٢٣٠{فَإِن طَلَّقَهَا} يعني ثلاثاً {ولا تحلّ له من بعد} يعني من بعد التطليقة الثالثة، وبعد رفع على الغاية {حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أي غير المطلِّق فيجامعها، والنكاح يتناول العقد والوطء جميعاً. نزلت هذه الآية في تميمة، وقيل : عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرطي، كانت تحت رفاعة بن وهب بن عتيك القرطي، وكان ابن عمها فطلّقها ثلاثاً، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وما معه إلاّ مثل هدبة الثوب، وإنه طلقني قبل أن يمسّني أفأرجع إلى ابن عمي زوجي الأول؟ فتبسّم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقال : (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك). قال : وأبو بكر جالس عند النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ، وخالد بن سعيد بن العاص جالس بباب الحجرة فطفق خالد ينادي : يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تهجر به عند رسول اللّه، والعسيلة اسم للجماع، وأصلها من العسل شبّه للّذة التي ينالها الإنسان في تلك الحال بالعسل يقال منه : عسلها يعسلها عسلا إذا جامعها. فلبثت ما شاء اللّه أن تلبث ثم رجعت إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقالت : إن زوجي كان قد مسّني، فقال لها النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (كذبت بقولك الأول فلن نصدّقك في الآخر) فلبثت حتى قبض النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فأتت أبا بكر، فقالت : يا خليفة رسول اللّه أرجع إلى زوجي الأول، فإن زوجي الآخر قد مسّني وطلّقني، فقال أبو بكر : قد شهدت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حين أتيته، وقال لك ما قال فلا ترجعي إليه، فلمّا قُبض أبو بكر أتت عمر (رضي اللّه عنه) وقالت له مثل ما قالت لأبي بكر، فقال عمر : لئن رجعت إليه لأرجمنّك، فإن اللّه تعالى قد أنزل {فَإِن طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} {فَإِن طَلَّقَهَا} زوجها الثاني أو مات عنها بعد ما جامعها {فلا جناح عَلَيْهِمَآ} يعني على المرأة المطلّقة وعلى الزوج الأول {أَن يَتَرَاجَعَآ} بنكاح جديد، فذكر النكاح بلفظ التراجع {إِن ظَنَّآ} عَلِما، وقيل : رجوا، قالوا : ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم لأنّ أحداً لا يعلم ما هو كائن إلاّ اللّه عزّ وجلّ {أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّه} يعني ما بيّن اللّه من حق أحدهما على الآخر، ومحلّ (أن) في قوله {أَن يَتَرَاجَعَآ} نصب بنزع حرف الجر أي في أن يتراجعا، وفي قوله {أَن يُقِيمَا} نصب بوقوع الظن عليه. وقال مجاهد : ومعناه إن علما أنّ نكاحهما على غير دلسة، وأراد بالدلسة التحليل، هذا مذهب سفيان والأوزاعي ومالك وأبي عبيدة وأحمد وإسحاق، قالوا في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً فتزّوج زوجاً غيره ليحلّها لزوجها الأول : إن النكاح فاسد، وكان الشافعي يقول : إذا تزوّجها ليحلّها فالنكاح ثابت إذا لم يشترط ذلك في عقد النكاح مثل أن يقول : أنكحك حتى أصيبك فتحلّي لزوجك الأول، فإذا اشترط هذا فالنكاح باطل، وما كان من شرط قبل عقد النكاح فلا يفسد النكاح. وقال نافع أتى رجل ابن عمر فقال : إنّ رجلا طلّق امرأته ثلاثاً، فانطلق أخ له من غير مراجعة فتزوجها ليحلّها للأول فقال : لا، إلاّ بنكاح رغبة، كنّا نعدّ هذا سفاحاً على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، وقال ج : (لعن اللّه المحلّل والمحلَّل له). عقبة بن عامر قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ألا أدلّكم على التيس المستعار؟) قالوا : بلى يا رسول اللّه، قال : (هو المحلِّل والمحلَّل له). قبيصة بن جابر الأسدي، قال : سمعت عمر بن الخطاب يخطب وهو على المنبر : واللّه لا أوتى بمحلّل ولا بمحلَّل له إلاّ رجمتها. {وَتِلْكَ حُدُودُ اللّه يُبَيِّنُهَا} روى المفضل وأبان عن عاصم بالنون {لقوم يعلمون وإذا طلّقتم النساء فبلغن أجلهنّ} نزلت في رجل من الأنصار يُدعى ثابت بن يسار، طُلِّقت امرأته حتى إذا انقضت عدتها إلاّ يومين أو ثلاثة وكادت تبين منه، راجعها ثم طلقها، ففعل بها ذلك حتى مضيت لها تسعة أشهر مضارة لها بذلك، ولم يكن الطلاق يومئذ محصوراً، وكان إذا أراد الرجل أن يُضارّ امرأته طلقها ثم تركها حتى تحيض الحيضة الثالثة، ثم راجعها ثم طلّقها فتطويله عليها هو الضرار، |
﴿ ٢٣٠ ﴾