٥٠

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ} .......

{الْبَحْرِ} : وذلك إنّه لما دنا هلاك فرعون أمر اللّه عزّ وجلّ موسى أن يسري ببني إسرائيل،

وأمرهم أن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح،

وأخرج اللّه عزّ وجلّ كل ولد زنا في القبط من بني اسرائيل إليهم وأخرج (من بني إسرائيل كل ولد زنا منهم) إلى القبط حتى رجع كل واحد منهم الى أبيه،

وألقى اللّه عزّ وجلّ على القبط الموت فمات كل بكراً،

فاشتغلوا بدفنهم (عن طلبهم حتى) طلعت الشمس وخرج موسىج في ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يتعدّون ابن العشرين أصغرهم،

ولا ابن الستين أكبرهم،

سوى الذرية. فلما أرادوا السير ضُرب عليهم التّيه فلم يدروا أين يذهبون،

فدعا موسىج مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك. فقالوا : إنّ يوسفج لما حضرته الوفاة أخذ على إخوته عهداً أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم؛ فلذلك أنسدّ علينا الطريق،

فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا.

فقام موسى يُنادي : أنشد اللّه كل من يعلم أين موضع قبر يوسف إلاّ أخبرني به،

ومن لم يعلم فصمّت أذناه عن قولي. فكان يمرّ بين الرّجلين ينادي فلا يسمعان صوته حتى سمعتهُ عجوز لهم فقالت : أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كلّما سألتك،

فأبى عليها وقال : حتى أسأل ربّي،

فأمره اللّه عزّ وجلّ بايتاء سؤلها،

فقالت : إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر هذا في الدُّنيا،

وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل بغرفة من الجنة إلاّ نزلتها معك،

قال : نعم،

قالت : إنّه في جوف الماء في النيل،

فادعُ اللّه حتى يحبس عنه الماء. فدعا اللّه فحبس عنه الماء،

ودعا أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف،

فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من المرمر فحمله حتى دفنه بالشام،

ففتح لهم الطريق.

فساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدّمتهم،

وعلم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا في طلب بني إسرائيل حتى يصيح الدّيك. فواللّه ما صاح ديك في تلك الليلة. فخرج فرعون في طلب بني اسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف،

وكان فيهم سبعون ألف من دهم الخيل سوى سائر الشّيات،

وسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر،

والماء في غاية الزيادة.

نظروا فإذا هم بفرعون وذلك حين أشرقت الشمس،

فبقوا متحيرين وقالوا : يا موسى كيف نصنع؟

وما الحيلة؟

فرعون خلفنا والبحر أمامنا. قال موسى : {كَلا إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ} فأوحى إليه : {أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ} فضربه فلم يُطعه،

فأوحى اللّه إليه أن كنّه،

فضربه موسى بعصاه وقال : انفلق أبا خالد بإذن اللّه،

{فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} وظهر فيها اثنا عشر طريقاً لكلّ سبط طريق،

وأرسل اللّه عزّ وجلّ الريح والشمس على مقر البحر حتى صار يبساً.

وقال سعيد بن جبير : أرسل معاوية الى ابن عباس فسأله عن مكان لم تطلع فيه الشمس إلاّ مرة واحدة؟

فكتب إليه : إنه المكان الذي انفلق منه البحر لبني إسرائيل.

فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبه الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً،

فخافوا وقال كل سبط قد غرق كل إخواننا. فأوحى اللّه إلى حال الماء أن تشبّكي،

فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا،

ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين. فذلك قوله تعالى {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} أي فلقنا وميّزنا الماء يميناً وشمالا.

{فَأَنجَيْنَاكُمْ} من آل فرعون والغرق.

{وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ} وذلك إنّ فرعون لما وصل إلى البحر فرآه منغلقاً،

قال لقومه : انظروا إلى البحر انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي وعبيدي الذين أبقوا وأقتلهم،

أدخلوا البحر،

فهاب قومه أن يدخلوه ولم يكن في خيل فرعون أنثى،

وإنما كانت كلها ذكور،

فجاء جبرائيلج على فرس أنثى وديق فتقدّمهم فخاض البحر،

فلما شمّت الخيول ريحها اقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم في البحر،

وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويقول لهم : إلحقوا بأصحابكم،

حتى إذا خرج جبرائيل من البحر وهمَّ أولهم أن يخرج،

أمر اللّه تعالى البحر أن يأخذهم والتطم عليهم فأغرقهم أجمعين؛ وذلك بمرأى من بني إسرائيل،

وذلك قوله : {وَأَغْرَقْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ} .

{وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} إلى مصارعهم.

﴿ ٥٠