٢٨٥

{واللّه على كلّ شيء قدير آمن الرسولُ بما أُنزل إليه من ربّه}. الآية. روى طلحة بن مصرف عن مرّة عن عبد اللّه قال : لمّا أسرى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) انتهى به إلى سدرة المنتهى،

فأعطى لنا الصلوات الخمس،

وخواتيم سورة البقرة،

وغفر لمن لا يشرك (باللّه) من أمّته شيئاً إلاّ المقحمات.

وعن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو قال : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (أنزل اللّه عزّ وجلّ آيتين من كنوز العرش كتبهما الرحمن عزّ وجلّ قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة من (يقولها) بعد العشاء الآخرة مرّتين أجزأتا عنه قيام الليل : {الرَّسُولُ بِمَآ} . إلى آخر السورة).

وروى أبو قلابة عن أبي الأشعث الهمداني عن النعمان بن بشير عن النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إن اللّه تعالى كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل فيه آيتين فختم بهما سورة البقرة،

فلا يقرآن في دار فيقربها شيطان ثلاث ليال).

وروى عبد الرحمن عند ابن زيد عن ابن مسعود عن النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (مَنْ قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفياه).

موسى بن حذيفة عن ابن المنكدر قال : حدّثنا حديثاً رفعه إلى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (في آخر سورة البقرة آيات أنهنّ قرآن وأنّهن دعاء وأنّهن يرضين الرحمن) وفي الحديث : أنّه قيل للنبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) إن بيت ثابت بن أويس بن شمّاس يزهر الليلة كالمصابيح،

قال : (لعلّه يقرأ سورة البقرة)،

فسئل ثابت فقال : قرأت سورة البقرة.

{آمن الرسولُ بما أُنزل من ربّه} ،

قيل : إن هذه الآية نزلت حين شقّ على أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما يوعدهم اللّه عزّ وجلّ به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم،

فشكوا ذلك إلى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (لعلّكم تقولون سمعنا وعصينا كما قالت بنو اسرائيل؟)

فقالوا : بل نقول سمعنا وأطعنا،

فأنزل اللّه عزّ وجلّ ثناءً عليهم وإخباراً عنهم : {الرَّسُولُ بِمَآ} أي صدّق {بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ} . من ربّه قال قتادة : لمّا أنزلت {الرَّسُولُ بِمَآ} ،

قال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (وحق له أن يؤمن).

{وَالْمُؤْمِنُونَ} . وفي قراءة عليّ وعبد اللّه : وآمن المؤمنون {كُلٌّ ءَامَنَ بِاللّه} . وحّد الفعل على لفظ كلّ،

المعنى : كلّ واحد منهم آمن،

فلو قال : آمنوا،

لجاز لأن (كلّ) قد تجيء في الجمع والتوحيد،

فالتوحيد قوله عزّ وجلّ : {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَ تَهُ وَتَسْبِيحَهُ} والجمع قوله {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} .

{وَمَلَاكَتِهِ وَكُتُبِهِ} (قرأ) ابن عباس وعكرمة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف و{كِتَابَهُ} . على الواحد بالألف. وقرأ الباقون : (كتبه) بالجمع،

وهو ظاهر كقوله : {وَمَلا كَتِهِ وَرُسُلِهِ} .

والتوحيد وجهان : أحداهما : إنّهم أرادوا القرآن خاصّة،

والآخر : إنّهم أرادوا جميع الكتب. يقول العرب : كثر اللبن وكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس،

يريدون الألبان والدراهم والدنانيير. يدلّ عليه قوله : {فَبَعَثَ اللّه النَّبِيِّنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} .

{وَرُسُلِهِ} . جمع رسول.

وقرأ الحسن وابن سلمة بسكون السين لكثرة الحركات،

وكذلك روى العباس عن ابن عمرو،

وروى عن نافع {وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} . مخفّفين،

الباقون بالاشباع فيها على الأصل.

{نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} . نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى،

وفي مصحف عبد اللّه لا نفرّقن.

قرأ جرير بن عبد اللّه وسعيد بن جبير وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويحيى بن يعمر والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب : لا يفرّق بالياء على معنى لا نفرّق الكلّ،

فيجوز أن يكون خبراً عن الرسول.

وقرأ الباقون بالنون على إضمار القول تقديره : وقالوا لا نفرّق كقوله تعالى : {والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب سلام عليكم} وقوله : {وأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم} يعني فيقال لهم : أكفرتم. وقوله تعالى : {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربّهم ربّنا أبصرنا وسمعنا} أي يقولون : ربّنا. {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} أي يقولون : ما نعبدهم.

وما يقتضي شيئين فصاعداً،

وإنّما قال (بين أحد) ولم يقل آحاد لأن الآحد يكون للواحد والجميع. قال اللّه {فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} . وقال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم).

قال رؤبة :

ماذا (أمور) الناس ديكت دوكاً

لا يرهبون أحداً رواكاً

{وَقَالُوا سَمِعْنَا} . قولك {وَأَطَعْنَا} . أمرك خلاف قول اليهود. وروى حكيم بن جابر أن جبرائيل ج أتى النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) حين نزلت {الرَّسُولُ بِمَآ} . فقال : إن اللّه عزّ وجلّ قد منَّ عليك وعلى أمّتك فاسأل تعطى،

فسأل رسول اللّه عزّ وجلّ فقال : غفرانك.

{غُفْرَانَكَ} . وهو نصب على المصدر أي أغفر غفرانك،

مثل قولنا : سبحانك أي نسبّحك سبحانك.

وقيل معناه : نسألك غفرانك.

﴿ ٢٨٥