٥٥

{إذ قال اللّه يا عيسى إنّي متوفيك} اختلفوا في معنى التوفّي ههنا :

فقال كعب والحسن والكلبي ومطر الوراق ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريج وابن زيد : معناه : إنّي قابضك.

{وَرَافِعُكَ} : من الدّنيا.

{إِلَىَّ} : من غير موت،

يدلّ عليه قوله {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى} أي قبضتني إلى السماء وأنا حيّ ؛ لأنّ قومه إنّما تنصّروا بعد رفعه لا بعد موته. وعلى هذا القول للتوفّي تأويلان :

أحدهما : إنّي رافعك إليّ وافياً لن ينالوا منك. من قولهم : توفّيت كذا واستوفيته أي أخذته تامّاً.

و الآخر : إنّي مسلّمك،

من قولهم : توفيت منه كذا أي سلّمته. وقال الربيع بن أنس : معناه أنّي منيمك ورافعك إليّ من قومك،

يدل عليه قوله : {وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّ اكُم بِالَّيْلِ} : أي ينيمكم ؛ لأنّ النوم أخو الموت،

وقوله {اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت فى منامها}.

وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : إنّي مميتكم،

يدلّ عليه : {قُلْ يَتَوَفَّ اكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ} ،

وقوله {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} وله على هذا القول تأويلان :

أحدهما : ما قال وهب : توفّى اللّه عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم أحياه ورفعهُ. والآخر : ما قاله الضحّاك وجماعة من أهل المعاني : إنّ في الكلام تقديماً وتأخيراً،

معناه إنّي رافعك إليّ.

{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} : ومتوفّيك بعد إنزالك من السماء كقوله عز وجّل : {وَلَوْ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} .

وقال الشاعر :

ألا يا نخلةً من ذات عرق

عليك ورحمةُ اللّه السّلام

أي عليك السلام ورحمة اللّه.

وقال آخر :

جمعت وعيباً نخوة ونميمة

ثلاث خصال لسن من ترعوي

أي جمعت نخوة ونميمة وعيباً.

وروى أبو هريرة عن النبّي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : ( الأنبياء إخوة لعلاّت شتّى ودينهم واحد،

وأنا أولى النّاس بعيسى بن مريم ؛ لأنّه لم يكن بيني وبينه نبّي،

وإنّه عامل على أُمّتي وخليفتي عليهم،

إذا رأيتموه فاعرفوه فإنّه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن شعره ممطر وإن لم يصبه بلل،

بين ممصّرتين يدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال،

وليسلكنّ الروحاء حاجّاً أو معتمراً أو كلتيهما جميعاً،

ويقاتل النّاس على الإسلام حتى يهلك اللّه في زمانه الملك كلها ويهلك اللّه في زمانه مسيح الضلالة الكذّاب الدجّال،

ويقع في الأرض الأمنة حتى يرتع الأسود مع الإبل،

والنمور مع البقر،

والذئاب مع الأغنام،

ويلعب الصبيان بالحيّات لا يضرّ بعضهم بعضاً،

ويلبث في الأرض أربعين سنة).

وفي رواية كعب : (أربعاً وعشرين سنة،

ثم يتزوج ويولد،

ثم يتوفى ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه في حجرة النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) .

وقيل للحسن بن الفضل : هل تجد نزول عيسى (عليه السلام) في القرآن. فقال : نعم.

قوله : {وكهلا} ،

وهو لم يكتهل في الدنيا،

وإنّما معناه {وكهلا} بعد نزوله من السماء.

وعن محمد بن إبراهيم أنّ أمير المؤمنين أبا جعفر حدّثه عن الآية عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (كيف تهلك أمّة أنا في أوّلها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في أوسطها).

وقال أبو بكر محمد بن موسى الواسطي : معناه أنّي متوفّيك عن شهواتك وحطوط نفسك،

ولقد أحسن فيما قال لأنّ عيسى لمّا رُفع إلى السّماء صار حاله كحال الملائكة.

{وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} : قال البشالي والشيباني : كان عيسى على (....) فهبّت ريح فهرول عيسى (عليه السلام) فرفعه اللّه عز وجّل في هرولته،

وعليه مدرعة من الشعر.

قال ابن عباس : ما لبس موسى إلا الصوف وما لبس عيسى إلا الشعر حتى رفع.

وقال ابن عمر : رأينا النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يتبسم في الطواف فقيل له في ذلك. فقال : استقبلني عيسى في الطواف ومعه ملكان.

وقيل : معناه رافعك بالدرجة في الجنّة ومقرّبك إلى الأكرام {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} : أي مخرجك من بينهم ومُنجيك منهم.

{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} : قتادة والربيع والشعبي ومقاتل والكلبي : هم أهل الإسلام الذين اتّبعوا دينه وسنّته من أُمّة محمّد ؛ فواللّه ما اتّبعه من دعاه رباً {فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا} : ظاهرين مجاهرين بالعزة والمنعة والدليل والحجة.

الضحّاك ومحمد بن أبان : يعني الحواريّين فوق الذين كفروا،

وقيل : هم الرّوم.

وقال ابن زيد : وجاعل النّصارى فوق االيهود. فليس بلد فيه أحد من النّصارى إلا وهم فوق اليهود،

واليهود مستذلّون مقهورون،

وعلى هذين القولين يكون معنى الإتّباع الإدّعاء والمحبة لا اتّباع الدّين والملّة.

{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} في الآخرة.

{فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} : من الدين وأمر عيسى (عليه السلام).

﴿ ٥٥