٨١

{وَإِذْ أَخَذَ اللّه مِيثَاقَ النبيين لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} ،

قرأ سعيد بن جبير {لَّمًّا} بتشديد الميم،

وقرأ يحيى بن رئاب والأعمش وحمزة والكسائي بجرّ اللام وتخفيف الميم.

وأما الباقون : بفتح اللام وتخفيف الميم،

فمن فتح اللام وخفّف الميم فقال الأخفش : هي لام الابتداء أدخلت على ما الخبر كقول القائل : لزيد أفضل منك،

وما آتيتكم والذي بعده صلة له وجوابه في قوله : {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} فإن شئت جعلت خبر ما من كتاب اللّه وتقول من زائدة معناها : لما آتيتكم كتاب وحكمة،

ثم ابتدأ فقال : {ثُمَّ} يعني : ثم يجيئكم،

وإن شئت قلت : ثم أن جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به.

{وَلَتَنصُرُنَّهُ} : اللام لام القسم تقديره : واللّه لتؤمننّ به. فأكدّ في أول الكلام بلام التأكيد،

وفي آخر الكلام بلام القسم.

وقال الفرّاء : من فتح اللام جعلها لاماً زائدة لقوله : اليمين إذا وقعت على جملة صيّرت فعل ذلك الجزاء على هيئة فعل،

وصيّرت جوابه كجواب اليمين،

والمعنى : أي كتاب آتيتكم ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به،

للاّم في قوله لتؤمننّ به.

وقال المبرّد والزجّاج : هذه لام التحقيق دخلت على ما الجزاء كما تدخل على أن،

ومعناه : مهما آتيتكم من كتاب وحكمة،

ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به،

اللام في قوله لتؤمننّ به جواب الجزاء كقوله : {وَلَ ن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ} ونحوه.

وقال الكسائي : لتؤمننّ : متصل بالكلام الأول وجواب الجزاء في قوله : {فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذلك } ،

ومن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما الذي،

ومعناه : الذي آتيتكم يعني : أخذ ميثاق النبيين لأجل الذي أمامهم من كتاب وحكمة ثم أن جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به من بعد الميثاق؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف،

وهو كما نقول في الكلام أخذت ميثاقك لتفعلن كذا وكذا كأنك قلت : استحلفتك لتفعلن.

وقال صاحب النظم : من كسر اللام فهو بمعنى بعد يعني : بعد ما آتيتكم من كتاب وحكمة،

كقول النابغة :

توهّمت آيات لها فعرفتها

لستة أعوام وذا العام سابع

أي : بعد ستة أعوام،

ومن شدد الميم فمعناه : حين آتيتكم لقوله تعالى {ءَاتَيْتُكُم} .

قرأ أهل الكوفة : آتيناكم على التعظيم،

وقرأ الآخرون : آتيتكم على التفريد،

وهو الاختيار لموافقة الخط كقوله : {وَأَنَا مَعَكُم} والقول مثمر في الآية على الأوجه الثلاثة تقديرها : (وإذ أخذ اللّه ميثاق النبيين).

واختلف المفسّرون في معنى هذه الآية،

فقال قوم : إنّما أخذ الميثاق على الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً،

ويأمر بعضهم بالإيمان ببعض،

فذلك معنى آخر بالتصديق،

وهذا قول سعيد بن جبير وطاووس وقتادة والحسن والسدّي،

يدل عليه ظاهر الآية،

وقال علي (رضي اللّه عنه) : لم يبعث اللّه نبياً آدم ومن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمد (صلى اللّه عليه وسلم) وأمره بأخذ العهد على قومه لتؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنّه،

وقال آخرون : إنّما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين،

وهو قول مجاهد والربيع.

قال مجاهد : هذا خلط من الكتاب وهو من قراءة عبد اللّه بن مسعود وأبي بن كعب : وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أُوتوا الكتاب،

قالوا : ألا ترى إلى قوله ثم {جائكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه} وإنّما كان محمد (صلى اللّه عليه وسلم) مبعوثاً إلى أهل الكتاب دون النبيين.

وقال بعضهم : إنّما أخذ الميثاق على النبيين وأُممهم (ليؤمنن به)،

ففرد الأنبياء عن ذكر الأمم لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على الأتباع،

وهذا معنى قول ابن عباس وهذا أولى بالصواب.

قال اللّه : {وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَالِكُمْ إِصْرِى قَالُوا} أي وقبلتم على ذلك عهدي،

نظير قوله تعالى : {إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ} أي فاقبلوه،

وقوله تعالى : {لا يؤخذ منها عدل} أي لا يقبل منها فداء،

وقوله : {يأخذ الصدقات} أي يقبلها،

{قَالُوا أَقْرَرْنَا} .

قال اللّه : {فَأَشْهِدُوا} على أنفسكم وعلى أتباعكم {وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} عليكم وعليهم.

قال ابن عباس : فاشهدوا : يعني فاعلموا،

قال الزجّاج : فاشهدوا أي فبيّنوا لأن الشاهد هو الذي عين دعوى المدّعي،

وشهادة اللّه للنبيين بيّنوا أمر نبوتهم بالآيات والمعجزات،

وقال سعيد بن المسيب : قال اللّه تعالى للملائكة : فاشهدوا عليهم،

فتكون كناية عن غير مذكور.

﴿ ٨١