سورة الحجر

مكية،

وهي ألفان وسبعمائة وستون حرفاً،

وستمائة وأربع وخمسون كلمة وتسع وتسعون آية

روى حبيش عن أبي بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ سورة الحجر كان له من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين والأنصار والمستهزئين بمحمد).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١

{الرَ تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْءَانٍ مُّبِينٍ} يعني وآيات قرآن.

٢

{رُّبَمَا يَوَدُّ} .

قرأ عاصم وأهل المدينة : بتخفيف الباء.

وقرأ الباقون : بتشديده،

وهما لغتان.

قال أبو حاتم وأهل الحجاز : يخففون ربما.

وقيس وبكر وتميم : يثقلّونها وإنما أُدخل ما على رُب ليتكلم بالفعل بعدها.

{يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} .

روى أبو موسى عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إذا كان يوم القيامة واجتمع أهل النار في النار ومعهم من يشاء اللّه من أهل القبلة. قال الكفار لمن في النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين؟

قالوا : بلى،

قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم شيئاً؟

وقد صرتم معنا في النار. قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فغضب اللّه لهم بفضل رحمته فأمر بكل من كان من أهل القبلة في النار يخرجون منها فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) وقرأ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) هذه الآية.

وروى مجاهد عن ابن عباس قال : ما يزال اللّه يدخل الجنة ويرحم ويشفع حتى يقول لمن كان من المسلمين : ادخلوا الجنة فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين

٣

{ذَرْهُمْ} يا محمد يعني الذين كفروا {يَأْكُلُوا} في الدنيا {وَيَتَمَتَّعُوا} من لذاتها {وَيُلْهِهِمُ} ويشغلهم {امَلُ} عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} بما وردوا القيامة ونالوا وبال ما صنعوا فنسختها آية القتال

٤

{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} أي من أهل قرية {إِلا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ} أجل مؤقت قد كتبناها لهم لا يعذبهم ولا يهلكهم حتى يلقوه

٥

{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ} من ملة {مَّا تَسْبِقُ مِنْ} ونظيرها {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}

٦

{وَقَالُوا} يعني مشركي مكة {يا أيها الذي نزل عليه الذكر} يعني القرآن وهو محمد (صلى اللّه عليه وسلم)

٧

{إنك لمجنون لوما} هلاّ {تَأْتِينَا بِالملائكة} شاهدين لك على صدق ما تقول {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .

قال الكسائي : لولا ولوما سواء في الخبر والاستفهام.

ومنه قول ابن مقبل :

لوماالحياء ولوما الدين عبتكما

ببعض مافيكما إذ عبتما عودي

يريد لولا الحياء

٨

{مَا نُنَزِّلُ الْمَلَاكَةَ} .

قرأ أهل الكوفة : ننزل الملائكة بضم النون ورفع اللام،

الملائكة نصباً،

واختاره أبو عبيد.

وقرأ الباقون : بفتح التاء ورفع اللام في الملائكة رفعها،

واختاره أبو عبيد اعتباراً بقوله {تَنَزَّلُ الْمَلَاكَةُ وَالرُّوحُ} .

{إِلا بِالْحَقِّ} بالعذاب ولو نزلت

٩

{وما كانوا إذاً منظرين إنا نحن نزلنا الذكر} القرآن {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من الباطل ومن الشياطين وغيرهم أن يزيدوا فيه وينقصوا منه ويبدلوا حرفاً،

نظيره قوله : {لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه} الآية.

وقيل بأن الهاء في قوله له راجعة إلى محمد (صلى اللّه عليه وسلم) يعني وإنا لمحمد لحافظون ممن أراده بسوء نظيره {وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} .

١٠

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى شِيَعِ الأوَّلِينَ} في الآية إضمار،

مجازها ولقد أرسلنا من قبلك في شيع أُمم من الأولين.

قاله ابن عباس وقتادة،

وقال الحسن : فرق الأولين وواحدتها شيعة وهي الفرقة والطائفة من الناس

١١

{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} كما فعلوا بك يعزي نبيه (صلى اللّه عليه وسلم)

١٢

{ كذلك نَسْلُكُهُ} يعني كما أسلكنا الكفر والتكذيب والإستهزاء بالرسل في قلوب شيع الأولين كذلك نسلكه أي نجعله وندخله في قلوب مشركي قومك

١٣

{يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني حتى لا يؤمنوا بمحمد،

وفي هذه الآية ردَّ على المعتزلة،

فقال سلكه يسلكه سلكاً وسلوكاً وأسلكه إسلاكاً.

قال عدي بن زيد :

وكنت لزاز خصمك لم أعرّد

وقد سلكوك في قوم عصيب

{وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} وقائع اللّه لا من خلا من هكذا في الأُمم نخوف أهل مكة.

١٤

{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} يعني ولو فتحنا على هؤلاء القائلين لوما تأتينا بالملائكة {بَابًا مِّنَ السَّمَآءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ} فظلت الملائكة تعرج فيه وهم يرونهم عياناً،

لقالوا : إنما سكرت أبصارنا،

هذا قول ابن عباس وأكثر العلماء.

قال الحسن : هذا العروج راجع إلى بني آدم يعني فظل هؤلاء الكافرون فيه يعرجون أي يصعدون ومنه المعراج

١٥

{لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ} سدّت {أَبْصَارُنَا} قاله ابن عباس،

وقال الحسن : سحرت.

قتادة : أخذت.

الكلبي : أغشيت وعميت.

وكان أبو عمرو وأبو عبيدة يقولان : هو من سكر الشراب ومعناه قد عش أبصارنا السكر،

المؤرخ : دير بنا.

وقرأ مجاهد وابن كثير : سكرت بالتخفيف أي حبست ومنعت بالنظر كما سكر النهر ليحبس الماء {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} سحرنا محمد.

١٦

{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى السَّمَآءِ بُرُوجًا} أي قصوراً ومنازل وهي كواكب وبروج الشمس والقمر والكواكب السيارة وأسماؤها الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت.

{وَزَيَّنَّاهَا} يعني السماء

١٧-١٨

{للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلاّ من استرق السمع} لكن من استرق السمع،

{فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} نار {مُّبِينٍ} بيّن.

قال ابن عباس : تصعد الشياطين أفواجاً يسترق السمع فينفرد المارد منها فيعلو فيرمي بالشهاب فيصيب جبهته أو جبينه أو حيث شاء اللّه منه فيلتهب فيأتي أصحابه وهو ملتهب فيقول : إنه كان من الأمر كذا وكذا فيذهب أُولئك إلى إخوانهم من الكهنة فيزيدون عليه تسعاًفيحدثون بها أهل الأرض الكلمة حق والتسع باطل فإذا رأوا شيئاً مما قالوا قد كان صدقوهم بما جاؤوا به من كذبهم.

وقال ابن عباس أيضاً : كانت الشياطين لا يحجبون عن السماوات فكانوا يدخلونها فيأتون بأخبارها فيلقون على الكهنة بأن ولد عيسى،

ومنعوا عن ثلاث سماوات فلما ولد محمد (صلى اللّه عليه وسلم) نعوا من السماوات أجمع فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلاّ رمي بشهاب،

فلما منعوا بتلك المقاعد ذكروا ذلك لإبليس فقال لقد حدث في الأرض حدث.

قال : فبعثهم فوجدوا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يتلو القرآن فقالوا : هذا واللّه حديث وإنهم ليرمون فإذا نوّر النجم عنكم فقد أدركه لا يخطئ أبداً ولكن لا يقتله بحرق وجهة جنبه ويده،

وبعضهم من يخبلّه فيصبر حولاً،

يضل الناس في البوادي.

قال يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق : إن أول من فزع للرمي بالنجوم حين رما بها هذا الحي من ثقيف،

وإنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أُمية أحد بني علاج وكان أدهى العرب وأمكرها رأياً فقالوا له : ألم تر ما حدث في السماء في القذف بهذه النجوم؟

قال : بلى،

فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر ويعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء؟

لما يصلح الناس من معايشهم هي التي يرمى بها فهو واللّه طيّ الدنيا وهلاك الخلق الذي فيها،

وإن كانت نجوم غيرها وهي ثابتة على حالها فهذا الأمر أراد اللّه به هذا في الخلق.

وروى عمارة بن زيد عن عبد اللّه بن العلا عن أبي الشعشاع عن أبيه عن أبي لهب بن مالك قال : حضرت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وقد ذكرت عنده الكهانة فقلت : بأبي أنت وأمي نحن أول من تطوع لحراسة السماء وزجر الشياطين ومنع الجن من استراق السمع عند قذفها بالنجوم،

وإنا لما رأينا ذلك اجتمعنا إلى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخاً كبيراً قد أتت عليه ثلاثمائة وستون سنة هل عندك علم من هذه النجوم التي يرمى بها فأنا قد فزعنا وخفنا سوء عاقبتها،

فقال لنا : اعدوا عليّ في السحر،

ائتوني بسحر أُخبركم الخبر إما بخير أو ضرر،

قال : فانصرفوا عنه يومنا فلما كان في وقت السحر أتينا فإذا هو قائم على قدميه شاخص بعينيه إلى السماء فناديناه يا خطر فأومأ إلينا أن امسكوا فأمسكنا فانقض من السماء نجم عظيم وصرخ الكاهن بأعلى صوته : أصابه أصابه خامره عاقبه عاجله عذابه أحرقه شهابه،

زايله جوابه،

يا ويله ما حاله،

تغيرت أحواله.

ثم أمسك وطفق يقول يا معشر بني قحطان :

أُخبركم بالحق والبيان

أقمت بالكعبة والأركان

والبلد المؤتمن السدان

قد منع السمع عتاة الجان

بثاقب بكف ذى سلطان

من اجل مبعوث عظيم الشان

يبعث بالتنزيل والفرقان

وبالهدى وفاضل القرآن

تبطل به عبادة الأوثان

قال : فقلت : ويحلك يا خطر إنك لتذكر أمراً عظيماً فماذا ترى لقومك؟

فقال :

أرى لقومي ما أرى لنفسي

أن يتبعوا خير بني الإنس

برهانه مثل شعاع الشمس

يبعث في مكة دار الحمس

بمحكم التنزيل غير اللبس

قال : فقلنا له : من هو وما اسمه وما مدته؟

قال : الحياة والعيش إنه لمن قريش ما في حكمه من طيش ولا في خلقه هيش،

تكون في جيش وأي جيش من آل قحطان وآل أيش،

والأيش الأخلاط من كل قوم،

فقلنا له من أي البطون هو فقال : بطن إسماعيل ولد إبراهيم،

فقلنا له بيّن لنا من أي قريش هو؟

قال :

والبيت ذي الدعائم

والسدير والحمائم

إنه لمن نسل هاشم

من معشر أكارم يبعث بالملاحم

وقتل كل ظالم

ثم قال : اللّه أكبر اللّه أكبر جاء الحق وأظهره وانقطع عن الإنس الخبر هذا هو البيان أخبرني به رأس الجان،

ثم قال هذا وسكت وأُغمي عليه فما أفاق إلاّ بعد ثلاثة أيام فلما أفاق قال : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ثم مات.

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (سبحان اللّه سبحان اللّه لقد نطق عن مثل نبوة وإنه ليحشر يوم القيامة أُمة وحده).

١٩

{والأرض مَدَدْنَاهَا} بسطناها على رحبة الماء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} جبالا ثوابت {وَأَنبَتْنَا فِيهَا} أي في الأرض {مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ} مقدر معلوم وقيل : بغى به في الجبال وهو جواهر من الفضة والذهب والحديد والنحاس وغيرها حتى الزرنيخ والكحل كل ذلك يوزن وزناً.

قال ابن زيد هي الأشياء : التي توزن.

٢٠

{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} جمع معيشة {وَمَن لَّسْتُمْ} يعني ولمن لستم {لَهُ بِرَازِقِينَ} هي الدواب والأنعام.

عن شعبة قال : قرأ علينا منصور : {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} قال الوحش.

قال أبو حسن : (من) في محل الخفض عطفاً على الكاف والميم في قوله {لَكُمْ} .

وقد يفعل العرب هذا كقول الشاعر :

هلا سألت بذي الجماجم عنهم

وأبي نعيم ذي اللوا المخرق

فعطف بالظاهر على المكنى و (من) في هذه الآية بمعنى : ما،

كقوله {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على أربع}

٢١

{وَإِن مِّن شَىْءٍ} وما من شيء من أرزاق الخلق {إِلا عِندَنَا خَزَآنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ} من السماء {إِلا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} لكل أرض حد مقدر.

قال ابن مسعود : وما من أرض أمطر من أرض،

وما عام أمطر من عام ولكن اللّه يقسمه ويقدره في الأرض كيف يشاء عاماً هاهنا وعاماً هاهنا ثم قرأ هذه الآية.

وروى إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عيينة في هذه الآية : ما من عام بأكثر مطراً من عام ولكن يُمطر قوم ويُحرم آخرون وربما كان في البحار والقفار قال : وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث يقع وما ينبت.

جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : (في العرش مثال كل شيء خلقه اللّه في البر والبحر. وهو تأويل قوله تعالى : وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه).

٢٢

{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ} قرأ العامّة بالجمع لأنها موصوفة وهو قوله : {لَوَاقِحَ} ،

وقرأ بعض أهل الكوفة : الريح على الواحد وهو في معنى الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد،

لأنه يقال : جاءت الريح من كل جانب،

وهو مثل قوله : أرض سباسب وثوب أخلاق،

وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتّسع،

وقول العلماء في وجه وصف الرياح : باللقح،

وإنما هي ملقّحة لانها تلقح السحاب والشجر.

فقال قوم : معناها حوامل؛ لأنها تحمل الماء والخير والنفع لاقحة كما يقال : ناقة لاقحة إذا حملت الولد،

ويشهد على هذا قوله : {الرِّيحَ الْعَقِيمَ} فجعلها عقيماً إذا لم تلقح ولم يكن فيها ماء ولا خير،

فمن هذا التأويل قول ابن مسعود في هذه الآية قال : يرسل اللّه الريح فتحمل الماء فيمري السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثمّ يمطر.

قال الطرماح :

لأفنان الرياح للاقح قال منها وحائل

وقال الفراء : أراد ذات لقح. كقول العرب : رجل نابل ورامح وتامر.

قال أبو عبيدة : أراد ملاقح جمع ملقحة كما في الحديث (أعوذ باللّه من كل لامّة) أي ملمّة.

قال النابغة :

كليني لهمَ يا أميمة ناصب

وليل أُقاسيه بطيء الكواكب

أي منصب.

قال زيد بن عمر : يبعث اللّه المبشرة فتقمّ الأرض قمّا،

ثمّ يبعث اللّه المثيرة فتثير السحاب،

ثمّ يبعث اللّه المؤلفة فتؤلف السحاب،

ثمّ يبعث اللّه اللواقح فتلقح الشجر،

ثمّ تلا : {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} .

وقال أبو بكر بن عياش : لا يقطر قطرة من السحاب إلاّ بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه : فالصبا تهيّجه،

والدبور تلقحه،

والجنوب تدرّه،

والشمال تفرقه.

ويروي أبو المهزم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (الريح الجنوب من الجنة وهي الرياح اللواقح التي ذكر اللّه في كتابه وفيها منافع للناس).

{فَأنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأسْقَيْنَاكُمُوه} أي جعلنا المطر لكم سقياً،

ولو أراد أنزلناه ليشربه لقال : فسقيناكموه،

وذلك أن العرب تقول : سقيت الرجل ماءً ولبناً وغيرهما ليشربه،

إذا كان لسقيه،

فإذا جعلوا له ماءً لشرب أرضه أو ماشيته قالوا : أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته،

وكذلك إذا استسقت له،

قالوا : أسقيته واستسقيته،

كما قال ذو الرمة :

وقفت على رسم لميّة ناقتي

فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسقيه حتّى كاد مما أبثّه

تكلمني أحجاره وملاعبه

قال المؤرخ : ما تنال الأيدي والدلاء فهو السقي ومالا تنال الأيدي والدلاء فهو الإسقاء.

{وَمَا أنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِين} يعني المطر. قال سفيان : بما نعين.

٢٣

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} بأن نميت جميع الخلق فلا يبقى من سوانا،

نظيره قوله : {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} .

٢٤

{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَْخِرِينَ} .

ابن عبّاس : أراد بالمستقدمين : الأموات،

والمستأخرين : الأحياء.

عكرمة : المستقدمين : من خلق،

والمستأخرين : من لم يخلق،

قد علم من خلق إلى اليوم وقد علم من هو خالقه بعد اليوم.

قتادة : المستقدمون : من مضى،

والمستأخرون : من بقي في أصلاب الرجال.

الشعبي : من إستقدم في أول الخلق،

ومن إستأخر في آخر الخلق.

مجاهد : المستقدمون : القرون الأُولى،

والمستأخرون : أُمة محمّد ( (صلى اللّه عليه وسلم) ).

الحسن : المستقدمون بالطاعة والخير،

والمستأخرون المبطئون عن الطاعة والخير.

وقيل : ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة،

والمستأخرين فيها بسبب النساء.

وروى أبو الجوزاء وابن أبي طلحة عن ابن عبّاس قال : كانت النساء يخرجن إلى الجماعات فيقوم الرجال صفوفاً (خلف) النبي (صلى اللّه عليه وسلم) والنساء صفوفاً خلف صفوف الرجال،

وربما كان في الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى الصف الأخير من صفوف الرجال،

وربما كان في النساء من في قلبها ريبة فتتقدّم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال،

وكانت إمرأة من أحسن الناس لا واللّه ما رأيت مثلها قط،

تصلي خلف النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وكان بعض الناس ويتقدّم في الصف الأوّل لئلا يراها،

ويستأخر بعضهم حتّى يكون في الصف المؤخر،

فإذا ركع وسجد نظر إليها من تحت يديه،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية،

فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أولها).

وقال الربيع بن أنس : حضّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) على الصف الأوّل في الصلاة فأزدحم الناس عليه،

وكانت بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد. فقالوا : نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد،

فأنزل اللّه تعالى هذه الآية وفيهم نزلت : {انا نحن نحيي الموتى ونكتب ماقدموا وآثارهم}.

الأوزاعي : {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ} يعني المصلين في أوّل الأوقات،

{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ} يعني المؤخرين صلاتهم إلى آخر الأوقات.

مقاتل بن حيان : يعني المستقدمين والمستأخرين في صف القتال. ابن عيينة : يعني من يسلم ومن لا يسلم.

٢٥

{وَإنَّ رَبَّكَ يَحْشُرُهُم}. قال ابن عبّاس : وكلهم ميت ثمّ يحشرهم ربهم جميعاً الأوّل والآخر

٢٦

{إنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ} يعني آدم (عليه السلام)،

قال إنساناً لانه عهد إليه فنسي. وذهب إلى هذا قوم من أهل اللغة وقالوا : وزنه انسيان على وزن إفعلان فأسقط الياء منه لكثرة جريانه على الألسن،

فإذا صُغّر ردت الياء إليه فيقول أنيسان على الأصل لأنه لايكثر صغراً كما لا يكبر مكبراً.

وقال آخرون : إنما سمّي إنساناً لظهوره وإدراك البصر إياه وإليه ذهب نحاة البصرة وقالوا : هو على وزن فعلان فزيدت الياء في التصغير كما زيدت في تصغير رجل فقالوا : رويجل وليلة فقالوا : لويلة.

{مِن صَلْصَالٍ} وهو الطين اليابس إذا نقرته سمعت له صلصلة أي صوتاً من يبسه،

قيل : أن تمسه النار فإذا أصابته النار فهو فخار،

هذا قول أكثر المفسرين.

وروى أبو صالح عن ابن عبّاس : هو الطين الحرّ الطيب الذي إذا نضب عنه الماء تشقق وإذا حرّك تقعقع.

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : هو الطين المنتن،

واختاره الكسائي وقال هو من قول العرب : صل اللحم وأصلّ إذا أنتن.

{مِّنْ حَمَإٍ} جمع حمأة {مَّسْنُونٍ} .

قال ابن عبّاس : هو التراب المبتل المنتن،

يجعل صلصالاً كالفخار ومثله،

قال مجاهد وقتادة : المنتن المتغير.

قال الفرّاء : هو المتغير وأصله من قول العرب : سننت الحجر على الحجر أي أحككته وما يخرج من بين الحجرين يقال له السنن والسنانة ومنه المسن.

أبو عبيدة : هو المصبوب،

وهو من قول العرب : سننت الماء على الوجه وغيره إذا صببته.

(سيبويه) : المسنون : المصور،

مأخوذ من سنة الوجه وهي صورته.

قال ذو الرمة :

(تريك) سنة وجه غير مقرفة

ملساء ليس بها خال ولا ندب.

٢٧

{وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} .

قال ابن عبّاس : هو أب الجن.

قتادة ومقاتل : هو أبليس،

خُلق قبل آدم.

{مِن نَّارِ السَّمُومِ} .

قال ابن عبّاس : السموم : الحارة التي تقتل.

الكلبي عن أبي صالح عنه : هي نار لادخان لها والصواعق تكون منها،

وهي نار بين السماء وبين الحجاب،

فإذا أحدث اللّه له أمراً خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت،

فالهدّة التي تسمعون خرق ذلك الحجاب.

أبو روق عن الضحاك عن إبن عبّاس قال : كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة قال : وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار.

روى سعيد عن أبي إسحاق قال : دخلت على عمرو بن الأصم أعوده فقال : ألا أحدثك حديثاً سمعته من عبد اللّه (قال : بلى،

قال : ) سمعت عبد اللّه يقول : هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خلق منها الجان وتلا : {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} .

٢٨

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَاكَةِ إِنِّى خَالِقُ} سأخلق

٢٩

{بَشَراً مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَأ مَسْنُون فَإذَا سَوَّيْتُه} عدلت صورته وأتممت خلقه {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} فصار بشراً حياً {فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} سجود تحية وتكرمة لا سجود صلاة وعبادة

٣٠

{فَسَجَدَ الْمَلَاكَةُ} المأمورون بالسجود {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} على التأكيد

٣١

{إلا إبليس أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} .

روى عكرمة عن ابن عبّاس قال : لما خلق اللّه الملائكة قال : إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له،

قالوا : لانفعل. فأرسل عليهم ناراً فأحرقهم. ثمّ خلق ملائكة فقال : إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له،

فأبوا،

فأرسل اللّه عليهم ناراً فأحرقهم. ثمّ خلق ملائكة فقال : إني خالق بشراً من طين فإذا أنا خلقته فأسجدوا له،

قالوا : سمعنا وأطعنا إلاّ إبليس كان من الكافرين.

٣٢

{قَالَ يَا إبْلِيسُ مَا لَكَ ألاّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} محل (أن) النصب بفقد الخافض.

٣٣-٣٤

{قَالَ لَمْ أكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَر خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَأ مَسْنُون قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا} أي من الجنة ومن السماوات {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} ملعون طويلاً

٣٥-٣٨

{وَإنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأ نْظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإنَّكَ مِنَ المُنْظَرِينَ إلَى يَوْمِ الوَقْتِ المَعْلُوم} وهو النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم

٣٩

{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى} أي بأغوائك أياي وهو الإضلال والإبعاد {زَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى الأرض} معاصيك ولأُحببنَّها اليهم {وَغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم

٤٠

{أجْمَعِينَ إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ} .

قرأ أهل الكوفة والمدينة والشام : بفتح اللام. وإختاره أبو عبيد،

يعني إلاّ من أخلصته بتوفيقك فهديته واصطفيته.

وقرأ أهل مكة والبصرة : بكسر اللام،

وإختاره أبو حاتم،

يعني من أخلص لك بالتوحيد والطاعة. وأراد بالمخلصين في القرائتين جميعاً : المؤمنين.

٤١

{قَالَ} اللّه لإبليس {هذا صِرَاطٌ} طريق {عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ} .

قال الحسن : هذا صراط إليَّ مستقيم.

وقال مجاهد : الحق يرجع إلى اللّه وعليه طريقه لايعرج على شيء.

وقال الأخفش : يعني على الدلالة صراط مستقيم.

وقال الكسائي : هذا على الوعيد فإنه تهديد كقولك للرجل خاصمتهُ وتهدده : طريقك عليَّ،

كما قال اللّه : {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} فكان معنى الكلام : هذا طريق مرجعه إلي فأجازي كلاًّ بأعمالهم.

وقال ابن سيرين وقتادة وقيس بن عبادة وحميد ويعقوب : هذا صراط عليٌّ برفع الياء على نعت الصراط أي رفيع،

كقوله : {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} .

٤٢

{إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} قوة.

قال أهل المعاني : يعني على قلوبهم.

وسُئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية،

فقال : معناه ليس لك عليهم سلطان أن تلقيهم في ذنب يضيق عنه عبدي،

وهؤلاء يثبت اللّه الذين رأى فيهم إحسانهم.

٤٣-٤٤

{إلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ وَإنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أبْوَاب} أطباق {لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} يعني من أتباع إبليس {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} حظ معلوم.

وقال عليّ بن أبي طالب (ح) : تدرون كيف أبواب النار؟

قلنا : نعم كنحو هذه الباب. فقال : لا ولكنها هكذا ووضع إحدى يديه على الأخرى وإن اللّه تعالى وضع الجنان على الأرض،

ووضع النيران بعضها فوق بعض،

فأسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقهما الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية.

وأبو سنان عن الضحاك في قول اللّه : {لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} قال : للنار سبعة أبواب هي سبعة أدراك بعضها على بعض.

فأولها : أهل التوحيد يعذّبون على قدر أعمالهم وأعمارهم في الدنيا ثمّ يخرجون.

والثاني : فيه اليهود.

والثالثة : فيه النصارى.

والرابع : فيه الصابئون.

والخامسة : فيه المجوس.

والسادس : فيه مشركوا العرب.

والسابع : فيه المنافقون.

فذلك قوله : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ اسْفَلِ مِنَ النَّارِ} الآية.

أبو رياح عن أنس بن مالك عن بلال قال : كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يصلي في مسجد المدينة وحده،

فمرّت به أعرابية فاشتهت أن تصلي خلف رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ركعتين،

فدخلت وصلت ولم يعلم بها رسول اللّه،

فقرأ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) حتّى بلغ هذه الآية : {وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزءٌ مقسوم} فخرّت الأعرابية مغشية عليها فسمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وجبتها فانصرف وقال : (يا بلال عليَّ بماء) فجاء فصب على وجهها حتّى أفاقت وجلست،

فقال لها رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يا هذه ما حالك؟)

فقالت : رأيتك تصلي وحدك فاشتهيت أن أُصلي خلفك ركعتين،

فهذا شيء من كتاب اللّه أو تقول من تلقاء نفسك؟

قال بلال : فما أحسبه إلاّ قال : (يا أعرابية بل هو في كتاب اللّه المنزل).

فقالت : كل عضو من أعضائي يعذب على باب منها.

فقال : (يا أعرابية لكل باب منهم جزء مقسوم يعذب على كل باب على قدر أعمالهم).

فقالت : واللّه إني لامرأة مسكينة مالي مالٌ ومالي إلاّ سبعة أعبد أشهدك يارسول اللّه أن كل عبد منهم على كل باب من أبواب جهنم حرُّ لوجه اللّه. فأتاه جبرئيل فقال : يارسول اللّه بشّر الأعرابية أن اللّه قد حرم عليها أبواب جهنم كلها،

وفتح لها أبواب الجنة كلها.

٤٥-٤٦

{إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّات وَعُيُون ادْخُلُوهَا} قرأه العامة بوصل الألف وضم الخاء على الأمر،

مجازه : يقال لهم ادخوها.

وقرأ الحسن : أدخلوها بضم الهمزة وكسر الخاء على الفعل المجهول،

وحينئذ لا يحتاج إلى الضمير.

{بِسَلَامٍ} بسلامة {ءَامِنِينَ} من الموت والعذاب والآفات

٤٧

{وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} نصب على الحال،

وإن شئت قلت : جعلناهم إخوانا {عَلَى سُرُرٍ} جمع سرير مثل جديد جدد {مُّتَقَابِلِينَ} يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أحد منهم في قفا صاحبه

٤٨

{يَمَسُّهُمْ} لا يصيبهم {فِيهَا نَصَبٌ} تعب

٤٩

{وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ نَبِّئْ) أخبر عِبَادِي أنِّي أنَا الغَفُورُ الرَّحِيم}.

قال ابن عبّاس : يعني لمن تاب منهم.

٥٠

{وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ الْعَذَابُ الِيمُ} لمن لم يتب منهم.

روى ابن المبارك عن مصعب بن ثابت عن عاصم بن عبيد اللّه عن ابن أبي رباح عن رجل من أصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : طلع علينا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) ن الباب الذي يدخل منه بنو شيبة ونحن نضحك،

فقال : (لا أراكم تضحكون)،

ثمّ أدبر حتّى إذا كان عند الحجر رجع ألينا القهقرى فقال : (إني لمّا خرجت جاء جبرئيل فقال : يا محمّد لِمَ تقنّط عبادي {نبّيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم}).

وقال قتادة : بلغنا أنّ نبي اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (لو يعلم العبد قدر عفو اللّه لما تورّع عن محارم اللّه،

ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه).

٥١

{وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} يعني الملائكة الذين أرسلهم اللّه ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط

٥٢

{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} جمع الخبر لأن الضيف اسم يصلح للواحد والإثنين والجمع والمؤنث والمذكر {فَقَالُوا سَلامًا قَالَ} إبراهيم {إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} (خائفون)

٥٣

{قَالُوا تَوْجَلْ} لا تخف {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} يعني إسحاق،

فعجب إبراهيم من كبره وكبر إمراته

٥٤

{قَالَ أبَشَّرْتُمُو نِي عَلَى أنْ مَسَّنِيَ الكِبَر} أي على الكبر {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} فأي شيء تبشرون.

واختلف القراء في هذا القول،

فقرأ أهل المدينة والشام بكسر النون والتشديد على معنى تبشرونني،

فأدغمت نون الجمع في نون الإضافة.

وقرأ بعضهم : بالتخفيف على الخفض.

وقرأ الباقون : في النون من غير إضافة.

٥٥

{قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ} .

قرأه العامّة : بالألف.

وقرأ يحيى بن وثاب : القانطين.

٥٦

{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ} .

قرأ الأعمش وأبو عمرو والكسائي بكسر النون،

وقرأ الباقون : بفتحه (وقال الزجاج) : قنط يقنط،

وقنط يقنط إذا يئس من رحمة اللّه.

٥٧

{مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إلاَّ الضَّالُّونَ قَال} لهم إبراهيم {فَمَا خَطْبُكُمْ} شأنكم وأمركم {أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}

٥٨

{قَالُوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} مشركين

٥٩

{إِلا ءَالَ لُوطٍ} أتباعه وأهل دينه {إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} .

قرأ أهل الحجاز وعاصم وأبو عمرو : (لمنجّوهم) بالتشديد،

وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم،

وخففه الآخرون.

٦٠

{إِلا الأمر أَتَهُ} سوى إمرأة لوط {قَدَّرْنَآ} قضينا {إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} الباقين في العذاب،

وخفف إبن كثير قدرنا.

قال أبو عبيد : استثنى آل لوط من القوم المجرمين،

ثمّ إستثنى إمراته من آل لوط فرجعت إمرأته في التأويل إلى القوم المجرمين،

لأنه استثناء مردود على استثناء،

وهذا كما تقول في الكلام : لي عليك عشرة دراهم إلاّ أربعة إلاّ درهماً،

فلك عليه سبعة دراهم؛ لأنك لما قلّت : إلاّ أربعة،

كان لك عليه ستة،

فلما قلت : إلاّ درهماً كان هذا استثناء من الأربعة فعاد إلى الستة فصار سابعاً.

٦١-٦٢

{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوط المُرْسَلُونَ قَالَ} لوط لهم {إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} يعني لا أعرفكم

٦٣

{قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ} يعني يشكّون إنه ينزل بهم وهو العذاب

٦٤

{وَأتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ} وجئناك باليقين،

وقيل : بالعذاب {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} في قولنا

٦٥

{فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ} أي كن ورائهم وسر خلفهم {وَلا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} .

قال ابن عبّاس : يعني الشام. وقال خليل : يعني مصدر.

٦٦

{وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر}

يعني وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر،

وأخبرناه {أَنَّ دَابِرَ هؤلاء} .

يدل عليه قراءة عبد اللّه : وقلنا له إن دابر هؤلاء،

يعني أصلهم،

{مَقْطُوعٌ} مستأصل {مُّصْبِحِينَ} في وقت الصبح إذ دخلوا فيه

٦٧

{وَجَآءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ} يعني سدوم {يَسْتَبْشِرُونَ} بأضياف لوط طمعاً منهم في ركوب الفاحشة

٦٨

{قَالَ} لوط لقومه {إِنَّ هؤلاء ضَيْفِى} وحق على الرجل بإكرام ضيفه {فَلا تَفْضَحُونِ} فيهم

٦٩

{وَاتَّقُوا اللّه وَلا تُخْزُونِ} فلا تهينون ولا تخجلون،

يجوز أن يكون من الخزي،

ويحتمل أن يكون الخزاية

٧٠

{قَالُوا أوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ العَالَمِين} أولم ننهك أن تضيّف أحداً من العالمين.

٧١

{قَالَ هؤلاء بَنَاتِى} أزوجهّن إياكم إن أسلمتم فأتوا النساء الحلال ودعوا ماحرم اللّه عليكم من إتيان الرجال {إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} ما أمركم به.

قال قتادة : أراد أن يقي أضيافه ببناته،

وقيل : رأى أنهم سادة إليهم يؤول أمرهم فأراد أن يزوجهم بناته ليمنعوا قومهم من التعرّض لأضيافه،

وقيل : أراد بنات أمته لأن النبي (أب) لامته،

٧٢

قال اللّه {لَعَمْرُكَ} يا محمّد يعني وحياتك.

وفيه لغتان : وعمرُ وعمرَ.

يقول العرب : عَمرك وعمرك.

{إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ} ضلالتهم وحيرتهم {يَعْمَهُونَ} يترددون.

قاله مجاهد،

وقال قتادة : يلعبون.

ابن عبّاس : يتمادون.

أبو الجوزاء عن ابن عبّاس قال : فالخلق للّه عزّ وجلّ ولا برأ ولا ذرأ نفساً أكرم عليه من محمّد،

وما سمعت اللّه أقسم بحياة أحد إلاّ حياته قال : {لَعَمْرُ كَلا إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} .

٧٣

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} حيت أشرقت الشمس،

أي أضاءت،

٧٤-٧٥

وهو نصب على الحال {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجّيل إنّ في ذلك لآيات لِلْمُتَوَسِّمِين} قال ابن عبّاس والضحاك : للناظرين.

مجاهد : للمتفرسين.

قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه) ثمّ قرأ هذه الآية.

وقال الشاعر :

توسمته لما رأيت مهابة

عليه وقلت المرء من آل هاشم

وقال آخر :

أو كلما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم

وقال قتادة : للمعتبرين.

٧٦

{وَإِنَّهَا} يعني قرى قوم لوط {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} بطريق واضح.

قاله قتادة،

ومجاهد،

والفراء،

والضحاك : بطريق معلّم ليس بخفي ولا زائغ.

٧٧-٧٨

{خَلَقَ اللّه السَّمَاوَاتِ والأرض بِالْحَقِّ إِنَّ فِى ذلك لآية لِّلْمُؤْمِنِينَ} وقد كان أصحاب الغيضة لكافرين،

وهم قوم شعيب كانوا أصحاب غياض ورياض وشجر متناوش متكاوش ملتف وكانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة وفي الشتاء اليابسة وكان عامة شجرهم الدوم وهو المُقل

٧٩

{فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ} بالعذاب،

وذلك أن اللّه سلّط عليهم الحرّ سبعة أيام لايمنعهم منه شيء،

فبعث اللّه عليهم سحابة فالتجأوا إلى ظلّها يلتمسون روحها فبعث اللّه عليهم منها ناراً فأحرقتهم فذلك قوله : {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} {وَإِنَّهُمَا} يعني مدينة قوم لوط ومدينة أصحاب الأيكة {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} طريق مستبين،

وسمّي الطريق إماماً لأنه يؤتم به.

٨٠

{وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} أي الوادي،

وهو مدينة ثمود وقوم صالح وهي فيما بين المدينة والشام {الْمُرْسَلِينَ} أراد صالحاً وحده.

عبداللّه بن عمر وجابر بن عبد اللّه قالا : مررنا مع النبي (صلى اللّه عليه وسلم) على الحجر،

فقال لنا رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلاّ أن تكونوا باكين حذراً بأن يصيبكم مثل ما أصابهم) ثمّ قال : (هؤلاء قوم صالح أهلكهم اللّه إلاّ رجلاً في حرم اللّه منعه حرم اللّه من عذاب اللّه) قيل : من هو يارسول اللّه؟

قال : (أبو رغال) ثمّ زجر (صلى اللّه عليه وسلم) فأسرع حتّى خلفها.

٨١

{وَآ تَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا} يعني الناقة وولدها و (السير)

٨٢

{فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ} من الخراب ووقوع الجبل عليهم

٨٣

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} يعني صيحة العذاب والهلاك {مُّصْبِحِينَ} في وقت الصبح وهو نصب على الحال

٨٤

{فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} من الشرك والأعمال الخبيثة.

٨٥

{وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وما بينهما إلاّ بالحقّ وإنّ الساعة لاَتِيَة} وإن القيامة لجائية {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} فأعرض عنهم واعف عفواً حسناً،

نسختها آية القتال.

٨٦

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} .

٨٧

{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} اختلفوا فيه.

روى عبد الوهاب عن ابن مسعود عن أبي نصر عن رجل من عبد القيس يقال له جابر أو جويبر عن ابن مسعود أن عمر قال : السبع المثاني هي فاتحة الكتاب.

روى إسماعيل السدي عن عبد خير عن علي (ح) {ولقد آتيانك سبعاً من المثاني} قال : فاتحة الكتاب.

عن ابن سيرين أن ابن مسعود قال في السبع المثاني : فاتحة الكتاب،

والقرآن العظيم سائر القرآن.

وعن عبد الرحمن عن أحمد الطابقي قال : أتيت أبا هريرة وهو في المسجد فقرأت عليه فاتحة القرآن.

فقال أبو هريرة : هذه السبع المثاني.

شعبة عن قتادة في قوله : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} ،

قال : هي فاتحة الكتاب.

وسمعت الكلبي يقول : هي أمّ الكتاب.

ابن جريج عن عطاء في قوله تعالى {سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} قال : هي أم القرآن والآية السابعة {بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وهذا قول الحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير وإبراهيم وابن أبي مليكة وعبد اللّه بن عبيد ابن عمرو ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وصالح الحنفي قاضي مرو.

ويدل عليه ماروى أبو سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (الحمد للّه رب العالمين سبع آيات إحداهن بسم اللّه الرحمن الرحيم وهي السبع المثاني وهي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب).

وروى ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (الحمد للّه رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم).

وروى حفص بن عاصم عن أبي سعيد المعلّى عن أُبيّ بن كعب قال : كنت أُصلي فناداني رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لم أجبه،

فلما صلّيت أتيته،

فقال : (ما منعك أن تجيبني)؟

قلت : كنت أُصلي،

قال : (أولم يقل اللّه : {يا أيها الذين آمنوا أستجيبوا للّه وللرسول} ) الآية.

ثمّ قال : (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن نخرج من المسجد) فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت : يارسول اللّه إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن.

قال : (نعم،

الحمد للّه رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت).

وعن أبي هريرة قال : قرأ أُبي بن كعب على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أمّ القرآن. فقال : (والذي نفسي بيده ما أنزل اللّه في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها،

إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت).

عن ابن جريج قال : أخبرني أبي أنّ سعيد بن جبير أخبره فقال له : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} ،

قال : هي أم القرآن،

قال : هي،

وقرأ عليَّ سعيد بن جبير بسم اللّه الرحمن الرحيم حتّى ختمها،

ثمّ قال : بسم اللّه الرحمن الآية السابعة.

قال سعيد بن جبير : لأبي : وقرأ عليَّ ابن عبّاس كما قرأتها عليك،

ثمّ قال : بسم اللّه الرحمن الرحيم الآية السابعة :

قال ابن عبّاس : قد ادخرها اللّه لكم فما أخرجها لأحد قبلكم.

فقلت : هذه إختيار الصحاح إن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب،

وأن اللّه تعالى امتن على رسوله (صلى اللّه عليه وسلم) بهذه السورة كما امتن عليه بجميع القرآن،

وقيل : نزلت هذه السورة في (خيبر).

وفي هذا دليل على إن الصلاة لاتجوز إلاّ بها ويؤيد ما قلنا ماروى الزهري عن محمّد بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (فاتحة الكتاب عوض من كل القرآن،

والقرآن كلّه ليس منه عوض).

واختلف العلماء في حديث آيات هذه السورة مثاني،

فقال ابن عبّاس والحسن وقتادة والربيع : لأنها تثنى في كل صلاة وفي كل ركعة.

وقال بعضهم : سمّيت مثاني لأنها مقسومة بين اللّه وبين العبد قسمين اثنين،

بيانه والذي يدل عليه ماروى أبو السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج غير تمام).

قال أبو السائب لأبي هريرة : إني أحياناً أكون وراء الامام.

قال : فغمز أبو هريرة ذراعي،

وقال : يافارسي إقرأها في نفسك إني سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) يقول : (قال اللّه قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي،

ونصفها لعبدي،

ولعبدي ما سأل).

وقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (اقرؤا،

يقول : العبد : الحمد للّه رب العالمين،

فيقول اللّه : حمدني عبدي،

ويقول العبد : الرحمن الرحيم،

فيقول اللّه : أثنى عليَّ عبدي،

فيقول العبد : مالك يوم الدين،

فيقول اللّه : مجّدني عبدي،

يقول العبد : إياك نعبدُ وإياك نستعين،

قال : هذه الآية بيني وبين عبدي،

يقول العبد : اهدنا الصراط إلى آخره،

يقول اللّه : فهذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

ويقال : سمّيت (مثاني) لأنها منقسمة إلى قسمين : نصفها ثناء ونصفها دعاء،

ونصفها حق الربوبية ونصفها حق العبودية،

وقيل : لأن ملائكة السماوات يصلّون الصلوات بها،

كما أن أهل الأرض يصلّون بها. وقيل : لأن حروفها وكلماتها مثنّاة،

ومثل الرحمن الرحيم،

إياك وايّاك،

الصراط الصراط،

عليهم عليهم،

غير غير،

في قراءة عمر.

وقال الحسين بن الفضل وغيره : لأنها تقرأ مرّتين كل مرّة معها سبعون ألف ملك،

مره بمكة من أوائل مانزل من القرآن،

ومرة بالمدينة،

والسبب هو أن سبع قوافل وافت من بصرى وأذرعات ليهود بني قريضة والنضير في يوم واحد وفيها أنواع من البز وأوعية (وأفاوية) الطيب والجواهر وأمتعة البحر،

فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها ولأنفقناها في سبيل اللّه فأنزل اللّه تعالى هذه السورة.

وقال : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل،

ودليل هذه التأويل قوله في عقبها : {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية.

وقيل : لأنها متصدرة بالحمد،

والحمد كل كلمة تكلم بها آدم حين عطس وهي آخر كلام أهل الجنة من ذريته،

قال اللّه : {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللّهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} .

وقيل : لأن اللّه استثناها وادّخرها لهذه الأُمة فما أعطاها غيرهم،

كما روينا في خبر سعيد ابن جبير عن ابن عبّاس.

وقال أبو زيد اللخمي : لانها تثني أهل الدعارة والشرارة عن الفسق والبطالة من قول العرب ثنيت عنائي،

قال اللّه : {ألا إنهُم ْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} .

وقيل : لأن أولها ثناء على اللّه عزّ وجلّ.

وقال قوم : إن السبع المثاني هو السبع الطوال،

وهي : سورة البقرة،

وآل عمران،

والنساء،

والمائدة،

والأنعام،

والأعراف،

والأنفال،

والتوبة معاً.

وقال بعضهم : يونس،

وعليه أكثر المفسرين.

روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن إبن عبّاس في قوله تعالى : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} ،

قال : السبع الطوال.

سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله تعالى : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} قال : هو السبع الطوال.

وهو قول عمر،

ورواية أبي بشر وجعفر بن المغيرة ومسلم البطين عن سعيد بن جبير،

ورواية ليث وابن أبي نجيح عن مجاهد،

ورواية عبيد بن سليمان عن الضحاك. يدل عليه ماروى أبو أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إن اللّه أعطاني السبع الطوال مكان التوراة،

وأعطاني المبين مكان الإنجيل،

وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني ربي بالمفصّل).

وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال : أوتي رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) السبع المثاني الطوال،

وأعطي موسى ستاً فلما ألقى الألواح رفعت إثنان وبقي أربع.

روى عروة عن عائشة أن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (من أخذ السبع الأول فهو حبر).

قال ابن عبّاس : وإنما سميت السبع الطوال مثاني؛ لأن الفرائض والحدود والأمثال والخبر والعبر تثبت فيه.

طاوس وأبو مالك : القرآن كلّه مثاني،

وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس قال : ألم تسمع إلى قول اللّه تعالى : {اللّه نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} وسمّي القرآن مثاني لأن القصص ثبتت فيه.

وعلى هذا القول المراد بالسبع سبعة أسباع القرآن. ويكون فيه إضمار تقديره : وهي للقرآن العظيم.

فاحتج بقول الشاعر :

الى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

مجازة : الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة في المزدحم.

وروى عتاب بن بشر عن حنيف عن زياد بن أبي مريم في قوله : {سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} قال : أعطيتك سبعة أجزاء وهي سبع معان في القرآن : مرّ،

وانه،

وبشّر،

وأنذر،

واضرب الأمثال وأعدد النعم،

وآتيتك نبأ القرآن.

٨٨

{تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} يا محمّد {إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} أصنافاً {مِنْهُمُ} من الكفار متمنياً إياها. نهى رسوله عن الرغبة في الدنيا.

وقال أنس : مرّت برسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إبل أيام الربيع وقد حبست في أبعارها وأبوالها. فغطى رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) عينه بكمّه وقال : (بهذا أمرني ربي) ثمّ تلا هذه الآية.

{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} ليّن جانبك {لِّلْمُؤْمِنِينَ} وارفق بهم.

والجناحان من ابن آدم جانباه،

ومنه قوله : {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} أي جنبك وناحيتك.

٨٩-٩٠

{وَقُلْ إنِّي أنَا النَّذِيرُ المُبِينُ كَمَا أنْزَلْنَا} ،

قال الفراء : مجازه : أنذركم عذاباً {عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} . فاختلفوا فيهم.

فروى الأعمش عن أبي ظبيان قال : سمعت ابن عبّاس يقول في قوله : (كما أنزلنا على المقتسمين،

قال : هم اليهود والنصارى.

٩١

{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْءَانَ عِضِينَ} جزّأوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.

وقال عكرمة : سمّوا مقتسمين لأنّهم كانوا يستهزؤن فيقول بعضهم : هذه السورة لي. وقال بعضهم : هذه لي،

فيقول أحدهم : لي سورة البقرة،

ويقول الآخر : لي سورة آل عمران.

وقال مجاهد : هم اليهود والنصارى،

قسّموا كتابهم ففرّقوه وبدّدوه.

وقال مقاتل : كانوا ستة عشر رجلاً بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقاب مكة وطرقها وقعدوا على أبوابها وأبقابها وإذا جاء الحجاج،

قال فريق منهم : لا تغتروا بخارج منّا يدعي النبوة فإنه مجنون.

وقالت طائفة أخرى : على طريق آخر أنه كاهن.

وقالت طائفة : عَرّاف. وقالت طائفة شاعر،

والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكماً،

فإذا سئل عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : صدق لوليك المقتسمين.

وقال مقاتل بن حيان : هم قوم اقتسموا القرآن،

فقال بعضهم : سحر،

وقال بعضهم : سمر،

وقال بعضهم : كذب. وقال بعضهم : شعر،

وقال بعضهم : أساطير الأولين.

وقال بعضهم : هم الذين تقاسموا صالح وأرادوا تبييته.

وقرأ قول اللّه : {وَكَانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْط يُفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تَقَاسَمُوا بِاللّه} الآية.

{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْءَانَ عِضِينَ} يعني عضوا كتاب اللّه ونبيه وأمره ونهيه أي كذبوا.

وقوله : {عِضِينَ} ،

قال بعضهم : هو جمع عضو وهو مأخوذ من قولهم عضيت يعضيه إذا فرّقته.

وقال رؤبة :

وليس دين اللّه بالمعضى

يعني : بالمفرّق.

وقال آخر :

وعضى بني عوف،

فأما عدوهم

فأرضي وأمّا العز منهم فغيرا

يعني بقوله عضّني بني عوف : سبّاهم وقطعهم بلسانه.

وقال آخرون : بل هو جمع عضة،

يقال : عضه وعضين. مثل يره ويرين،

وكرة وكرين،

وقلة وقلين،

وعزة وعزين،

وأصله عضهه ذهبت هاؤها الأصلية كما نقصوا الهاء من الشفة وأصلها شفهه ومن الشاة وأصلها شاهه يدلك على ذلك التصغير تقول : شفيهة وغويهة،

ومعنى العضة : الكذب والبهتان،

وفي الحديث : (لايعضه بعضكم بعضاً).

٩٢

{فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهُمْ أجْمَعِينَ} يوم القيامة

٩٣

{عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدنيا.

وروى أنس عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) في هذه الآية قال : (عن لا إله إلاّ اللّه).

قال عبد اللّه : والذي لا إله غيره مامنكم من أحد إلاّ سيخلو اللّه تعالى به يوم القيامة،

(كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر) فيقول : يابن آدم ماذا غرك مني،

يابن آدم ما عملت فيما علمت،

يابن آدم ماذا أجبت المرسلين.

واعترضت الملحدة بأبصار كليلة وأفهام عليلة على هذه الآية على قوله : {فَيَوْمَئِذ لا يُسْألُ عَنْ ذَ نْبِهِ إنسٌ وَلا جَانٌّ} وحكموا عليهما بالتناقض.

والجواب عنه : ما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله : {لَنَسْألَنَّهُمْ أجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون} وقوله : {فَيَوْمَئِذ لا يُسْألُ عَنْ ذَ نْبِهِ إنسٌ وَلا جَانٌّ} . قال : لانسألهم هل عملتم كذا وكذا،

لأنه أعلم بذلك منهم،

ولكن يقول لهم : لِمَ عملتم كذا وكذا؟

واعتمد قطرب هذا القول،

وقال : السؤال على ضربين : سؤال استعلام واستخبار،

وسؤال توبيخ وتقرير. فقوله : {فَيَوْمَذٍ لا يُسَْلُ عَن ذَنبِهِ} يعني استعلاماً واستخباراً،

لأنه كان عالماً بهم قبل أن يخلقهم. وقوله : {فَوَرَبِّكَ لَنَسَْلَنَّهُمْ} يعني تقريعاً وتقريراً ليريهم القدرة في تعذيبنا إياهم.

وقال عكرمة : سألت مولاي عبد اللّه بن عبّاس عن الآيتين،

فقال : إن يوم القيامة يوم طويل وفيه مواقف،

يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها. ونظيره قوله : {هذا يوم لاينطقون} وقال في آية أخرى : {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} .

وقال بعضهم : {فيومئذ لايسأل} إذا كان المذنب مكرهاً مضطراً،

و {لَنَسَْلَنَّهُمْ} إذا كانوا مختارين،

وقيل : لا يسأل إذا كان الذنب في حال الصبى أو الجنون أو النوم،

بيانه قوله (صلى اللّه عليه وسلم) (رفع القلم عن ثلاث) وقولهم : لنسألنهم،

إذا كان عملهم خارجاً من هذه الأحوال،

وقيل : لا يسأل إذا كان الذنب في حال الكفر.

وقوله : {لَنَسَْلَنَّهُمْ} يعني المؤمنين،

بيانه قوله : {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} وقوله (صلى اللّه عليه وسلم) (إن الاسلام يجبّ ما قبله).

٩٤

{فَاصْدَعْ} .

قال ابن عبّاس : أظهر. الوالبي عنه : فاقض.

عطية عنه : افعل. الضحاك : اعلم،

الأخفش : افرق،

المؤرّج : افصل،

سيبويه : اقض.

{بِمَا تُؤْمَرُ} يعني بأمرنا (ما) المصدر.

وأصل الصدع : الفصل والفرق.

قال ذؤيب يصف الحمار والأتن :

وكأنهن ربابة وكأنه

يسر يفيض على القداح ويصدع

(وقيل) : أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) بإضهار الدعوة.

روى موسى عن عبيدة عن أخيه عبد اللّه بن عبيدة قال : مازال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) مستخفياً حتّى نزلت {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فخرج هو وأصحابه.

وقال مجاهد : أراد الجهر بالقرآن في الصلاة.

{وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} لا تبال بهم

٩٥

{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ} .

يقول اللّه جل ثناؤه لنبيه (صلى اللّه عليه وسلم) فاصدع بأمر اللّه ولا تخف شيئاً سوى اللّه فإن اللّه كافيك من عاداك وآذاك كما كفاك المستهزئين وهم من قريش ورؤسائهم خمسة نفر : الوليد بن المغيرة،

وعبد اللّه بن عمرو بن مخزوم وكان رأسهم،

والعاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعيد بن سهم،

والأسود بن المطلب بن الحرث بن (أسد) بن عبد العزى أبو زمعة وكان رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قد دعا عليه فقال : (اللّهم أعم بصره وأثكله بولده) والأسود بن عبد يغوث بن وهب ابن عبد مناف بن زهرة،

والحرث بن قيس بن الطلاطلة فإنه عيطل.

فأتى جبرئيل محمداً (صلى اللّه عليه وسلم) والمستهزئون يطوفون بالبيت،

فقام جبرئيل وقام رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلى جنبه فمرّ به الوليد بن المغيرة،

فقال جبرئيل : يا محمّد كيف تجد هذا،

قال : بئس عبد اللّه. قال : (قد كفيت) وأومأ إلى ساقه ويده،

فمرّ برجل من خزاعة (نبّال) يريّش نبلاً له وعليه برد يمان وهو يجر إزاره فتعلقت شظّية من نبل بإزاره فمنعه الكبر أن يطمئن ونبذ عمامته وجعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض منه ومات.

وقال الكلبي : تعلّق سهم بثوبه فأصاب أكحله فقطعه فمات.

ومرَّ به العاص بن وائل،

فقال جبرئيل : كيف تجد هذا يا محمّد؟

قال : (بئس عبد اللّه)،

فأشار جبرئيل لأخمص رجله وقال : (قد كفيت) وقد خرج على راحلته ومعه اثنان يمنعانه فنزل شعباً من تلك الشعاب فوطيء على شرقة فدخلت منها شوكة في أخمص رجله،

فقال : الوقت لدغت. فطلبوا ولم يجدوا شيئاً فأنتفخت رجله حتّى صارت مثل عنق بعير فمات مكانه.

ومرَّ به الأسود بن عبد المطلب،

فقال جبرئيل : كيف تجد هذا يا محمّد؟

قال : (عبد سوء) فأشار إلى عينه،

وقال : (قد كفيت) فعمى ().

قال ابن عبّاس : رماه جبرئيل بورقة خضراء فذهب بصره ووجعت عينه،

فجعل يضرب برأسه الجدار حتّى هلك.

وفي رواية الكلبي : أتاه جبرئيل وهو قاعد في ظل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك وإستغاث بغلامه،

فقال غلامه : لا أرى أحداً يصنع بك شيئاً غير نفسك حتّى مات وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.

ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث فقال جبرئيل : كيف تجد هذا؟

فقال : (بئس عبد اللّه،

على أنه خالي)،

فقال : قد كفيت،

وأشار إلى بطنه فشقّ بطنه فمات حينها.

وفي رواية الكلبي : أنه خرج من أهله فأصابه السموم فاسودّ حتّى عاد حبشياً فأتى أهله فلم يعرفوه فأغلقوا دونه الباب وهو يقول : قتلني ربّ محمّد.

ومرَّ به الحرث بن قيس،

فقال جبرئيل (عليه السلام) : يا محمّد كيف تجد هذا؟

قال : (عبد سوء) فأومأ إلى رأسه وقال : قد كفيت،

فأمتخط قيحاً فقتله.

وقال ابن عبّاس : إنه أكل حوتاً مالحاً فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتّى اتّقد بطنه فمات،

فذلك قوله تعالى : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءِينَ} يعنى بك وبالقرآن.

٩٦-٩٧

{الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّه الها ءَاخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وعيدهم {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك} .

قال ابن عبّاس : فصلِّ يا محمّد لربك.

{وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} المتواضعين.

٩٨

وقال الضحاك : {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} قل سبحان اللّه وبحمده {وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} أي المصلين.

ويروى أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كان إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة.

٩٩

{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} يعني الموت،

ومجازه : الموفق به.

روى يونس بن زيد عن ابن شهاب : أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن أم العلاء امرأة من الأنصار قد بايعت النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أخبرته أنهم اقتسموا المهاجرين قرعة قالت : فصار لنا عثمان ابن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي مات فيه،

فلما توفي وغسّل وكفّن في ثوبه دخل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قلت : ياعثمان بن مظعون رحمة اللّه عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك اللّه.

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (وما يدريك أن اللّه أكرمه) قالت : فقلت : بأبي أنت يارسول اللّه فمه؟

فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (أمّا هو فقد جاءه اليقين وواللّه إني لأرجو له الخير).

قالوا : فلما نزلت هذه الآية قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ما أوحي إليَّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين،

ولكن أوحي إليَّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتّى يأتيك اليقين).

﴿ ٠