١٢٧{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} روى الرواة من أسانيد مختلفة في بناء الكعبة جمعت حديثهم ونسقته ليكون أحسن في المنطق وأقرب إلى الفهم. قالوا : خلق اللّه عزّ وجلّ موضع البيت قبل الأرض بألفي عام، فكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها. فلما أهبط اللّه عزّ وجلّ آدم إلى الأرض كان رأسه يمسّ السّماء حتّى صلع وأورث أولاده الصّلع ونفرت من طوله دواب الأرض فصارت وحشاً من يومئذ، وكان يسمع كلام أهل السّماء ودُعاءهم وتسبيحهم، يأنس إليهم فهابته الملائكة واشتكت نفسه. فنقصه اللّه عزّ وجلّ إلى ستين ذراعاً بذراعه. فلمّا فقد آدم ما كان يسمع من أصوات الملائكة وتسبيحهم استوحش، وشكا ذلك إلى اللّه عزّ وجلّ. فأنزل اللّه ياقوتة من يواقيت الجنّة الكلام مقطوع له بابان من زمرّد أخضر باب شرقي وباب غربي فأنزل اللّه فيه قناديل من الجنّة. فوضعه على موضع البيت إلى الآن ثمّ قال : يا آدم إنّي أهبطت لك بيتاً تطوف به كما يُطاف حول عرشي، وتصلّي عنده كما يُصلّى عند عرشي. فأنزل عليه الحجر. فمسح به دموعه وكان أبيض فلما لمسته الحُيَّض في الجاهلية أسود. وقال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّما الحجر ياقوتة من يواقيت الجنّة ولولا ما مسه المشركون بأنجاسهم ما مسّهُ ذو عاهة إلاّ شفاه اللّه تعالى). فتوجه آدم من أرض الهند إلى مكّة ماشياً وقيّض اللّه له ملكاً يدلّه على البيت. قيل لمجاهد : يا أبا الحجّاج ألاّ كان يركب؟ قال : فأي شيء كان يحمله فواللّه إن خطوه مسيرة ثلاثة أيّام وكلّ موضع وضع عليه قدمه عمران وما تعدّاه مفاوز وقفار فأتى مكّة وحجّ البيت وأقام المناسك فلمّا فرغ تلقّته الملائكة فقالوا : برّحجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. قال ابن عبّاس : حجّ آدم أربعين حجّة من الهند إلى مكّة على رجليه فهذا بدء أمر الكعبة فكانت على ذلك إلى أيّام الطّوفان فرفعه اللّه إلى السّماء الرابعة فهو البيت المعمور يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وبعث اللّه جبرائيل حتّى خبّأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة عن الغرق فكان موضع البيت خالياً إلى زمن إبراهيمج ثمّ إنّ اللّه تعالى أمر إبراهيمج بعد ما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء بيت له يعبد ويذكر فيه فلم يدر إبراهيم أين خبّيء فسأل اللّه تعالى أن يبيّن له موضعه فبعث اللّه إليه السكينه ليدلّه على موضع البيت وهي ريح جموح لها رأسان شبه الحيّة فتبعها إبراهيم إلى أن أتيا مكّة فطوّق اللّه السكينة على موضع البيت كتطويق الحيّة الحجفة وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السّكينة فبناه وهذا قول علي والحسن بن أبي الحسن، وقال ابن عبّاس : بعث اللّه سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلمات إلى أن وافت مكّة ووقفت على موضع البيت، ونودي : أنْ يا إبراهيم إبني على ظلّها لا يزد ولا تنقص فبنى بخيالها. وقال بعضهم : أرسل اللّه جبرائيل ليدلّه على موضع فذلك قوله {وَإِذْ بَوَّأْنَا بْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت، جعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجارة. قال الثّعلبي : سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبا بكر محمّد بن محمّد بن أحمد القطان البلخي وكان عالماً بالقرآن يقول : كان إبراهيم يفهم بالسريانية وإسماعيل بالعربيّة وكلّ واحد منهما يعرف ما يقول صديقه وما يمكن التفوّه به وكان إبراهيم يقول لإسماعيل : هبلي كنيا يعني : ناولني الحجر، ويقول إسماعيل : هاك الحجر خذه. قالوا : فبقي موضع الحجر فذهب إسماعيل إليه فجاء جبرئيل بحجر من السّماء فأتى إسماعيل وقد ركّب إبراهيم الحجر في موضعه فقال له : من آتاك بهذا؟ فقال : آتاني به من لم يتكّل على بناءك فأقاما البيت فذلك قوله : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} . قال ابن عبّاس : يعني أُصول البيت الّتي كانت قبل ذلك. الكلبي وأبو عبيدة : أساسه واحدته قاعدة فبنياه من خمسة أجبل طور سيناء (... وطور سينا والجودي) وبنيا قواعده من حرّاء، فلّما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل : جئني بحجر حسن يكون للناس علماً فأتاه بحجر فقال له : جئني بحجر أحسن من هذا، فمضى إسماعيل بطلبه فصاح أبو قبيس يا إبراهيم إنّ لك عندي وديعة فخذها فأخذ الحجر الأسود ووضعه مكانه. وقيل : إنّ اللّه تعالى مدّ لإبراهيم وإسماعيل بسبعة أملاك يعينونهما على بناء البيت فلمّا فرغا من بنائه قالا : {رَبَّنَا تَقَبَّلْ} أي تقبل منّا بناءنا البيت. {إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} بنيّاتنا. |
﴿ ١٢٧ ﴾