٢٢٥

{لا يؤاخذكم اللّه بالغوا في أيمانكم} أصل اللغو في كلام العرب ما أسقط فلم يعتد به،

قال ذو الرمّة :

وتطرح بينها المرّي لغواً

ما ألغيت في الماية الحوارا

يريد بالماية التي تُساق في الدية إذا وضعت ناقة منها حواراً لا يقدّمه،

والمرّي منسوب إلى امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم،

قال المثقب العبدي :

أومائة تجعل أولادها

لغواً وعرض المائة الجلمد

واللغو واللغاء في الكلام ما لا خير فيه ولا معنى له،

ونظيره في اللغة صفو فلان معك وصفاه،

قال اللّه تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} وقال تعالى : {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} قال أُمية :

فلا لغوٌ ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به لهمُ مقيم

وقال العجّاج :

وربّ أسراب الحجيج الكظّم

عن اللغا ورَفَث التكلّم

واختلف العلماء في لغو اليمين المذكور في هذه الآية،

فقال قوم هو ما يسبق به لسان الإنسان من الايمان على سرعة وعجلة ليصل به كلامه من غير عقد ولا قصد،

مثل قول القائل : لا واللّه وبلى واللّه وكلاّ واللّه ونحوها،

فهذا لا كفارة فيه ولا إثم.

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّه بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ} قالت : قول الإنسان لا واللّه وبلى واللّه،

وعلى هذا القول الشعبي وعكرمة ومجاهد في رواية الحكم،

وقال الفرزدق :

ولست بمأخوذ بلغو تقوله

إذا لم تعمد صاغرات العزايم

وقال آخرون : لغو اليمين هو أن يحلف الإنسان على الشيء يرى أنه صادق فيه ثم يتبيّن أنه خلاف ذلك،

فهو خطأ منه من غير عمد،

ولا كفارة عليه ولا إثم،

وهو قول الزهري والحسن وسليمان بن يسار وإبراهيم النخعي وأبي مالك وقتادة والربيع وزرارة بن أوفى ومكحول والسدي وابن عباس في رواية الوالبي،

وعن أحمد برواية ابن أبي نجيح.

وقال علي وطاووس : اللغو اليمين في حال الغضب والضجر من غير عزم ولا عقد،

ومثله روى عطاء عن وسيم عن ابن عباس،

يدلّ عليه قوله (صلى اللّه عليه وسلم) (لا يمين في غضب). وقال بعضهم : هو اليمين في المعصية لا يؤاخذ به اللّه عزّ وجلّ في الحنث فيها،

بل يحنث في يمينه ويكفّر،

قاله سعيد بن جبير،

وقال غيره : ليس فيه كفارة.

وقال مسروق : في الرجل الذي يحلف على المعصية ليس عليه كفّارة. الكفر عن خطوات الشيطان،

ومثله روى عكرمة عن ابن عباس،

وقال الشعبي : في الرجل الذي يحلف على المعصية كفارته أن يتوب منها،

فكل يمين لا يحل لك أن تفي بها فليس فيها كفارة،

فلو أمرته بالكفارة لأمرته أن يتم على قوله،

يدلّ عليه ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من نذر فيما لا يملك فلا نذر له،

ومن حلف على معصية اللّه فلا يمين له).

وروت عمرة عن عائشة،

قالت : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من حلف على قطيعة رحم أو معصية فبرّه أن يحنث منها ويرجع عن يمينه).

وروى حماد عن إبراهيم قال : لغو اليمين أن يصل الرجل كلامه بأن يحلف : واللّه لا آكلنّ أو لا أشربنّ،

ونحو هذا لا يتعمد به اليمين ولا يريد حلفاً فليس عليه كفارة يدل عليه ما روى عوف الأعرابي عن الحسين بن أبي الحسن،

قال : مرّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بقوم ينتضلون ومعه رجل من أصحابه،

فرمى رجل من القوم فقال : أصبت واللّه وأخطأت،

فقال الذي مع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) حنث الرجل،

قال واللّه،

فقال : (كلا، أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة).

وقالت عائشة : أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة،

والحديث الذي لا يعقد القلب عليه.

وقال زيد بن أسلم : هو دعاء الحالف على نفسه كقوله : أعمى اللّه بصري إن لم أفعل كذا،

أخرجني من مالي إن لم أرك غداً،

أو تقول : هو كافر إنْ فعل كذا،

فهذا كلّه لغو إذا كان باللسان دون القلب لا يؤاخذه اللّه بها حتى يكون ذلك من قلبه ولو واحدة بها لهلك،

يدلّ عليه قوله {ويدع الإنسان بالشر دعائه بالخير وكان الإنسان عجولا ولو يعجّل اللّه للناس الشرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} .

الضحاك : هو اليمين المكفّر وسمي لغواً لأن الكفارة تُسقط منه الإثم،

تقديره : لا يؤاخذكم اللّه بالاثم في اليمين إذا كفّرتم. المغيرة عن إبراهيم : هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينسى فيحنث (باللّه) فلا يؤاخذه اللّه عزّ وجلّ به،

دليله قوله (صلى اللّه عليه وسلم) (رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

{وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أي عزمتم وقصدتم وتعمّدتم لأن كسب القلب العقد على الشيء والنيّة.

{وَاللّه غَفُورٌ حَلِيمٌ} الآية.

اعلم أنّ الأيمان على وجوه : منها أن يحلف على طاعة كقوله : واللّه لأصلينّ أو لأصومنّ أو لأحجّنّ أو لأتصدقنّ ونحوها،

فإنْ كان فرضاً عليه فالواجب عليه أن لا يحنث،

فإنْ حنث فعليه الكفارة،

لأنه كان فرضاً عليه فزاده تأييداً باليمين،

وإنْ كان ذلك تطوعاً ففيه قولان : أحدهما أنّ عليه الكفارة بالحنث فيه،

والقول الثاني : عليه بالوفاء بما قال ولا يجزيه غيره،

ومنها أن يحلف على معصية وقد ذكرنا حكمه والاختلاف فيه،

ومنها أن يحلف على مباح،

وهو على ضربين : من ماض ومستقبل،

فاليمين على المستقبل مثل أن يقول : واللّه لأفعلنّ كذا،

واللّه لا أفعل كذا،

فإنّ هذا إذا حنث فيه لزمته الكفارة بلا خلاف،

واليمين على الماضي مثل أن يقول : واللّه لقد كان كذا ولم يكن،

أو لم يكن كذا وقد كان،

وهو عالم به فهو اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في الإثم لأنّه تعمد الذنوب،

ويلزمه الكفارة عندنا،

وقال أبو حنيفة : لا يلزمه الكفارة وتحصيله كاللغو.

ثم اعلم أن المحلوف به على ضروب : ضرب منها يكون يميناً ظاهراً وباطناً،

ويلزم المرء الكفارة بالحنث فيها،

وهو قول الرجل : واللّه وباللّه وتاللّه،

فهذه أيمان صريحة ولا يعتبر فيها النية،

والضرب الثاني أن يحلف بصفة من صفات اللّه عزّ وجلّ كقوله : وقدرة اللّه وعظمة اللّه وكلام اللّه وعلم اللّه ونحوها،

فإنّ حكم هذا كحكم الضرب الأول سواء،

والضرب الثالث أن يحلف بكنايات اليمين كقوله : أيم اللّه وحق اللّه وقسم اللّه ولعمرو اللّه ونحوها،

فهذا يعتبر فيها النية،

فإن نوى اليمين كان يميناً،

وإنْ قال : لم أرد به اليمين قبلنا قوله فيه،

والضرب الرابع : أن يحلف بغير اللّه مثل أن يقول : والكعبة والصلاة واللوح والقلم وحق محمد وأبي وحياتي ورأس فلان ونحوها،

فهذا ليس بيمين،

ولا يلزم الكفارة بالحنث فيه،

وهو يمين مكروه فيه،

قال الشافعي : والمعنى أن يكون.

..).

عبد اللّه بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقول : كانت قريش تحلف بآبائها،

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من كان حالفاً فليحلف باللّه،

لا تحلفوا بآبائكم).

وسمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (عمر) يقول : وأبي فنهاه عن ذلك،

قال عمر : فما حلفت بهذا بعد ذاكراً ولا آثراً

﴿ ٢٢٥