبل حتي انتهى إِلَى بابل فدخل عَلَى الفرخان، فقال: إني قد جئت لما فاقسمه بين المساكين فامر به فأنزل فجمعوهم لَهُ، ثُمَّ جعل يعطيهم ويسألهم عَنِ ايمائهم حتى إِذَا فرغ ممن بحضرته قِيلَ لَهُ: فانه قد بقيت منه بقايا في الرساتيق فجعل يبعث فتاة حتى إِذَا كَانَ الليل رجع إليه فاقرأه رَجُلاً رجلاً فأتى عَلَى ذكر بختنصر، فقال: قف، كيف قلت؟ قَالَ: بختنصر، قَالَ: وما بختنصر هَذَا؟ قَالَ: هُوَ أشدهم فاقة وهو مقعد يأتي عليه السفارون فيلقي احدهم إليه الكسرة ويأخذ بأنفه، قَالَ: فإني مسلم به لا بد، قَالَ الآخر، فإنما هُوَ في خيمة لَهُ يحدث حتي أذهب، فأقبلها وأغسله، قَالَ: دونك هذه الدنانير فأقبل إليه بالدنانير فأعطاه إياه، ثُمَّ رجع إِلَى صاحبه فجاء معه، فدخل الخيمة، فقال: مَا اسمك؟ قَالَ: بختنصر، قَالَ: مِنْ سماك بختنصر؟ قَالَ: مِنْ عسى يسميني إلا أمي ! قَالَ: فهل لك أحد؟ قَالَ: لا واللّه إني لههنا اخاف بالليل إِنَّ تأكلني الذئاب، قَالَ: فأي الناس أشد بلاء؟ قَالَ: أنا، قَالَ: أفرأيت إِنَّ ملكت يوماً مِنْ دهر أتجعل لي إِنَّ لا تعصيني؟ قَالَ: اي سيدي لا يضرك إِنَّ لا تهزأ بي، قَالَ: أرأيت إِنَّ ملكت مرة أتجعل لي إِنَّ لا تعصيني؟ قَالَ: اما هذه فلا اجعلها لك، ولكن سوف اكرمك كرامة لا أكرمها أحداً، قَالَ: دونك هذه الدنانير، ثُمَّ انطلق فلحق بأرضه، فقام الآخر، فاستوى عَلَى رجليه ثُمَّ انطلق، فاشترى حماراً وأرساناً ثُمَّ جعل يستعرض تلك الأعاجم فيجزها، فيبيعه، ثُمَّ قَالَ: إِلَى متى هَذَا الشقاء؟ فعمد فباع ذَلِكَ الحمار وتلك الارسان واكتسى كسوة، ثُمَّ أتى باب الملك فجعل يشير عَلَيْهِمْ بالرأي وترتفع منزلته حتى انتهوا إِلَى بواب الفرخان الّذِي يليه، فقال لَهُ الفرخان: قد ذكر لي رجل عندك فَمَا هُوَ؟ قَالَ: مَا رأيت مثله قط ! قَالَ: ائتني به فكلمه، فأعجب به، قَالَ: إِنَّ بيت المقدس وتلك البلاد قد استعصوا علينا وإنا باعثون عَلَيْهِمْ بعثاً وإني باعث إِلَى البلاد مِنْ يختبرها، فنظر حينئذ إِلَى رجال مِنَ اهْل الأرب والمكيدة، فبعث جواسيس، فلما فصلوا إِذَا بختنصر قد أتى بخرجيه عَلَى بغلة، قَالَ: أين تريد؟، قَالَ: معهم، قَالَ: فألا آذنتني فأبعثك عَلَيْهِمْ؟، قَالَ: لا، حتى إِذَا وقعوا بالأرض، قَالَ: تفرقوا، وسأل بختنصر عَنِ افضل أَهْل البلد؟ فدل عليه فألقى خرجيه في داره قَالَ لصاحب المنزل: ألا تخبرني عَنِ اهْل بلادك، قَالَ: عَلَى الخبير سقطت هم قوم فيهم كتاب فلا يقيمونه وأنبياء فلا يطيعونهم وهم متفرقون، قَالَ بختنصر كالمتعجب منه: كتاب لا يقيمونه، وأنبياء لا يطيعونه وهم متفرقون ! فكتبهن في ورقة وألقى خرجيه، وَقَالَ: ارتحلوا فأقبلوا حتى قدموا الفرخان فجعل يسأل كُلّ رجل منهم فجعل الرجل يَقُولُ: أتينا بلاد كذا ولها حصن كذا ولها نهر كذا، قَالَ: يا بختنصر، مَا تقول؟، قَالَ: قدمنا ارضاً علي قوم لَهُمْ كتاب لا يقيمونه وأنبياء لا يطيعونهم وهم متفرقون فأمر حينئذ فندب الناس وبعث إِلَيْهِمْ سبعين الفاً وامر عَلَيْهِمْ بختنصر، فساروا حتى إِذَا علوا في الأَرْض ادركهم البريد: إِنَّ الفرخان قد مات ولم يستخلف احداً، قَالَ: للناس مكانكم ثُمَّ أقبل عَلَى البريد حتى قدم عَلَى الناس، وَقَالَ: كيف صنعتم؟ قالوا: كرهنا إِنَّ نقطع امراً دونك، قَالَ: إِنَّ الناس قد بايعوني، فبايعوه ثُمَّ استخلف عَلَيْهِمْ وكتب بَيْنَهُمْ كتاباً ثُمَّ انطلق بهم سريقاً حتى قدم عَلَى اصحابه فأراهم الْكِتَاب فبايعوه، وقالوا: مابنا رغبة عنك فساروا، فلما سمع أَهْل بيت المقدس تفرقوا وطاروا تحت كُلّ كوكب فشعث ماهناك أي افسد، وقتل مِنْ قتل وخرب بيت المقدس واستبى ابناء الأَنْبِيَاء فيهم دانيال فسمع به صاحب الدنانير فأتاه، فقال: هل تعرفني؟، قَالَ: نعم، فأدنى مجلسه ولم يشفعه في شىء، حتى إِذَا نزل بابل لا ترد لَهُ راية، فكان كذلك ماشاء اللّه ثُمَّ انه رأى رؤيا، فأفظعته فأصبح قد نسيها، قَالَ: عليّ بالسحرة والكهنة، قَالَ: أخبروني عَنْ رؤيا رأيتها الليلة واللّه لتخبرني بها أو لأقتلنكم، قالوا: ماهي؟، قَالَ: قد نسيتها، قالوا: مَا عندنا مِنْ هَذَا علم إلا إِنَّ ترسل إِلَى أبناء الأَنْبِيَاء، فأرسل إِلَى أبناء الأَنْبِيَاء، قَالَ: أخبروني عَنْ رؤيا رأيتها الليله، واللّه لتخبرني بها أو لأقتلنكم قالوا: ماهي؟، قَالَ: قد نسيتها، قالوا: غيب ولا يعلم الغيب إلا اللّه، لتخبرني بها او لأضربن أعناقكم، قالوا: فدعنا حتى نتوضأ ونصلي وندعو اللّه تَعَالَى، قَالَ: فافعلوا، فانطلقوا، فاحسنوا الوضوء، فأتوا صعيداً طيباً، فدعوا اللّه فأخبروا بها، ثُمَّ رجعوا إليه، فقالوا: رأيت كَانَ رأسك مِنْ ذهب وصدرك مِنْ فخار ووسطك مِنْ نحاس ورجليك مِنْ حديد، قَالَ: نعم، قَالَ: أخبروني بعبارتها أو لأقتلنكم، قالوا: فدعنا ندعوا رَبُّنَا، قَالَ: اذهبوا فدعوا ربهم، فاستجاب لَهُمْ فرجعوا إليه، قالوا: رأيت إِنَّ رأسك ذهب ملكك هَذَا يذهب عند رأس الحول مِنْ هذه الليلة، قَالَ: ثُمَّ مه؟، قالوا: ثُمَّ يكون بعدك ملك يفخر علي الناس، ثُمَّ يكون ملك يخشى علي الناس شدته، ثُمَّ يكون ملك لا يقله شىء انما هُوَ مثل الحديد يعْنِي الإسلام فأمر بحصن فبنى لَهُ بينه وبين السَّمَاء ثُمَّ جعل ينطقه بمقاعد الرجال والأحراس، وَقَالَ لَهُمْ: انما هي هذه الليلة لا يجوز عليكم احد وإن قَالَ: أنا بختنصر إلا قتلتموه مكانه كائنا مِنْ كَانَ مِنَ الناس، فقعد كُلّ اناس في مكانهم الّذِي وكلوا به واهتاج بطنه مِنَ الليل فكره إِنَّ يرى مقعده هناك وضر عَلَى أسمخة القوم، فاستثقلوا نوماً فأتى عَلَيْهِمْ وهم نيام، ثُمَّ أتى عَلَيْهِمْ فاستيقظ بعضهم، فقال: مِنْ هَذَا؟، قَالَ: بختنصر، قَالَ: هَذَا الّذِي حفى إلينا فيه الليلة، فقتله، فأصبح الخبيث قتيلاً"

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُمَا، فِي

قوله:"{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، قَالَ: أخبرناهم"

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي

قوله:"{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَاب لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْض مَرَّتَيْنِ}، قَالَ: هَذَا تفسير الّذِي قبله".

قوله تعالى: { لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْض مَرَّتَيْنِ  عَنْ عطية العوفي رَضِيَ اللّه عَنْهُ، فِي

قوله:"{ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْض مَرَّتَيْنِ}، قَالَ: أفسدوا المرة الأولى، فبعث اللّه عَلَيْهِمْ جالوت فقتلهم، وأفسدوا المرة الثانية، فقتلوا يحيي بن زكريا عليهما السلام، فبعث اللّه عَلَيْهِمْ بختنصر" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُمَا، قَالَ:"بعث اللّه عَلَيْهِمْ في الأول جالوت، فجاس خلال ديارهم، وضرب عَلَيْهِمْ الخراج والذل، فسألوا اللّه إِنَّ يبعث إِلَيْهِمْ ملكاً يقاتلون في سبيل اللّه، فبعث اللّه طالوت".

﴿ ٤