١٤٤

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ} إنّ أوّل ما نسخ من أمور الشرّع أمر القبلة وذلك إنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه كانوا يصلّون بمكّة إلى الكعبة فلمّا هاجر النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المدينة وقدمها لليلتين خليا من شهر ربيع الأوّل أمره تعالى أن يصلّي نحو الصخرة ببيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إيّاه إذا صلّى إلى قبلتهم مع مايجدون من نعته في التوراة هذا قول عامّة المفسّرين.

وقال عبد الرحمن بن زيد : قال اللّه لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم) {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّه} قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (هؤلاء يهود يستقبلون بيتاً من بيوت اللّه،

فلو (أنّا) استقبلناه) فاستقبله النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) قالوا جميعاً : فصلّى النبيّ وأصحابه نحو بيت المقدس سبعة عشر شهراً وكانت الأنصار قد صلّت إلى بيت المقدّس سنتين قبل قدوم النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) .

وكانت الكعبة أحبّ القبلتين إلى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) ،

واختلفوا في السبب الّذي كان (صلى اللّه عليه وسلم) يكره من أجله قبلة بيت المقدس ويهوى قبلة الكعبة.

فقال ابن عبّاس : لأنّها كانت قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

مجاهد : من أجل أنّ اليهود قالوا : يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا.

مقاتل بن حيّان : لمّا أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أن يصلّي نحو بيت المقدس قالت اليهود : زعّم محمّد أنّه نبي وما يراه أحد إلاّ في ديننا،

أليس يصلّي إلى قبلتنا ويستنّ بسنّتنا فإن كانت هذه نبوّة فنحن أقدم وأوفر نصيباً فبلغ ذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فشقّ عليه وزاده شوقاً إلى الكعبة.

ابن زيد : لمّا استقبل النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) بيت المقدس بلغه أنّ اليهود تقول : واللّه ما ندري محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم.

قالوا جميعاً فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لجبرئيل : (وددت أنّ اللّه صرفني من قبلة اليهود إلى غيرها فإنّي أبغضهم وأبغض توافقهم). فقال جبرئيل : إنما أنا عبد مثلك ليس إليَّ من الأمر شيئاً فاسأل ربّك؟

فعرج جبرئيل وجعل رسول اللّه يديم النظر إلى السّماء رجاءَ أنْ ينزل عليه جبرئيل بما يجيء من أمر القبلة.

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَآءِ} تحوّل وتصرف وجهك يا محمّد في السّماء.

{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} فلنحوّلنّك ولنصرفنّك.

{قِبْلَةً تَرْضَاهَا} تحبّها وترضاها.

{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي نحوه وقصده.

قال الشاعر :

واطعن بالقوم شطر الملوك

حتّى إذا خفق المخدج

أي : نحوهم وهو نصب على الظرف.

والمسجد الحرام : المحرّم كالكتاب بمعنى المكتوب والحساب بمعنى المحسوب.

{وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} في برَ أو بحر أو سهل أو جبل شرق أو غرب {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فحوّل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين.

مجاهد وغيره : نزلت هذه الآية ورسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في مسجد بني سلمة،

وقد صلّى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحوّل في الصلاة واستقبل الميزاب،

وحوّل الرّجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

قال ابن عبّاس : البيت كلّه قبلة وقبلة البيت الباب والبيت قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة أهل الحرم والحرم قبلة أهل الأرض كلّها فلمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة قالت اليهود : يا محمّد ما أمرت بهذا يعنون القبلة وما هو إلاّ شيء تبتدعه من تلقاء نفسك.

قتادة : فصلّى إلى بيت المقدس وتارة يصلّي إلى الكعبة ولو ثبتّ على قبلتنا لكنّا نرجوا أن تكون صاحبنا الّذي ننتظره ورأيناكم تطوفون بالكعبة وهي حجارة مبنية فأنزل اللّه :

﴿ ١٤٤