٧٩

{مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} أي من خير ونعمة {فَمِنَ اللّه وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ} أي بلية وأمر تكرهه {فَمِن نَّفْسِكَ} أي،

من عندك وأنا الذي قدرتهما عليك،

الخطاب للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) والمراد به غيره،

نظيره.

قوله {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما من خدش بعود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب،

وما يعفو اللّه عنه أكثر).

وروى الهروي عن سفيان بن سعيد عمن سمع الضحاك بن مزاحم يقول : ماحفظ الرجل القرآن ثم نسيه إلاّ بذنب،

ثم قرأ {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ} قال : فنسيان القرآن أعظم المصائب.

وقال بعضهم : هذه الآية متصلة بما قبله،

وتقديره : فما لهؤلاء القوم لم يكونوا يفقهون حديثاً حتى يقولوا : ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيّئة فمن نفسك؟

وتعلق أهل القدر بهذه الآية وقالوا : نفى اللّه السيئة عن نفسه بقوله {وَما أصَابَكَ مِنْ مُصِيبَة فَمِنْ نَفْسِك} ونسبها إلى العبد،

فيقال لهم : إن ما حكى اللّه تعالى لنبيه من قول المنافقين،

إنهم قالوا إذا أصابتهم حسنة،

هذه من عند اللّه،

فإن تصبهم سيئة يقولوا : هذه من عندك،

لم يرد به حسنات الكسب،

ولا سيئاته،

لأن الذي منك فعل غيرك بك لا فعلك،

ولذلك نسب إلى غيرك.

كما قال {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} وكل هذه سبب من الأسباب لامن الكسب ألا ترى إنه نسبها إلى غيرك،

ولم يذكر بذلك ثواباً ولا عقاباً،

فلما ذكر حسنات العمل والكسب وسيآتهما نسبهما إليك وذكر فيها الثواب والعقاب. كقوله {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَىا إِلا مِثْلَهَا} وكان ما حكى اللّه عن المنافقين من قولهم في الحسنات والسيئات لم يكن حسنات الكسب ولا سيئاته،

ثم عطف عليه قوله {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّه} إلى نفسك فلم يكن بقوله {فَمِن نَّفْسِكَ} مثبتاً لما قد نفاه،

ولا نافياً لما قد أثبته،

لأن ذلك لايجوز على الحكيم جل جلاله،

لكن من السبب الذي استحق هذه المصيبة،

وكان ذلك من كسبه،

ومنه قوله {وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فجعل هذه المصيبة جزاءً للفعل فإذا أوقع الجزاء لم يوقعه إلاّ على ما نسبه إلى العباد،

كقوله {جَزَآءَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {جَزَآءَ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وقوله {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} ليس فيه دليل على إنه لايريد السيئة ولا يفعلها ولكن ما كان جزاءً،

فنسبته إلى العبد على (طريق) الجزاء.

{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ} يامحمد {رَسُولا وَكَفَى بِاللّه شَهِيدًا} على إنك رسول صادق.

وقيل فيك {وَكَفَى بِاللّه شَهِيدًا} على أن الحسنة والسيئة كلها من اللّه

﴿ ٧٩