٢٤{إن اللّه كان غفوراً رحيماً والمحصنات من النساء} الآية. قال عمرو بن مرّة : قال رجل لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين يُسأل عن هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ} فلم يقل فيها شيئاً، فقال سعيد : كان لا يعلمها. وقال مجاهد : لو أعلم من يفسّر في هذه الآية لضربتُ إليه أكباد الإبل، قوله تعالى : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ} . قال المفسرون : هذه السابعة من النساء اللواتي حُرّمن بالسبب. قرأه العامة : (والمحصَنات) بفتح الصاد، يعني في زوال الأزواج أحصنهنّ أزواجهن. قال أبو سعيد الخدري : نزلت في نساء كُنَّ يهاجرن إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ولهنّ أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين، ثم يقدم أزواجهن مهاجرين، فنهى المسلمين عن نكاحهنّ ثم استثنى فقال : {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني السبايا اللاتي سبين ولهم أزواج في دار الحرب، فحلال لمالكهن وطأهن بعد الإستبراء. فقال أبو سعيد الخدري : بعث رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يوم حنين جيشاً إلى أوطاس، فلقوا العدو فأصابوا سبايا لهن أزواج من المشركين، فكرهوا وطأهنّ وتأثموا من ذلك، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقرأ علقمة : (والمحصِنات) بكسر الصاد، ودليله قول عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) وعبيدة وأبي العالية والسدي، قالوا : والمحصنات في هذه الآية والعفائف ومعناها : والعفائف من النساء عليكم حرام إلاّ ما ملكت إيمانكم منهن بنكاح أو ملك يمين وثمن، وقيل : معناه الحرائر. قال الباقر ويمان : معناه والمحصنات من النساء عليكم حرام ما فوق الأربع، إلاّ ما ملكت إيمانكم فإنه لا عدد عليكم فيهن. وقال ابن جريح : سألنا عطاء عنها فقال : معنى قوله : {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أن تكون لك أَمة عند عبد لك قد أحصنها بنكاح وتنزعها منه إن شئت. {كِتَابَ اللّه عَلَيْكُمْ} نصب على المصدر، أي كتب اللّه عليكم كتاباً، وقيل : نصب على الإغراء، أي الزموا واتقوا كتاب اللّه عليكم. وقرأ ابن السميقع : {كِتَابَ اللّه عَلَيْكُمْ} أي أوجب، وهذه أربعة عشر امرأة، محرمات بالكتاب. فأما الستّة : فقد حرّمت امرأتين، وهو ما روى هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (لا تنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها). {وَأُحِلَّ لَكُم} قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة : (وأُحل لكم) بضم الألف. الباقون : بالنصب، وهي قراءة علي وابن عباس واختيار أبي عبيد وأبي حاتم، فمن رفع فلقوله : {حُرِّمَتْ} ، ومن نصب، فللقرب من ذكر اللّه في قوله : {كِتَابَ اللّه} . {مَّا وَرَآءَ} ما سوى {ذَالِكُمْ} الذي ذكرت من المحرمات {أَن تَبْتَغُوا} بدل من (ما) فمن رفع أحلّ ف (إن) عنده في محل الرفع، ومن نصب ف (إن) عنده في محل النصب. قال الكسائي والفراء : موضعه نصب في القراءتين بنزع الخافض، يعني : لأن تبتغوا وتطلبوا. {بِأَمْوَالِكُم} أما بنكاح وصداق أو بملك وثمن {مُّحْصِنِينَ} مُتعففين {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} زانين، وأصله من سفح المذي والمني {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} اختلف في معنى الآية : فقال مجاهد والحسن : يعني ممّا انتفعتم وتلذذتم للجماع من النساء بالنكاح الصحيح. {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ} أي مهورهن، فإذا جامعها مرّة واحدة فقد وجب لها المهر كاملا. وقال آخرون : هو نكاح المتعة، ثم اختُلف في الآية أمحكمة هي أم منسوخة؟ فقال ابن عباس : هي محكمة ورخّص في المتعة، وهي أن ينكح الرجل المرأة بولي وشاهدين إلى أجل معلوم، فإذا انقضى الأجل فليس له عليها سبيل، وهي منه بريئة، وعليها أن تستبري ما في رحمها وليس بينهما ميراث. قال حبيب بن أبي ثابت : أعطاني ابن عباس مصحفاً فقال : هذا على قراءة أُبي، فرأيت في المصحف (فما استمتعم به منهن إلى أجل مسمى). وروى داود عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن المتعة فقال : أما تقرأ سورة النساء؟ قلت : بلى، قال : فما تقرأ : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى)؟ قلت : لا أقرأها هكذا. قال ابن عباس : واللّه لهكذا أنزلها اللّه، ثلاث مرّات. وروى عيسى بن عمر عن طلحة بن مصرف أنه قرأ : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى). وروى عمرو بن مرّة عن سعيد بن جبير : أنه قرأها : (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى). وروى شعبة عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية : {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ} أمنسوخة هي؟ قال : لا. قال الحكم : قال علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه : لولا أن عمر نهى عن المتعة مازنا إلاّ شقي. أبو رجاء العطاردي عن عمران بن الحصين قال : نزلت هذه الآية (المتعة) في كتاب اللّه، لم تنزل آية بعدها تنسخها، فأمرنا بها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وتمتعنا مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ولم ينهنا عنه، وقال رجل بعد برأيه ما شاء قال الثعلبي : قلت ولم يرخص في نكاح المتعة إلاّ عمران بن الحصين وعبد اللّه بن عباس وبعض أصحابه وطائفة من أهل البيت، وفي قول ابن عباس. يقول الشاعر : أقول للرّكب إذ طال الثواء بنا يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس هل لك في رخصة الاطراف ناعمة تكون مثواك حتى مرجع الناس وسائر العلماء والفقهاء والصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أن هذه الآية منسوخة ومتعة النساء حرام. وروى الربيع بن بسرة الجهني عن أبيه قال : كنّا مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في عمرته فشكونا إليه العزبة، فقال : (يا أيها الناس استمتعوا من هذه النساء) ثم صبحت غاديا على رسول اللّه فإذا هو يقول : (يا أيها الناس إني كنت أمرتكم بالإستمتاع من هذه النساء إلاّ أن اللّه حرّم ذلك إلى يوم القيامة). وقال خصيف : سألت الحسن عن نكاح المتعة، فقال : إنما كان ثلاثة أيام على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ثم نهى اللّه عزّ وجلّ عنه ورسوله (صلى اللّه عليه وسلم) وقال الكلبي : كان هذا في بدء الإسلام، أحلّها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بثلاثة أيام ثم حرّمها، وذلك أنه كان إذا تم الأجل الذي بينهما أعطاها أجرها الذي كان شرط لها، ثم قال : زيديني في الأيام فأزيدك في الأجر، فإن شاءت فعلت ذلك، فإذا تم الأجل الذي بينهما أعطاها الأجر وفارقها، ثم نسخت بآية الطلاق والعدة والممات. وروى الزهري عن الحسن وعبد اللّه ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أن علياً قال لابن عباس : نهى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل الحمر الأهلية. وروى الفضل بن دكين عن البراء بن عبد اللّه القاص عن أبي نضرة عن ابن عباس أن عمر (رضي اللّه عنه) نهى عن المتعة التي تذكر في سورة النساء فقال : إنما أحل اللّه ذلك على عهد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) والنساء يومئذ قليل، ثم حرّم عليهم بعد أن نهى عنها. وعن سالم بن عبد اللّه بن عمر عن عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) أنه صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه فقال : ما بال رجال ينكحون هذه المتعة وقد نهى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عنها لا أجد رجلا ينكحها إلاّ رجمته بالحجارة. وقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (هدم المتعة النكاح والطلاق والعدة والميراث). وقال ابن أبي مليكة : سألت عائشة عن المتعة فقالت : بيني وبينهم كتاب اللّه {والذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} . وعن عائشة : واللّه ما نجد في كتاب اللّه إلاّ النكاح والاستسراء. وقال ابن عمر : المتعة سفاح. عطاء : المتعة حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير. قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم بن جبير يقول : سمعت أبا علي الحسين بن أحمد الخياط يقول : سمعت أبا نعيم بن عبد الملك بن محمد بن عدي يقول : سمعت (...) يقول : الشافعي يقول : لا أعلم في الإسلام شيئاً أحل ثم حرّم ثم أحل ثم حُرّم غير المتعة. {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَآءِ} أي مهورهن، سمّيَ المهر أجراً، لأنه ثمن البضع وأجر إلاّ ستمتاع ألا تراهُ يتأكد بالخلوة والدخول. واختلفوا في حدّه، فأكثره لا غاية له، وأما أقلّه فقال أبو حنيفة : لا مهر دون عشرة دراهم أو قيمتها من الذهب، لأن اللّه عزّ وجلّ قال : {أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم} ولا يطلق اسم المال على أقل من هذا القدر. وعند الشافعي : لا حدّ له، فأجاز الشيء الطفيف حتى القبضة من الطعام، وكذلك كل عمل أوجب أجراً قليلا كان أو كثيراً، والسورة من كتاب اللّه عزّ وجلّ أو آية لقوله : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ} . وعن سلمة بن وردان قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سأل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) رجلا من أصحابه، فقال : (يا فلان هل تزوجت؟) قال : لا، وليس عندي ما أتزوج، قال : (أليس معك {قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ} ؟) قال : بلى، قال : (ربع القرآن) قال : (أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللّه} ؟) قال : بلى، قال : (ربع القرآن) قال : (أليس معك {قل يا أيها الكافرون} ؟) قال : بلى، قال : (ربع القرآن)، قال : (أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ} ؟) قال : بلى، قال : (ربع القرآن) قال : (أليس معك آية الكرسي؟) قال : بلى، قال : (ربع القرآن)، قال : (تزوج تزوج تزوج). وقد ذكرت حجج الفريقين فيما قيل. {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} يعني فيما تفتدي به المرأة نفسها، {إِنَّ اللّه كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} . |
﴿ ٢٤ ﴾