٢٣٨{حَافِظُوا عَلَى الصلواتِ} أي واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها وحدودها وركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وجميع ما يجب فيها من حقوقها، وكل صلاة في القرآن مقرونة بالمحافظة فالمراد بها الصلوات الخمس، ثم خصّ الصلاة الوسطى من بينها بالمحافظة دلالة على فضلها كقوله تعالى : {من كان عدواً للّه وملائكته ورسله وجبرائيل وميكائيل} وهما من جملة الملائكة، وقوله : {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} أخرجهما بالذكر من الجملة بالواو الدالة على التخصيص والتفصيل، فكذلك قوله : {حَافِظُوا عَلَى} . وقرأت عائشة {حَافِظُوا عَلَى} بالنصب على الإغراء، وروى قالون عن نافع {الْوُسْطَى} بالصاد لمجاورة الطاء لأنهما من جنس واحد، وهما لغتان كالصراط والسراط، والصدغ والسدغ، والبصاق والبساق، واللصوق واللسوق، والصندوق والسندوق، والصقر والسقر. والوسطى تأنيث الأوسط، ووسط الشيء خيره وأعدله لأن خير الأمور أوسطها، قال اللّه تعالى : {وَ كذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي خياراً وعدلا، وقال تعالى : {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي خيرهم وأفضلهم، وقال أعرابي يمدح النبي (صلى اللّه عليه وسلم) : يا أوسط الناس طرّاً في مفاخرهم وأكرم الناس أُمّاً برّة وأبا واختلف العلماء في الوسطى وأي صلاة هي، فقال سعيد بن المسيب : كان أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فيها هكذا في الاختلاف، وشبّك من أصابعه، فقال قوم : هي صلاة الفجر، وهو قول معاذ وعمر وابن عباس وابن عمر وجابر بن عبد اللّه وعطاء وعكرمة والربيع ومجاهد وعبد اللّه بن شداد بن الهاد، وعن موسى بن وهب قال : سمعت أبا أمامة وقد سئل عن الصلاة الوسطى قال : لا أحسبها إلاّ صلاة الصبح. معمر بن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عكرمة قالا : هي الصبح يعني الصلاة الوسطى، وهو اختيار الإمام أبي عبد اللّه الشافعي، يدلّ عليه ما روى الربيع عن أبي العالية أنه صلّى مع أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلاة الغداة، فلمّا أن فرغوا قال : قلت لهم : أيّتهنّ الصلاة الوسطى؟ قالوا : التي صلّيتها، قيل : ولأنها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار. وروى عكرمة عن ابن عباس قال : هي صلاة الصبح، وسّطت فكانت بين الليل والنهار، يصلّى في سواد من الليل وبياض من النهار، وهي أكبر الصلوات تفوت الناس، ولأنها لا تقصر ولا تجمع إلى غيرها، ولأنها بين صلاتين تجمعان، وتصديق هذا التأويل من التنزيل دالا على التخصيص والتفضيل قوله تعالى {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} يعني تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، مكتوب في ديوان الليل وديوان النهار، ودليل آخر من سياق الآية وهو أنه عقبها بقوله {وَقُومُوا للّه قَانِتِينَ} يعني وقوموا للّه فيها قانتين، قالوا : ولا صلاة مكتوبة فيها قنوت سوى صلاة الفجر فعلم أنها هي، وفيه دليل على ثبوت القنوت. وقال أبو رجاء العطاردي : صلّى بنا ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة، فقنت بنا قبل الركوع ورفع يديه، فلمّا فرغ قال : هذه الصلاة الوسطى التي أُمرنا أن نقوم فيها قانتين، والدليل عليه ما روى حنظلة عن أنس قال : قنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) شهراً وقال : ما زال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا. ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات، وعثمان حتى مات، وعلي حتى مات، وقال آخرون : هي صلاة الظهر وهو قول زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وأسامة بن زيد وعائشة. روى عروة عن زيد بن ثابت أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) كان يصلّي بالهاجرة وكانت أثقل الصلوات على أصحابه فلا يكون وراءه إلاّ الصف والصفّان، وأكثر الناس يكونون في قائلتهم وفي تجاراتهم، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم) فنزلت هذه الآية {حَافِظُوا عَلَى الصلاتِ وَالصلاةِ الْوُسْطَى} ودليلهم أنها وسط النهار ما روى أبو ذر عن علي كرم اللّه وجهه قال : قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ اللّه في السماء الدنيا حلفة تزول منها الشمس، فإذا مالت الشمس سبّح كل شيء لربّنا، وأمر اللّه تعالى بالصلاة في تلك الساعة، وهي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتى يصلّى الظهر، ويستجاب فيها الدعاء). ولأنها أوسط صلوات النهار، ومن خصائصها أنها أول صلاة فرضت، وأول صلاة توجّه فيها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه إلى الكعبة، وهي التي ترفع جميع الصلوات والجماعات (لأجلها) يوم الجمعة. وقال بعضهم : هي صلاة العصر، وهو قول علي وعبد اللّه وأبي هريرة والنخعي وزرّ بن حبيش وقتادة وأبي أيوب والضحّاك والكلبي ومقاتل، واختيار أبي حنيفة، يدلّ عليه ما روى الحسن عن سمرة بن جندب عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : (صلاة الوسطى العصر). وفي بعض الأخبار هي التي فرّط فيها سليمانج. سفيان بن عيينة عن البراء بن عازب قال : نزلت {حَافِظُوا عَلَى الصلاتِ} وصلاة العصر فقرأناها على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما شاء اللّه ثم (سنحتها) {حَافِظُوا عَلَى الصلاتِ وَالصلاةِ الْوُسْطَى} فقال له بعضهم : فهي صلاة العصر، قال : أعلمتك كيف نزلت وكيف نسختها، واللّه أعلم. نافع عن حفصة زوج النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنها قالت لكاتب مصحفها : إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك بما سمعت من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، فلمّا أخبرها قالت : اكتب إني سمعت رسول اللّه يقول {حَافِظُوا عَلَى الصلاتِ وَالصلاةِ الْوُسْطَى} صلاة العصر. هشام عن عروة عن أبيه قال كان في مصحف عائشة {حَافِظُوا عَلَى الصلاتِ وَالصلاةِ الْوُسْطَى} صلاة العصر {وَقُومُوا للّه قَانِتِينَ} وهكذا كان يقرأها أبي بن كعب وعبيد بن عمير. الأعمش عن مسلم عن شتير بن شكل عن علي قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يوم الأحزاب : (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ اللّه بيوتهم أو قبورهم نارا). قال ثم صلاّها بين العشاءين، وفي بعض الأخبار أن رجلا قال في مجلس عبد العزيز بن مروان : أرسلني أبو بكر وعمر وأنا غلام صغير إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أسأله عن الصلاة الوسطى، فأخذ اصبعي الصغيرة فقال : (هذه الفجر)، وقبض التي تليها وقال : (هذه الظهر)، ثم قبض الإبهام فقال : (هذه المغرب)، ثم قبض التي تليها فقال : (هذه العشاء)، ثم قال : (أي أصابعك بقيت؟) فقلت : الوسطى، فقال : (أي الصلاة بقيت؟) قلت : العصر، قال : (هي العصر). قالوا : ولأنها بين صلاتي نهار وصلاتي ليل، (وكان) النبي (صلى اللّه عليه وسلم) متسامحاً فأخذ يصلّيها ويبالغ، وروى أبو تميم الحبشاني عن أبي بصرة الغفاري قال : صلّى بنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صلاة العصر، فلمّا انصرف قال : (إن هذه الصلاة فرضت على من كان قبلكم؛ فتوانوا فيها وتركوها؛ فمن صلاّها منكم وحافظ عليها أوتي أجرها مرّتين ولا صلاة بعدها حتى يرى الشاهد) والشاهد : النجم. أبو قلابة عن أبي المهاجر عن بريدة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (بكّروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله). نافع عن ابن عمر عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الذي يصلّي العصر كافاه في أهله وماله). وقال قبيصة بن ذؤيب : هي صلاة المغرب، ألا ترى أنها واسطة ليست بأقلها ولا أكثرها وهي لا تقصر في السفر ومن وتر النهار. هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن أفضل الصلوات صلاة المغرب، لم يحطها اللّه عن مسافر ولا مقيم، فتح اللّه بها صلاة الليل، وختم بها النهار، فمن صلّى المغرب وصلّى بعدها ركعتين بنى اللّه له قصراً في الجنة، ومن صلّى بعدها أربع ركعات غفر اللّه له ذنب عشرين سنة، أو قال : أربعين سنة). وحكى الشيخ أبو ميثم سهل بن محمد عن بعضهم أنها صلاة العشاء الأخيرة، وقال : لأنها بين صلاتين لا تقصران. وروى عبد الرحمن بن أبي عمر عن عثمان بن عفان (رضي اللّه عنه) عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من صلّى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة). وقال بعضهم : هي إحدى الصلوات الخمس ولا نعرفها عينها، سئل الربيع بن خيثم عن الصلاة الوسطى فقال للسائل : (أراغب) إن علمتها كنت محافظاً عليها ومضيّعاً سائرهن؟ قال : لا، قال : فإنك إنْ حافظت عليهنّ فقد حافظت عليها، وبه قال أبو بكر الورّاق، قال : لو شاء اللّه عزّ وجلّ لبيّنها، ولكنه سبحانه أراد تنبيه الخلق على أداء الصلوات. قال الثعلبي (ولقد أحسنا) في قوليهما فإن اللّه تعالى أخفى الصلاة الوسطى في جميع الصلوات المكتوبة ليحافظوا على جميعها رجاء الوسطى، كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان، واسمه الأعظم في جميع الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة حكمةً منه في فعله ورحمةً على خلقه. وفي قوله عزّ وجلّ {والصلاة الوسطى} دليل على أن الوتر ليس بواجب وذلك أن المسلمين اتفقوا على أن الصلوات المفروضات تنقص عن سبعة وتزيد على ثلاثة، وليس من الثلاثة والسبعة فرد إلاّ خمسة، والأزواج لا وسطى لها، فثبت أنها خمسة. قتادة عن أنس قال : قال رجل : يا رسول اللّه، كم افترض اللّه على عباده الصلوات؟ قال : خمس صلوات، قال : فهل قبلهنّ وبعدهنّ شيء افترض اللّه على عباده قال : لا، فحلف الرجل باللّه لا يزيد عليهنّ ولا ينقص، فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (إن صدق الرجل دخل الجنة). وعن طلحة بن عبيد اللّه قال : جاء رجل إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفهم ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (خمس صلوات في اليوم والليلة) قال : هل عليّ غيرهنّ؟ قال : (لا إلاّ أن تتطوع) قال (صلى اللّه عليه وسلم) (وصيام شهر رمضان) قال : هل عليّ غيره؟ قال : (لا، إلاّ أن تتطوع) وذكر له عليه الصلاة والسلام الزكاة، قال : هل عليّ غيرها؟ قال : (لا، إلاّ أن تتطوع) فأدبر الرجل وهو يقول : واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أفلح إن صدق). عن محمد بن يحيى بن حيان عن ابن جرير أن رجلا من بني كنانة يدعى المحدجي كان يسمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد يقول : الوتر واجب، قال المحدجي : فرحت إلى عبادة بن الصامت واعترضت له وهو رايح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة : كذب أبو محمد، سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (خمس صلوات كتبهنّ اللّه على العباد، من جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ استخفافاً بحقهنّ كان له عند اللّه عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند اللّه عهد إن شاء عذّبه اللّه وإن شاء أدخله الجنة). وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنه) قال : ليس الوتر بحتم لأنه لا تكبير به ولكنه سنّة سنّها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ، والدليل على أنّ الوتر ليس بواجب ما روى نافع عن ابن عمر أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) كان يوتر على راحلته، وعن نافع أيضاً أن ابن عمر كان يوتر على بعيره، ويذكر أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) كان يفعل ذلك، وأجمع الفقهاء على أن الصلاة المكتوبة على الراحلة في حال الأمن لا تجوز. {وَقُومُوا للّه قَانِتِينَ} أي مطيعين، قاله الشعبي وعطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وطاووس وابن عباس برواية عكرمة وعطية وابن أبي طلحة، قال الضحّاك ومقاتل والكلبي : لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين، فقوموا أنتم في صلواتكم للّه مطيعين، ودليل هذا التأويل ما روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : (كل قنوت في الظهرين هو الطاعة). وقال بعضهم : القنوت : السكوت (عمّا) لا يجوز التكلم به في الصلاة، قال زيد بن أرقم : كنّا نتكلّم على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في الصلاة ويكلّم أحدنا مَنْ إلى جانبه، ويدخل الداخل فيسلّم فيردون عليه، ويسألهم : كم صلّيتم؟ فيردّون عليه مخبرين كم صلوا، ويجيء خادم الرجل وهو في الصلاة فيكلّمه بحاجته كفعل أهل الكتاب، فكنّا كذلك إلى أن نزلت {وَقُومُوا للّه قَانِتِينَ} فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام. مجاهد : خاشعين، قال : ومن القنوت طول الركوع وغضّ البصر والركود وخفض الجناح، كان العلماء إذا قام أحدهم يصلّي يهاب الرحمن أن يلتفت أو يقلّب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدّث نفسه بشيء من أمر الدنيا إلاّ ناسياً. الحسن والربيع : قياماً في الصلاة، يدلّ عليه حديث جابر أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) سئل : أيّ الصلاة أفضل؟ فقال : (طول القنوت). وقال ابن عباس في رواية رجاء : داعين في صلاتهم، دليله أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قنت على رجل وذكر أن أي دعاء عليهم (قد) قيل : مصلّين دليله قوله تعالى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَآءَ الَّيْلِ} أي مصلِّ، وقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (مثل المجاهد في سبيل اللّه كمثل القانت الصائم) أي المصلي الصائم |
﴿ ٢٣٨ ﴾