١٠٩-١١٠

{وللّه ما في السماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأُمور كنتم خير أُمة أُخرجت} الآية قال عكرمة ومقاتل : نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ وسالم مولى أبي حذيفة،

وذلك أن ابن الصيف ووهب بن يهود اليهوديين قالا لهم : إن ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأفضل منكم. فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} هم الذين هاجروا مع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المدينة. وروى جويبر عن الضحاك قال : هم أصحاب محمد خاصة الرواة الدعاة الذين أمر اللّه عز وجل بطاعتهم. يدل عليه ما روى السدي أن عمر الخطاب قال : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ،

قال : تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا.

وعن عمر بن الحصين قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (طوبى لمن رآني ولمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رأى من رآني).

الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحد ذهباً ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه).

وقال آخرون : هم جمع المؤمنين من هذه الأُمة وقوله : {وَكُنتُمْ} يعني أنتم كقوله : {مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا} أي من هو في المهد. وإدخال (كان) واسقاطه في مثل هذا المعنى واحد،

كقوله : {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلا} وقال في موضع آخر : {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ} .

وقال محمد بن جرير : هذا بمعنى التمام،

وتأويله : خلقتم ووجدتم خير أُمة.

وقال : معنا {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} عند اللّه في اللوح المحفوظ،

{أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال قوم : للناس من صلة قوله : {خَيْرَ أُمَّةٍ} : يعني أنتم خير الناس للناس. قال أبو هريرة : معناه كنتم خير الناس للناس يجيئون بهم في السلاسل فيدخلونهم في الإسلام. قتادة هم أُمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) لم يؤمر نبي قبله بالقتال فيسبون من سبي الروم والترك والعجم فيدخلونهم في دينهم،

فهم خير أُمة أُخرجت للناس.

مقاتل بن حيان : ليس خلق من أهل الأديان ولا يأمرون من سواهم بالخير وهذه الآية يأمرون كل أهل دين وأنفسهم لا يظلم بعضهم بعضاً،

بل يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر؛ فأُمّة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) خير أُمم الناس.

وقال آخرون : قوله : {لِلنَّاسِ} من صلة قوله : {أُخْرِجَتْ} ومعناه ما أخرج اللّه للناس أُمّة خيراً من أُمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) فهم خير أُمة أقامت وأُخرجت للناس،

وعلى هذا تتابعت الأخبار.

روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنّه سمع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يقول في قوله : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال : (إنكم تتمّون سبعين أُمة أنتم خيرها وأكرمها على اللّه عز وجل).

وروى عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أهل الجنة عشرون ومئة صف،

منها ثمانون من هذه الأُمة).

نافع عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما من أُمة إلاّ وبعضها في النار،

وبعضها في الجنّة،

وأُمتي كلّها في الجنة).

ثابت البناني عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (مثل أُمتي مثل المطر؛ لا يُدرى أوله خير أم آخره).

وعن أنس قال : أتى رسولَ اللّه أسقف فذكر أنه رأى في منامه الأُمم كانوا يمنعون على الصراط (..........) حتى أتت أُمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) غرّاً محجلين قال : فقلت : من هؤلاء الأنبياء؟

قالوا : لا، قلت : مرسلون؟

قالوا : لا، فقلت : ملائكة؟

قالوا : لا، فقلت : من هؤلاء؟

قالوا : أُمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) غرّاً محجلين عليهم أثر الطهور،

فلما أصبح الأسقف أسلم.

عن سعيد بن المسيب،

عن عمر،

عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها،

وحرمت على الأُمم حتى تدخلها أُمتي).

وروى أبو بردة عن أبي موسى قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن أُمتي أُمة مرحومة،

إذا كان يوم القيامة أعطى اللّه كل رجل من هذه الأُمة رجلا من الكفّار فيقول : هذا فداؤك من النار).

وعن أنس قال : خرجت مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فإذا بصوت يجيء من شعب،

قال : (يا أنس،

انطلق فانظر ما هذا الصوت)،

قال : فانطلقت فإذا برجل يصلي إلى شجرة فيقول : (اللّهم اجعلني من أُمة محمد المرحومة،

المغفور لها،

المستجاب لها،

المتاب عليها). فأتيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ،

فأعلمته ذلك فقال : (انطلق فقل له إن رسول اللّه يقرئك السلام ويقول : من أنت؟).

فأتيته فأعلمته ما قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ،

فقال : (أقرئ منّي رسول اللّه السلام وقل له : أخوك الخضر يقول (أسألك) أن يجعلني من أُمتك المرحومة المغفور لها المستجاب لها المتاب عليها).

وقيل لعيسى (عليه السلام) : يا روح اللّه،

هل بعد هذه الأُمة أُمة؟

قال : (علماء حلماء حكماء،

أبرار أتقياء،

كأنهم من العلم أنبياء يرضون من اللّه باليسير من الرزق،

ويرضى اللّه منهم باليسير من العمل يدخلهم الجنة بشهادة أن لا اله إلاّ اللّه).

وبلغنا أن كعب الأحبار قيل له : لِم لم تسلم على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ،

وأبي بكر،

وأسلمت على عهد عمر؟

فقال : لأن أبي دفع إلي كتاباً مختوماً،

وقال : لا تفكّ ختمه. فرأيت في المنام أيام عمر (رضي اللّه عنه) قائلا قال لي : إن أبي خانك في تلك الصحيفة،

ففككتها فإذا فيها نعت أُمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) سالوما وعالوما وحاكوما وصافوحا وخاروجا،

فسألوه عن تفسيرها،

فقال : هو أن شعارهم أن يسلم بعضهم على بعض،

وعلماؤهم مثل أنبياء بني إسرائيل،

وحكم اللّه لهم بالجنّة،

ويتصافحون فيغفر لهم ويخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أُمّهاتهم.

وقال يحيى بن معاذ : هذه الآية مدحة لأُمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم) ولم يكن ليمدح قوماً ثم يعذبهم.

ثم ذكر مناقبهم فقال : {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} إلى {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} الآية قال مقاتل : إنّ رؤوس اليهود كعباً وعدياً والنعمان وأبا رافع وأبا ياسر وكنانة وأبو صوريا عمدوا إلى مؤمنيهم عبد اللّه بن سلام وأصحابه : فآذوهم لإسلامهم،

فأنزل اللّه تعالى {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} يعني لن يضركم أيها المؤمنون هؤلاء اليهود إلاّ أذى باللسان يعني وعيداً وطعناً. وقيل : دعاء إلى الضلالة. وقيل : كلمة الكفر إن يسمعوها منهم يتأذّوا بها {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدبار} منهزمين،

وهو جزم بجواب الجزاء،

{ثُمَّ يُنصَرُونَ} استأنف لأجل رؤوس الآي لأنها على النون،

كقوله {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} . تقديرها : ثم هم لا ينصرون.

وقال في موضع آخر : و{يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} ؛ إذ لم يكن رأس آية.

قال الشاعر :

ألم تسأل الربع القديم فينطق

أي فهو ينطق.

﴿ ١٠٩