١٨٨

{لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا} يحسبن بالياء،

قرأه حميد بن كثير وأبو جعفر وشيبة ونافع وابن عامر وأبو عمرو،

وغيرهم بالتاء،

فمن قرأه بالياء فمعناه : ولا يحسبن الفارحون منجياً لهم من العذاب،

ومن قرأ بالتاء فمعناه : ولا تحسبن يا محمد الفارحين بمفازة من العذاب،

وخبره في الباء.

وقوله : {تَحْسَبَنَّ} بالتاء،

وفتح الباء إعادة تأكيد.

وقرأ الضحاك وعيسى : (لا تحسبن) بالتاء وضم الباء،

أراد محمداً وأصحابه.

وقرأ محمد وابن كثير وأبو عمرو ويحيى بن يعمر : بالياء وضم الباء خبراً عن الفارحين،

أي فلا تحسبن أنفسم،

واختلفوا فيه فيمن نزلت هذه الآية.

روى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : أن رجالا من المنافقين كانوا على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقولون : يا رسول اللّه لو خرجت إلى الغزو لغزونا معك،

فإذا خرج (عليه السلام) خلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول اللّه،

فإذا قدم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) اعتذروا إليه فيقبل عذرهم وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

وروى مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن رافع بن خديج : أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان وهو يومئذ أمير المدينة فقال مروان لرافع : في أي شيء أُنزلت هذه الآية : {لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا}؟

فقال رافع : أنزلت في أناس من المنافقين كانوا إذا خرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في سفر تخلفوا عنهم،

فأنكر مروان وقال : ما هذا؟

فجزع رافع من ذلك وقال لزيد بن ثابت : أنشدك اللّه هل تعلم ما قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال زيد : نعم،

فخرجا من عند مروان،

فقال زيد لرافع وهو يمزح معه : أما تحمد في ما شهدت لك وقال رافع : وأي شيء هذا؟

أحمدك على أن تشهد بالحق؟

قال زيد : نعم قد حمد اللّه على الحق أهله.

وقال عكرمة : نزلت في فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار،

يفرحون بإضلالهم الناس،

وبنسبة الناس إياهم إلى العلم،

وقولهم إنهم علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على هدى ولا خير.

الضحاك والسدي : هم يهود أهل المدينة كتبوا إلى يهود اليمن والشام وأطراف الأرض : أن محمداً ليس برسول فاثبتوا على دينكم. فاجتمعت كلمتهم على الكفر بمحمد والقرآن ففرحوا بذلك وقالوا : الحمد للّه الذي جمع كلمتنا فنحن على دين إبراهيم ونحن أهل العلم الأول،

وليسوا كذلك.

مجاهد : هم اليهود فرحوا بإعجاب الناس تبديلهم الكتاب،

وجهدهم إياه عليه.

سعيد بن جبير : هم اليهود فرحوا بما أعطى اللّه إبراهيم وهم براء من ذلك.

وروى ابن أبي مليكة عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف : أنّ مروان بن الحكم قال لمولاه : يا أبا رافع اذهب إلى ابن عباس وقل له : إن كان كل امرىء منا يفرح بما أوتي وأحب أن يحمد لما لم يفعل معذباً لنغدين جميعاً. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية،

إنما دعاء رسول اللّه اليهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما قد سألهم عنه،

فاستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بكتمانهم إياه ذلك،

فنزلت هذه الآية.

قتادة ومقاتل : أتت يهود خيبر لنبي اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقالوا : نحن نعرفك ونصدقك وإنّا على رأيكم ونحن لكم ردأً،

وليس ذلك في قلوبهم،

فلما خرجوا من عنده قال لهم المسلمون : ما صنعتم؟

قال : عرفناه وصدقناه،

فقال لهم المسلمون : أحسنتم هكذا فافعلوا،

فحمدوهم ودعوا لهم فأنزل اللّه لهم هذه الآية.

وروى شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال : نزلت في ناس من اليهود جهّزوا جيشاً إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأنفقوا عليهم،

وقرأها إبراهيم (بما أوتوا) ممدوداً أي أعطوا.

وقرأ سعيد بن جبير {أُوتُوا} أي أعطوا.

﴿ ١٨٨