٢٣

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} هي جمع أم،

والأم في الأصل أمهه على وزن فعلة،

مثل قبرة وحمرة فسقطت الهاء في (التوحيد وعادت) في الجمع كقولهم : شاه ومياه.

قال الشاعر :

أمهتي خندف والروس أبي

وقيل : أصل الأم أمة،

وأنشدوا :

تقبلتها عن أمة لك طالما

تثوب إليها في النوائب أجمعا

فيكون الجمع حينئذ أمهات. ومثاله في الكلام عمّة وعمّات.

وقال الراعي :

كانت نجائب منذر ومحرق

أُماتهن وطرقهن فحيلا

فحرم اللّه تعالى في هذه الآية نكاح أربع عشرة امرأة : سبعاً بنسب وسبعاً بسبب،

فأما النسب قوله : {أُمَّهَاتُكُمْ} فهي أمهات النسبة {وَبَنَاتُكُمْ} جمع البنت {وَأَخَوَاتُكُمْ} جمع الأخت {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ} جمع العمّة والخالة {وَبَنَاتُ اخِ وَبَنَاتُ اخْتِ} .

وأما السبب فقوله : {وَأُمَّهَاتُكُمُ الَّاتِى أَرْضَعْنَكُمْ} وهي أمهات الحرمة كقوله تعالى : {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ثم قال : {وَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا} . وقرأ عبد اللّه : (واللاي) بغير تاء كقوله : {وَالَّائى يَ سْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} .

قال الشاعر :

من اللاء لم يحججن يبغين حسبة

ولكن ليقتلن البرئ المغفلا

عروة عن عائشة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (ما حرمته الولادة حرمه الرضاع).

ومالك بن أنس عن عبد اللّه بن أبي بكر عن عميرة عن عائشة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي كرم اللّه وجهه قال : قلت يا رسول اللّه مالك تنوق في قريش وتدعنا قال : (وعندك أحد؟)

قلت : نعم بنت حمزة،

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إنها لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة).

وهب بن كيسان عن عروة عن عائشة : أن أبا القعيس وهو أفلح إستأذن على عائشة بعد آية الحجاب،

فأبت : أن تأذن له فذكر ذلك للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (إئذني له فإنّه عمك) فقالت : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل،

قال : (إنه عمك فليلج عليك).

وإنما يحرم الرضاع بشرطين إثنين أحدهما : أن يكون خمس رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات،

وتوفى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهي ممّا يقرأ من القرآن.

وروى عبد اللّه بن الحرث عن أم الفضل : أن نبي اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سُئل عن الرضاع فقال : (لا تحرم الاملاجة ولا الأملاجتان).

قال قتادة : المصة والمصتان.

والشرط الثاني : أن يكون من الحولين،

وما كان بعد الحولين فإنه لا يحرم،

وكان أبو حنيفة يرى ذلك بعد الحولين ستة أشهر.

ومالك : بعد الحولين شهراً،

والدليل على أن ما بعد الحولين من الرضاع بقوله : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وليس بعد الكمال والتمام شيء،

وقول النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (لا رضاع بعد الحولين،

وإنما الرضاع ما أنبت اللحم وأنشر العظم).

{وَأُمَّهَاتُ نِسَآكُمْ} أم المرأة حرام دخل بها أو لم يدخل،

وهو قول أكثر الفقهاء،

وعليه الحكم والفتيا،

وقد شدد أهل العراق فيها حتى قالوا : لو وطأها أو قبّلها أو لامسها بالشهوة حرمت عليه ابنتها. وعندنا إنما يحرم بالنكاح الصحيح،

والحرام لا يحرم الحلال،

وكان ابن عباس يقرأ (وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن) ويحلف باللّه ما نزل إلاّ هكذا ويقول : هي بمنزلة الربائب،

فلما كانت الربائب لا يحرمن بالعقد على أمهاتهن دون الوطىء،

كذلك أمهات النساء لا يحرمن بالعقد على بناتهن دون الوطىء،

وهو قول علي وزيد وجابر وابن عمر وابن الزبير قالوا : نكاح أمهات النساء اللواتي لم يدخل بهن حلال،

والقول الأول هو الأصح.

قال ابن جريح : قلت لعطاء : الرجل ينكح المرأة ثم يراها ولا يجامعها حتى يطلقها،

أيحل له أُمّها؟

قال : لا ،

هي مرسلة دخل بها أو لم يدخل. فقلت له : كان ابن عباس يقرأ : (وامهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن) قال : لا.

و روى عمرو بن المسيب عن أبيه عن جدّه عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالبنت أو لم يدخل وإذا تزوج الأم ولم يدخل،

بها ثم طلقها فإن شاء تزوج بالبنت).

{وَرَبَابُكُمُ} جمع الربيبة وهي ابنت المرأة،

قيل لها : ربيبة،

لتربيته إياها،

فعيلة بمعنى مفعولة {الَّاتِى فِى حُجُورِكُم} أي في ضمانكم وتربيتكم،

يقال : فلان في حجر فلان إذا كان يلي تربيته،

ويقال : امرأة طيبة الحجر إذا لم تُربّ ولداً إلاّ طيب الولد.

قال الكميت :

الكرمات (نسبة) في قريش

(وسواهم) والطيبات الحجورا

ومنه قيل للحظر حجر،

والأصل فيه الناحية،

يقال : فلان يأكل في حجره ويريض حجره.

{مِّن نِّسَآِكُمُ الَّاتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ} أي جامعتموهن {فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} نكاح بناتهن إذا طلقتموهن أو متن عنكم.

روى الزهري عن عروة : أن زينب بنت أبي سلمة وأمها أم سلمة زوج النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أخبرته أن أم حبيبة بنت أبي سفيان أخبرتها أنها قالت : يا رسول اللّه انكح أختي قالت : فقال لي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أو تحبين ذلك؟)

قلت : نعم ليست لك بمخلية وأحب من يشاركني في خير أختي. فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (إنّ ذلك لا يحلّ لي). فقلت : واللّه يا رسول اللّه إنّا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درّة بنت أبي سلمة فقال : (بنت أم سلمة؟)

فقلت : نعم،

قال : (واللّه إنها لو تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها لبنت أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن).

{وَحَلَاِلُ أَبْنَآِكُمُ} يعني أزواج أبنائكم،

والذكر حليل،

وجمعه أحلّه وأحلاّء،

مثل عزيز وأعزة وأعزّاء،

وإنما سمّي بذلك لأن كل واحد منهما حلال لصاحبه،

يقال : حلّ وهو حليل،

مثل صحّ وهو صحيح،

وقيل : سمّي بذلك لأن كل واحد منهما يحلّ حيث يحلّ صاحبه من الحلول وهو النزول،

وقيل : لأن كلّ واحد منهما يحل إزار صاحبه،

من الحل وهو ضد العقد.

قال الشاعر :

يدافع قوماً على مجدهم

دفاع الحليلة عنها الحليلا

يدافعه يومها تارة

ويمكنه رجلها أن يشولا

{الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} دون من تبنيتموهم.

قال عطاء : نزلت في محمد (صلى اللّه عليه وسلم) حين نكح امرأة زيد بن حارثة.

{وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ اخْتَيْنِ} حرّتين كانتا بالعقد أو أمتين بالوطئ {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} .

قال عطاء والسدي : يعني إلاّ ما كان من يعقوب (عليه السلام)،

فإنه جمع بين ليا أم يهوذا وراجيل أُم يوسف وكانتا أُختين.

﴿ ٢٣