١٧٠{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللّه} اختلفوا في وجه هذه الآية، قال بعضهم : إنّها قصّة مستأنفة وأنّها نزلت في اليهود على هذا القول تكون الهاء والميم في قوله : {لَهُمْ} كناية عن غير مذكور. وروى محمّد بن إسحاق بن يسار عن محمّد بن أبي محمّد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عبّاس قال : دعا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) اليهود إلى الإسلام ورغبّهم فيه وحذّرهم عذاب اللّه ونقمته فقال له نافع بن خارجة ومالك بن عوف {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ} فهم كانوا خيراً واعلم منّا فأنزل اللّه هذه الآية، وقال قوم : بل هذه الآية صلة بما قبلها وهي نازلة في مشركي العرب وكفّار قريش واختلفوا فيه فقال الضّحاك عن ابن عبّاس : فإذا قيل لهم إتبّعوا ما أنزل اللّه يعني كفّار قريش من بني عبد الدّار، قالوا : بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة الأصنام. فقال اللّه {أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً} من التوحيد ومعرفه الرحمن {وَلا يَهْتَدُونَ} للحجّة البالغة وعلى هذا القول تكون الهاء والميم عائدة على من في قوله {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّه أَندَادًا} وقال الآخرون : إذا قيل لهم إتبّعوا ما أنزل اللّه في تحليل ما حرّموه على أنفسهم من الحرث والأنعام والسائبة والوصيلة والبحيرة والحام وسائر الشرائع والأحكام {قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا} وجدنا عليه آباؤنا من التحريم والتحليل والدّين والمنهاج وعلى هذا القول تكون الهاء والميم راجعة إلى النّاس في قوله تعالى : {يا أُيّها النّاس كلوا ممّا في الأرض حلالاً طيّبا}. ويكون الرجوع عن الخطاب إلى الخبر، كقوله {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} وهذا أولى الأقاويل لأنّ هذه القصّة عقب قوله {يا أيُها النّاس} فهو أولى أن يكون خبراً عنهم من أن يكون خبراً عن المتخذين الأنداد بما فيهما من الآيات لطول الكلام. وادغم علي بن حمزة الكسائي لام هل وبل في ثمانية أحرف التاء كقوله {بَلْ تُؤْثِرُونَ} و {هَلْ تَعْلَمُ} والثاء كقوله {هَلْ ثُوِّبَ} ، والسين في قوله {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ} ، والزاي كقوله {بَلْ زُيِّنَ} ، والضاد كقوله {بَلْ ضَلُّوا} ، والظاء كقوله {بَلْ ظَنَنتُمْ} والطاء كقوله {بَلْ طَبَعَ اللّه} ، والنون نحو قوله {بَلْ نَحْنُ} ، {بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ} وإنّما خصّ به لام هل وبل دون سائر اللامات : لأنّها ساكنة بتاً، وسائر اللاّمات ساكنة بعلل متى ما زالت تلك العلل زال سكونها. فقال اللّه {أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ} واو العطف، ويُقال أيضاً واو التعجب دخلت عليها ألف الإستفهام للتوبيخ والتقرير؛ فلذلك نصبت، والمعنى يتبعون آباءهم وإن كانوا جهّالاً، وترك جوابه لأنّه معروف. قوله تعالى {يَعْقِلُونَ شَيْئًا} لفظ عام ومعناه الخصوص لأنّهم كانوا يعقلون أمر الدُّنيا (ومعناه) لا يعقلون شيئاً من أمر الدّين ولا يهتدون. |
﴿ ١٧٠ ﴾