إيجاز البيان عن معاني القرآنبيان الحق محمود بن أبى الحسن النيسابورى الغزنوى إمام المفسرين المجتهد (ت ٥٥٠ هـ ١١٥٥ م) _________________________________ ١بِسْمِ اللَّهِ : الباء تقتضي تعلق فعل بالاسم إما خبرا أو أمرا ، وموضعها نصب على معنى : أبدأ أو أبتدئ «١» ورفع على معنى ابتدائي «٢». والاسم من السّموّ «٣» لجمعه على أسماء وتصغيره سميّ ، وليس من السّمة «٤» لأن محذوف الفاء لا يدخله ألف الوصل ، وإنّما الاسم منقوص حذف لامه ليكون فيه بعض ما في الفعل من التصرف ، إذ كان أشبه به من الحروف ولحقته ألف الوصل عوضا عن النقص. ___________ (١) إعراب القرآن للنحاس : ١/ ١٦٦ ، مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب : ١/ ٦٦ ، الكشاف : ١/ ٢٦ ، تفسير القرطبي : ١/ ٩٩ ، الدر المصون : ١/ ١٤. (٢) وهو مذهب البصريين كما في إعراب القرآن للنحاس : ١/ ١٦٦ ، والدر المصون : ١/ ٢٢. (٣) معاني القرآن للزجاج : ١/ ٤٠ ، معاني القرآن للنحاس : ١/ ٥١ ، مشكل إعراب القرآن لمكي : ١/ ٦٦ ونسب هذا الرأي للبصريين. وانظر الكشاف : ١/ ٣٥ ، والدر المصون : ١/ ١٩. (٤) وقد خطأ هذا القول أيضا الزجاج في معاني القرآن : ١/ ٤٠ ، والنحاس في معاني القرآن : ١/ ٥١. وانظر مشكل إعراب القرآن لمكي : ١/ ٦٦ حيث نسب هذا القول للكوفيين وقال : «و قول البصريين أقوى في التصريف». وقال السمين الحلبي في الدر المصون : ١/ ١٩ : «و ذهب الكوفيون إلى أنه مشتق من الوسم وهو العلامة لأنه علامة على مسمّاه ، وهذا وإن كان صحيحا من حيث المعنى لكنه فاسد من حيث التصريف». اللَّهِ معناه : الذي يحق له العبادة وأصله الإله «١» ، حذفت الهمزة وجعلت الألف واللّام عوضا عنها ، ونظيره [لكنا] «٢» أصله : لكن أنا حذفت الهمزة وأدغمت إحدى النونين في الأخرى [فصار لكنا] «٣». الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اسمان من الرحمة. والرحمة : النعمة على المحتاج. وقدّم الرَّحْمنِ وإن كان أبلغ لأنه كالعلم ، إذ كان لا يوصف به غير اللّه فصار كالمعرفة في الابتداء بها «٤». ٢والْحَمْدُ الوصف بالجميل على التفصيل «٥» ، [و هو أن يذكره بصفاته المحمودة ، أي : المرضية على التفصيل ، والذكر بالجميل على الإجمال هو الثناء ، وذكر المنعم بالجميل على إنعامه هو الشكر ، وقيل : شكر المنعم هو إظهار نعمه قولا وفعلا واعتقادا] «٦». والربّ : الحافظ المدبر «٧» ، ويقال للخرقة التي تحفظ فيها القداح : ربابة وربّة «٨». ___________ (١) اشتقاق أسماء اللّه للزجاجي : (٢٣ ، ٢٤) ، ومعاني القرآن للنحاس : ١/ ٥٢. وانظر تفسير الطبري : ١/ ١٢٥ ، وتفسير القرطبي : ١/ ١٠٢. (٢) في الأصل : «لكنّ» ، والمثبت في النص عن «ك». (٣) ما بين معقوفين عن «ج». (٤) انظر : تفسير غريب القرآن : ٦ ، تفسير الطبري : (١/ ١٢٦ - ١٣٠) ، اشتقاق أسماء اللّه للزجاجي : (٣٨ - ٤٠) ، مفردات الراغب : ١٩١ ، الدر المصون : (١/ ٣٢ ، ٣٣). (٥) جاء في هامش الأصل : معنى «الحمد» الشكر للّه على نعمائه والثناء عليه بما هو أهله. وانظر معنى الحمد في تفسير الطبري : ١/ ١٣٥ ، معاني القرآن للنحاس : ١/ ٥٧ ، مفردات الراغب : ١٣١ ، المحرر الوجيز : ١/ ٩٩ ، تفسير القرطبي : ١/ ١٣١ ، الدر المصون : ١/ ٣٦. [.....] (٦) ما بين معقوفين عن «ج». (٧) ومن معاني الرّبّ في اللغة : السيّد والمالك والمعبود ، ولا يطلق على غير اللّه سبحانه وتعالى إلا بقيد إضافة. انظر : تفسير غريب القرآن : ٩ ، تفسير الطبري : (١/ ١٤١ ، ١٤٢) ، اشتقاق أسماء اللّه :(٣٢ - ٣٤) ، اللسان : ١/ ٣٩٩ (ريب). (٨) غريب الحديث لأبي عبيد : ٢/ ٢٦ ، الاشتقاق لابن دريد : ١٨٠ ، اللسان : ١/ ٤٠٦ (ريب). والعالم ما يحويه الفلك «١». وقيل العدد الكثير ممن يعقل ثم يدخل غيرهم فيه تبعا ، فإنهم في الخليقة كالرؤوس والأعلام وأنهم مستدلون كما أنهم أدلة «٢»., ٣الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اسمان من الرحمة. والرحمة : النعمة على المحتاج. وقدّم الرَّحْمنِ وإن كان أبلغ لأنه كالعلم ، إذ كان لا يوصف به غير اللّه فصار كالمعرفة في الابتداء بها «٤». ٤والدِّينِ الجزاء والحساب والقضاء والطاعة «٣». والأصل الجزاء. وتخصيص الملك بيوم الدّين لأنّ الأمر فيه للّه وحده «٤». وصفة ملك أمدح لاستغنائها عن الإضافة «٥» ، والأولى أن يكون أصله من القدرة لا الشد ___________ (١) أورد المؤلف رحمه اللّه هذا القول في كتابه «وضح البرهان» : ١/ ٩٣ ، ونسبه للحسن رحمه اللّه ، وفي مفردات الراغب : ٣٤٥ : «العالم عالمان» : الكبير وهو الفلك بما فيه ، والصغير وهو الإنسان ...». (٢) قال الطبري في تفسيره : ١/ ١٤٣ : «و العالمون جمع عالم ، والعالم : جمع لا واحد له من لفظه كالأنام والرهط والجيش ، ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جماع لا واحد له من لفظه. والعالم اسم لأصناف الأمم ، وكل صنف منها عالم ، وأهل كل قرن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان. والجن عالم ، وكذلك سائر أجناس الخلق ، كل جنس منها عالم زمانه ، ولذلك جمع فقيل : عالمون وواحده جمع ، لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك الزمان ... وهذا القول الذي قلناه ، قول ابن عباس وسعيد بن جبير ، وهو معنى قول عامة المفسرين». وقال القرطبي في تفسيره : ١/ ١٣٨ : «اختلف أهل التأويل في الْعالَمِينَ اختلافا كثيرا ، ثم ذكر أقوال المفسرين في ذلك وصحح ما ذهب إليه الطبري». (٣) غريب القرآن لليزيدي : ٦١ ، تفسير غريب القرآن : ٣٨ ، تفسير الطبري : ١/ ١٥٥ ، معاني القرآن للزجاج : ١/ ٤٧ ، معاني القرآن للنحاس : ١/ ٦٢ ، ٦٣) ، وقال النحاس : «و الدين في غير هذه الطاعة ، والدين أيضا العادة ... والمعاني متقاربة لأنه إذا أطاع فقد دان». (٤) انظر معاني القرآن للزجاج : ١/ ٤٧ ، ومعاني القرآن للنحاس : ١/ ٦٣ ، تفسير القرطبي : ١/ ١٤٢ ، البحر المحيط : ١/ ٢٢. (٥) لا يسلم للمؤلف - رحمه اللّه - فيما ذهب إليه هنا ، فالقراءتان : ملك ، ومالك ، قراءتان سبعيتان متواترتان ، أضف إلى ذلك أن قراءة «مالك» بالألف ، فيها زيادة حرف ، والحرف بعشر حسنات كما ثبت في الحديث الصحيح. والربط لأنّ صفات اللّه تؤخذ من أشراف «١» المعاني. ٥[إيّا] «٢» اسم موضوع مضمر مفرد غير مضاف. والكاف حرف خطاب لا موضع له [من الإعراب ] «٣» مثل كاف «ذلك». وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ على نظم آي السورة [و لاقتضائه الحصر] «٤» ، وإن كان نعبدك أوجز ، ولهذا قدّم الرَّحْمنِ والأبلغ لا يقدم. [٢/ أ] وقدّمت العبادة على الاستعانة/ لهذا ، مع ما في تقديم ضمير المعبود من حسن الأدب. والحمد دون العبادة ففخّم بالغيبة ليقاربه لفظ العبادة بقصور المخاطبة في اللّفظ ، وعلى هذا أسند لفظة النّعمة إلى اللّه وصرف لفظ الغضب إلى المغضوب عليهم. ٦وسؤال الهداية الحاصلة للتثبيت عليها «٥» لا سيّما وبإزاء كل دلالة شبهة. وقيل : هي الهداية إلى طريق الجنّة. وقيل «٦» : هي حفظ القرآن والسنّة. والتعبد بالدعاء فيما «٧» لا بد أن ___________ (١) في ج ، ك : أشرف. (٢) في الأصل : «إياك» ، والمثبت في النّص عن نسخة «ج». (٣) عن نسختي «ك» و«ج» وعن كتاب المؤلف وضح البرهان في مشكلات القرآن. (٤) عن نسخة «ج». (٥) انظر تفسير الطبري : ١/ ١٦٩ ، معاني القرآن للزجاج : ١/ ٤٩ ، معاني القرآن للنحاس : ١/ ٦٦ ، المحرر الوجيز : ١/ ١٢٠. وقال الحافظ ابن كثير - رحمه اللّه - في تفسيره : ١/ ٤٤ : «فإن قيل : كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها ، وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟ فالجواب : أن لا ، ولو لا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده اللّه إلى ذلك ، فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى اللّه تعالى في تثبيته على الهداية ، ورسوخه فيها ، وتبصره ، وازدياده منها ، واستمراره عليها ، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء اللّه ، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق. (٦) لم أهتد إلى قائله ، ونقل المؤلف في وضح البرهان عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنّ الصراط المستقيم هنا كتاب اللّه فيكون سؤال الهداية لحفظه وتبين معانيه. [.....] (٧) في «ج» : مما. يفعله اللّه زيادة لطف للعبد. ٧وغَيْرِ الْمَغْضُوبِ بدل من [الَّذِينَ وإلا فالمعرفة لا توصف بالنكرة «١». وقال أبو علي «٢» : غَيْرِ ها هنا معرفة لأنها مضافة إلى معرفة والمضاف أيضا في معرفة المعنى لأن له ضدا واحدا. ويجوز نصب غَيْرِ على الحال من «هم» في عَلَيْهِمْ ، أو من الَّذِينَ «٣». والغضب من اللّه إرادة المضارّ بمن عصاه ، وكذلك عامّة الصّفات تفسّر على أحوالنا بما هو أغراضها في التمام لا أغراضها في الابتداء «٤». و«آمين» أشبعت منه الهمزة كأنه فعيل من الأمن ، وليس به ، بل اسم ___________ (١) معاني القرآن للأخفش : ١/ ١٦٥ ، معاني القرآن للزّجّاج : ١/ ٥٣ ، الحجة لأبي علي الفارسي : ١/ ١٤٢ ، مشكل إعراب القرآن : ١/ ٧٢ ، الدر المصون : ١/ ٧١. وقد أورد المؤلف هذا القول في وضح البرهان وقال : إنه مذهب الأخفش. (٢) أبو علي الفارسي : (٢٨٨ - ٣٧٧ ه). هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي ، أبو علي ، الإمام النحوي اللغوي. من تصانيفه : الحجة للقراء السبعة ، والأغفال ، والمسائل العسكرية ... وغير ذلك. أخباره في : وفيات الأعيان : (٢/ ٨٠) ، وسير أعلام النبلاء (١٦/ ٣٧٩ ، ٣٨٠) ، بغية الوعاة : (١/ ٤٩٦ - ٤٩٨) ، ونص كلامه في الحجة : ١/ ١٤٤. (٣) انظر السبعة في القراءات لابن مجاهد : ١١٢ ، معاني القرآن للزجاج : ١/ ٥٣ ، الحجة لأبي علي الفارسي : (١/ ١٤٢ ، ١٤٣) ، ونقل عن ابن مجاهد أنه قال : «و الاختيار الذي لا خفاء به الكسر» ا ه وهي قراءة الجمهور. وقال الطبري في تفسيره : ١/ ١٨٢ ، وقد يجوز نصب «غير» في غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وإن كنت للقراءة بها كارها لشذوذها عن قراءة القراء. وإنّ ما شذ من القراءات عما جاءت به الأمة نقلا ظاهرا مستفيضا. فرأى للحق مخالف ، وعن سبيل اللّه وسبيل رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وسبيل المسلمين متجانف ، وإن كان له - لو كان جائزا القراءة به - في الصواب مخرج». (٤) الأولى أن تفسر مثل هذه الألفاظ على أنها صفات للّه سبحانه وتعالى تليق بجلاله دون تأويل. سمّي به الفعل ، ومعناه : افعل أو استجب «١». والسورة فاتحة الكتاب لأنه «٢» يفتتح بها «٣». و«أمّ الكتاب» ، لأنها أصل معانيه «٤». و«السّبع المثاني «٥»» ، لأنها تثنى في كل صلاة. ___________ (١) انظر معاني القرآن للزجاج : ١/ ٥٤ ، المحرر الوجيز : ١/ ١٣١ ، البيان لابن الأنباري :(١/ ٤١ ، ٤٢) ، الدر المصون : ١/ ٧٧. (٢) في «ج» : لأنها. (٣) وفي الحديث : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». أخرجه الإمام البخاري في صحيحه : ١/ ١٥٤ ، كتاب الأذان ، باب «وجوب القراءة للإمام والمأموم». وانظر تفسير الطبري : ١/ ١٠٧ ، معاني القرآن للنحاس : ١/ ٤٨ ، تفسير القرطبي : ١/ ١١١. (٤) المراد بالكتاب هنا القرآن ، وقد جاء في الحديث ما يدل عليه ، من ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه : ٥/ ٢٢٢ ، كتاب التفسير ، باب قوله : وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : «أم القرآن هي السبع المثاني» .. وأخرج الإمام مسلم في صحيحه : ١/ ٢٩٥ ، كتاب الصلاة ، باب «وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ... عن عبادة بن الصامت رضي اللّه تعالى عنه قال : قال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : «لا صلاة لمن لم يفترئ بأم القرآن». (٥) يدل على هذه التسمية الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري ، والذي تقدم قبل قليل و«تثنى» بضم التاء وسكون الثاء ، والمعنى : تكرر وتعاد. اللسان : ١٤/ ١١٩ (ثنى). |
﴿ ٠ ﴾