٨٢{لَتَجِدَنَّ} يا محمد {أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ} يهود أهل المدينة. أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسين، أبو جعفر علي بن محمد بن أحمد الصفار الهمداني، أبو علي عبد اللّه بن علي بن الزبير النخعي، إسماعيل بن بهرام الأشجعي، عباد ابن العوّام عن يحيى بن عبد اللّه عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (ما خلا يهوديان بمسلم إلاّ همّا بقتله). {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} مشركي العرب {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} لم يرد به جميع النصارى مع ما فيهم من عداوة المسلمين وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وقتلهم وأسرهم وإحراق مصاحفهم لا ولا كرامة لهم وإنما نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابه. قال المفسرون : أئتمرت قريش بأن يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثبت كل قبيلة على محمد فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم فأفتن ما أفتن وعصم اللّه منهم من شاء ومنع اللّه رسوله بعمّه أبي طالب فلما رأى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة وقال : (إن بها ملكاً صالحاً لا يظلم ولا يُظلم عنده أحد). فاخرجوا إليه حتى يجعل اللّه للمسلمين فرجاً وأراد به النجاشي وإسمه أصحمة وهو الحبشة عطية فإنما النجاشي إسم الملك كقوله قيصر وكسرى فخرج إليها سراً عشرون رجلاً وأربع نسوة وهم عثمان بن عفان وامرأته رقية بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) والزبير بن العوام وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ومصعب بن عمير وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية وعثمان بن مضعون وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي خيثمة وحاطب بن عمرو وسهيل بن البيضاء فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهذه الهجرة الأولى، ثم خرج جعفر بن أبي طالب وتتابع المسلمون إليها وكان جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين إثنين وثمانين رجلاً سوى النساء والصبيان فلما علمت قريش بذلك وجّهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا إلى النجاشي وإلى بطارقته ليردهم إليه فيعصمهم اللّه وقد ذكرت هذه القصة في سورة آل عمران، فلما انصرف عمرو وأقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) هجرته إلى المدينة وذلك في سنة ستة من الهجرة كتب رسول اللّه (عليه السلام) إلى النجاشي على يدي عمرو بن أمية الضمري يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وكانت هاجرت مع زوجها فمات زوجها وبعث إليه من عنده من المسلمين. فأرسل النجاشي إلى أم حبيبة جارية لها يقال لها أبرهة فزوجها حطيئة رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إياها وأعطتها أوضاحاً لها سروراً بذلك وأمر بها أن يوكل من زوجها فوكلت خالد بن الوليد بن العاص حتى أنكحها على صداق أربعمائة دينار وكان الخاطب لرسول اللّه النجاشي فدعا النجاشي بأربعمائة دينار وأخذها إلى أم حبيبة على يدي أبرهة فلما جاءتها بها أعطتها منها خمسين ديناراً فقالت أبرهة : قد أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئاً فإن أرد الذي أخذت منك وأنا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت محمداً رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وآمنت به وحاجتي إليك أن تقرأه منّي السلام قالت : نعم، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر وكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يراه عليها وعندها فلا ينكره، فقالت : أم حبيب : فخرجنا في سفينتين وبعث النجاشي معنا الملاحين حتى قدمنا الجار ثم ركبنا الظهر إلى المدينة فوجدنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بخيبر فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فدخلت عليه وكان يسألني عن النجاشي وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقال : (لا أدري أنا بفتح خيبر أشد أم بقدوم جعفر) وأنزل اللّه تعالى {عسى اللّه أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتهم منهم مودة} يعني أبا سفيان مودة بتزويج أم حبيبة (فقيل لأبي سفيان وهو يومئذ مشرك يحارب النبي (صلى اللّه عليه وسلم) إنّ محمّداً قد نكح ابنتك قال : ذاك الفحل لا يقرع أنفه). وبعث النجاشي بعد قدوم جعفر إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إبنه أرها بن أصحمة مع ستين رجلاً من الحبشة، وكتب إليه : يا رسول اللّه أشهد أنّك رسول اللّه صادقاً مصدقاً وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت للّه رب العالمين، وقد بعثت إليك أرها وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليكم يا رسول اللّه. فركبوا سفينة مع جعفر وأصحابه، حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ورأى جعفر وأصحابه رسول اللّه في سبعين رجلاً عليهم ثياب الصوف منهم إثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وهم خيرة الحبشة الراهب وأبرهة وإدريس وأشرف وتمام ومريد وأيمن فقرأ عليهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) سورة يس إلى آخرها فبكوا. حين سمعوا القرآن وآمنوا وقالوا : جئتنا بما كان ينزل على عيسى (عليه السلام) فأنزل اللّه تعالى فيهم {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً} إلى قوله {النَّصَارَى} يعني وفد النجاشي الذين غرقوا مع جعفر بن أبي طالب وهم السبعون وكانوا أصحاب الصوامع. وقال مقاتل والكلبي : كانوا أربعين رجلاً إثنان وثلاثون في الحبشة وثمانية من أهل الشام. عطاء : كانوا ثمانين رجلاً أربعون رجلا من أهل نجران من بني الحرث بن كعب وإثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميّون من أهل الشام. وقال قتادة : نزلت في ناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من أهل الحق وكانوا لعيسى يؤمنون به وينتهون إليه فلما بعث اللّه محمداً صدّقوه وآمنوا به فأثنى اللّه عليهم ذلك {بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ} ، أي علماء. قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم. وقال ورقة : بما خبرتنا من قول قس من الرهبان أكره أن يعوجا وقال عروة بن الزبير حرّفت النصارى الإنجيل فأدخلوا فيه ما ليس منه وكان الذي غيّر ذلك أربعة نفر لوقاس ومرقوس ويحنس ومتيوس، وبقي قيس على الحق وعلى الإستقامة والإقتصاد فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس. عبد اللّه بن يوسف بن أحمد، محمد بن حامد بن محمد التميمي الحسن بن الهيثم السمري، عبد اللّه بن محمد، يحيى بن الحمامي، نصير عن زياد الطائي عن الصلت الدهان عن (حامية) بن رئاب عن سلمان قال : قرأت على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ذلك بإن منهم قسيسين ورهباناً فاقرأ في ذلك بأن منهم صديقين ورهباناً والرهبان العبّاد وهم أصحاب الصوامع وأخذهم راهب مثل فارس وفرسان، وراكب وركبان، وقد يكون واحداً وجمعه رهابين، مثل قربان وقرابين، وجردان وجرادين، وأنشد في الواحد : لو كلمت رهبان دير في القلل لانحدر الرهبان يسعى فنزل وأنشد في الجمع : رهبان مدين لو رأوك تنزلوا العصم من شعف العقول الغادر وهو من قول القائل : رهب اللّه أي خافه، يرهبه رهبة ورهباً ورهباناً {وَأَنَّهُمْ يَسْتَكْبِرُونَ} لا يتكبرون عن الإيمان والإذعان للحق |
﴿ ٨٢ ﴾