سورة سبأ١وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ : حمد أهل الجنّة سرورا بالنعيم من غير تكلف «١» وذلك قولهم : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ «٢». ٢يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ : من المطر ، وَما يَخْرُجُ مِنْها : من النبات ، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ : من الأقضية والأقدار ، وَما يَعْرُجُ فِيها : من الأعمال «٣». ٧إِذا مُزِّقْتُمْ : بليتم بتقطيع أجسامكم. ١٠أَوِّبِي مَعَهُ : رجّعي بالتسبيح «٤» ، وَالطَّيْرَ : نصبه بالعطف على موضع المنادى «٥». ___________ (١) في تفسير الماوردي : ٣/ ٣٤٥ : «من غير تكلف» ، ويبدو أنه مصدر المؤلف في هذا النص. [.....] (٢) سورة الزمر : آية : ٧٤. (٣) ينظر ما سبق في تفسير الماوردي : ٣/ ٣٤٥ ، وتفسير البغوي : ٣/ ٥٤٨ ، وزاد المسير : ٦/ ٥٣٢. (٤) معاني القرآن للفراء : ٢/ ٣٥٥ ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة : ٣٥٣ ، وتفسير الطبري : ٢٢/ ٦٥ ، والمفردات للراغب : ٣٠. (٥) هذا قول سيبويه في الكتاب : (٢/ ١٨٦ ، ١٨٧). وقال الزجاج في معانيه : ٤/ ٢٤٣ : «و النصب من ثلاث جهات : أن يكون عطفا على قوله : وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا ... وَالطَّيْرَ ، أي : وسخرنا له الطير. حكى ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء ، ويجوز أن يكون نصبا على النداء ، المعنى : يا جبال أوّبي معه والطير ، كأنه قال : دعونا الجبال والطير ، فالطير معطوف على موضع «الجبال» في الأصل ، وكل منادى - عند البصريين كلهم - في موضع نصب ... ويجوز أن يكون «و الطير» نصب على معنى «مع» ، كما تقول : قمت وزيدا ، أي : قمت مع زيد ، فالمعنى : أوّبي معه ومع الطير». و«السّرد» «١» : دفع المسمار في ثقب الحلقة ، والتقدير فيه : أن يجعل [٧٩/ أ] المسمار على قدر/ الثقب «٢». ١٢وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ : سالت له عين القطر ، وهو النحاس ، من عين فيما وراء أندلس بمسيرة أربعة أشهر ، فبنى منه قصرا ، وحصر فيها مردة الشياطين ، ولا باب لهذا القصر. ذكر ذلك في حكاية طويلة من أخبار عبد الملك بن مروان وأنّ من جرّده لذلك تسورها من أصحابه عدد فاختطفوا فكرّ راجعا «٣». ١٣كَالْجَوابِ : كالحياض يجمع فيها الماء «٤». وَقُدُورٍ راسِياتٍ : لا تزول عن أماكنها. اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً : اعملوا لأجل شكر اللّه «٥». مفعول له. ١٤مِنْسَأَتَهُ : عصاه. أنسأت الغنم : سقتها «٦». ١٦سَيْلَ الْعَرِمِ : المسنيات واحدها عرمة «٧». ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ : ثمر خمط ، والخمط : شجر الأراك «٨» ، عطف ___________ (١) من قوله تعالى : أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ... [آية : ١١]. (٢) معاني القرآن للفراء : ٢/ ٣٥٦ ، وتفسير الطبري : (٢٢/ ٦٧ ، ٦٨) ، وتفسير القرطبي : ١٤/ ٢٦٧. (٣) لم أقف على أصل هذه الحكاية ولعلها من الخرافات الشائعة في ذلك العصر. (٤) معاني القرآن للفراء : ٢/ ٣٥٦ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ٢/ ١٤٤ ، وتفسير الطبري : ٢٢/ ٧١. (٥) في «ك» : «لأجل الشكر للّه». (٦) اللسان : ١/ ١٦٩ (نسأ). (٧) معاني القرآن للفراء : ٢/ ٣٥٨ ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة : ٢/ ١٤٦ ، وغريب القرآن لليزيدي : ٣٠٧. و«المسناة» : الجسر ، أو السد يقام فوق الوادي ، والتقدير هنا : فأرسلنا سيل السد العرم. (تفسير القرطبي : ١٤/ ٢٨٥) ، والبحر المحيط : ٧/ ٣٧٠. (٨) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ٢٢/ ٨١ عن ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وابن زيد. وذكره الفراء في معانيه : ٢/ ٣٥٩ ، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن : ٣٥٦. بيان ، أي : الأكل ثمر هذا الشجر. وقيل «١» : الخمط صفة حمل الشجر وهو المرّ الذي فيه حموضة. والأثل : شبيه بالطرفاء «٢» ، والسّدر : النّبق. ١٧هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ : أي : بمثل هذا الجزاء. وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى : كانت بينهم وبين بيت المقدس «٣». قُرىً ظاهِرَةً : إذا قاموا في واحدة ظهرت لهم الثانية. وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ : للمبيت والمقيل من قرية إلى قرية. ١٩باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا : قالوا : ليتها كانت بعيدة فنسير على نجائبنا. فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ : حتى قيل في المثل : تفرقوا أيدي سبأ «٤». وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ : ف «غسّان» لحقوا بالشّام [و الأنصار] «٥» بيثرب وخزاعة بتهامة ، والأزد بعمان «٦». ___________ (١) هذا قول الزجاج في معانيه : ٤/ ٢٤٩ ، ونقله الماوردي في تفسيره : ٣/ ٣٥٦ عن الزجاج. وكذا ابن الجوزي في زاد المسير : ٦/ ٤٤٦ ، والقرطبي في تفسيره : ١٤/ ٢٨٦. (٢) في اللسان عن أبي حنيفة الدينوري : «الطرفاء من العضاه وهدبه مثل هدب الأثل ، وليس له خشب وإنما يخرج عصيا سمحة في السماء». اللسان : ٩/ ٢٢٠ (طرف). [.....] (٣) ذكره الزجاج في معانيه : ٤/ ٢٥٠ ، ونقله الماوردي في تفسيره : ٣/ ٣٥٦ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. (٤) مجمع الأمثال : ٢/ ٤ ، والمستقصى : ٢/ ٨٨ ، واللسان : ١٥/ ٤٢٦ (يدي) عن ابن بري : قولهم أيادي سبأ يراد به نعمهم ، واليد : النعمة لأن نعمهم وأموالهم تفرقت بتفرقهم. (٥) في الأصل : «الأنمار» ، والمثبت في النص عن «ك» و«ج» ، وعن المصادر التي أوردت هذا القول. (٦) أخرجه الطبري في تفسيره : ٢٢/ ٨٦ عن عامر الشعبي. ونقله الماوردي في تفسيره : ٣/ ٣٥٨ ، والبغوي في تفسيره : ٣/ ٥٥٦ عن الشعبي. وأورده السيوطي في الدر المنثور : ٦/ ٦٩٣ ، وعزا إخراجه إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن الشعبي. ٢٠وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ : أصاب في ظنّه ، وظنّه أنّ آدم لما نسي قال : لا يكون ذريته إلّا ضعافا عصاة «١». ٢١وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ : لولا التخلية [بينهم وبين وساوسه ] «٢» للمحنة. إِلَّا لِنَعْلَمَ : لنظهر المعلوم. ٢٣فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ : أزيل عنها الفزع ، أفزعته : ذعّرته ، وفزّعته : نفّست عنه «٣» ، مثل : أقذيت وقذّيت ، وأمرضت ، ومرّضت ، والمعنى : أنّ الملائكة يلحقهم فزع عند نزول جبريل - عليه السلام - بالوحي ظنا [منهم ] «٤» أنه ينزل بالعذاب ، فكشف عن قلوبهم الفزع فقالوا : ما ذا قالَ رَبُّكُمْ : أي : لأيّ شيء نزل جبريل «٥». وقيل «٦» : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين قالت ___________ (١) ورد هذا المعنى في أثر أخرجه ابن أبي حاتم (كما في الدر المنثور : ٦/ ٦٩٥) عن الحسن رحمه اللّه تعالى. وانظر تفسير ابن كثير : ٦/ ٥٠٠. (٢) ما بين معقوفين عن نسخة «ج». (٣) فهو من الأضداد كما في اللسان : ٨/ ٢٥٣ (فزع). (٤) في الأصل : «منه» ، والمثبت في النص عن «ج». (٥) عن معاني القرآن للزجاج : ٤/ ٢٥٢ ، وقال ابن عطية في المحرر الوجيز : (١٢/ ١٨٠ ، ١٨١) : «و تظاهرت الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن هذه الآية - أعني قوله تعالى : : حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ إنما هي في الملائكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل بالأمر يأمر اللّه به سمعت كجرّ سلسلة الحديد على الصفوان ، فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة». وانظر الأحاديث التي أشار إليها ابن عطية - رحمه اللّه - في صحيح البخاري : ٦/ ٢٨ ، كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ... الآية. وتفسير ابن كثير : ٦/ ٥٠٣ ، والدر المنثور : ٦/ ٦٩٧. (٦) نقله البغوي في تفسيره : ٣/ ٥٥٧ ، وابن الجوزي في زاد المسير : ٦/ ٤٥٣ عن الحسن ، وابن زيد. واستبعده ابن عطية في المحرر الوجيز : ١٢/ ١٨٢. الملائكة/ : ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا : الحق. ٢٤وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ : أي : أنا وأنتم لسنا على أمر واحد ، فيكون أحدنا على هدى والآخر في ضلال ، فأضلهم بأحسن تعريض ، كما يقول الصادق [للكاذب ] «١» إنّ أحدنا لكاذب «٢». ٢٨إِلَّا كَافَّةً : رحمة «٣» شاملة جامعة. ٣٣بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ : مكرهم فيها ، أو كأنّهما يمكران بطول السّلامة فيهما ، أو بمرّهما واختلافهما ، فقالوا : إنّهما لا إلى نهاية «٤». ٤٥وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ : ما بلغ أهل مكة معشار ما أوتي الأولون من القوى والقدر ، أو الأولون ما بلغوا معشار ما أوتوا ، فلا أنتم أعلم منا ، ولا كتاب أهدى من كتابنا. ٤٦أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى : تناظرون مثنى ، وتفكرون في أنفسكم فرادى. فهل تجدون في أفعاله وأحواله ومنشأه ومبعثه ما يتهمه؟! «٥». ٤٩وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ : لا يثبت إذا [بدا] «٦» وَما يُعِيدُ : لا يعود إذا زال. أو لا يأتي بخير في البدء والإعادة ، أي : الدنيا والآخرة. ٥٢وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ : التناول «٧» ، ناوشته : أخذته من بعيد ، والمراد ___________ (١) في الأصل : «الكاذب» ، والمثبت في النص عن «ك» و«ج» ، ووضح البرهان للمؤلف. (٢) راجع هذا المعنى في معاني القرآن للفراء : ٢/ ٣٦٢ ، وتأويل مشكل القرآن : ٢٦٩ ، وتفسير الطبري : ٢٢/ ٩٥ ، ومعاني الزجاج : ٤/ ٢٥٣. (٣) في «ج» : نعمة. (٤) تفسير غريب القرآن : ٣٥٧ ، وتفسير الطبري : ٢٢/ ٩٨ ، ومعاني القرآن للزجاج : ٤/ ٣٥٤ ، وتفسير الماوردي : ٣/ ٣٦٠. [.....] (٥) ذكره الفراء في معانيه : ٢/ ٣٦٤. وأخرج نحوه الطبري في تفسيره : (٢٢/ ١٠٤ ، ١٠٥) عن قتادة. (٦) في الأصل : «أبدا» ، والمثبت في النص عن «ج» ، و«ك» وكتاب وضح البرهان : ٢/ ٢٠٨ ، وتفسير الماوردي : ٣/ ٣٦٥. (٧) معاني القرآن للفراء : ٢/ ٣٦٥ ، وغريب القرآن لليزيدي : ٣٠٨ ، وتفسير غريب القرآن : ٣٥٨ ، والمفردات للراغب : ٥٠٩. الإيمان والتوبة ، أي : كيف التناول من بعيد لما كان قريبا فلم يتناولوه. ٥٣وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ : يقولون : لا بعث ولا حساب «١». مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ : أي : يقذفون من قلوبهم ، وهي بعيدة عن الصدق والصّواب. ___________ (١) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره : ٢٢/ ١١٢ عن قتادة ، ونقله ابن الجوزي في زاد المسير : ٦/ ٤٧٠ عن الحسن ، وقتادة. |
﴿ ٠ ﴾