٢٣١-٢٣٢فأنزل اللّه تعالى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي أمرهنّ في أن تبين بانقضاء العدة، ولم يرد إذا انقضت عدتهنّ لأنها إذا انقضت عدّتها لم يكن للزوج إمساكها، فالبلوغ ها هنا بلوغ مقاربة، وقوله بعد هذا {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} بلوغ انقضاء وانتهاء، والبلوغ يتناول المعنيين جميعاً، يقال : بلغ المدينة إذا صار إلى حدّها وإذا دخلها. {فَأَمْسِكُوهُنَّ} أي راجعوهنّ {بِمَعْرُوفٍ} قال محمد بن جرير : بمعروف أي بإشهاد على الرجعة وعقد لها دون الرجعة بالوطء {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} أي اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهنّ، وكنّ أملك لأنفسهنّ. {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} مضارّة وأنتم لا حاجة بكم إليهنّ {لِّتَعْتَدُوا} عليهن بتطويل العدّة {وَمَن يَفْعَلْ ذلك } الاعتداء {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ضرّها بمخالفة أمر اللّه عزّ وجلّ. مرّة الطيب، عن أبي بكر الصديق (رضي اللّه عنه) قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ملعون من ضارّ مسلماً أو ماكره). {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن} الحسن عن أبي الدرداء قال : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : إنّما طلّقت وأنا لاعب فيرجع فيها ويعتق، فيقول مثل ذلك ويرجع فيه وينكح، ويقول مثل ذلك، فأنزل اللّه تعالى {وَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن} يقول : حدود اللّه وقرأها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : من طلق أو حرّر وأنكح وزعم أنّه لاعب فهو جدّ، وفي الخبر : خَمسٌ جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ : الطلاق، والعتاق، والنكاح، والرجعة، والنذر. وعن أبي موسى، قال : غضب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) على الأشعريين قال : يقول (أحدكم لامرأته : قد طلقتك، قد راجعتك، ليس هذا طلاق المسلمين، طلّقوا المرأة في قبل طمثها). وقال الكلبي {وَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن} يعني قوله {فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ} . {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ} بالإيمان {وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ} يعني القرآن {وَالْحِكْمَةَ} يعني مواعظ القرآن والحدود والأحكام. {يعظكم به واتقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بكل شيء عليم وإذا طلّقتم النساء فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهن} الآية، نزلت في جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار المزني، كانت تحت أبي البدّاح عاصم بن عدي بن عجلان، فطلّقها تطليقة واحدة ثم تركها حتى انقضت عدّتها ثم جاء يخطبها وأراد مراجعتها وكان رجل صدق، وكانت المرأة تحبّ مراجعته، فمنعها أخوها معقل وقال لها : لئن راجعتهِ لا أكلمك أبداً، وقال لزوجها : أفرشتك كريمتي وآثرتك بها على قومي فطلّقتها، ثم لم تراجعها حتى إذا انقضت عدّتها جئت تخطبها، واللّه لا أنكحك بها أبداً، وحمى أنفاً، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، فدعا رسول اللّه معقلا وتلاها عليه، فقال : فإني أؤمن باللّه واليوم الآخر، فأنكحها إيّاه وكفّر يمينه على قول أكثر المفسّرين. وقال السدّي : نزلت هذه الآية في جابر بن عبد اللّه الأنصاري، وكانت له بنت عم فطلّقها زوجها تطليقة واحدة وانقضت عدّتها ثم أراد رجعتها، فأتى جابر فقال : طلّقت ابنة عمي ثم تريد أن تنكحها الثانية، وكانت المرأة تريد زوجها فأنزل اللّه {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فانقضت عدّتهن قال الزجّاج : الأجل آخر المدة وعاقبة الأُمور، قال لبيد : فاخرها بالبرّ للّه الأجل يريد عاقبة الأُمور. {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} فلا تمنعوهنّ، والعَضْل : المنع من التزوّج، وأنشد الأخفش : ونحن عضلنا بالرماح لسانا وما فيكم عن حرمة له عاضل وأنشد : وأن قصائدي لك فاصطنعني كرائم قد عضلن عن النكاح وأصل العضل الضيق والشدّة، يقال : عضلت المرأة والشاة إذا تشبث ولدهما في بطنهما فضاق عليه الخروج، وعضلت الدجاجة إذا تشبّث البيض فيها، وعضل الفضاء بالجُلَّس إذا ضاق عليهم لكثرتهم، ويقال : ذا عضال إذا ضاق علاجه فلا يطاق، ويقال : عضل الأمر إذا اشتدّ وضاق. قال عمر (رضي اللّه عنه) : أعضل أهل الكوفة لا يرضون بأمير ولا يرضاهم أمير، وقال أوس بن حجر : وليس أخوك الدائم العهد بالذي يذمّك إن ولّى ويرضيك مقبلا ولكنّه النائي إذا كنت آمناً وصاحبك الأدنى إذا الأمر أعضلا قال طاووس : لقد وردت عضل أقضية ما قام بها إلاّ ابن عباس، وكل مشكل عند العرب معضل ومنه قول الشافعي : إذا المعضلات بعدن عني كشفت حقائقها بالنظر {أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} الأوّل بنكاح جديد {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ} بعقد حلال ومهر جائز، ونظم الآية : فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ بالمعروف إذا تراضوا بينهم، وفي هذه الآية دليل قول من قال : لا نكاح إلاّ بولي لأنه تعالى خاطب الأولياء في التزويج، ولو كان للمرأة إنكاح نفسها لم يكن هناك عضل ولا لنهي اللّه الأولياء عن العضل معنى، يدلّ عليه ما روى أبو بردة عن أبي موسى قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لا نكاح إلاّ بولي). { ذلك } أي ذلك الذي ذكرت من النهي {يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ} وإنما قال ذلك موحداً والخطاب للأولياء؛ لأنّ الأصل في مخاطبة الجمع ذلكم ثم كثر ذلك حتى توهّموا أنّ الكاف من نفس الحرف، وليس بكاف الخطاب، فقالوا ذلك، وإذا قالوا هذا كانت الكاف موحدة منصوبة في الآيتين والجمع والمذكر والمؤنث. وقيل : ها هنا خطاب للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) فلذلك وحَّده ثم رجع إلى خطاب المؤمنين، فقال عزّ من قائل {ذالِكُمْ أَزْكَى} خيرٌ وأفضل {لَكُمْ وَأَطْهَرُ} لقلوبكم من الريبة وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما علاقة حبّ لم يؤمن بأن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحلّ اللّه لهما، ولم يؤمن من أوليائهما إن سبق إلى قلوبهم منهما لعلّهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون. {وَاللّه يَعْلَمُ} من خبر كل واحد منهما لصاحبه {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} . |
﴿ ٢٣١ ﴾