١٨٣{يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا} قال الحسن : إذا سمعت اللّه تعالى يقول : {يا أيهاالَّذِينَ آمَنُوا} فادع لها سمعك فانّها لأمر يؤمر به أو لنهي تُنهى عنه. وقال جعفر الصّادق (رضي اللّه عنه) : لذة (يا) في النداء أزال تعب العبادة والعناء. {كَتَبَ} فرض واجب. {عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وهو مصدر قولك : صمتُ صياماً، كما تقول : قمت قياماً، وأصل الصوم والصيّام في اللغة : الأمساك، يُقال : صامت الرّيح إذا سكنت وأمسكت عن الهبوب، وصامت الخيل إذا وقعت وأمسكت عن السّير. قال النابغة : خيلٌ صيام وخيلٌ غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما فقال : صام النّهار إذا اعتدل، وقام قائم الظهيرة؛ لأنّ الشمس إذا طلعت في كبد السّماء وقفت فأمسكت عن السير سريعة. قال امرؤ القيس : فدع ذا وسلّ الهمّ عنك بحسرة ذمول إذا صام النّهار وهجراً وقال الرّاجز : حتّى إذا صام النّهار واعتدل وسال للشمس لعاب فنزل ويُقال للرجل إذا صمت وأمسك عن الكلام : صام. قال اللّه تعالى : {إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا} : أي صمتاً. فالصوم : هو الأمساك عن المعتاد من الطّعام والشّراب والجماع. {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} من الأنبياء والأمم وأولهم آدم ج، وهو ماروى عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن علي (رضي اللّه عنه) قال : أتيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ذات يوم عند انتصاف النّهار وهو في الحجر، فسلّمت عليه فرّد عليّ النبّي (صلى اللّه عليه وسلم) ثمَّ قال : (يا علي هذا جبرئيل يُقرئك السلام. فقلت : عليك وعليه السّلام يارسول اللّه لِمَ؟ قال : أُدّن منّي، فدنوت منه فقال : ياعلي يقول لك جبرئيل : صم كل شهر ثلاثة أيام يُكتب لك بأول يوم عشرة الآف (سنة) وباليوم الثاني ثلاثين ألف (سنة) وباليوم الثالث مائة ألف (سنة). فقلت : يارسول اللّه هذا ثواب لي خاصة أم للنّاس عامة؟ قال : يا علي يُعطيك اللّه هذا الثواب ولمن يعمل مثل عملك بعدك. قلت : يارسول اللّه وماهي؟ قال : أيام البيض : ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر). قال عنترة : قلت لعلي (رضي اللّه عنه) : لأي شيء سُميت هذه الأيام البيض؟ قال : لما أهبط آدم ج من الجنّة إلى الأرض أحرقته الشمس. فاسوّد جسده ثمَّ صام اليوم الثالث. فأتاه جبرئيل فقال : يا آدم أتحب أن يبيض جسدك ؟ قال : نعم، قال : فصم من الشهر ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر فصام آدم ج أول يوم فابيض ثلث جسده، ثمَّ صام اليوم الثاني فابيض ثلثا جسده، ثمَّ صام اليوم الثالث فابيض جسده كلّه فسُميت أيام البيض. قال المفسّرون : فرض اللّه على رسوله محمد (صلى اللّه عليه وسلم) وعلى المؤمنين صوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر حين قدم المدينة فكانوا يصومونها إلى أن نزل صيام شهر رمضان قبل قتال بدر بشهر وأيام. وقال الحسن وجماعة من العلماء : اراد بالّذين من قبلنا : النّصارى شبّه صيامنا بصيامهم لا تفاقهم بالوقت والقدر؛ وذلك انّ اللّه فرض على النّصارى صيام شهر رمضان. فاشتد ذلك عليهم؛ لأنّه ربّما كان في الحر الشديد والبرد الشديد. فكان يضرّ بهم في أسفارهم ومعائشهم، واجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السّنة بين الشّتاء والصّيف فجعلوه في الرّبيع وزادوا فيه عشرة أيّام كفّارة لما صنعوا فصار أربعين ثمَّ إنّ ملكاً لهم إشتكى فمه فجعل اللّه عليه إن هو بورأ من وجعه أن يزيد في صومه إسبوعاً فبرأ فزاد فيه إسبوع ثمّ مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال : أتموا خمسين يوماً فأتمّوه خمسين يوماً، وقال مجاهد أصابهم موتان فقالوا : زيدوا في صيامكم فزادوا عشراً قبل وعشراً بعد. روى أبو أُمية الطّنافسي عن الشعبي قال : لو صمت السّنة كلّها وفطرت اليوم الّذي يشكّ فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان، وذلك أنّ النّصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحولوه إلى الفصل وذلك إنّهم ربما كانوا صاموه في القيظ فعدّوا ثلاثين يوماً ثمّ جاء بعدهم قرن منهم فأخذوا بالثّقة في أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوماً وبعدها يوماً ثمّ لم يزل الآخر يستن بسنّة القرن الّذي قبله حتّى صاروا إلى خمسين يوماً فذلك قوله عزّ وجلّ : {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} . {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} لكي تتقوا الأكل والشرب والجماع. |
﴿ ١٨٣ ﴾