سورة الرعدمدنية قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : إنّها مكّيّة إلاّ آيتين، قوله : {وَلاَ يَزَالُ الَّذِيْنَ كَفَرُوا يُصِيْبَهُمْ بِما صَنَعُوا}، وقوله {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} . وهي ثلاثة آلاف وخمسمائة وست أحرف وثمان و (..........) وخمسون كلمة وثلاث وأربعون آية. سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبي بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة الرعد أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كلِّ سحاب مضى وكلّ سحاب يكون إلى يوم القيامة، وكان يوم القيامة من الموفين بعهد اللّه عزّ وجلّ). بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم ١{المر} قال ابن عباس : معناه : أنا اللّه أعلم وأرى {تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ} يعني تلك الأخبار التي قصصناها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدّمة {وَالَّذِى أُنزِلَ} يعني وهذا القرآن الذي أُنزل {إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} هو {الْحَقُّ} فاعتصم به واعمل بما فيه، فيكون محلّ الذي رفعاً على الابتداء و (الحقّ) خبره، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة، ويجوز أن يكون محلّ (الذي) خفضاً يعني تلك آيات الكتاب وآياتُ الذي أنزل إليك ثم ابتداء الحقّ يعني ذلك الحقّ كقوله : {وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ الْحَقّ} يعني ذلك الحقّ. وقال ابن عباس : أراد بالكتاب القرآن فيكون معنى الآية على هذا القول : هذه آيات الكتاب يعني القرآن، ثمّ قال : وهذا القرآن الذي أُنزل إليك من ربّك هو الحقّ، قال الفرّاء : وإنْ شئت جعلت (الذي) خفضاً على أنّه نعت الكتاب وإن كانت فيه الواو كما تقول في الكلام : أتانا هذا الحديث عن أبي حفص والفاروق وأنت تريد ابن الخطّاب، قال الشاعر : أنا الملك القرم وابن الهُمام وليث الكتيبة في المزدحم {وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُؤْمِنُونَ} قال مقاتل : نزلت هذه الآية في مشركي مكّة حين قالوا : إنّ محمّداً يقول القرآن من تلقاء نفسه، ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل : ٢{اللّه الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَات} وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه؟ وقوله : {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء، يقال : عمود وعمد مثل أديم وأدم، وعمدان، وكذا مثل رسول ورسل، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد، ومثل إهاب وأُهب، قال النابغة : وخيس الجنّ إنّي قد أذنتُ لهم يبنُون تدمُر بالصّفاحِ والعَمَد واختلفوا في معنى الآية فنفى قومٌ العمد أصلا، وقال : رفع السماوات بغير عمد وهو الأقرب الأصوب، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس : يعني ليس من دونها دعامة تدعهما، ولا فوقها علاقة تمسكها، وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال : السماء مُقبّبة على الأرض مثل القبر، وقال آخرون : معناه : اللّه الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها، فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية، وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر : إذا أُعجبتك الدهر حال من أمرىً فدعه وأوكل حاله واللياليا تُهين على ما كان عن صالح بهفان كان فيما لا يرى الناس آليا معناه : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو. وقال الآخر : ولا أراها تزال ظالمة تحدث لي نكبة وتنكرها معناه : آراها لا تزال ظالمة فقدّم الجحد. {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} علا عليه وقد مضى تفسيره، {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي ذللّها لمنافع خلقه ومصالح عباده {كُلٌّ يَجْرِى جَلٍ مُّسَمًّى} أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قُدِّرَ له، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويُخسف القمر وتنكدر النجوم، وقال ابن عباس : أراد بالأجل المُسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها. {يُدَبِّرُ الأمر} قال مجاهد : يقضيه وحده {يُفَصِّلُ ايَاتِ} ينتهيان، {لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} لكي توقنوا بوعدكم وتصدّقوه ٣{وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الأرض} بسطها، {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} جبالا، واحدتها راسية وهي الثابتة، يقال : إنّما رسيت السفينة، وأرسيت الوتد في الأرض إذا أثبتّها، قال الشاعر : حبّذا ألقاه سائرين وهامد وأشعث أرست الوليدة بالفهر قال ابن عباس : كان أبو قبيس أوّل جبل وضع على الأرض، {وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ} صنفين وضربين {اثْنَيْنِ} : قال أبو عُبيدة يكون الزوج واحداً واثنين، وهو هاهُنا واحد، قال القتيبي : أراد من كلّ الثمرات لونين حلواً وحامضاً {وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَارًا وَمِن} يستدلّون ويعتبرون ٤{وَفِى الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ} أبعاض متقاربات متدانيات يقرب بعضها من بعض بالجوار ويختلف بالتفاضل، ومنها عذبة ومنها طيبة ومنها طيبة منبت؛ لأنها بجنته ومنها سبخة لا تنبت. {وجنات من أعناب وزرع ونخل صنوان وغير صنوان} رفعها ابن كثير وأبو عمرو عطفاً على الجنات، وكسرها الآخرون عطفاً على الأعناب. والصنوان جمع صنو، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد فيكون الأصل واحد، ويتشعب به الرؤس فيصير نخلا، كذا قال المفسرون، قالوا : صنوان مجتمع وغير صنوان متفرق. قال أهل اللغة : نظيرها في كلام العرب، صنوان واحد، واحدها صنو والصنو المثل وفيه قيل : شمَّ الرجل صنوانه ولا فرق فيهما بين التثنية والجمع إلاّ بالإعراب؛ وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة وفي الجمع منونة تجري جريان الإعراب. خالفوا كلهم على خفض الصاد من صنوان إلاّ أبا عبد الرحمن السلمي فإنه ضم صاده. {يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ} . قرأ عاصم وحميد وابن الحسن وابن عامر : بالياء على معنى يسقى ذلك كله بماء واحد. وقرأ الباقون : بالتاء لقوله جنات. واختاره أبو عبيد قال : وقال أبو عمرو : مما يصدق التأنيث قوله بعضه على بعض ولم يقل بعضه. {وَنُفَضِّلُ} . قرأ الأعمش وحمزة والكسائي : بالياء رداً على قوله يدبّر ويفضّل ويغني. وقرأها الباقون : بالنون بمعنى ونحن نفضل بعضها على بعض في الأُكل. قال الفارسي : والدفل والحلو والحامض. قال مجاهد : كمثل صالح بني آدم وخبيثهم أبوهم واحد. عبد اللّه بن محمد بن عقيل عن جابر قال : سمعت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يقول لعلي كرم اللّه وجهه : (الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة) ثم قرأ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) {وَفِى الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ} حتى بلغ {يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ} . قال الحسن : هذا مثل ضربه اللّه لقلوب بني آدم، كانت الأرض في يد الرحمن طينة واحدة فبسطها وبطحها فصارت الأرض قطعاً متجاورة، فينزل عليها الماء من السماء فيخرج هذه زهرتها وثمرها وشجرها ويخرج قاتها ويحيي موتاها ويخرج هذه سبخها وملحها وخبثها وكلتاهما تسقى بماء واحد. فلو كان الماء مجاً قيل : إنما هذه من قبل الماء، كذلك الناس خلقوا من آدم فينزل عليهم من السماء تذكرة فترقّ قلوب فتخنع وتخشع، وتقسوا قلوب فتلهو وتقسو وتجفو. وقال الحسن : واللّه ما جالس القرآن أحد إلاّ قام من عنده إلاّ في زيادة ونقصان. قال اللّه عزّ وجلّ {وننزلّ من القرآن ما شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلاّ خساراً} {إِنَّ فِى ذلك } الذي ذكرت {لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . ٥{وَإِن تَعْجَبْ} يا محمد من تكذيب هؤلاء المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهةً يعبدونها من دون اللّه، وهم قراؤ تعبدون من اللّه وامره وما ضرب اللّه من الأمثال {فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} فتعجب أيضاً من قيلهم {إذا كنا تراباً} بعد الموت {إنا لفي خلق جديد} فيعاد خلقنا جديداً كما كنا قبل الوجود. قال اللّه : {أولئك الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَاكَ اغْلَالُ فِى أَعْنَاقِهِمْ} يوم القيامة {وَأُولَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} جهنم ٦{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} يعني مشركي مكة {بِالسَّيِّئَةِ} بالبلاء والعقوبة {قَبْلَ الْحَسَنَةِ} الرخاء والعافية، وذلك أنّهم سألوا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إن جاءهم العذاب فاستهزأ منهم بذلك. وقالوا : {اللّهمَّ إِن كَانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ} الآية {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ} وقد مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها، العقوبات المنكلات واحدتها : مَثُلة بفتح الميم وضم التاء مثل صدُقة وصدُقات. وتميم : بضم التاء والميم جميعاً، وواحدتها على لغتهم مُثْلَة بضم الميم وجزم الثاء مثل عُرُفة وعُرْفات والفعل منه مثلت به أمثل مثلا بفتح الميم وسكون الثاء. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} . أحمد بن منبه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال : ولما نزلت هذه الآية {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ} قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لولا عفو اللّه وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش، ولولا وعيده وعقابه لاتّكل كل أحد). ٧{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أُنزِلَ عَلَيْهِ} يعني على محمد (صلى اللّه عليه وسلم) {ءَايَةٌ} علامة وحجة على نبوته، قال اللّه : {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ} مخوف {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} داع يدعوهم إلى اللّه عزّ وجلّ إمام يأتمون به. وقال الكلبي : داع يدعوهم إلى الضلالة أو إلى الحق. أبو العالية : قائد، أبو صالح قتادة مجاهد : نبي يدعوهم إلى اللّه. سعيد بن جبير : يعني بالهادي اللّه عزّ وجلّ. وهي رواية العوفي، عن ابن عباس قال : المنذر محمد، والهادي اللّه. عكرمة وأبو الضحى : الهادي محمد ( (صلى اللّه عليه وسلم) ). وروى السدي عن عبداللّه بن علي قوله تعالى : {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} قال : قال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (المنذر أنا، الهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه). وروى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية وضع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يده على صدره فقال : (أنا المنذر) وأومأ بيده إلى منكب علي (ح) فقال : (فأنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي). ودليل هذا التأويل : ما روي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن زيد عن ربيع عن حذيفة : إنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إن وليتموها أبا بكر فزاهد في الدنيا راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف، وإن ولتموها عمر فقوي أمين لا تأخذه في اللّه لومة لائم، وإن وليتموها علياً فهاد مهدي يقيلمكم على طريق مستقيم). رداً على منكري البعث القائلين أءذا كنا تراباً أءنا لفي خلق جديد فقال سبحانه : ٨{اللّه يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ ارْحَامُ} يعني تنقص. قال المفسرون : غيض الأرحام الحيض على الحمل، فإذا حاضت الحامل كان نقصاناً في غذاء الولد وزيادة في مدة الحمل، فإنها بكل يوم حاضت على حملها يوم تزداد في طهرها حتى يستكمل ستة أشهر ظاهراً. فإن رأت الدم خمسة أيام ومضت التسعة أشهر وخمسة أيام، وهو قوله : {وَمَا تَزْدَادُ} . روى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال : ما تغيض الأرحام خروج الدم حتى تَحِضْ، يعني حين المولد، وما تزداد استمساك الدم إذا لم تهرق المرأة تم الولد وعظم، وفي هذه الآية دليل على أنّ الحامل تحيض وإليه ذهب الشافعي. وقال الحسن : غيضها ما تنقص من التسعة الأشهر وزيادتها ما تزداد على التسعة الأشهر. الربيع بن أنس : ما يغيض الأرحام يعني السقط وما تزداد يعني توءمين إلى أربعة. جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : ما تغيض الأرحام يعني به السقط. وروى عبيد بن سليمان عن الضحاك قال : الغيض النقصان من الأجل، والزيادة ما يزداد على الأجل، وذلك أنّ النساء لا يلدْنَ لعدّة واحدة ولا لأجل معلوم وقَدْ يُولد الولد لستة أشهر فيعيش ويولد لسنتين ويعيش. قال : وسمعت الضحاك يقول : ولدت لسنتين قد نبتت ثناياي، وروى هيثم عن حصين قال : مكث الضحاك في بطن أُمه سنتين. وروى ابن جريح عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحو ظل المغزل، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وجماعة من الفقهاء. وقال الشافعي وجماعة من الفقهاء : أكثر الحمل أربع سنين، يدل عليه ما أخبرني أبو عبد اللّه الحسين بن محمد بن الحسين الحافظ، أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن محمد قال : سمعت أبا محمد عبد اللّه بن أحمد بن الفرج الأحمري سمعت عباس بن نصر البغدادي سمعت صفوان ابن عيسى يقول : مكث محمد بن عجلان في بطن أُمه ثلاث سنين فشق بطن أُمه وأُخرج وقد نبتت أسنانه. وروى ابن عائشة عن حماد بن سلمة قال : إنما سمي هرم بن حيان هرماً؛ لأنه بقي في بطن أُمه أربع سنين. {وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} بحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، والمقدار مفعال من القدر ٩{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ} الذي كل شيء دونه {الْمُتَعَالِ} المستعلي على كل شيء بقدرته ١٠{سَوَآءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْف بِالَّيْلِ} في ظلمته {وَسَارِبُ} ظاهر {بِالنَّهَارِ} ضوءه لا يخفى عليه من ذلك. وقال أبو عبيدة : سارب بالنهار أي سالك في سربه أي مذهب ووجهة، يقال : سارب سَربه بفتح السين أي طريقه. قال قيس بن الحطيم : إني سربتُ وكنتُ غيرَ سروبِ وتقربُ الأحلامِ غيرُ قريبِ الشعبي : سارب بالنهار منصرف في حوائجه يقال : سرب يسرب. قال الشاعر : أرى كلَّ قوم قاربوا قيدَ فحلهم ونحن خلعنا قيدَهُ فهو ساربُ أي ذاهب. قال ابن عباس : في هذه الآية هو صاحب ريبة مستخف بالليل، فإذا خرج بالنهار رأى الناس أنه بريء من الإثم. وقال بعضهم : مستخف بالليل أي ظاهر، من قولهم : خفيت الشيء إذا أظهرته، وسارب بالنهار أي متوار داخل في سرب. ١١{لَهُ} أي للّه تعالى {مُعَقِّبَاتٌ} ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار فإذا صعدت ملائكة الليل أعقبتها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار أعقبتها ملائكة الليل، والتعقيب العود بعد المبدأ، قال اللّه ولم يعقب وإنما ذكرها هنا بلفظ جمع التأنيث؛ لأنّ واحدهما معقب وجمعه معقبة، ثم جمع المعقبة معقبات فهي جمع الجمع. كما قيل أما قال قد حالات بكم وقوله : {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ومن خلفه من وراء ظهره. قال ابن عباس : ملائكة يحفظونه من أمر اللّه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء القدر خلوا عنه. حماد بن سلمة عن عبداللّه بن جعفر عن كنانه العمري قالوا : دخل عثمان بن عفان (ح) على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يا رسول اللّه أسألك عن العبد كم معه من ملك؟ قال : (ملك على يمينك يكتب حسناتك، وهو أمين على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشراً، وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين : أأكتب؟ قال : لا، لعله يستغفر اللّه أو يتوب فإذا قال ثلاثاً قال : نعم اكتب أراحنا اللّه منه فبئس القرين هو ما أقل مراقبته للّه عزّ وجلّ وأقل استحياء منا يقول اللّه {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وملكان من بين يديك ومن خلفك يقول اللّه {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} وملك قابض على ناصيتك، فإذا تواضعت للّه رفعك وإذا تجبرت على اللّه قصمك، وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك إلاّ الصلاة على محمد (صلى اللّه عليه وسلم) وآله، وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحيّة في فيك، وملكان على عينيك هؤلاء عشرة أملاك على كل آدمي يتداولون ملائكة الليل على ملائكة النهار؛ لأن ملائكة الليل أي ليسوا من ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكاً على كل آدمي وإبليس مع بني آدم بالنهار وولده بالليل). قتادة وابن جريح : هذه ملائكة اللّه عزّ وجلّ يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، وذكر لنا أنّهم يجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الصبح. همام بن منبه عن أبي هريرة عن محمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ قالوا : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون). وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال : ذكر (أنّ) ملكاً من ملوك الدنيا له حرس من دونه حرس فإذا جاء أمر اللّه لم ينفعوا شيئاً. عكرمة : هؤلاء ملائكة من بين أيديهم ومن خلفهم لحفظهم. شعبة عن شرفي عن عكرمة قال : الجلاوزة. الضحاك : هو السلطان المحترس من اللّه وهم أهل الشرك، وقوله {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّه} اختلفوا فيه فقال قوم : يعني : بأمر اللّه، وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وهذا قول مجاهد وقتادة ورواية الوالبي عن ابن عباس، وقال الآخرون : يحفظونه من أمر اللّه ما لم يجئ القدر. لبيد عن مجاهد : ما من عبد إلاّ به ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس الهوام فما منهم شيء بأمره يريده إلاّ قال فذاك لا يأتي بإذن اللّه عزّ وجلّ فيه فيصيبه. وقال كعب الأحبار : لولا وكل اللّه بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذا يحيطكم الجن. وروى عمار بن أبي حفصة عن أبي مجلز قال : جاء رجل من مراد إلى علي (ح) وهو يصلي، فقال : احترس فإنّ ناساً من مراد يريدون قتلك. فقال : إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه وإنّ الأجل جنة حصينة، وقال أهل المعاني : إنّ أوامر اللّه عزّ وجلّ على وجهين أحدهما قضى حلوله ووقوعه بصاحبه، فذلك ما لا يدفعه أحد ولا يغيره بشر ولا حتى الجن ولم يقض حلوله ووقوعه، بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة والحفظة كقصة يونس (عليه السلام)، وقال ابن جريج : معناه يكنصون من اللّه أمر اللّه يعني يحفظون عليه الحسنات والسيئات، وقال بعض المفسرين أن هذه الآية أنّ الهاء في قوله : {لَهُ} راجعة إلى رسول اللّه (عليه السلام). جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يعني محمد (عليه السلام) من الرحمن حراس من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه، يعني من شر الجن والإنس ومن شر طارق الليل والنهار، وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت هذه الآية في عامر بن الطفيل وزيد بن ربيعة وكانت قصتهما على ما روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أقبل علينا. زيد بن ربيعة هو وعامر بن الطفيل يريدان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهو جالس في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور، وكان من أجمل الناس. وقال رجل من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يا رسول اللّه هذا عامر بن الطفيل وهو مشرك. فقال : دعه فإن يرد اللّه به خيراً بهذه، فأقبل حتى قام عليه، فقال : يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال : لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين، قال : تجعل لي الأمر بعدك. قال : ليس ذلك إليَّ إنما ذاك إلى اللّه يجعله حيث يشاء. قال : فاجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال الرجل : فماذا يجعل لي؟ قال : أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها. قال : أوليس ذلك لي اليوم؟ قال : لا. قال : قم معي أُكلمك، فقام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وكان يوصي إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فَدُرْ من ورائهِ بالسيف فجعل يخاصم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فدار أربد بن ربيعة خلف النبي (صلى اللّه عليه وسلم) ليضربه فاخترط من سيفه شبراً ثم حبسه اللّه عنه فلم يقدر على قتله وعامر يومئ إليه فالتفت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فرأى أربد وما منع بسيفه. فقال : اللّهم أكفنيهمابما شئت، فأرسل اللّه على أربد صاعقة في يوم صاح صائف وولى عامر هارباً. وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد واللّه لأملأنها عليك خيلا جرداً وفتياناً مرداً. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يمنعك اللّه من ذلك وأبناء قيلة) يعني الأوس والخزرج، فنزل عامر ببيت امرأة سلولية فأنشأ يقول : بخير أبيت اللعن إن شئت ودّنا فإن شئت حرباً بأس ومصدق وإن شئت فنسيا ما يكفي أمرهم يكبون كبش العارفين متألق فلما أصبح ضم إليه سلاحه وقد تغير لونه، وهو يقول : واللات لئن أصحر محمد إلي وصاحبه عني ملك الموت لأُنفذنهما برمحي، فلما رأى اللّه تعالى ذلك منه أرسل ملكاً فلطمه بجناحه فأذراه في التارب، وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : غدة كغدة البعير وموت في السلولية ثم مات على ظهر فرسه. لعمري وما عمري علي بهين لقد شان حمر الوجه طعنة مسهر قد علم المزنوق أني أكرّ على جمعهم كرّ المنيح المشهر وأزود من وقع السنان زجرته وأخبرته أني امرؤ غير مقصر وأخبرته أن الفرار خزاية على المرء ما لم يبل عذراً فيعذر. لقد علمت عليا هوازن أنني أنا الفارس الحامي حقيقة جعفر فجعل يركض في الصحراء ويقول : أبرز يا ملك الموت، ثم أنشأ يقول : لاقرب المزنوق ولتجد ما أرى لنفر من يوم شره غير حامد. إلا قرباه إن غاية حرمناه إذا قرب المزنوق بين الصفايد هو من عامر قدن إذا ما دعوتهم أجابوا ولبى منهم كل ماجد وكان بعضهم يعيّر بعضاً النزول على سلولية ولذلك ركب فرسه ليموت خارجاً من بيتها ما أحس بالموت، ثم دعا بفرسه يركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره. فأجاب اللّه تعالى دعاء رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) وقتل عامراً بالطاعون وأربد بالصاعقة، فرثى لبيد بن ربيعة أخاه أربد بجملة من المراثي فمنها هذه : وانالك فاذهب والحق بأسرتك الكرام الغيب ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب، يتآكلون مغالة وملاذة ويعاب قائلهم وإن لم يشغب فنعد في هذا وقل في غيره واذكر شمائل من أخ لك معجب إنّ الرزيئة لا رزيئة بعدها مثلها فقدان كل أخ كضوء الكوكب من معشر بنت لهم آباؤهم والعز لايأتي بغير تطلب يا أربد الخير الكريم جدوده أفردتني أمشري بقرن أعضب ومنها قوله : ما أن تعزي المنون من أحد لا والد مشنق ولا ولد أخشى على أربد الحتوف أرهب نوأ السماك والأسد فعين هلا بكيت أربد إذ قمنا وقام النساء في كبد فجعني البرق والصواعق بالفارس يوم الكريهة النجد فأنزل اللّه تعالى في هذه القصة {سَوَآءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ} الآية {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يعني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} يحفظونه {من بين يديه ومن خلفه ويحفظونه من أمر اللّه} يعني تلك المعقبات من أمر اللّه وهي مقدم ومؤخر لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه تلك المعقبات من أمر اللّه وقال الذين (آمنوا : ) {إِنَّ اللّه يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} . وقرأ {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} حتى بلغ {وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِى ضَلَالٍ} ، {إِنَّ اللّه يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} من الحال لا (.........) فيعصون ربهم ويظلمون بعضهم بعضاً. {وَإِذَآ أَرَادَ اللّه بِقَوْمٍ سُوءًا} عذاباً وهلاكاً {فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} علمها المخاوف باللّه وقيل : وال ولي أمرهم ما يدفع العذاب عنهم ١٢{هُوَ الَّذِى يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} يخاف أذاه ومشقته {وَطَمَعًا} للمقيم يرجو بركته وشفعته أن يمطر {وَيُنشِىءُ} بينهم {السَّحَابَ الثِّقَالَ} يعني قال إن شاء اللّه السحابة فيشاء أي أبدأها فبدلت وأسحاب جمع واحدتها سحابة ١٣{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أقبلت اليهود إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقالوا : يا أبا القاسم نسألك خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال : فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قالوا : {اللّه عَلَى مَا نَقُولُ وكيلا لٌ} . قال (صلى اللّه عليه وسلم) (هاتوا)، قالوا : أخبرنا عن الرعد ماهو؟ قال : (ملك من الملائكة الموكلة بالسحاب معه مخاريف من نار يسوق بها السحاب حيث شاء اللّه). قالوا : فما هذا الذي نسمع؟ قال : (زجر السحاب إذا زجر حتى ينتهي إلى حيث أمر). قالوا : صدقت. قال عطية : الرعد ملك، وهذا تسبيحه، والبرق سوطه الذي يزجر به السحاب فقال : لذلك الملك رعد وقد ذكرنا معنى الرعد والبرق بما أغنى عن إعادته. وقال أبو هريرة : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إذا سمع صوت الرعد) قال سبحانه من يسبح الرعد بحمده. عكرمة عن ابن عباس : إنه كان إذا سمع الرعد قال : سبحان الذي سبحت له. وقال ابن عباس : من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة في خيفته وهو على كل شيء قدير، فإن أصابته صاعقه فعلى ذنبه. وروى مالك بن أنس عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويقول : إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد. وروى حجاج بن أرطأة عن أبي مطر عن سالم يحدث عن أبيه قال : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إذا سمع الرعد والصواعق قال : (اللّهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بغدابك وعافنا قبل ذلك). {وَالْمَلَاكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} يعني ويسبح الملائكة من خيفة اللّه وخشيته، وقيل أراد هو أنّ الملائكة أعوان الرعد، جعل للّه تعالى له أعواناً فهم جميعاً خائفون، خاضعون طائعون به يرسل الصواعقعن الضحاك عن ابن عباس قال : الرعد ملك يسوق السحاب، وإنّ بحور الماء لفي نقرة إبهامه وإنه موكل بالسحاب يصرفه حيث ويؤمر وإنه يسبح اللّه فإذا سبح الرعد لم يبق ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل المطر {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} أصاب أربد بن ربيعة. قال أبو جعفر الباقر : الصواعق تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب ذاكراً. {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِى اللّه} وقد أصابت أربد وعامر، وقيل نزلت هذه الآية في بعض كفار العرب. حديث إسحاق الحنظلي عن ريحان بن سعيد الشامي عن عماد بن منصور عن عباس بن الناجي قالت : سألت الحسن عن قوله : {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ} الآية. فقال كان رجل من طواغيت العرب بعث النبي (صلى اللّه عليه وسلم) نفراً يدعونه إلى اللّه ورسوله والإسلام، فقال لهم : أخبروني عن رب محمد هذا الذي يدعوني إليه وما هو، ومم هو أمن فضة أم حديد أم نحاس، فاستعظم القوم مقالته وانصرفوا إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقالوا : يا رسول اللّه ما رأينا رجلاً آخر أكفر منه، ولا أعتى على اللّه منه، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ارجعوا إليه)، فرجعوا إليه فجعل يزيدهم على مثل مقالته الأُولى وقال : أُجيب محمداً إلى ربّ لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا إليه، فقالوا : يا رسول اللّه ما زادنا على مقالته الأُولى إلاّ قوله : أُجيب محمداً إلى رب لا يعرفه، فقال : فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ارجعوا إليه، فرجعوا إليه فبينا هم عنده ينازعونه ويدعونه ويعظمون عليه، وهو يقول : هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رؤوسهم فرعدت ثم برقت فرمت بصاعقة فأحرقت الكافر وهم جلوس فجاؤوا يسعون ليخبروا النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فاستقبلهم بعض أصحاب النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقالوا لهم : احترق صاحبكم. قالوا : من أين علمتم؟ قال : أوحى اللّه إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِى اللّه وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} فقال الحسن : ما شديد المحال؟ قال : شديد الحمل. قال علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه : شديد الأخذ. مجاهد : شديد القوة. أبو عبيدة : شديد العقوبة، والمحال والمماحلة المماكرة والمغالبة. وأنشد أبو عبيدة للأعشى : فرع نبع يهتز في غصن المج د غزير الندي شديد المحال وقال الآخر : ولبس بين أقوام كلّ أعد له الشغازب والمحالا ١٤{لَهُ} للّه عزّ وجلّ {دَعْوَةُ الْحَقِّ} الصدق وأضيفت الدعوة إلى الحق لاختلاف الإسمين وقد مضت هذه المسألة. قال علي (ح) : دعوة الحق التوحيد. ابن عباس (ح) : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه. {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ} يعني المشركين الذين يعبدون الأصنام من دون اللّه {يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ} يريدونه منهم من نفع أو دفع {إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ} إلاّ كما ينفع باسط كفيه إلى الماء من العطش يبسطه إياهما إليه يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبداً. علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هذا مثل لمشرك عبد مع اللّه غيره، فمثله كمثل الرجل العطشان الذي نظر إلى خياله في الماء من بعيد فتصور أن يتناوله فلا يقدر عليه، عطية عنه يقول : مثل الأوثان التي يعبدون من دون اللّه كمثل رجل قد بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء وقد وضعهم الا يبلغان تناوله. الضحاك عنه يقول : كما أنّ العطشان إذا يبسط كفيه إلى الماء لا ينفعه ما لم يحفظهما ويروي بهما الماء ولا يبلغ الماء فاه مادام باسط كفيه إلى الماء ليقبض على الماء؛ لأن القابض على الماء لا شيء في يده. قال ضاني بن الحرث المزني : فإني وأيّاكم وشوقاً إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله وقال الشاعر : وأصبحت مما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد {وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ} أصنامهم {إِلا فِى ضَلَالٍ} يضل عنهم إذا أحتاجوا إليه. جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : ما دعاء الكافرين ربهم إلاّ في ضلال؛ لأن أصواتهم تحجب عن اللّه تعالى. فإني وأيّاكم وشوقاً إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله وقال الشاعر : وأصبحت مما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد {وَمَا دُعَآءُ الْكَافِرِينَ} أصنامهم {إِلا فِى ضَلَالٍ} يضل عنهم إذا أحتاجوا إليه. جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : ما دعاء الكافرين ربهم إلاّ في ضلال؛ لأن أصواتهم تحجب عن اللّه تعالى. ١٥{وَللّه يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ والأرض} يعني الملائكة والمؤمنين {طَوْعًا وَكَرْهًا} يعني المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسبعة. وروى ابن المبارك عن سفيان قال : كان ربيع بن هشيم إذا قرأ هذه الآية قال : بل طوعاً يا رباه. {وضلالهم بالغدو والآصال} يعني ضلال الساجدين طوعاً أو كرهاً يسجد للّه حين يقي ضلل أحدهم عن يمينه أو شماله. قال ابن عباس : نظيرها في النحل. قال الكلبي : إذا سجد بالغدو أو العشي سجد معه ظله. وقال مجاهد : ظل المؤمن يسجد طوعاً وهو طائع، وظل الكافر يسجد طوعاً وهو كاره، والأصال جمع أُصل، والأُصل جمع الأصيل وهو العشاء من العصر إلى غروب الشمس. ١٦{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ والأرض} أي خالقهما ومدبرهما فسيقولون اللّه ولابد لهم من ذلك فإذا أجابوك {قُلْ} أنت أيضاً {اللّه} ثم قيل لهم إلزاماً للحّجة {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ} يعني الأصنام يعبدونها من دون اللّه وهي لا تملك لأنفسها نفعاً ولا ضراً ثم نصرف لهم الأفعال {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى اعْمَى وَالْبَصِيرُ} وكذلك لا يستوي الضال والمؤمن المهتدي. وقرأ الأعمش وعاصم وحمزة والكسائي : {أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} بالياء. الباقون : بالتاء واختاره أبو عبيد قال : لأنه يحصل من اسم المؤنت ومن الفعل مقابل والظلمات والنور مثل الكفر والإيمان {أَمْ جَعَلُوا للّه شُرَكَآءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ} فأصبحوا لا يدرون أمن خلق اللّه هو أو من خلق آلهتهم {قُلِ اللّه خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (.........) للحق والباطل مثلين. فقال عزمن قائل ١٧{أُنزِلَ} هو {مِنَ السَّمَآءِ} يعني المطر {مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا} الكبير بقدره والصغير بقدره {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ} الذي حدث على ذلك الماء {زَبَدًا رَّابِيًا} حال تعريفها يود الماء فالماء الباقي الصافي النافع هو الحق. والذاهب الزائل الباطل الذي يتعلق بالأشجار وجوانب الأودية والأنهار وهو الباطل ويقال : إن هذا سيل القرآن ينزل من السماء فيحتمل منه القلوب حظها على قدر اليقين والشك والعقل والجهل فهذا مثل الحق والباطل. والمثل الآخر قوله : {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى النَّارِ} . قرأ حميد أبو محجن أبووهب وحمزة والكسائي يوقدون بالياء، واختاره أبو عبيد؛ لقوله تعالى : {يَنفَعُ النَّاسَ} ولا مخاطبة هاهنا {ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ} أي زينة يتخذونها {أَوْ مَتَاعٍ} وهو ما ينتفع به وكلُّ ما تمتعت به فهو متاع. قال المشعث : تمتع يا مشعث أن شيئاً سبقت به الممات هو المتاع أراد به جواهر الأرض من الذهب والفضة. والحديد والصفر والنحاس والرصاص، ومنه يستخلص الأشياء مما ينتفع به من الحلي والأواني وغيرهما. {زَبَدٌ مِّثْلُهُ} يقول : له زبد إذا أُنث مثل زبد السيل، والباقي الصافي من هذه الجواهر فيذهب خبثه والزبد الذي لا يبقى ولا ينتفع به مثل الباطل. قال اللّه تعالى : { كذلك يَضْرِبُ اللّه الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ} الذي علا السيل. {فَيَذْهَبُ جُفَآءً} سريعاً متفرقاً. قال أبو عمرو : هو من قول العرب : أجفأت القدر النذر وجنات وذلك إذا غلت فأنصب زبدها أو سكنت لم يبقَ منه شيء. وقال القبتي : الجفاء ما رمى به الوادي إلى جنانه. فقال : جفأته إذا صرعه. وقال ابن الأنباري : جفاء يعني بالياً متفرقاً. يقال : جفأت الريح بالغيم إذا فرقته وذهبت به. قال بعضهم : يعني تباعد الأرض. يقال جفأ الوادي وأجفأ إذا نشف. قال الفراء : إنما أراد بقوله جفاء الجفاء لأنه مصدر، قولك جفأ الوادي غثاه جفاء فخرج مخرج الاسم وهو مصدر. وكذلك يفعل العرب في مصدر كل ما كان من فعل شيء اجتمع بعضه إلى بعض كالقماش والرقاق والحطام والغنام يخرجه على مذهب الاسم، كما فعلت ذلك في قولهم أعطيته عطاء بمعنى الاعطاء، ولو أُريد من القماش المصدر على الصحة لقيل قمشته قمشاً. {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ} من العوالق {فَيَمْكُثُ فِى الأرض كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّه امْثَالَ} تم الكلام على هذا. ثم قال : ١٨{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ} أطاعوه {الْحُسْنَى} بالجنة {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِى الأرض جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ فْتَدَوْا بِهِ} يوم القيامة، قال اللّه {أُولَاكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} مجازياً بالعقوبة، قال إبراهيم النخعي والزبد. أتدري ما سوء الحساب؟ قلت : لا. قال هو أن يحاسب الرجل على معصية فعلها ويكفر عنه خطيئته، {ومأواهمْ} في الآخرة {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} الفراش والمصير ١٩{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ} (.........) فهو كافيه {كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} عنه لا يعلمه ولا تعمل {إنما يتذكر أُولو الألباب} الخطاب للأصحاب وذوي العقول ٢٠{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّه} في أمرهم يعني فرضه عليهم فلاهم يخالفونه إلى ما هم فيه، ٢١{ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل} قيل أراد الإيمان بجميع الكتب والرسل ولا يعترفون بها. وقال أكثر المفسرين : يعني الرحم ويقطعونها. الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : اشتكى أبو الدرداء فعاده عبد الرحمن بن عوف. فقال : خيرّهم أو صلهم ما علمت يا محمد. فقال عبد الرحمن : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (قال اللّه تبارك وتعالى : أنا اللّه وأنا الرحمن، خلقت الرحم وشقتت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته). عن شيبة قال : حدثنا محمد بن عبد اللّه بن موهب وأبوه عثمان بن عبد اللّه، أنهما سمعا موسى بن طلحة يحدث عن أبي أيوب الأنصاري : أنّ رجلا قال : يا رسول اللّه أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم : ماله وماله. فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أرب ماله، فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (تعبد اللّه لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ذرها) قال : كأنه كان على راحلته. عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب قال : والذي فلق البحر لبني إسرائيل إنّ في التوراة لمكتوباً يابن آدم اتق ربك وأبرّ والديك وصل رحمك أمدُّ لك في عمرك وأُيسّر لك يسرك، وأصرف عنك عسرك. وعن أبي إسحاق عن مغراء العبدي عن عبد اللّه بن عمرو قال : من اتقى ربه ووصل رحمه نسئ له في عمره وثرا ماله وأحبه أهله. صالح عن جرير عن برد عن مكحول قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اعمل الخير (ليس شيء اطيع اللّه فيه أعجل ثواباً من صلة) الرحم وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع). ٢٢{وَالَّذِينَ صَبَرُوا} على طاعة اللّه وتصبروا عن معصية اللّه. قاله ابن زيد، وقال ابن عباس : وصبروا على أمر اللّه. قال عطاء : على الرزايا والمصائب والحوادث والنوائب. أبو عمران الجوني : صبروا على دينهم. {ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللّه} طالب يعتصم باللّه ويستغفر ربه أن يعصيه ويخالفه في أمره {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصلاةَ} يعني الزكاة ويدفعون {بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} يقال : درأ اللّه عني بشرّك. قال ابن زيد : يعني لا يكافؤون الشر بالشر ولكن يدفعونه بالخير. وقال القتيبي : معناه إذا سفه عليهم حلموا فالسفه السيئة والحلم الحسنة. قتادة : ردوا عليهم معروفاً نظيره {إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} . قال الحسن : إذا حرموا أعطوا، وإذا أخلصوا عفوا، وإذا قُطعوا وصلوا. ابن كيسان : إذا أذنبوا أيسوا وإذا حرفوا أثابوا ليدفعوا بالتوبة عن أنفسهم فغفر الذنب. فهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك عنه قال : يدفعون بالصالح من العمل الشر من العمل، ويؤيد هذا الخبر المأثور : إن معاذ بن جبل قال : يا رسول اللّه أوصني. قال : (إذا عملت سيئة فاعمل لجنبها حسنة تمحها، السر بالسر والعلانية بالعلانية). قال عبد اللّه بن المبارك : هذه ثماني خلال مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنة. أبو بكر الوراق : هذه ثمانية جسور فمن أراد القربة من اللّه عبرها. {أُولَاكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} ٢٣ثم بين فقال : {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} . قرأه العامة : بفتح الياء وضم الخاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمر : بضم الياء وفتح الخاء. قال عبد اللّه بن عمير : وإن في الجنة قصراً يقال له عدن حوله البروج والمروج فيه خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلاّ نبي أو صديق أو شهيد. {وَمَن صَلَحَ} لهن {مِنْ ءَابَآهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} أهلهم وولدهم أيضاً يدخلونها ٢٤{والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} فيه آمناً تقديره ويقولون سلام عليكم {بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} . قال مقاتل : يدخلون في مقدار يوم وليلة من أيام الدنيا ثلاث كرات معهم الهدايا والتحف يقولون : {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} . صالح عن يزيد عن أنس بن مالك : أنّه تلا هذه الآية جنات عدن إلى قوله : {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} . ثم قال : إنه جنة من در وفضة طولها في الهواء ستون ميلا ليس فيها صدع ولا وصل منه كل زاوية منها أهل فقال : لها أربعة آلاف مصراع من ذهب يقوم على كل باب سبعون ألف من الملائكة مع كل ملك منهم هدية من الرحمن ليس في مثلها، لا يَعْلُونَ (....) ليس بينهم وبينه حجاب. وروى ابن المبارك عن عقبة بن الوليد قال : حدثنا أرطأة بن المنذر قال : سمعت رجلا من ملجف بالجند يقال له أبو الحجاج يقول : حدثني خالي أبي أُمامة فقال : إنّ المؤمن ليكون متكئاً على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين سور فيقبل الملك، يستأذن فيقول الذي يليه : ملك يستأذن، ويقول الذي يليه : ملك يستأذن كذلك حتى يبلغ المؤمن فيقول : ائذنوا فيقول أقربهم إلى المؤمن : ائذنوا فيقول الذي يليه للذي يليه كذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف. وعن عبد اللّه بن عمرو قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق اللّه) قالوا : اللّه ورسوله أعلم. قال : (الفقراء والمهاجرون الذين تسدّ بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في نفسه لا يستطيع لها قضاء). قال : فيأتيهم الملائكة فيدخلون عليهم من كل باب {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} . وروى سهيل بن أبي صالح عن محمد بن إبراهيم قال : كان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول : السلام عليكم بما صبرتم فنعمى عقبى الدار. أبو بكر وعمر وعثمان عليهم السلام كانوا يفعلون كذلك. ٢٥{وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّه مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّه بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الأرض أُولَاكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} يعني النار. وقال سعد بن أبي وقاص : هم الحرورية. ٢٦{اللّه يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ} يوسع عليه {وَيَقَدِرُ} ويقتر ويضيق {وَفَرِحُوا بِالْحياةِ الدُّنْيَا} يعني فرطوا وجهلوا ما عند اللّه ويطمعون {وَمَا الْحياةُ الدُّنْيَا فى الآخرة إِلا مَتَاعٌ} قليل ذاهب قاله مجاهد، وقال عبد الرحمن بن سابط : كزاد الراعي يزود، أهله الكف من التمر أو الشيء من الدقيق أو الشيء يشرب عليه اللبن. الكلبي : كمثل السكرجة والقصعة أو القدح والقدر ونحوها ينتفع بها ثم يذهب ٢٧{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} من أهل مكة {لَوْ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّه يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} ويرشد الأُمّة إلى طاعته من رجع إليه بقلبه ثم وصفهم فقال {الَّذِينَ ءَامَنُوا} في محل النصب والأمن قبله من {وَتَطْمَ نُّ} وتسكن فستأنس {قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّه} . مقاتل : بالقرآن {أَلا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئنُّ الْقُلُوبُ} . قال ابن عباس : هذا في الحلف ويقولها إذا حلف الرجل المسلم باللّه على شيء يم سكن قلوب المؤمنين إليه. وقال مجاهد : هم أصحاب رسول اللّه ( (صلى اللّه عليه وسلم) ). ٢٨-٢٩{الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ابتداء {طُوبَى لَهُمْ} خبره، وقيل : معناه لهم طوبى فطوبى خبر الابتداء الأول. واختلف العلماء في تفسير (طوبى). الوالبي عن ابن عباس : طوبى لهم : فرح وقرة عين لهم، عكرمة : نِعم مالهم، الضحاك : غبطة لهم. قتادة : حسنى لهم معمر عنه : هذه كلمة عربية، يقول الرجل للرجل طوبى لكم أي أصبت خيراً. إبراهيم : خير وكرامة لهم. شميط بن عجلان : طوبى يعني دوام الخير. الفراء : أصله من الطيب وإنما جاءت الواو لضم ماقبلها وإتيان بقول العرب : طوباك، طوابى لك. سعيد بن جبير عن ابن عباس : طوبى اسم الجنة بالحبشية. سعيد بن مسجوح : اسم الجنة بالهندية ربيع البستان بلغة الهند. وروى ابن سعيد الهندي عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أنّ رجلا قال له : يا رسول اللّه ما طوبى؟ قال : (شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة يخرج من أكمامها). وروى معاوية بن مرة عن أبيه قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (طوبى شجرة غرسها اللّه بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإنّ أغصانها لترى من وراء سور الجنة). وقال أبو هريرة : طوبى شجرة من الجنة (غرسها) اللّه لها (ثمر) تقتفي لعبدي عياشاً صنعه له من الحلي بسرجها ولحمها وعن الإبل بأنّ تحتها قماشاً من الكسوة. وقال مغيث بن سمي : طوبى شجرة من الجنة، لو أنّ رجلاً ركب قلوصاً جذعاًثم دار بها لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرماً وما في أهل منزل إلاّ فيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلّ يصلهم الماء بالدلاء وإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلى إليهم فأكلوا منه ما شاؤوا ويجئ عليها الطير أمثال البخت، يعني الطير ويأكلون منه قديداً وشواءً ثم تطير. قال عندر بن عمير : هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق اللّه لوناً ولا زهرة إلاّ وفيها منها إلاّ السواد ولم يخلق اللّه فاكهة ولا ثمرة إلاّ وفيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل مقابل كل ورقة منها تظل أُمة عليها ملك يسبح اللّه بأنواع التسبيح. وقال أبو سلام : حدثني عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبيد السلمي يقول : جاء أعرابي إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : يا رسول اللّه في الجنة فاكهة؟ قال : (فيها شجرة تدعى طوبى هي تطابق الفردوس). قال : أي شجر أرضنا تشبه؟ قال : (ليس تشبه شيئاً من شجر أرضك ولكن أتيت الشام) ()، فقال : أتيت الشام يا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : فإنها تشبه شجرة تدعى الجوز ينبت على ساق واحد ثم ينتشر أعلاها. فقال : ما أعظم أصلها. قال : لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتاها هرماً. قال وهب بن منبه : إنّ في الجنة شجرة. قال : الطوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام ولا يقطعها زهوها رياط وورقها برود وقضبانها عنبر وبطحاؤها ياقوت وترابها كافور وحملها مسك يخرج من أصلها أنها الخمر واللبن والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة فبينما هم في مجلسهم إذا أتتهم الملائكة من ربهم يقودون لجامها مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح حسناً ووبرها كخز المرعزي من لينة، عليها رحال ألواحها من ياقوت ودفوفها من ذهب وثيابها من سندس واستبرق فيفتحونها ويقولون : إنّ ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه. قال : فيركبونها فهي أسرع من الطائر وأوطأ من الفراش نجباً من غير مهنة يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه لا تصيب أُذن راحلة منها إذن صاحبتها حتى إنّ الشجرة لتنتحي عن طرقهم فهم لا يفرقون بين الرجل وبين أخيه، قال : فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه فإذا رأوه، قالوا : اللّهم أنت السلام ومنك السلام وأنت الجلال والإكرام، ويقول تبارك وتعالى عند ذلك : أنا السلام ومني السلام وعليكم حقت رحمتي ومحبتي مرحباً بعبادي الذين خشوني بالغيب وأطاعوا أمري، قال : فيقولون ربنا لم نعبدك حق عبادتك ولم نقدّرك حق قدرك فأذن لنا في السجود قدامك، قال : فيقول اللّه عزّ وجلّ : إنها ليست بدار نصب وعبادة ولكنها دار ملك ونعيم وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما شئتم فإنّ لكل رجل منكم أُمنيته، فيسألونه حتى إن أقصرهم أُمنيةً يقول : رب يتنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها فأتني مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت فيقول اللّه عزّ وجلّ : لقد قصرت بك أُمنيتك ولقد سألت دون منزلتك هذا لك منّي وسأُلحقك بمن أتى، لأنه ليس في عطائي تكديرٌ ولا تصدير. قال : ثم يقول : أعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال، فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أما نبيهم التي في أنفسهم فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة على كل أربعة منهم سرير من ياقوتة واحدة على كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة. في كل قبة منها فرش من فرش الجنة مظاهرة في كل قبة منها جاريتان من الحور العين وعلى كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلاّ وهو فيهما ولا ريح طيب إلاّ وقد عبق بهما ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة حتى يظنّ من يراهما أنهما دون القبة يرى مخهما من فوق سقفهما، كالسلك الأبيض من ياقوتة حمراء. يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل ويرى هو لهما مثل ذلك ثم يدخل إليهما فيطيبانه ويقبلانه ويعانقانه ويقولان له : واللّه ما ظننا أنّ اللّه يخلق مثلك، ثم يأمر اللّه الملائكة فيسيرون بهم صفاً في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أُعدت له. الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : فطوبى لهم شجرة أصلها في دار علي في الجنة، وفي دار كل مؤمن منها غصن يقال له طوبى. {وَحُسْنُ مَئابٍ} حسن المرجع. وروى داود بن عبد الجبار عن جابر عن أبي جعفر قال : سُئل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عن قوله طوبى لهم وحسن مآب. فقال : (شجرة أصلها في داري وفرعها في الجنة). ثم سُئل عنها مرة أُخرى. فقال : (شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة). فقيل له : يا رسول اللّه نسألك عنها مرة فقلت : (شجرة في الجنة أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة) فقال : ذلك في داري ودار علي أيضاً واحدة في مكان واحد). ٣٠{كَذَلِكَ} المكان {أَرْسَلْنَاكَ} يا محمد {فِى أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} ليقرأ عليهم القرآن {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} . قال قتادة ومقاتل وابن جريح : نزلت في صلح الحديبية حتى أرادوا كتاب الصلح. فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لعلي (ح) : (اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم). فقال سهيل بن عمرو والمشركون معه : ما نعرف الرحمن إلاّ صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، اكتب باسمك اللّهم وهكذا كان أهل الجاهلية يكتبون. ثم قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول اللّه. فقال المشركون وقريش : لئن كتب رسول اللّه بِمَ قاتلناك وصددناك قال فأمسك ولكن اكتب هذا ما صالح محمد ابن عبد اللّه. فقال أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) دعنا نقاتلهم. قال : لا ولكن اكتبوا كما تريدون، فأنزل اللّه تعالى فيهم هذه الآية. وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (اسجدوا للرحمن) فقالوا : وما الرحمن؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية. وقال : قل لهم يا محمد : إنّ الرحمن الذي أنكرتم معرفته {هُوَ رَبِّى اله إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ومضى ٣١{وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا} الآية نزلت في نفر من مشركي مكة فيهم أبو جهل ابن هشام وعبد اللّه بن أبي أُمية المخزومي جلسوا خلف الكعبة فأرسلوا إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فأتاهم فقال له عبد اللّه بن أبي أُمية : إن تشرك نتبعك فسيّر لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتى تُفتح. فإنها ضيّقة، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً حتى نغرس ونزرع فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال يسبح لربه، أو سخّر لنا الريح فنركبها إلى الشام فنقضي عليه أُمورنا وحوائجنا ثم نرجع من يومنا. فقد كان سليمان سخرت له الريح، فكما حملت لنا فلست بأهون على ربك من سليمان في داود. وأحيي لنا جدك أيضاً ومن شئت من موتانا لنسأله أحق ما يقول أم باطل؟ فإنّ عيسى قد كان يحيي الموتى ولست بأهون على اللّه منه، فأنزل اللّه تعالى {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} وأذهبت عن وجه الأرض {أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض} أي شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً. {أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} واختلفوا في جواب لو، فقال قوم : هذا من النزول المحذوف الجواب أقتضى بمعرفة سامعه مراده وتقدير الآية لكان هذا القرآن. كقول أمرىء القيس : فلو أنها نفس تموت بتوبة ولكنها نفس بقطع النفسا يعني لهان عليَّ، وهي آخر بيت في القصيدة. وقال آخر : فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مرفعاً فأراد أرددناه، وهذا معنى قول قتادة. لو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم. وقال آخرون : جواب لو يقدم وتقدير الكلام وهم يكفرون بالرحمن {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الآية كأنه قال ولو أنّ قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكفروا بالرحمن وبما آمنوا. ثم قال : {بَل للّه امْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَايَْسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا} . قال المفسرون : أفلم يعلم. وقال الكلبي : هي بلغة النخع حي من العرب. وقال القاسم معن : هي لغة هوازن. وقال سحيم بن وثيل الرياحي : أقول لهم بالشعب إذ يسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم أراد ألم يعلموا، وقوله : هاد يسرونني أي يقتسمونني من الميسر كما يقتسم الجزور. ويروى : لمسرونني من الأسر. وقال الآخر : ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائياً ودليل هذا التأويل قراءة ابن عباس : أفلم يتبين، وقيل لابن عباس : المكتوب (أفلم ييئس) قال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس. وأما الفراء : فكان ينكر ذلك ويزعم أنه لم يُسمع أحدٌ من العرب يقول : يئست وهو يقول هو في المعنى وإنْ لم يكن مسموعاً يئست بمعنى علمت متوجه إلى ذلك، وذلك أنّ اللّه تعالى قد أوحى إلى المؤمنين أنه لو شاء اللّه لهدى الناس جميعاً. فقال ألم ييئسوا علماً يقول يؤسهم العلم فكان العلم فيه مضمراً كما يقول في الأعلام يئست منك أن لا يفلح علماً كأنه قول علمته علماً. قال الشاعر : حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا غضفاً دواجن قافلا اعصامها بمعنى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن إلاّ الذي ظهر لهم أرسلوا فهو في معنى : حتى إذا علموا أن ليس وجه إلاّ الذي رأوا وانتهى علمهم فكان ما سواه يأساً. {أَن لَّوْ يَشَآءُ اللّه لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا} من كفرهم وأعمالهم الخبيثة {قَارِعَةٌ} داهية ومصيبة وشديدة تقرعهم من أنواع البلاء والعذاب أحياناً بالجدب وأحياناً بالسلب وأحياناً بالقتل وأحياناً بالأسر. وقال ابن عباس : أراد بالقارعة السرايا التي كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يبعثهم إليها {أَوْ تَحُلُّ} أي تنزل أنت يا محمد بنفسك {قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} . وقال قتادة : هي تاء التأنيث يعني وتحل القارعة قريباً من دارهم {حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ اللّه} الفتح والنصر وظهور رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ودينه، وقيل يعني القيامة {رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّه يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} ٣٢{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أصلهم واطلب لهم ومنه الملاوة والملوان ويقال طبت حيناً، {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} عاقبتهم ٣٣{فكيف كان عقاب أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} أي حافظها ورازقها وعالم بها ومجاز بها ما عملت، وجوابه محذوف تقديره : كمن هو هالك بائدلا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئاً ولا يدفع عن نفسه، نظيره قوله تعالى : {أم من هو قانت آناء الليل} يعني كمن ليس بقانت {وَجَعَلُوا للّه شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} بيّنوا أسماءهم ثم قال : {أم تنبؤونه} يعني يخبرون اللّه {بِمَا يَعْلَمُ فِى الأرض} فإنه لم يعلم لنفسه شريكاً ولا في الأرض إلهاً غيره {أَم بِظَاهِرٍ} يعني بظاهر من القول مسموع وهو في الحقيقة باطل لا أصل له ولا باطل صالح ولا حاصل وكان أُستاذنا أبو الاقسم الحبيبي يقول : معنى الآية عندي : قل لهم أتنبئون اللّه بباطن لا يعلمه أم بظاهر من القول يعلمه؟ فإن قالوا بباطن لا يعلمه أحالوا، وإن قالوا : بظاهر يعلمه قل لهم سموهم، وبينوا من هم، فإن اللّه لا يعلم لنفسه شريكاً، ثم قال : {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} كيدهم. قال مجاهد : قولهم يعني شركهم وكذبهم على اللّه. {وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ} وصرفوا عن الدين والطريق المستقيم. قرأ أهل الكوفة : بضم الصاد واختاره أبو عبيد بأنه قراءة أهل السنة : وفيه إثبات القدر. وقرأ الباقون : بالفتح، واختاره أبو حاتم اعتباراً بقوله {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّه} وقوله {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقوله {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللّه} {وَمَن يُضْلِلِ اللّه} يعني إياه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} موفق ٣٤{لَّهُمْ عَذَابٌ فِى الْحياةِ الدُّنْيَا} بالقتل والأسر {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ} أشد {وَمَا لَهُم مِّنَ اللّه مِن وَاقٍ} مانع يمنعهم من العذاب. ٣٥{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} في دخولها اختلفوا في الرافع للمثل. فقال الفراء : هو ابتداء وخبر على قوله {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} وقيل معنى المثل الصفة كقوله {وَللّه الْمَثَلُ الأعلى} أي الصفة العليا وقوله { ذلك مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى انجِيلِ} ومجاز الآية صفة الجنة التي وعد المتقون أنّ الأنهار تجري من تحتها وكذا وكذا. وقيل مثل وجه مجازها الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار، والعرب تفعل هذا كثيراً بالمثل والمثل كقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} أي ليس هو كشيء. وقيل معناه : {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} . قيل الجنة (بدل) منها. قال مقاتل : معناه شبه الجنة التي وعد المتقون في الخير والنعمة والخلود والبقاء كشبه النار (في العذاب و) الشدّة والكرب. {أُكُلُهَا دَآمٌ} لا ينقطع ولا يفنى {وَظِلُّهَا} ظليل لا يزال وهذا رد على الجهمية، حيث قالوا : إن نعيم الجنة يفنى {تِلْكَ عُقْبَى} يعني ما فيه {الَّذِينَ اتَّقَوا} الجنة {وعقبى الكافرين النار والذين آتيناهم الكتاب} يعني القرآن وهم أصحاب محمد {يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} من القرآن {وَمِنَ الأحْزَابِ} يعني الكفار الذين كذبوا على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وهم اليهود والنصارى {مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} وذلك أنهم آمنوا بسورة يوسف وقالوا إنها واطأت كتابنا وهذا قول مجاهد وقتادة. وقال باقي العلماء : كان ذكر الرحمن في القرآن قليلا في بدء ما أنزل فلما أسلم عبداللّه. ابن سلام وأصحابه : ساءهم قلّة ذكر الرحمن في القرآن؛ لأن ذكر الرحمن في التوراة كثير فسألوا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ي ذلك قوله اللّه تعالى {قل ادعوا اللّه إذ دعوا الرحمن} الآية. فقالت قريش حين نزلت هذه الآية : ما بال محمد كان يدعو إلى إله واحد فهو اليوم يدعو إلى إلهين : اللّه والرحمن، ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب فأنزل اللّه {وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} وهم يكفرون بالرحمن وفرح مؤمنو أهل الكتاب بذكر الرحمن فأنزل اللّه ٣٦{وَالَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} اللّه من ذكر الرحمن {وَمِنَ الأحْزَابِ} يعني مشركي قريش من يذكر بعضه. قال اللّه {قُلْ} يا محمد {إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّه وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَئَابِ} مرجعي ٣٧{وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} وكما أنزلنا إليك الكتاب يا محمد وأنكره الأحزاب، كذلك أيضاً أنزلنا الحكم والدين حكماً عربياً، وإنما وصفه بذلك لأنه أنزل على محمد وهو عربي، فنسب الدين إليه إذ كان منزلا عليه فكذب الاحزاب بهذا الحكم أيضاً، وقال قوم معنى الآية : وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغناهم كذلك أنزلنا عليك القرآن حكماً عربياً ثم توعده على إتباع هوى الأحزاب فقال {وَلَ نِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم} قيل بما شاء اللّه، وقيل في أهل القبلة لأنّه ٣٨{ما جاءك من العلم مالك من اللّه من ولي ولا واق ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} فجعلناهم بشراً مثلك {وَجَعَلْنَا لَهُمْ} نكحوهن وأولاد ينسلوهم ولم يجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحوهن، فنجعل الرسول إلى قومك ملائكة ولكن أرسلنا إلى قومك بشراً مثلهم كما أرسلنا إلى من قبلهم من الأُمم بشراً مثلهم {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بآية إِلا بِإِذْنِ اللّه} وهذا جواب عبد اللّه بن أبي أُمية ثم قال : {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} لكل أمر أمضاه اللّه كان قد كتبه لجميع عبيده، الضحاك : معناه لكل كتاب نزل من السماء أجل ووقت ينزل فيه وهذا من المقلوب ٣٩{يَمْحُوا اللّه مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ} . قرأ حميد وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب : ويثبت بالتخفيف. وقرأ الآخرون : بالتثقيل واختاره أبو عبيد لكثرة من قرأها ولقوله تعالى {يُثَبِّتُ اللّه الَّذِينَ ءَامَنُوا} . واختلف المفسرون في معنى الآية، فروى نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (يمحو اللّه مايشاء إلاّ الشقاوة والسعادة والموت). وعن ابن عباس قال : يمحو اللّه ما يشاء إلا أشياء : الخَلْق والخُلْق والرزق والأجل والسعادة والشقاوة. عكرمة عنه هما كتابان سوى أم الكتاب يمحو اللّه فهما ما يشاء ويثبت {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} الذي لا يغير منه شيء. أبو صالح والضحاك : يمحو اللّه ما يشاء من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب. وروى عفان عن همام عن الكلبي : يمحو اللّه ما يشاء ويثبت. قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الأجل ويزيد فيه. قلت من حدثك؟ قال أبو صالح عن جابر بن عبد اللّه بن رئاب الأنصاري عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقدم الكلبي بعد فسئل عن هذه الآية فقال : حتى إذا كان يوم الخميس يطرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب. مثل قولك أكلت، شربت، دخلت، خرجت ونحوها من الكلام وهو صادق، ويثبت ما كان فيه الثواب وعليه العقاب. وقال بعضهم : يمحو اللّه ما يشاء ويثبت كل ما يشاء (من) غير استثناء كما حكى الكلبي عن راذان عن جابر عن النبي ( (صلى اللّه عليه وسلم) ). روى أبو عثمان النهدي : أنّ عمر بن الخطاب (ح) كان يطوف بالبيت السبت وهو يبكي ويقول : اللّهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فإن كنت كتبت عليَّ الذنب والشقوة فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُم الكتاب. ابن مسعود : إنه كان يقول : اللّهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء وأثبتني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُم الكتاب. وروى حماد بن أبي حمزة عن إبراهيم : أن كعباً قال لعمر (ح) : يا أمير المؤمنين لولا اية في كتاب اللّه لأُنبئنك بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال : وما هو؟ قال : قول اللّه تعالى {يَمْحُوا اللّه مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . وروى عطية عن ابن عباس : في هذه الآية قال : هو الرجل يعمل للزمان بطاعة اللّه ثم يعود لمعصية اللّه فيموت على ضلالة فهو الذي يمحو، والذي يثبت الرجل الذي عمل بطاعة اللّه وقد كان يقول : خير أُمتي يموت وهو في طاعة اللّه، فهو الذي يثبت. قال علي بن أبي طالب (ح) : يمحو اللّه ما يشاء من القرون ويثبت ما يشاء منها كقوله {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ} وقوله {ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا ءَاخَرِينَ} . سعيد بن جبير وقتادة : يمحو اللّه ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله ويثبت ما يشاء وما ينسخه. الحسن : لكل أجل كتاب يعني آجال بني آدم في كتاب يمحو اللّه ما يشاء من جاء أجله فيذهب به ويثبت من لم يجىء أجله إلى أجله. مجاهد وابن قيس : حين ما أنزل {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلاّ بإذن اللّه} ما نراك يا محمد تملك من شيء ولقد فرع من أمره. فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعداً لهم أي إن يشاء أحدثها من أمر. قاله بأشياء ويحدث في كل رمضان في ليلة القدر فيمحوا ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وينسئهم له. محمد بن كعب القرظي : إذا ولد الإنسان. أثبت أجله ورزقه وإذا مات محى أجله ورزقه. وروى سعيد بن جبير : يمحو اللّه ما يشاء من ذنوب عباده فيغفرها ويثبت ما يشاء بتركها فلا يغفرها. عكرمة : يمحو اللّه ما يشاء يعني بالتوبة جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات فإنه {إِلا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَاكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شيئا} . وروى عن الحسن أيضاً : يمحو اللّه ما يشاء يعني الآباء ويثبت يعني الأبناء. السدي : يمحو اللّه ما يشاء يعني القمر ويثبت يعني الشمس. بيانه قوله : {وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ} . ربيع : هذا في الأرواح في حال النوم يقبضها عند النوم فمن أراد موته محا وأمسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه. بيانه قوله {اللّه يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ اخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} . وقيل : يمحو اللّه ما يشاء الدنيا ويثبت الآخرة. وروى محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن اللّه يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأُولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه آخر غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء). ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : إن للّه لوحاً محفوظاً مسيرة خمسمائة عام من درة جنانها رمان من ياقوت وللّه في كل يوم ثلاثمائة وستون لحظة يمحو منها ما يشاء ويثبت وعنده أُم الكتاب. قال قيس بن عباد : العاشر من رجب هو يوم يمحو اللّه فيه ما يشاء ويثبت وعنده أُم الكتاب يعني اللوح المحفوظ الذي لا يغير ولا يبدل. قال قتادة والضحاك : حلية الكتاب وأصله فيه ما يمحو ويثبت. فسأل ابن عباس كذا عن أُم الكتاب. قال : يعلم اللّه ما هو خالق وما خلقه عاملون فقال لعلمه : كن كتابا فكان كتابا ٤٠{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ} من العذاب {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أن نريك ذلك {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} الذي عليك (أن تبلغهم) {وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} والجزاء. ٤١{أو لم يروا} يعني أهل مكة الذين يسألون محمداً الإيمان {أَنَّا نَأْتِى الأرض} نقصدها {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} يفتحها لمحمّد (صلى اللّه عليه وسلم) أرضاً بعد أرض حوالي أرضهم فلا يخافون أن نفتح أرضهم كما فتحنا له غيرها، وبنحو ذلك قال أهل التأويل. روى صالح بن عمرو عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال : ظهور المسلمين على المشركين. وروى وكيع عن سلمة بن سبط عن الضحاك قال : ما تغلب عليه محمد (صلى اللّه عليه وسلم) من أرض العدو. جبير عن الضحاك قال : أو لم ير أهل مكة إنا نفتح لمحمد ما حوله من القرى. وروى إسحاق بن إبراهيم السلمي عن مقاتل بن سليمان قال : الأرض مكة وننقصها من أطرافها غلبة النبي (صلى اللّه عليه وسلم) والمؤمنين عليها وانتقاصهم وازدياد المسلمين. فكيف لا يعتبرون وقال قوم : معناه أو لم يروا إلى الأرض ننقصها أفلا تخافون إن جعل بهم وبأرضهم مثل ذلك فيهلكهم ويخرب أرضهم. ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : خراب الأرض وقبض أهلها. يزيد الخوي عن عكرمة قال : يعني قبض الناس. وقال : لو نقصت الأرض لصارت مثل هذه وعقد بيده سويتين. عثمان بن السنّاج عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قال : موت أهل الأرض. طلحة بن أبي طلحة القناد عن الشعبي : قبض الأنفس والثمرات. علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : نقصان أهلها وتركها. عثمان بن عطاء عن أبيه : قال ذهاب علمائها وفقهائها. قال الثعلبي : أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه السرخسي قال : حدثنا أبو لبيد بن محمد بن إدريس البسطامي حدثنا سعد بن سعيد حدثنا أبي حدثنا أبو حفص عن محمد بن عبد اللّه عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (خذوا العلم قبل أن يذهب). قلنا : وكيف يذهب العلم والقرآن بين أظهرنا قد أثبته اللّه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نقرأه ونقرئه أولادنا فأنصت ثم قال هل ظلت اليهود والنصارى الا والتوراة بين أظهرهم ذهاب العلم ذهاب العلماء. وحدثنا الأُستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب لفظاً في صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة في آخرين. قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف : حدثنا محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم حدثنا أبو ضمرة وأنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد اللّه بن عمر بن العاص قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إن اللّه لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). وحدثنا أبو القاسم أخبرنا محمد بن أحمد بن سعيد حدثنا العباس بن حمزة حدثنا (.........) السدي حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن عبد اللّه بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجنيد عن أبي الدرداء أنه قال : يا أهل حمص مالي أرى أنّ علماؤكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون، فأراكم قد أقبلتم على ما يكفل لكم، وضيعتم ما وكلتم به اعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء. وأخبرنا أبو القاسم حدثنا عبد اللّه بن المأمون بهرات حدثنا أبي حدثنا خطام بن الكاد بن الجراح عن أبيه عن جويبر عن الضحاك قال : قال علي (ح) : إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كفٌ لم تعد. حدثنا أبو القاسم حدثنا أبي حدثنا أبو عبد اللّه الحسين بن أحمد الرازي الزعفراني حدثنا عمر بن مدرك البلخي، أبو حفص حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا هشام بن حيان عن الحسين قال : قال عبد اللّه بن مسعود : موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار. ومنه عن الرازي حدثنا عمرو بن تميم الطبري. أخبرنا محمد بن الصلت. حدثنا عباد بن العوام عن هلال عن حيان قال : قلت لسعيد بن جبير ما علامة هلاك الناس؟ قال : هلاك علمائهم، ونظير هذه الآية في سورة الأنبياء عليهم السلام. {وَاللّه يَحْكُمُ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} لا راد لحكمه، والمعقب في كلام العرب الذي يكرّ على الشيء ويتبعه. قال لبيد : حتى تهجر في الرواح وهاجه طلب المعقب حقه المظلوم ٤٢{وهو سريع الحساب وقد مكر الذين من قبلهم} يعني من قبل مشركي مكة {فَللّه الْمَكْرُ جَمِيعًا} يعني له أسباب المكر وبيده الخير والشر وإليه النفع والضر فلا يضر مكر أحد أحداً إلاّ من أراد اللّه ضره، وقيل : معناه له جزاء إليكم. {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ} سيعلم : قرأ ابن كثير وأبو عمر : الكافر على الواحد، والباقون على الجمع. {لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} عاقبة الدار الآخرة ممن يدخلون النار ويدخل المؤمنون الجنة ٤٣{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَ قُلْ كَفَى بِاللّه شَهِيدَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} إني رسوله إليكم، {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} أيضاً يشهدون على ذلك. هم مؤمنو أهل الكتاب. وقرأ الحسين وسعيد بن جبير : {وَمَنْ عِندَهُ} بكسر الميم والدال. علم الكتاب مبني على الفعل المجهول. وروى أبو عوانة عن أبي الخير قال : قلت لسعيد بن جبير {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} أهو عبد اللّه بن سلام؟ قال : كيف يكون عبد اللّه بن سلام وهذه السورة مكية. وكان سعيد يقرأها {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ، ودليل هذه القراءة قوله {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وقوله {الرحمن علم القرآن} . وأخبرنا عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن بابويه أخبرنا أبو رجاء محمد بن حامد بن محمد المقرئ بمكة حدثنا محمد بن حدثنا عبد اللّه بن عمر حدثنا سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم بن عبد اللّه بن عمر عن أبيه أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قرأها ومن عنده علم الكتاب. وبه عن السمري حدثنا أبو توبه عن الكسائي عن سليمان عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال : قال : وذكر اللّه أشدّ فذكر إنه حيث جاء إلى الدار ليسلم سمع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يقرأ {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} بكسر الميم وسمعه في الركعة الثانية يقرأ {بَلْ هُوَ ءَايَاتُ بَيِّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ} الآية. أخبرني أبو محمد عبد اللّه بن محمد الفاسي حدثنا القاضي الحسين بن محمد بن عثمان النصيبي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين السميعي بحلب حدثني الحسين بن إبراهيم بن الحسين الجصاص. أخبرنا الحسين بن الحكم حدثنا سعيد بن عثمان عن أبي مريم وحدثني بن عبد اللّه ابن عطاء قال : كنت جالساً مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد اللّه بن سلام جالساً في ناحية فقلت لأبي جعفر : زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد اللّه بن سلام. فقال : إنما ذلك علي بن أبي طالب (ح). وفيه عن السبيعي : حدثنا عبد اللّه بن محمد بن منصور بن الجنيد الرازي عن محمد بن الحسين بن الكتاب. أحمد بن مفضل حدثنا مندل بن علي عن إسماعيل بن سلمان عن أبي عمر زاذان عن ابن الحنفية {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} قال : هو علي بن أبي طالب. |
﴿ ٠ ﴾