٥٢

قوله {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللّه} .

قال السدي وابن جريج والكسائي : مع اللّه،

تقول العرب : الذّود إلي الذّود إبل.

وقال النابغة :

فلا تتركوني بالوعيد كأنني

إلى النّاس مطليَّ به القار أجرب

أي مع الناس.

وقال آخر :

ولوح ذراعين في بدن

إلى جؤجؤ رهل المنكب

أي مع جؤجؤ.

نظيره قوله تعالى : {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} : أي مع أموالكم.

وقال الحسن وأبو عبيدة (من أنصاري في السبيل إلى اللّه)،

تعني في : أي من أعواني في اللّه؟

: أي في ذات اللّه وسبيله.

وقال طرفة :

وإن ملتقى الحيّ الجميع تلاقني

إلى ذروة البيت الكريم المضمّد

أي في ذروة.

وقال أبو ذؤيب :

بأري التي تأري اليعاسيب أصبحت

إلى شاهق دون السماء ذؤابها درجها

{قَالَ الْحَوَارِيُّونَ} : اختلفوا فيهم :

فقال السدّي : كانوا ملاّحين يصطادون السمك.

وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانوا صيّادين سُمّوا حواريين لبياض ثيابهم.

وقال أبو أرطأة : كانوا قصّارين سمّوا بذلك لأنّهم كانوا يحورّون الثياب أي يُبيّضونها.

وقال عطاء : سلّمت مريم عيسى إلى أعمال سري،

وكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قوماً قصارين وصبّاغين،

فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه. فاجتمع عنده ثياب،

وعرض له سفر. فقال لعيسى : إنّك قد تعلّمت هذه الحرفة،

وأنا خارج في سفر إلى عشرة أيّام،

وهذه ثياب مختلفة الألوان،

وقد اعلمت على كل صنف منها بخيط على اللون الذي يصبغ به فيجب أن تكون فارغاً منها وقت قدومي. فخرج وطبخ عيسى (عليه السلام) جُبّاً واحداً على لون واحد أدخله جميع الثياب. وقال لها : كوني بإذن اللّه على ما أُريد منك. فقدم الحواري والثياب كلها في جُبّ واحد فقال : ما فعلت؟

قال : قد فرغت منها. قال : أين هي؟

قال : في الجب. قال : كلّها؟

قال : نعم.

قال : كيف تكون كلها أحمر في جُبّ واحد؟

فقد أفسدت تلك الثياب. قال : قم فانظر. فأخرج عيسى ثوباً أحمر وثوباً أصفر وثوباً أخضر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها. فجعل الحواري يتعجب ويعلم أنّ ذلك من اللّه،

وقال للنّاس : تعالوا وانظروا إلى ما صنع. فآمن به وأصحابه فهم الحواريون.

وروى يوسف الفريابي عن مصعب قال : الحواريون إثنا عشر رجلاً اتّبعوا عيسى بن مريم،

وكانوا إذا جاعوا قالوا : يا روح اللّه جعنا،

فيضرب بيده الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيُخرج لكل إنسان منهم رغيفين فيأكلوهما،

وإذا عطشوا قالوا : ياروح اللّه قد عطشنا،

فيضرب بيده إلى الأرض فيخرجون منه ماء فيشربون. قالوا : يا روح اللّه من أفضل منّا إذا شئنا أطعمنا وإذا شئنا سقينا وآمنّا بك فاتّبعناك؟

قال : أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه. قال : فصاروا يغسلون الثياب بالكراء.

وقال الضحّاك : سُمّوا حواريين لصفاء قلوبهم.

وقال عبد اللّه بن المبارك : سُمّوا حواريين لأنّهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة ونورها وحُسنها. قال اللّه تعالى : {سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} .

وأصل الحور عند العرب شدة البياض. يقال : رجلٌ أحور وامرأة حوراء،

شديد بياض نفلة العينين. ويقال للدقيق الأبيض : الحواري،

وكل شيء بيضّته فقد حوّرته. ويقال للبيضاء من النساء حواريّة.

قال ابن (حلّزة) :

فقل للحواريات يُبكين غيرنا

ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح

وقال الفرزدق :

فقلت أنّ الحواريات تغطية

إذا زيّن من تحت الجلابيب

وقال ابن عون : صنع ملك من الملوك طعاماً. فدعا النّاس إليه،

وكان عيسى على قصعة،

فكانت القصعة لا تنقص. فقال له الملك : من أنت؟

قال : أنا عيسى بن مريم. قال : إنّي آتك ملكي هذا واتبعك،

فانطلق واتبعه ومن معه فهم الحواريون.

وقال الكلبي وأبو روق : الحواريون أصفياء عيسى وكانوا إثنا عشر رجلاً.

الحسن : الحواريون الأنصار والحواري الناصر.

النضر بن شميل : الحواريون : خاصة الرجل.عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : الحواري : الوزير.

وعن روح بن القاسم قال : سألت قتادة عن الحواريين فقال : هم الذين تصلح لهم الخلافة.

والحواري في كلام العرب الضامن خاصة الرجل الذي يستعين به فيما ينوبه. يدل عليه ما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لكلّ نبيّ حواري وحواريي الزبير بن العوّام).

وروى أبو سفيان بن معمر قال : قال قتادة : إنّ الحوارييّن كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والعباس وحمزة وجعفر وأبو عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون وعبد الرحمن بن عروة وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد اللّه والزبير بن العوام. قال : الحواريون وأسماؤهم في سورة المائدة.

{نَحْنُ أَنصَارُ اللّه} : أعوان دين اللّه ورسوله.

{بِاللّه وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}

﴿ ٥٢