١٤٣

فأنزل اللّه {وَ كذلك } أي وهكذا،

وقيل الكاف فيه للتشبيه تقديره : وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كذلك جعلناكم أُمّة وسطاً. مردودة على قوله {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} الآية.

{لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ} يوم القيامة أنّ الرُّسل قد أبلغتهم.

{وَيَكُونَ الرَّسُولُ} محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) {عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} معدلاً مزكيّاً لكم؛ وذلك إنّ اللّه تعالى جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يُسمعهم الدّاعي،

وينقذهم البصر ثمّ يقول كفّار الأُمم. ألم يأتكم نذير فتشكرون،

ويقولون : ما جاءنا من نذير.

فيُسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون : قد كذّبوا،

قد بلغناهم وأُعذرنا إليهم : فيسألهم البينّة،

وهو أعلم بأقامة الحجة. فيُوتى بأمّة محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) فيشهدون لهم. إنّهم قد بلغوا فتقول الأُمم الماضية : من أين علموا بذلك وبيننا وبينهم مدة مريدة؟

فيقولون : علمنا ذلك باخبار اللّه أيانا في كتابه الناطق على لسان رسوله الصادق. فيؤتى محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) فيسأل عن حال أُمّته. فيزكّيهم ويشهد لصدقهم.

{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ} يعني التحويل عن القبلة الّتي كنت عليها وهي بيت المقدس.

وقيل : معناه القبلة الّتي أنت عليها أي الكعبة كقوله {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} أي أنتم.

{إِلا لِنَعْلَمَ} لنرى ونميّز {مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} في القبله.

{مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} فيرتد ويرجع إلى قبلته الأولى هذا قول المفسرين وقال أهل المعاني : معناه إلاّ لعلمنا مَن يتبع الرسول ممّن ينقلب على عقبيه كأنّه سبق ذلك في علمه إنّ تحويل القبلة سبب هداية قوم وضلالة أخرين،

وقد تضع العرب لفظ الاستقبال موضع المضي كقوله : {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَآءَ اللّه مِن قَبْلُ} أي قتلتم.

وأنزل بعض أهل اللّغة : للعلم منزلتين : علماً بالشيء قبل وجوده وعلماً به بعد وجوده والحكم للعلم الموجود لأنّه يوجب الثواب والعقاب فمعنى قوله {لِنَعْلَمَ} أي لنعلم العلم الّذي يستحقّ به العامل الثّواب والعقاب وهذا على معنى التقدير كرجل قال لصاحبه : النّار تحرق الحطب،

وقال الأخر : لا، فردّ عليه. هات النّار والحطب،

ليعلم إنّها تحرقه أي ليتقرر علم ذلك عندك.

وقوله : لنعلم تقديره ليتقرّر علمنا عندكم،

وقيل معناه : ليعلم محمّد (صلى اللّه عليه وسلم) فأضاف علمه ج إلى نفسه سبحانه تخصيصاً وتفصيلاً كقوله : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه} وقوله {فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمْنَا} ونحوهما {وَإِن كَانَتْ} وقد كانت توليه القبلة وتحويلها فأنّث الفعل لتأنيث الإسم كقولهم : ذهبت بعض أصابعه وقيل : هذه الكناية راجعة إلى القبلة بعينها أراد وان كانت الكعبة.

{لَكَبِيرَةٌ} ثقيلة شديدة. {إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّه} أي هداهم اللّه وقال سيبويه : (وانّ) تأكيد منه باليمين ولذلك دخلت اللاّم في جوابها.

{وَمَا كَانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وذلك إنّ يحيى بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس أكانت هدىً أم ضلاله؟

فإن كانت هدىً فقد تحولتم عنها وان كانت ضلالة لقد دنتم اللّه بها فإن من مات منكم عليها لقد مات على الضلالة. قال المسلمون : إنّما الهدى ما أمر اللّه تعالى به والضلالة ما نهى اللّه عنه.

قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟

وكان مات قبل أن تحوّل القبلة؟

أسعد بن زرارة من بني النجّار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانا من النقباء ومات رجال آخرون. فانطلقت عشائرهم إلى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقالوا : يا رسول اللّه قد صرفك اللّه إلى قبلة إبراهيم فكيف إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس فأنزل اللّه تعالى : {وَمَا كَانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم إلى بيت المقدس.

{إن اللّه بالنّاس لرؤوف رحيم} وفي رؤوف ثلاث قراءات : مهموز مثقّل وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص واختيار أبو حاتم قال : لأنّ أكثر أسماء اللّه على فعول وفعيل. قال الشاعر :

نطيع رسولنا ونطيع ربّاً

هو الرّحمن كان بنا رؤوفا

وروف غير مهموز مثقّل قراءة أبي جعفر.

ورؤف مهموز مخفف وهي قراءة الباقين واختيار أبي عبيد.

قال جرير :

ترى للمسلمين عليك حقّاً

كفعل الوالد الرؤف الرّحيم

فالرأفة أشدّ الرحمة.

﴿ ١٤٣