١٤٠

{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ} الآية.

قال راشد بن سعد : لما انصرف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كئيباً حزيناً جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها وأبيها مقتولين وهي تلدم فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أهكذا يفعل برسولك؟)

فأنزل اللّه تعالى {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} جرح يوم أُحد {فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ} يوم بدر.

وقرأ محمد بن السميقع : قَرَح بفتح القاف والراء على المصدر.

وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة والكسائي وخلف : بضم القاف حيث كان،

وهي قراءة ابن مسعود.

وقرأ الباقون : بفتح القاف،

وهي قراءة عائشة واختيار أبي عبيدة وأبي حاتم،

قالا : لأنهما لغة تهامة والحجاز،

لغتان مثل الجُهد والوَجد والوُجد.

وقال بعضهم : القَرح بالفتح الجراحات واحدتها قرحة،

والقُرح بالضم وجع الجراحة.

{وَتِلْكَ ايَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} فيوماً عليهم ويوماً لهم وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ أدال المسلمين من المشركين يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين وأدال المشركون من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا منهم خمسة وسبعين.

قال أنس بن مالك : أتى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يومئذ بعلي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه وعليه نيف وسبعون جراحة من طعنة وضربة ورمية،

فجعل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يمسحها وهي تلتئم بإذن اللّه كأن لم تكن،

ونظير هذه الآية قوله : {أولما أصابتكم مصيبة} يوم أُحد قد أصبتم مثليها يوم بدر،

يعني المثلي والأسرى.

عن عبيد اللّه بن عبد اللّه عن ابن عباس قال : لما كان يوم أُحد صعد أبو سفيان الجبل فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنه ليس لهم أن يعلونا) قال : فمكث أبو سفيان ساعة ثم قال : أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة اين ابن الخطاب؟

فقال عمر (رضي اللّه عنه) : هذا رسول اللّه وهذا أبو بكر وها أنا عمر. فقال أبو سفيان : يوماً بيوم وأن الأيام دول والحرب سجال.

فقال عمر : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

فقال : إنكم لتزعمون ذلك فقد خبنا إذاً وخسرناهم.

قال أبو سفيان : أما إنكم سوف تجدون قتلاكم مثلى ولم يكن ذلك على رأي سراتنا ثم ركبته حمية الجاهلية،

فقال : أما إنه إذا كان ذلك لم نكرهه.

قال الثعلبي : أنشدني أبو القاسم الحبيبي قال : أنشدنا أبو الحسن الكارزي قال : أنشدنا محمد بن القاسم الجمحي :

أرى الناس قد أحدثوا شيمة

وفي كل حادثة يؤتمر

يهينون من حقروا فقره

وإن كان فيهم تقي أو تبر

فيوماً علينا ويوماً لنا

ويوم نساء ويوماً نسر

{وَلِيَعْلَمَ اللّه الَّذِينَ ءَامَنُوا} يعني وإنما كانت هذه المداولة {لِيَعْلَمَ اللّه} ليرى اللّه الذين كفروا منكم ممّن نافقوا فيهزأ بعضهم من بعض. وقيل : معناه {وَلِيَعْلَمَ اللّه الَّذِينَ ءَامَنُوا} بأفعالهم موجودة كما علمها منهم قبل أن يكلّفهم {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ} يكرم أقواماً بالشهادة،

وذلك أن المسلمين قالوا : أرنا يوماً كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونلتمس الشهادة. فلقوا المشركين يوم أُحد فاتخذ اللّه منهم شهداء

﴿ ١٤٠