١٧٩{مَّا كَانَ اللّه لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} ، اختلفوا في نزولها : فقال الكلبي : قالت قريش : يا محمد تزعم أن من خالفك فهو في النار، واللّه عليه غضبان وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة واللّه عنه راض، فأخبرنا من يؤمن بك ومن لا يؤمن بك؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقال السدي : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (عرضت عليَّ أُمّتي في صورها في الطين كما عرضت على آدم (عليه السلام) وأُعلمت من يؤمن بي ومن لا يؤمن) فبلغ ذلك المنافقين واستهزؤا وقالوا : زعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر به ممّن لم يخلق بعد، ونحن معه ولا يعرفنا، فبلغ ذلك رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقام على المنبر خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : (ما بال (القوم) حملوني وطعنوا في حلمي، لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلاّ أنبأتكم). فقام عبد اللّه بن حذافة السهمي فقال : يا رسول اللّه من أبي؟ فقال : (حذافة)، فقام عمر ابن الخطاب (رضي اللّه عنه) فقال : يا رسول اللّه رضينا باللّه ربّاً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماماً وبك نبيّاً فاعف عنّا عفا اللّه عنك. فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (فهل أنتم منتهون، فهل أنتم منتهون؟) ثم نزل عن المنبر، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. فقالت أم حذافة له : ويحك ما أردت إلاّ أن تعرضني لرسول اللّه. فقال : كان الناس قد أذوني فيك فأحببت أن أسأل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فإن كانوا صدقوا رضيت وسكت، وإن كذبهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كفّوا عني. وقال أبو العالية : سأل المؤمنون أن يُعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمنين والمنافقين، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {مَّا كَانَ اللّه لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} واختلفوا في حكم الآية ونظمها : فقال بعضهم : الخطاب للكفار والمنافقين من الكفر والنفاق {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} وهذا قول ابن عباس والضحاك ومقاتل والكلبي وأكثر المفسرين. وقال آخرون : الخطاب للمؤمنين الذين أخبر عنهم، ومعنى الآية : ما كان اللّه ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق، حتى يميز الخبيث من الطيب، وعلى هذا القول هو من خطاب التلوين، رجع من الخبر إلى الخطاب كقوله : {وَجَرَيْنَ بِهِم} . وكقول الشاعر : يا لهف نفسي كان جلدة خالد وبياض وجهك للتراب الأعفر وهذا قول أكثر أهل المعاني، واللام في قوله : {لِيَذَرَ} لام الجحد، وهي في تأويل كي، ولذلك نصب ما بعدها حتى يميّز. قرأ الحسن وقتادة وأهل الكوفة : بضم الياء والتشديد وكذلك التي في الأنفال، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم. الباقون : بفتح الياء مخففاً. يقال : بان الشيء يميّزه ميزاً وميّزه تميّزاً، إذا فرّقه وامتاز وانماز هو بنفسه. قال أبو معاذ يقال : مزت الشيء أميزه ميزاً إذا فرقت بين شيئين، فإذا كانت أشياء قلت : ميّزتها تمييزاً، ومثله إذا جعلت الشيء الواحد شيئين، قلت : فرّقت بينهما، ومنه فرق الشعر، فإن جعلت أشياء قلت : فرقه وفرقها تفريقاً، ومعنى الآية : حتى يميّز المنافق من المخلص فيميّز اللّه المؤمنين يوم أُحد من المنافقين، حيث أظهروا النفاق وتخلفوا عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) . قتادة : حتى يميّز المؤمن من الكافر بالهجرة والجهاد، ونظيرها في سورة الأنفال. ابن كيسان {مَّا كَانَ اللّه لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} من الإقرار حتى نفرض عليهم الجهاد والفرائض التي فيها تخليصهم، ليميّز بها بين من يثبت على إيمانه ممّن ينقلب على عقبيه. الضحاك : {مَّا كَانَ اللّه لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} في أصلاب الرجال وأرحام النساء، يا معشر المنافقين والمشركين حتى يفرّق بينكم وبين من في أصلابكم وأرحام نسائكم من المؤمنين. وقال بعضهم : حتى يميّز الخبيث وهو المذنب، من الطيب وهو المؤمن، يعني حتى يحط الأوزار من المؤمن ما يصيبه من نكبة ومحنة ومصيبة. {وَمَا كَانَ اللّه لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} لأنه لا يعلم الغيب أحد غيره {وَلاَكِنَّ اللّه يَجْتَبِى} يختار {مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ} بالغيب فيطلعه على بعض علم الغيب، نظيره قوله تعالى : {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول}. وقال السدي : وما كان اللّه ليطلع محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) على الغيب ولكن اللّه اجتباه {فآمنوا باللّه ورسوله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم} . وروى الفضل بن موسى عن رجل قد سمّاه قال : كان عند الحجاج منجم فأخذ الحجاج حصيات لم يعدّهن وقال للمنجم : كم في يدي؟ فحسب فأصاب المنجم، ثم اعتقله الحجاج، فأخذ حصيات لم يعدّهن فقال للمنجم : كم في يدي؟ فحسب وحسب ثم أخطأ ثم حسب أيضاً فأخطأ، فقال : أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها في يدك؟ قال : فما الفرق بينهما؟ قال : إن ذلك أحصيته فخرج عن حد الغيب فحسبت وأصبت، وإن هذا لم يعرف عددها فصار غيباً ولا يعلم الغيب إلاّ اللّه. |
﴿ ١٧٩ ﴾