٢٢

{أُولَاكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ} : ذهبت وبطلت.

وقرأ أبو واقد والجرّاح : (حبطت) بفتح التاء مستقبلة (تحبِط) بكسر الباء وأصلهُ من (الحبط) وهو أن ترعى الماشية (بلا دليل ورديع) فتنتفخ من ذلك بطونها،

وربَّما ماتت منهُ،

ثم جعل كل شيء يهلك حبطاً.

ومنهُ قول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (إنَّ مما يُنبت الربيع ما يقتل حبطاً إذ يلم).

{أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا} : أي نصيباً وحظاً من الكتاب. يعني : اليهود يُدعون الى كتاب اللّه.

واختلفوا في هذا الكتاب الذي أخبر اللّه تعالى إنَّهم يُدعون إليه فيعرضون عنه. فقال قوم : هو القرآن.

وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية قال : إنَّ اللّه عزَّ وجل جعل القرآن حَكَماً فيما بينهم وبين رسول اللّه،

فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنَّهم على غير دين الهدى فأعرضوا عنه.

وقال قتادة : هم أعداء اللّه اليهود. دُعوا الى حكم القرآن واتباع محمد (صلى اللّه عليه وسلم) فأعرضوا،

وهم يجدونهُ مكتوباً في كتبهم.

السَّديَّ : دعا النبي (صلى اللّه عليه وسلم) اليهود إلى الإسلام،

فقال لهُ النعمان بن أبي أوفى : هلَّم يا محمَّد نخاصمك إلى الأحبار،

فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بل الى كتاب اللّه. فقال : بل الى الأحبار. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وقال الآخرون : هي التوراة.

روى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس،

قال : دخل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بيت المقدس على جماعة من اليهود،

فدعاهم الى اللّه عزَّ وجل.

فقال له نعيم بن عمر وابن الحارث بن فهد : على أيَّ دين أنت يا محمد؟

فقال : على ملّة إبراهيم. قالا : إنَّ إبراهيم كان يهودياً. فقال لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأسلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم،

فأبيا عليه،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إنَّ رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا،

وكانا في شرف منهم،

وكان في كتابهم الرجم. فكرهوا رجمهما لحالهما وشرفهما،

ورجوا أن يكون عند رسول اللّه رحمة في أمرهما،

فُرفعِوا الى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فحكم عليهما بالرجم،

فقال له النعمان ابن أبي أوفى ونخري بن عمر : جُرتَ علينا يا محمد. ليس عليهما الرجم،

فقال لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بيني وبينكم التوراة فإن فيها الرجم. قالوا : قد أنصفتنا. قال فمن أعلمكم؟

فقالوا : رجل أعمى يسكن فدك،

يُقال له ابن صوريا،

فأرسلوا إليه،

فقدم المدينة وكان جبرائيل (عليه السلام) قد وصفهُ لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال له رسول اللّه : لأنت ابن صوريا؟

قال : نعم. قال : أنت أعلم اليهود؟

قال كذلك يزعمون،

قال : فدعا رسول اللّه بشيء من التوراة فيها الرجم مكتوب. فقال له : أقرأ. فلما أتى آية الرجم وضع كفهُ عليه وقرأ ما بعدها. فقال ابن سلام : يا رسول اللّه قد جاوزها ووضع كفهُ عليها،

وقام ابن سلام الى ابن صوريا فرفع كفهُ عنها،

ثم قرأ على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اليهوديان المحصنان إذا زنيا،

وقامت عليهما البينة رجما،

وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها). فأمر رسول اللّه باليهوديين فرُجماً،

فغُضِب اليهود لذلك غضباً شديداً،

وانصرفوا. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

﴿ ٢٢