١٤

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} : جمع شهوة وهي نزوع عن النفس إليه،

وإنَّما حُركَّت الهاء في الجمع ليكون فرقاً بين جمع الاسم وبين جمع النعت؛ لأنَّ النعت لا تحرك نحو : ضخمه،

ضُخمات،

وحبلة حبلات،

والاسم يُحرك مثل : تمرة وتمرات،

هو نفقة الجيل ونفقات،

فإذا كان ثاني الاسم تاء أو واواً،

فأكثر العرب على تسكينها (إستثقالاً) لتحريك الياء والواو كقولك : بيضة وبيضات،

جوزة وجوزات.

وعن أنس بن مالك أنَّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : حُفَّت الجنَّة بالمكاره وحُفَّت النَّار بالشهوات).

{مِّنَ النِّسَآءِ} : بدأ بهنَّ؛ لأنهنَّ حبائل الشيطان وأقرب الى الافتان.

{وَالْبَنِينَ} : عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) للإشعث بن قيس : هل لك من إبنة حمزة من ولد؟

قال : نعم لي منها غلام ولوددت أن لي به جفنة من طعام أطعمها من بقي من بني حيلة،

فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) لئن قلت ذلك إنَّهم لثمرة القلوب وقرَّة الأعين وإنَّهم مع ذلك لمجبنة مبخلة محزنة.

{وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ} : المال الكثير بعضه على بعض.

ابن كيسان : المال العظيم،

أبو عبيدة : تقول العرب هو أن لا يُحدَّ.

وقال الباقون : فلا محدود،

ثم اختلفوا فيه،

فروى أبو صالح عن أبي هريرة أنَّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (القنطار : إثنا عشر ألف أوقية).

وعن يزيد الرقاشي قال : دخلت أنا وثابت وناسٌ معنا الى أنس بن مالك فقلنا له : يا أبا حمزة ما كان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يقول في قيام الليل؟

قال أنس : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ في ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين،

ومن قرأ مائة آية أعطي قيام ليلة كاملة،

ومن قرأ مائتي آية ومعه القرآن فقد أدَّى حَقَّه،

ومن قرأ خمسمائة آية الى أن يبلغ ألف آية كان كمن تصدَّق بقنطار قبل أن يصبح،

قيل : وما القنطار؟

قال : ألف دينار.

سالم بن أبي الجعد عن معاذ بن جبل قال : القنطار ألف ومائتا أوقيَّة،

وهو قول ابن عمر ومثله روي زر بن حبيش عن أُبي بن كعب : عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أنّه قال : (القنطار ألف أوقية ومائتا أوقية).

وروى عطية عن ابن عباس وعبداللّه بن عمر عن الحكم عن الضحاك : (إنَّ القنطار ألف ومائتا مثقال).

ومثله روى يونس عن الحسن عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) مرسلاً.

روي حمزة عن أنس عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (القنطار ألف دينار).

سعيد بن جبير عن عكرمة : هو مائة ألف ومائة مَنْ،

ومائة (رطل) ومائة مثقال ومائة درهم،

ولقد جاء الإسلام يوم جاء (وبمكة) مائة رجل.

(وعن سفيان عن) إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال : القنطار : مائة رطل.

فقال الحكم : القنطار ما بين السماء والأرض من مال.

أبو نظرة : مسك ثور ذهباً أو فضَّة.

سعيد بن المسيَّب وقتادة : ثمانون ألفاً.

ليث عن مجاهد القنطار : سبعون ألفاً.

شريك : أربعون ألف مثقال.

الحسن : القنطار ديَّة أحدكم.

ومثله روى الوالبي عن ابن عباس وجويبر عن الضحَّاك قال : إثنا عشر ألف درهم أو ألف دينار ديَّة أحدكم.

وعن أبي حمزة الثمالي قال : القنطار بلسان أفريقيا والأندلس ثمانية آلاف جروال من ذهب أو فضة.

وروى الثمالي عن السدي قال : أربعة آلاف مثقال.

قال الثعلبي : ورأيت في بعض الكتب أنّ القناطير (مأخوذة من عقد الشيء وإحكامه) وأصلها من الإحكام يقال : قنطرت الشيء إذا أحكمته،

ومنه سمَّيت القنطرة المقنطرة.

قال الضحاك : المقنطرة : المحصنَّة المحكمة.

قتادة : هي الكثيرة المنضدة بعضها فوق بعض كأنّها المدفونة يقال : قنطر إذا كثر.

السدي : المخزونة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير.

قال الفراء : المضعَّفة كأن القنطار ثلاثة والمقنطرة تسعة.

أبو عبيدة : هو مفعللة من القنطار مثل قولك ألف مؤلَّف.

{مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} : قيل سُمَّي الذهب ذهباً؛ لأنه يذهب ولا يبقى،

والفضَّة؛ لأنَّه تنفض أي تفرق.

{وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} : الخيل جمع هو لا واحد له من لفظه. واحدهُ (فرس) كالقوم والنساء والرهط والجيش ونحوها. واختلف العلماء في معنى (المسومة) فقال مجاهد،

وسعيد بن جبير،

والربيع : هي الراعية.

ومثله روى عطيَّة عن ابن عباس والحسن : هي المرعيّة يُقال : سامت الخيل يسوم سوماً،

فهي سائمة،

وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك فهي مسامة،

وسوَّمتها تسويماً فهي مسوَّمة. قال اللّه : {فِيهِ تُسِيمُونَ} .

وفيهُ قول الأخطل :

مثل ابن بزعة أو كآخر مثله

أولى لك ابن مسيمة الاجال

يعني : ابن الابل.

حبيب بن أبي ثابت،

وابن أبي نجيع عن مجاهد : المطهَّمة الحسان ليث عنها المصوَّرة،

وعن عكرمة : تسويمها حسنها.

السدَّي : هي الرايعة،

وكلها بمعنى واحد.

أبو عبيدة،

والحسن،

والاخفش،

والقتيبيَّ : المعلَّمة. ومثلهُ روى الوالبي عن ابن عباس.

قتادة : شيباتها وألوآنها،

المؤرَّج المكويَّة،

المبرد : المعرفة في البلدان.

ابن كيسان : اليحلق وكلها قد قسارية وأصلها من السومة،

والمسيما وهي العلامة. يُقال : سومت الخيل تسويماً إذا علمتها. قال اللّه تعالى : {بِخَمْسَةِ ءَالَافٍ مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ} .

قال النابغة في صفة الخيل :

بسمر كالقداح مسوَّمات

عليها معشر اشبها جنَّ

وقال الأعشى :

وفرسان الحفاظ بكل ثغر

يقودون المسوَّمة العرابا

وقال ابن زيد وأبان بن ثعلب : المسومة : المعدَّة للحرب والجهاد.

قل لبيد :

ولعمري لقد بلي كليب

كلَّ قرن مسوَّم القتال

قال الثعلبي : ورأيتُ في بعض التفاسير : أنَّها الهماليخ.

فصل في الخيل (صفة خلقها)

روى الحسن بن علي عن أبيه علي (عليه السلام) قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنَّ اللّه لما أراد أن يخلق الخلق قال للريح الجنوب : إنَّي خالقٌ منكِ خلقاً. فأجعله عزّاً لأوليائي،

ومذلة على أعدائي،

وجمالاً لأهل طاعتي،

فقال الريح : أخلق. فقبض منها قبضةً فخلق فيها فرساً. فقال له : خلقتك عربياً وجعلت الخير معقوداً بناصيتك،

والغنائم مجموعة على ظهرك،

عطفتُ عليك صاحبك،

وجعلتك تطيرُ بلا جناح،

وأنت للطلب وأنت للّهرب،

وسأجعل على ظهرك رجالاً يسبَّحوني ويحمدونني،

ويهلَّلوني ويكبَّروني،

تسبَّحين إذا سبَّحوا،

وتهلَّلين إذا هلَّلوا،

وتكبَّرين إذا كبرَّوا).

وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما من تسبيحة،

وتحميدة وتمجيدة،

وتكبيرةُ يكبّرها صاحبها وتسعهُ إلاّ وتجيبه بمثلها).

ثم قال : (لما سمعت الملائكة صفة الفرس عاتبوا خالقها قالت : ربَّ نحن ملائكتك نسبّحك،

ونحمدك فماذا لنا؟

فخلق اللّه لها خيلاً بلقاء أعناقها كأعناق البخت،

قال : فلما أرسل الفرس الى الأرض فأستوت قدماه على الأرض صهَل،

فقيل : بوركتِ من دابَّة أذلَّ بصهيلهِ المشركين،

أذل به أعناقهم،

أملأ منه آذانهم،

وأرعب به قلوبهم.

فلما عرض اللّه على آدم من كل شيء قال : أختر من خلقي ماشئت،

فاختار الفرس. فقال له : اخترت عزّك وعزّ ولدك خالداً ما خلدوا وباقياً مابقوا. (يلقح فينتج منه أولادك أبد الآبدين) بركتي عليك وعليه؛ ما خلقتُ خلقاً أحبَّ الي منك ومنهُ).

فضلها :

روى أبو صالح عن ابيه عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الخيل معقود في نواصيها الخير الى يوم القيامة).

وعن سعيد بن عروبة عن قتادة عن آنس قال : لم يكن شيءٌ أحبَّ الى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بعد النساء من الخيل.

وعن أبي ذرَّ قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ليس من فرس عربي إلاّ يؤذن لهُ مع كل فجر يدعو بدعوتين يقول : اللّهم خولتني من خولتني من بني آدم،

وجعلتني له،

فاجعلني أحبُّ ماله وأهله إليه،

أو من أحب مالهُ وأهلهُ إليه).

شأنها :

عن أبي وهب الحسيني،

وكانت له صحبة قال : قال رسول اللّه : (صلى اللّه عليه وسلم) (وارتبطوا الخيل،

وامسحوا نواصيها وأكفالها،

وقلدوها ولا تقلدوها الاوتار،

وعليكم بكل كميت أغرَّ محجَّل أو أشقر محجل،

أو أدهم أغرَّ محجَّل).

وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال : كان النبي يكره الشكال من الخيل،

قال أبو عبد الرحمن : الشكال من الخيل أن يكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة أو يكون ثلاث قوائم مطلقة،

ورجل محجلة،

وليس تكون الشكال إلا في الرجل.

وروى سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الشؤم في ثلاثة : المرأة والفرس والدار).

وجوهها :

زيد بن أسلم عن أبي صالح التمار عن أبي هريرة،

أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الخيل لثلاثة : لرجل أجر،

ولرجل ستر. ولرجل وزر،

فأما الذي هو له أجر فرجلٌ ربطها في سبيل اللّه،

فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج والروضة،

كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها فأستنت شرفاً أو شرّفن كانت أن آثارها و أورواثها حسنات له. ولو أنَّها مرَّتْ بنهر فشربت منهُ،

ولم يردْ أنْ يسقيها منهُ كان ذلك حسنات لهُ؛ فهي لذلك أجر. ورجلٌ ربطها تقنَّناً وتعففاً،

ولم ينسَ حق اللّه في رقابها وظهرها فهي لذلك ستر. ورجلٌ ربطها فخراً ورياء ونوى لأهل الإسلام فهي على ذلك وزر).

وعن خباب بن الارث قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الخيل ثلاثة؛ فرس للرحمن،

وفرس للأنسان،

وفرس للشيطان؛ فأمّا فرس الرحمن فما اتخذ في سبيل اللّه،

وقتل عليه أعداء اللّه،

وأما فرس الإنسان فما استبطن ويحمل عليه،

واما فرس الشيطان فما روهب ورُهن عليه وقومِر عليه).

{وَانْعَامُ} : جمع نعم وهي الابل والبقر والغنم ،

جمعٌ لا واحد له من لفظه.

{وَالْحَرْثِ} : يعني الزرع.

{ ذلك } : الذي ذكرت.

{مَّتَاعَ الْحياةِ الدُّنْيَا} : لا عتاد المعاد والعقبى.

{وَاللّه عِندَهُ حُسْنُ الْمََابِ} : أي المرجع مفعل من أب،

يؤوب أوباً مثل المتاب.

زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعتُ عبد اللّه بن الأرقم وهو يقول لعمر (رضي اللّه عنه) : يا أمير المؤمنين إنّ عندنا حلية من حلية جلود وآنية من ذهب وفضّة فما رأيك فيها. فقال عمر : إذا رأيتني فارغاً فائتني،

فقال : يا أمير المؤمنين إنَّك اليوم فارغٌ. قال : فما نطلق معهُ،

فجيء بالمال. فقال : أبسطهُ قطعاً،

فبسط ثم جيء بذلك المال وصبَّ عليه ثم قال : (اللّهم إنَّك ذكرتَ هذه المال فقلت : {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} ثم قلت {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} اللّهم إنا لا نستطيع أنْ لا نفرح بما آتينا،

اللّهم انفقهُ في حق،

وأعوذ بك منهُ،

قال : فأتى بابن له يحمله،

يقال له عبد الرحمن،

فقال : يا أبه هب لي خاتماً.

قال : إذهب الى أمك تسقيك سويقاً،

فلم يعطهِ شيئاً.

﴿ ١٤