١٣٠-١٣٣

{يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب} قال زيد بن أسلم : مرَّ شاس ابن قيس اليهودي وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الطعن في المسلمين شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه،

فغاظه ما رأى من جماعتهم والفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال : لقد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا واللّه ما لنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار،

فأمر شاباً من اليهود كان معه قال : اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان قيله وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل،

فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب،

أوس بن قبطي أحد بني حارثة من الأوس،

وحيان بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج،

فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم رددتها الآن جذعة،

وغضب الفريقان جميعاً وقالا : قد جعلنا السلاح موعدكم الظاهرة وهي حرة،

وخرجوا إليها وانضمت الأوس والخزرج بعضها على بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية،

فبلغ ذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال : (يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم اللّه بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألّف بينكم،

ترجعون إلى ما كنتم إليه كفاراً اللّه اللّه) فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيدهم من عدوهم،

فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سامعين مطيعين. فأنزل اللّه في شأن شاس بن قيس.

{يا أيها الذين آمنوا} يعني الأوس والخزرج {إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يعني شاساً وأصحابه {يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} .

قال جابر بن عبد اللّه : ما كان من طالع أكره إلينا من رسول اللّه علينا فأومى إلينا بيده فكففنا وأصلح اللّه ما بيننا فما كان من شخص أحبُّ إلينا من رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فما رأيت قط يوماً أقبح أولا وأحسن آخراً من ذلك اليوم،

ثم قال على وجه التعجب {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} يعني ولِمَ تكفرون {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ} من القرآن {وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} محمد (صلى اللّه عليه وسلم)

قال قتادة : في هذه الآية علمان بيّنان : نبي اللّه وكتاب اللّه،

فأمّا نبي اللّه فقد مضى وأمّا كتاب اللّه فأبقاه اللّه بين أظهركم رحمة منه ونعمة،

فيه حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته. {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّه} أي يمتنع باللّه ويتمسك بدينه وطاعته {فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} طريق واضح.

وقال ابن جريج : (ومن يعتصم باللّه) أي يؤمن باللّه،

وأصل العصم والعصمة المنع،

فكل مانع شيئاً فهو عاصم.

قال الفرزدق :

أنا ابن العاصمين بني تميم

إذا ما أعظم الحدثان ناباً

والممتنع معتصم. فقال : اعتصمت الشيء واعتصمت به وهو الأفصح.

قال الشاعر :

يظل من خوفه الملاح معتصماً

بالخيزرانة بعد الأين والنجد

وقال آخر :

إذا أنت جازيت الأخاء بمثله

وآسيتني ثم اعتصمت حبالياً

وقال حميد بن ثور يصف رجلا حمل امرأة بذنبه :

وما كاد لما أن علته يقلها

بنهضته حتى أكلان واعتصما

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته} .

قال مقاتل بن حيان : كان بين الأوس والخزرج في الجاهلية وصال حتى هاجر النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إلى المدينة فأصلح بينهم،

فافتخر بعد ذلك منهم رجلان : ثعلبة بن غنم من الأوس وأسعد بن زرارة من الخزرج،

فقال الأوسي : منّا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين،

ومنّا حنظلة غسيل الملائكة،

ومنّا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين،

ومنّا سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمة له ورضى اللّه بحكمه في بني قريظة،

وقال الخزرجي : منّا أربعة أحكموا القرآن : أُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد،

ومنّا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم فجرى الكلام بينهما فغضبا،

فقال الخزرجي : أما واللّه لو تأخر الإسلام قليلا وقدوم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) لقتلنا ساداتكم،

واستعبدنا آبائكم ونكحنا نسائكم بغير مهر.

فقال الأوسي : قد كان الإسلام متأخراً زماناً طويلا فهلاّ فعلتم ذلك،

فقد ضربناكم حتى أدخلناكم الديار،

وأنشدا الأشعار وتفاخرا وتأذيا،

فجاء الأوس إلى الأوسي والخزرج إلى الخزرجي ومعهم سلاح،

فبلغ ذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فركب حماراً وأتاهم فأنزل اللّه تعالى هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته} الآيات،

فقرأها عليهم فاصطلحوا.

وقال عطاء : إن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صعد المنبر وقال : (يا معشر المسلمين مالي أُوذى في أهلي) يعني الطعن في قصة الإفك،

وقال : (ما علمت على أهلي إلاّ خيراً،

ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلاّ خيراً وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي).

فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول اللّه وأكفيك أمره وأنصرك عليه،

إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.

فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج وكان رجلا صالحاً ولكنه احتملته الحمية فقال لسعد ابن معاذ : كذبت لعمر اللّه. فقال سعد : واللّه لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الأوس والخزرج حتى همّوا أن يقتتلوا ودعوا بالسلاح،

فلم يزل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يخفضهم حتى سكنوا،

فأنزل اللّه تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته} .

عن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ( {حَقَّ تُقَاتِهِ} أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يُشكر فلا يُكفر).

وقال أبو عثمان : أن لا يعصى طرفة عين.

مجاهد : أن يجاهدوا حق جهاده.

{ولا تأخذكم في اللّه لومة لائم وتقوموا للّه بالقسط ولو على أنفسكم وآبائكم وأبنائكم} .

الحسن : هو أن تعطيه فيما تعبده.

قال الزجاج : أي اتقوا فيما يحق عليكم أن تتقوه واسمعوا وأطيعوا.

قال المفسرون : فلما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول اللّه ومن يقوى على هذا وشق عليهم فأنزل اللّه تعالى {فَاتَّقُوا اللّه مَا اسْتَطَعْتُمْ} فنسخت هذه الآية.

قال مقاتل : وليس في آل عمران من المنسوخ إلاّ هذا.

{وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} .

قال طاوس : معناه اتقوا اللّه حق تقاته وإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا،

{وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} أي مؤمنون.

وقيل : مخلصون مفوضون أموركم إلى اللّه عزّ وجلّ.

وقال المفضل : المحسنون الظن باللّه.

وروى الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : ( {يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتن إلاّ وأنتم مسلمون} فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرّت على أهل الأرض معيشتهم فكيف بمن هو طعامه).

وعن أنس بن مالك قال : لا يتقى اللّه عبد حق تقاته حتى يخزن من لسانه {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعًا} أصل الحبل السبب الذي يوصل إلى البغية والحاجة،

ولذلك سمّي الأمان حبلا،

لأنه سبب يوصل به إلى زوال الخوف.

وقال الأعشى بن ثعلبة :

وإذا تجوزها حبال قبيلة

أخذت من الأخرى إليك حبالها

واختلفوا في الحبل المعني بهذه الآية :

فقال ابن عباس : تمسكوا بدين اللّه.

وروى الشعبي عن ابن مسعود أنه قال في قوله : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعًا} قال الجماعة.

وقال ابن مسعود : يا أيها الذين آمنوا عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل اللّه الذي أمر به وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير ممّا تحبون في الفرقة.

وقال مجاهد وعطاء : بالعهد.

قتادة والسدي والضحاك : هو القرآن،

يدل عليه ما روى عن الحرث أنه قال : دخلت المسجد فإذا الناس قد وقعوا في الأحاديث،

فأتيت علياً كرم اللّه وجهه فقلت : ألا ترى أن الناس قد وقعوا في الأحاديث؟

فقال : وقد فعلوا؟

فقلت : نعم،

فقال : أما أني سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (إنها ستكون فتنة) قال : قلت : فما الخروج منها يا رسول اللّه؟

قال : (كتاب اللّه فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل،

من تركه من جبار قصمه اللّه ومن ابتغى الهدى في غيره أضله اللّه،

فهو حبل اللّه المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه وهو الذي لم تنته الجن إذا سمعته إلاّ أن قالوا {سَمِعْنَا قُرْءَانًَا عَجَبًا} من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم خذها إليك يا أعور).

وروى أبو الأحوص عن عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن هذا القرآن مأدبة اللّه تعالى فتعلموا من مأدبته ما استطعتم،

إن هذا القرآن هو حبل اللّه وهو النور المبين والشفاء النافع وعصمة من تمسك به ونجاة من تبعه،

لا يعوج فيقوّم ولا يزيغ فيستعتب ولا تقضى عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد،

فاقرأوه فإن اللّه يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات،

أما أني لا أقول ألم حرف ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة).

وروى سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان قال : دخلنا على زيد بن أرقم فقلنا له : لقد صحبت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وصليت خلفه؟

قال : نعم،

وإنه خطبنا فقال : (إني تارك فيكم كتاب اللّه هو حبل اللّه من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة).

وروى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه يقول : (يا أيها الناس إني قد تركت فيكم خليفتين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي،

أحدهما أكبر من الآخر كتاب اللّه جل جلاله من السماء وعترتي أهل بيتي،

ألا وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض).

فقال مقاتل بن حيان : (بحبل اللّه) أي بأمره وطاعته.

أبو العالية : بإخلاص التوحيد للّه عزّ وجلّ.

ابن زيد : بالإسلام.

{وَلا تَفَرَّقُوا} كما تفرقت اليهود والنصارى.

وروى الأوزاعي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن امتي ستفترق على اثنى وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة) فقيل يا رسول اللّه وما هذه الواحدة؟

قال فقبض يده،

وقال : (الجماعة) ثم قرأ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعًا ولا تفرقوا} .

وروى أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد : نحن حبل اللّه الذي قال اللّه : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعًا ولا تفرقوا} .

أخبرني محمد بن كعب القرظي عن أبي سعيد : أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إن اللّه رضى لكم ثلاثاً وكره لكم ثلاثاً : رضى لكم أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا واسمعوا وأطيعوا لمن ولاّه اللّه أمركم،

وكره لكم القيل والقال وكثرة السؤال وإضاعة المال).

وعن عبد اللّه بن بارق الحنفي عن سماك يعني الحنفي قال : قلت لابن عباس : قوم يظلموننا ويعتدون علينا في صدقاتنا ألا تمنعهم؟

فقال : لا يا حنفي أعطهم صدقتهم وإن أتاك أهدل الشفتين منتفش المنخرين يعني زنجياً فأعطه،

فنعم القلوص قلوص يأمن بها المرؤس عروسه ووطنه يعني امرأته وقربة اللبن يا حنفي الجماعة الجماعة،

إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها أما سمعت قول اللّه : {جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} .

{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً} .

قال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره من أهل الأخبار قال : كانت الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعت بينهما عداوة بسبب سمير وحاطب،

وذلك أن سميراً هو سمير بن زيد ابن مالك أحد بني عمرو بن عوف،

قيل : حليفاً لملك بن عجلان،

(والآخر من) الخزرج يقال له : حاطب بن أبحر من مزينة،

فوقعت بين القبيلتين الحرب،

فزعم العلماء بأيام العرب أن تلك الحرب والعداوة تطاولت بينهم عشرين ومائة سنة،

ولم يسمع بقوم كان بينهم من العداوة والحرب ما كان بينهم،

واتصلت تلك العداوة إلى أن أطفأها اللّه بالإسلام وألّف بينهم برسوله (صلى اللّه عليه وسلم) وكان سبب الفتهم وارتفاع وحشتهم أن سويد بن صامت أخا بني عمرو بن عوف قدم مكة حاجاً أو معتمراً وكان سويد إنما تسميه قومه الكامل لجلادته وشعره ونسبه وشرفه وحكمته،

فقدم سويد مكة وكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قد بُعث وأمر بالدعوة إلى اللّه عزّ وجلّ،

فتصدّى له حين سمع به،

فدعاه النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إلى اللّه عزّ وجلّ وإلى الإسلام.

فقال له سويد : فلعل الذي معك مثل الذي معي،

فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (وما الذي معك؟)

قال : مجلة لقمان،

يعني حكمته،

فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اعرضها عليَّ) فعرضها عليه فقال : (إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل،

هذا قرآن أنزله اللّه عليَّ نوراً وهدى) فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يبعده عنه وقال : إن هذا القول حسن،

ثم انصرف عنه وقدم المدينة،

فلم يلبث أن قتله الخزرج قبل يوم بعاث وكان قومه يقولون : قُتل وهو مسلم،

ثم قدم أبو الجيش أنس بن رافع ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم أياس بن معاذ،

يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج،

فلما سمع بهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أتاهم فجلس إليهم فقال : (هل لكم إلى خير ممّا جئتم له؟)

قالوا : وما ذلك؟

قال : (أنا رسول اللّه بعثني اللّه إلى العباد أدعوهم إلى (اللّه أن يعبدوا اللّه و) لا يشركوا باللّه شيئاً وأنزل عليَّ الكتاب) ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن.

فقال إياس بن معاذ وكان غلاماً حدثاً : أي قوم هذا واللّه خير ممّا جئتم به،

فأخذ أبو الجيش أنس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال : دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا،

فصمت أياس وقام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بعاث بين بني الأوس والخزرج،

ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك،

فلما أراد اللّه إظهار دينه وإعزاز نبيه خرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في الموسم الذي لقى فيه النفر من الأنصار يعرض نفسه على قبائل العرب كما يصنع في كل موسم،

فبينا هو عند العقبة إذ لقى رهطاً من الخزرج أراد اللّه بهم خيراً،

وهم ستة نفر أسعد بن زرارة،

وعوف بن عفراء،

ورافع بن ملك،

وقطبة بن عارف،

وعقبة ابن عامر،

وجابر بن عبد اللّه.

فقال لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من أنتم؟)

قالوا : نفر من الخزرج،

قال : (أمن موالي اليهود؟)

قالوا : نعم،

قال : (أفلا تجلسون حتى أكلمكم؟).

قالوا : بلى،

فجلسوا معه فدعاهم إلى اللّه وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن،

قال : وكان ممّا صنع اللّه لهم به في الإسلام أن يهوداً كانوا معهم ببلادهم وكانوا أهل كتاب وعلم،

وكانوا هم أهل أوثان وشرك،

وكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا : إن نبيّنا الآن مبعوث قد أظل زمانه نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم. فلما كلم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أولئك النفر ودعاهم إلى اللّه،

فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلمون واللّه إنه للنبي الذي تدعوكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه،

فأجابوه وصدقوه وأسلموا وقالوا : إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم،

وعسى اللّه أن يجمعهم لك وستقدم عليهم فتدعوهم إلى حربهم،

فإن يجمعهم اللّه عليك فلا رجل أعز عليك. ثم انصرفوا عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) راجعين إلى بلادهم قد آمنوا. فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ودعوهم إلى الاسلام حتى فشاهم فيهم تبق لهم دار من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكر من رسول اللّه حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلا وهم أسعد بن زرارة،

وعوف ومعوّذ ابنا عفراء ورافع بن مالك بن العجلاني الخزرجي وذكوان بن عبد القيس وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة وعباس بن عبادة وعقبة بن عامر وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو فهؤلاء خزرجيون،

وأبو الهيثم بن التيهان واسمه ملك وعويتم بن ساعدة من الأوس،

فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) على بيعة النساء على أن لا يشركوا باللّه شيئاً ولا يزنوا إلى آخر الآية ثم قال : (إن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم شيئاً من ذلك ) فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى اللّه إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم).

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (السخي الجهول أحبَّ إلى اللّه من العالم البخيل).

عبد السلام بن عبد اللّه عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (السماح شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها قادته إلى الجنة،

والبخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا من تعلق بغصن من أغصانها قادته إلى النار).

﴿ ١٣٣