٢٥٧

{لا انفصام لها واللّه سميعٌ عليم اللّه ولي الذين آمنوا} أي ناصرهم ومعينهم وقيل محبهم وقيل متولي أمرهم لا يكلهم إلى غيره. يقال : توليت أمر فلان وولّيته ولاية بكسر الواو،

وقيل : أولى وأحق بهم لأنّه يربّهم،

وقال الحسن : ولي هداهم.

{يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي من الكفر والضلالة إلى الإيمان والهداية،

وكذلك كانوا في علم اللّه عزّ وجلّ قبل أنّ يخلقهم،

فلما خلقهم مضى فيهم علمه فآمنوا.

وقال الواقدي : كلّ شيء في القرآن من الظلمات والنور فإنّه أراد به الكفر والإيمان غير التي في سورة الأنعام {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} فإنّه يعني به الليل والنهار.

قال ابن عباس : هؤلاء قوم كفروا بعيسىج ثم آمنوا بمحمد (صلى اللّه عليه وسلم) فأخرجهم (من الكفر) بعيسى إلى إيمانهم بالمصطفى وسائر الأنبياء (عليهم السلام)،

وقال غيره : هو عام لجميع المؤمنين،

وقال ابن عطاء : هذه الآية (تغنيهم من) صفاتهم بصفة فيصيرون قائمين بالحق للحق مع الحق.

الواسطي : يخرجهم من ظلمات نفوسهم إلى آدابها كالرضا والصدق والتوكّل والمعرفة والمحبّة.

أبو عثمان : يخرجهم من رؤية الأفعال إلى رؤية المنن والأفضال،

وقيل : يخرجهم من ظلمات الوحشة والفرقة إلى نور الوصيلة والقربة.

{والذين كفروا أوليائهم الطاغوت} هكذا قرأه العامّة وقرأ الحسن الطواغيت على الجمع.

قال أبو حاتم : العرب تجعل الطاغوت واحداً وجمعاً ومذكّراً ومؤنّثاً.

قال اللّه تعالى في الواحد والمذكّر {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ} .

وقال في المؤنّث : {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} وقال في الجمع : {يُخرجهم من النور إلى الظلمات}.

قال ابن عباس : يعني بالطاغوت الشيطان.

قال مقاتل يعني كعب بن الأشرف،

ويحيى بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة يُخرجونهم ويدعونهم من النور إلى الظلمات،

دليله قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يعني أدعوهم.

فإن قيل : ما وجه قوله {يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} وهم كفّار لم يكونوا في نور قط وكيف يخرجونهم ممّا لم يدخلوا فيه.

فالجواب ما قال مقاتل وقتادة : هم اليهود كانوا مؤمنين بمحمّد (صلى اللّه عليه وسلم) قبل أن يُبعث فلما بُعث كفروا به وجحدوا ما وجدوه في كتبهم من نعته وصفته ونبوّته بيانه قوله : {فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} فذلك خروجهم من النور يعني بإيمانهم بمحمد قبل البعث،

ويعني بالظلمات كفرهم بمحمد (صلى اللّه عليه وسلم) بعد البعث،

والإدخال والإخراج الى اللّه عزّ وجلّ لا إلى غيره إلاّ على سبيل الشريعة والتفريع. قال اللّه عزّ وجلّ : {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ} ،

وأجراها أهل المعاني على العموم في جميع الكفّار.

وقالوا : منعه إياهم من الدخول فيه إخراج،

وهذا كما يقول الرجل لأبيه : أخرجتني من مالك ولم يكن فيه،

فقال اللّه تعالى إخباراً عن يوسف : {إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّه} ولم يكن أبداً على دينهم حتّى تركه قال اللّه تعالى {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} ولم يكن فيه قط.

وقال أمرؤ القيس :

ويأكلون البدل قد عاد احِماً قط

قال له الأصوات ذي كلا نجلى

وقال آخر :

أطعت النفس في الشهوات حتّى

أعادتني عسيفا عبد عبد

ولم يكن عبداً قط.

وقال الغنوي :

فإنّ تكن الأيام أحسن مرّة

إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب

﴿ ٢٥٧