٨١

{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} يعني المنافقين وذلك إنهم كانوا يقولون لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إنّا آمنّا بك فمرنا من أمرك طاعةً،

وهم يكفرون به في السر،

وقوله (طاعة) مرفوعة على معنى منّا طاعة وأمرك طاعة وكذلك قوله (لا تقسموا طاعة) مرفوعة أي قولوا،

سمعاً وطاعة،

وكذلك قوله {فأولى لهم طاعة وقول معروف} وليست مرتفعة إليهم بل مني مرتفعة على الوجه الذي ذكرت. {فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ} أي خرجوا {بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِى تَقُولُ} أي زوّر وموّه وقيل هنا.

فقال قتادة والكلبي : بيّت أي غيّر وبدّل الذي عهد إليهم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ويكون السبب معنى التبديل.

قال الشاعر :

بيّت قولي عبد المليك

قاتله اللّه عبداً كفوراً

وقال القتيبي وأبو عبيدة : (بيّت طائفة منهم) أي قالوا وقدروا ليلاً غير الذي أعطوك نهاراً،

وكل شيء قدرّ بليل من شر فهو تبييت.

قال عبيدة بن الهمام :

أتوني فلم أَرض ما بيّتوا

وكانوا أتوني بشيء نكر

لأنكح أيّمهم منذراً

وهل ينكح العبد حر بحر

وقال النمر بن تولب :

هبت لتعذلني بليل أسمعي

سفهاً تبيتك الملامة فاهجعي

وقال أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش : يقول العرب للشيء إذا قدر قد بيّت،

يشبهونه تقدير بيوت (الشعر).

{وَاللّه يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} أي ما يغيرون ويزورون ويقدرون.

الضحاك عن ابن عباس : يعني ما تسرّون من النفاق {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} يا محمد فلا تعاقبهم {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه وَكَفَى بِاللّه وكيلا} أي كفيلاً،

وثقةً،

وناصراً بالانتقام لك منهم،

فنسخ اللّه تعالى قوله {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} بقوله : {يَا أيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ} بالسيف {وَالْمُنَافِقِينَ} بالكلام الغليظ.

فإن قيل : ما وجه الحكمة في (أعدائه) ذكر مهلهم. ثم قال (بيت طائفة منهم) فصرف الخطاب من (جلهم) إلى بعضهم.

يقال : إذ إنما عَبر عن حال من علم اللّه وبقي على كفره ونفاقه،

فأما من علم أنه يرجع عن ذلك فإنه صفح عن ذكرهم،

وقد قيل : إنه غير عن حال من أحوالهم قد تستّر في أمره،

فأما من سمع وسكت فإنه لم يذكرهم،

وفي قوله {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه} دليل على إبطال قول من زعم أنّ السنّة تعرُض على الكتاب لم يعمل بها وذلك إن كل ما نص اللّه عز وجل،

عليه فإنّما صار فرضاً بالكتاب،

فإذا عدم النص من الكتاب،

وورد به السنّة فوجب إتباعها،

ومن خالفها فقد خالف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ومن خالف رسول اللّه فقد خالف اللّه،

لأن في طاعة الرسول طاعة اللّه،

فمن زعم أنه لم يقبل خبره إلاّ بعد أن يعرض على كتاب اللّه،

فقد أبطل كلّ حكم ورد عنه ما لم ينصّ عليه الكتاب.

وأما قوله {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} ففيه دليل على أنّ من لم يعتقد الطاعة فليس بمطيع على الحقيقة،

وذلك أن اللّه تعالى لمّا تحقّق طاعتهم فيما أظهروه،

فقال : ويقولون ذلك لأنّه لو كان للطاعة حقيقة إلاّ بالاعتقاد لحكم لهم بها (فثبت) أنه لا يكون المطيع مطيعاً،

إلاّ باعتقاد الطاعة مع وجودها.

﴿ ٨١