سورة الأنفال

مدنيّة،

وهي خمسة الآف ومئتان وأربعة وتسعون حرفاً،

وألف ومئتان وإحدى وثلاثون كلمة

زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أُمامة عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (مَنْ قرأ سورة الأنفال وبراءة فأنا شفيع له وشاهد يوم القيامة أنّه برئ من النفاق وأُعطي من الأجر بعدد كل منافق ومنافقة في دار الدنيا عشر حسنات ومُحي عنه عشر سيّئات ورُفع له عشر درجات وكان العرش وحملته يصلّون عليه أيام حياتهِ في الدنيا).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية قال ابن عباس : أن النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) قال يوم بدر : (مَنْ أتى مكان كذا وكذا فله من الفضل كذا،

ومَنْ قتل قتيلاً فله كذا،

ومَنْ أسر أسيراً فله كذا)،

فلمّا التقوا سارع إليه الشبّان والفتيان وأقام الشيوخ ووجوه الناس عند الرايات،

فلمّا فتح اللّه على المسلمين جاءوا يطلبون ما جعل النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقال لهم الأشياخ : كنّا ردءاً لكم ولو انهزمتم فلا تستأثروا علينا،

ولا تذهبوا (بالغنائم دوننا).

وقام أبو اليسر بن عمرو الأنصاري أخو بني سلمة فقال : يا رسول اللّه إنّك وعدت مَن قتل قتيلاً فله كذا ومَنْ أسر أسيراً فله كذا وإنّا قد قتلنا سبعين وأسرنا سبعين،

فقام سعد بن معاذ فقال : واللّه ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادةً في الآخرة ولا جبن عن العدو لكن كرهنا أن يعرّي مصافك فيعطف عليه خيل من خيل المشركين فيصيبوك،

فأعرض عنهما رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ثمّ عاد أبو اليسر بمثل مقالته وقام سعد بمثل كلامه وقال : يا رسول اللّه إنّ الناس كثير وإن الغنيمة دون ذلك وإن تعطِ هؤلاء التي ذكرت لا يبقَ لأصحابك كثير شيء فنزلت {يَسَْلُونَكَ عَنِ الأنفال} الآية. فقسّم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بينهم بالسويّة.

وروى مكحول عن أبي أُمامة الباهلي قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال : فينا معاشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في الفعل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه اللّه من أيدينا،

فجعله إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقسّمه بين المسلمين عن سواء على السواء وكان في ذلك تقوى اللّه وطاعة رسوله صلاح ذات البين.

وقال سعد بن أبي وقاص : نزلت في هذه الآية ذلك أنّه لمّا كان يوم بدر وقتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص بن أميّة وأخذت سيفه وكان يُسمّى ذا الكثيفة فأعجبني فجئت به النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) فقلت : يا رسول اللّه إن اللّه قد شفى صدري من المشركين فهب لي هذا السيف فقال ليس هذا لي ولا لك اذهب فاطرحه في القبض فطرحته ورجعت وبي ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ وجلّ من قتل أخي وأخذ بيدي قلت : عسى أن يعطي من لم يُبل بلائي فما جاوزت إلاّ قليلاً حتّى جاءني الرسول (صلى اللّه عليه وسلم) وقد أنزل اللّه عزّ وجلّ : { يَسَْئلُونَكَ عَنِ الأنفال} فخفت أن يكون قد نزل فيّ شيء،

فلما انتهيت إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (يا سعد إنّك سألتني السيف وليس لي وإنّه قد صار ليّ فاذهب فخذه فهو لك).

وقال أبو (أُميّة) مالك بن ربيعة : أُصبت سيف ابن زيد يوم بدر وكان السيف يُدعى المرزبان فلمّا نزلت هذه الآية أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الناس أن يردّوا ما في أيديهم من النفل فأقبلت به وألقيته في النفل وكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لا يمنع شيئاً يسأله فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فسأله رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأعطاه إيّاه.

وقال ابن جريج : نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدراً فاختلفوا فكانوا أثلاثاً فنزلت هذه الآية وملّكها اللّه رسوله يقسّمها كما أراه اللّه.

عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس (قال : ) كانت المغانم لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) خاصة ليس لأحد فيها شيء وما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو ملكاً فهو غلول فسألوا رسول اللّه أن يعطيهم منها فأنزل اللّه عزّ وجلّ يسألونك يا محمد عن الأنفال أي حكم الأنفال وعلمها وقسمها.

وقيل : معناه يسألونك من الأنفال {عَنِ} بمعنى (من).

وقيل : (من) صلة أي يسألونك الأنفال. وهكذا قرأ ابن مسعود بحذف {عَنِ} وهو قول الضحاك وعكرمة.

والأنفال الغنائم واحدها نفل. قال لبيد :

إن تقوى ربّنا خير نفل

وبإذن اللّه ريثي والعجل

وأصله الزيادة يقال : نفلتك وأنفلتك أي : زدتّك.

واختلفوا في معناها :

فقال أكثر المفسّرين : معنى الآية يسألونك عن غنائم بدر لمن هي.

وقال عليّ بن صالح بن حيي : هي أنفال السرايا.

وقال عطاء : فَأْنشد من المشركين إلى المسلمين بغير قبال من عبد أو أمة أو سلاح فهو للنبي (صلى اللّه عليه وسلم) يصنع به ما يشاء.

وقال ابن عباس : هي ما يسقط من المتاع بعدما يقسم من الغنائم فهي نفل للّه ولرسوله.

وقال مجاهد : هي الخمس وذلك أنّ المهاجرين سألوا النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) عن الخمس بعد الأربعة الأخماس وقالوا : لِمَ يرفع منّا هذا الخمس،

لِمَ يخرج منّا فقال اللّه تعالى : {قُلِ انفَالُ للّه وَالرَّسُولِ} يقسّمانها كما شاءا أو ينفلان فيها ما شاءا أو يرضخان منها ما شاءا.

واختلفوا في هذه الآية أهي محكمة أم منسوخة :

فقال مجاهد وعكرمة والسدي : هي منسوخة نسخها قوله {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية.

وكانت الغنائم يومئذ للنبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) خاصّة فنسخها اللّه بالخمس.

وقال عبد الرحمن بن أيد : هي ثابتة وليست منسوخة وإنّما معنى ذلك قل الأنفال للّه وهي لا شك للّه مع الدنيا بما فيها والآخرة وللرسول يضعها في مواضعها التي أمره اللّه بوضعها فيها ثمّ أنزل حكم الغنائم بعد أربعين آية فإنّ للّه خُمسه ولكم أربعة أخماس.

وقال النبيّ (صلى اللّه عليه وسلم) (هذا الخمس مردود على فقرائكم)،

وكذلك يقول في تنفيل الأيام بعض القوم واقتفائه إياه ليلاً،

وعلى هذه يفرق بين الأنفال والغنائم بقوله تعالى : {واتّقوا اللّه وأصحلوا ذات بينكم} وذلك حين اختلفوا في الغنيمة أمرهم بالطاعة والجماعة ونهاهم عن المفارقة والمخالفة.

قال قتادة وابن جريج : كان نبيّ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفّار إذا قتله وكان ينفل على قدر عنائه وبلائه حتّى إذا كان يوم بدر ملأ الناس أيديهم غنائم،

فقال أهل الضعف : ذهب أهل القوّة بالغنائم فنزلت {قل الأنفال للّه وللرسول فاتقوا اللّه وأصحلوا ذات بينكم} ليرد أهل القوّة على أهل الضعف فأمرهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أن يرد بعضهم على بعض فأمرهم اللّه بالطاعة فيها فقال {وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} واختلفوا في تأنيث ذات البين فقال أهل البصرة أضاف ذات البين وجعله ذات لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم المؤنث وبعضها يُذكر نحو الدار والحائط أنّث الدار وذكّر الحائط.

وقال أهل الكوفة : إنّما أراد بقوله {ذَاتَ بَيْنِكُمْ} الحال التي للبين فكذلك ذات العشاء يريد الساعة التي فيها العشاء.

قالوا : ولم يضعوا مذكّراً لمؤنّث ولا مؤنّثاً لمذكّر إلاّ لمعنى به وقوله

﴿ ١