٣

قال قوم : هما بمعنىً واحد مثل (ندمان،

ونديم) و (سلمان،

وسليم)،

وهوان وهوين. ومعناهما : ذو الرحمة،

والرحمة : إرادة اللّه الخير بأهله،

وهي على هذا القول صفة ذات. وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة،

(وفعل) الخير إلى من لم يستحق،

وعلى هذا القول صفة فعل،

يجمع بينهما للاتّساع،

كقول العرب : جاد مجد. قال طرفة :

فما لي أراني وابن عمي مالكاً

متى أدنُ منه ينأ عني ويبعدِ

وقال آخر :

وألفى قولها كذباً ومينا

وفرّق الآخرون بينهما فقال : بعضهم الرَّحْمن على زنة فعلان،

وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول. وقولك : رجل غضبان للممتلئ غضباً،

وسكران لمن غلب عليه الشراب. فمعنى (الرَّحْمن) : الذي وسعت رحمته كل شيء.

وقال بعضهم : (الرَّحْمن) العاطف على جميع خلقه؛ كافرهم ومؤمنهم،

برّهم وفاجرهم بأن خلقهم ورزقهم،

قال اللّه تعالى : {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ} ،

و(الرحيم) بالمؤمنين خاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا،

والجنة والرؤية في العقبى،

قال تعالى : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ} . ف (الرَّحْمن) خاصّ اللفظ عامّ المعنى،

و (الرحيم) عامّ اللفظ خاصّ المعنى. و (الرَّحْمن) خاص من حيث إنه لا يجوز أن يسمى به أحد إلاّ اللّه تعالى،

عامّ من حيث إنه يشمل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. و (الرحيم) عامّ من حيث اشتراك المخلوقين في المسمّى به،

خاص من طريق المعنى؛ لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق. وهذا قول جعفر بن محمد الصادق (رضي اللّه عنه).

الرَّحْمن اسم خاص بصفة عامة،

والرحيم اسم عام بصفة خاصة،

وقول ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر،

حدّثنا أبو عبد اللّه محمد بن يوسف الدّقاق،

حدّثنا الحسن بن محمد بن جابر،

حدّثنا عبد اللّه بن هاشم،

أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال : الرَّحْمن بأهل الدنيا،

والرحيم بأهل الآخرة. وجاء في الدعاء : يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.

وقال الضحّاك : الرَّحْمن بأهل السماء حين أسكنهم السماوات،

وطوّقهم الطاعات،

وجنّبهم الآفات،

وقطع عنهم المطاعم واللذات. والرحيم بأهل الأرض حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب،

وأعذر إليهم في النصيحة وصرف عنهم البلايا.

وقال عكرمة : الرَّحْمن برحمة واحدة،

والرحيم بمائة رحمة وهذا المعنى قد اقتبسه من قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) الذي حدّثناه أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري،

حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو،

حدّثنا أبو هريرة وأحمد بن محمد بن شاردة الكشي،

حدّثنا جارود ابن معاذ،

أخبرنا عمير بن مروان عن عبد الملك أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن للّه تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه،

فبها يتعاطفون،

وبها يتراحمون،

وأخّر تسعة وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة).

وفي رواية أخرى : (إن اللّه تعالى قابض هذه إلى تلك فمكملها مائة يوم القيامة، يرحم بها عباده).

وقال ابن المبارك : (الرَّحْمن : الذي إذا سُئل أعطى،

والرحيم إذا لم يُسأل غضب. يدلّ عليه ما حدّثنا أبو القاسم المفسّر،

حدّثنا أبو يوسف رافع بن عبد اللّه بمرو الروذ،

حدّثنا خلف ابن موسى : حدّثنا محمود بن خداش،

حدّثنا هارون بن معاوية،

حدّثنا أبو الملج وليس الرقّي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : من لم يسأل اللّه يغضب عليه،

نضمه الشاعر فقال :

إن اللّه يغضب إن تركت سؤاله

وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضب

وسمعت الحسن بن محمد يقول : سمعت إبراهيم بن محمد النسفي يقول : سمعت أبا عبد اللّه وهو ختن أبي بكر الوراق يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول : (الرَّحْمن : بالنعماء وهي ما أعطي وحبا،

والرحيم بالآلاء وهي ما صرف وزوى).

وقال محمد بن علي المزيدي : الرَّحْمن بالإنقاذ من النيران،

وبيانه قوله تعالى : {وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا} ،

والرحيم بإدخالهم الجنان،

بيانه : {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ءَامِنِينَ} .

وقال المحاسبي : (الرَّحْمن : برحمة النفوس،

والرحيم برحمة القلوب).

وقال السريّ بن مغلس : (الرَّحْمن بكشف الكروب،

والرحيم بغفران الذنوب).

وقال عبد اللّه بن الجرّاح : (الرَّحْمن ب ..... الطريق،

والرحيم بالعصمة والتوفيق).

وقال مطهر بن الوراق : (الرَّحْمن بغفران السيّئات وإن كن عظيمات،

والرحيم بقبول الطاعات وإن كنّ (قليلات)).

وقال يحيى بن معاذ الرازي : (الرَّحْمن بمصالح معاشهم،

والرحيم بمصالح معادهم).

وقال الحسين بن الفضل : (الرَّحْمن الذي يرحم العبد على كشف الضر ودفع الشر،

والرحيم الذي يرقّ وربما لا يقدر على الكشف).

وقال أبو بكر الوراق أيضاً : (الرَّحْمن بمن جحده والرحيم بمن وحّده،

والرَّحْمن بمن كفر والرحيم بمن شكر،

والرَّحْمن بن قال ندّاً والرحيم بمن قال فردا).

﴿ ٣