سورة المؤمنون

مكيّة،

وهي أربعة آلاف وثمانمائة وحرفان،

وألف وثمانمائة وأربعون كلمة،

ومائة وثماني عشرة آية

أخبرنا أبو الحسن الخباري قال : حدَّثنا ابن حبش قال : حدّثني أبو العباس محمد بن موسى الدقاق الرازي قال : حدَّثنا عبد اللّه بن روح المدائني قال : وحدَّثنا طفران قال : حدَّثنا ابن أبي داود قال : حدَّثنا محمد بن عاصم قال : حدَّثنا نسابة بن سوار الفزاري قال : حدَّثنا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد عن عطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أُبي بن كعب قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (مَن قرأ سورة المؤمنين بشّرته الملائكة بالرَّوح والريحان وما تقرّ به عينه عند نزول ملك الموت).

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}

قد حرف تأكيد،

وقال المحققون : معنى قد تقريب بالماضي من الحال،

فدلَّ على أنّ فلاحهم قد حصل وهم عليه في الحال،

وهذا أبلغ في الصفة من تجريد ذكر الفلاح،

والفلاح : النجاح والبقاء.

أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسّر بقراءته عليَّ في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة قال : أخبرنا أبو عمرو المعتزّ بن محمد بن الفضل القاضي قال : حدَّثنا أحمد بن الحسين الفريابي قال : حدَّثنا عبد الرحيم بن حبيب البغدادي عن إسحاق بن تجيح الملطي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (لمّا خلق اللّه سبحانه جنّة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،

ثمَّ قال لها : تكلّمي،

قالت : قد أفلح المؤمنون ثلاثاً ثمَّ قالت : أنا حرام على كلّ بخيل ومرائي).

وقرأطلحة بن مصرف : قد أُفلح المؤمنون على المجهول،

أي أُبقوا في الثواب.

٢

{الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} اختلف المفسّرون في معنى الخشوع،

فقال ابن عباس : مخبتون أذلاّء،

الحسن وقتادة : خائفون.

مقاتل : متواضعون على الخشوع في القلب،

وأن تلين للمرء المسلم كنفك ولا تلتفت.

مجاهد : هو غضّ البصر وخفض الجناح وكان الرجل من العلماء إذا قام إلى الصلاة هاب الرَّحْمن أن يمدّ بصره إلى شيء أو أن يحدّث نفسه بشيء من شأن الدنيا.

عمرو بن دينار : ليس الخشوع الركوع والسجود ولكنّه السكون وحسن الهيئة في الصلاة.

ابن سيرين وغيره : هو أن لا ترفع بصرك عن موضع سجودك.

قالوا : وكان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه يرفعون أبصارهم في الصلاة إلى السماء وينظرون يميناً ويساراً حتى نزلت هذه الآية،

فجعلوا بعد ذلك وجوههم حيث يسجدون،

وما رؤي بعد ذلك أحد منهم ينظر ألاّ إلى الأرض.

ربيع : هو أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً.

أخبرنا أبو عمرو الفراتي قال : أخبرنا أبو موسى قال : حدَّثنا السراج قال : حدَّثنا محمد بن الصباح قال : أخبرنا إسحاق بن سليمان قال : حدَّثنا إبراهيم الخوزي عن عطاء بن أبي رباح قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) انَّ العبد إذا قام إلى الصلاة فإنّه بين عينيّ الرَّحْمن عزّ وجلّ فإذا التفت قال له الربّ : إلى من تلتفت؟

إلى من هو خير لك منّي؟

ابن آدم أقبل إليَّ فأنا خيرٌ ممّن تلتفت إليه.

عطاء : هو أن لا تعبث بشيء من جسدك في الصلاة،

وأبصر النبي (صلى اللّه عليه وسلم) رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه.

وأخبرنا محمد بن أحمد بن عقيل القطان قال : أخبرنا صاحب بن أحمد بن ترحم بن سفيان قال : حدَّثنا أبو عبد الرَّحْمن بن نبيت المروزي عبدان قال : حدَّثنا عبد اللّه بن المبارك عن معمّر أنه سمع الزهري يحدّث عن أبي الاحوص عن أبي ذر قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنّ الرحمة تواجهه فلا يحرّكن الحصى).

ويقال : نظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصى ويقول : اللّهم زوّجني من الحور العين،

فقال : بئس الخاطب أنت تخطب وأنت تعبث.

خليد بن دعلج عن قتادة : هو وضع اليمين على الشمال في الصلاة.

بعضهم : هو جمع الهمّة لها وإلاعراض عمّا سواها.

أبو بكر الواسطي : هو الصلاة للّه سبحانه على الخلوص من غير عوض.

سمعت ابن الإمام يقول : سمعت ابن مقسم يقول : سمعت أبا الفضل جعفر بن أحمد الصيدلي يقول : سمعت ابن أبي الورد يقول : يحتاج المصلي إلى أربع خلال حتى يكون خاشعاً : إعظام المقام،

وإخلاص المقال،

واليقين التمام،

وجمع الهمّة.

٣

{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} قال الحسن : عن المعاصي،

ابن عباس : الحلف الكاذب،

مقاتل : الشتم والأذى،

غيرهم : ما لا يحمل من القول والفعل،

وقيل : اللغو الفعل الذي لا فائدة فيه.

٤

{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزكاةِ} الواجبة {فَاعِلُونَ} مؤدّون،

وهي فصيحة وقد جاءت في كلام العرب قال أُميّة بن أبي الصلت :

المطعمون الطعام في السنة

الأزمة والفاعلون للزكوات

٥-٦

{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} أي من أزواجهم،

على بمعنى من {أَوْ مَا} في محل الخفض يعني أو من ما {مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} على إتيان نسائهم وإمائهم.

٧

{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلك } أي التمس وطلب سوى زوجته وملك يمينه {فَأُولَاكَ هُمُ الْعَادُونَ} من الحلال إلى الحرام،

فمن زنى فهو عاد.

٨

{وَالَّذِينَ هُمْ مَانَاتِهِمْ} التي ائتمنوا عليها {وَعَهْدِهِمْ} وعقودهم التي عاقدوا الناس عليها {رَاعُونَ} حافظون وافون.

وقرأ ابن كثير : لأمانتهم على الواحد لقوله : (وعهدهم). الباقون : بالجمع لقوله {إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تؤدوا الأمانات إِلَىا أَهْلِهَا} .

٩

{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} يداومون على فعلها ويراعون أوقاتها،

فأمر بالمحافظة عليها كما أمر بالخشوع فيها لذلك كرّر ذكر الصلاة.

١٠

{أُولَاكَ} أهل هذه الصفة {هُمُ الْوَارِثُونَ} يوم القيامة منازل أهل الجنة من الجنة.

وروى أبو هريرة عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قال : ما منكم من أحد إلاّ وله منزل في الجنة ومنزل في النار،

فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله،

فذلك قوله تعالى {أُولَاكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} .

وقال مجاهد : لكل واحد منزلان : منزل في الجنة ومنزل في النار،

فأمّا المؤمن فيبنى منزله الذي له في الجنة،

ويهدم منزله الذي هو في النار،

وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة،

ويبنى منزله الذي في النار.

وقال بعضهم : معنى الوراثة هو أنّه يؤول أمرهم إلى الجنة وينالونها كما يؤول أمر الميراث إلى الوارث.

١١

{الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} أي البستان ذا الكرم،

قال مجاهد : هي بالرومية،

عكرمة : هي الجنة بلسان الحبش،

السدّي : هي البساتين عليها الحيطان بلسان الروم.

وفي الحديث : إن حارثة بن سراقة قُتل يوم بدر فقالت أُمّه : يا رسول اللّه إن كان ابني من أهل الجنة لم أبك عليه،

وإن كان من أهل النار بالغت في البكاء،

فقال : (يا أُمّ حارثة إنّها جنان وإنّ ابنك قد أصاب الفردوس الأعلى من الجنة).

أخبرني أبو الحسن عبد الرَّحْمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها قال : حدَّثنا أبو عبد اللّه محمد بن يونس بن إبراهيم بن النضر المقري قال : حدَّثنا العباس بن الفضل المقري قال : حدَّثنا أبو زرعة عبيد اللّه بن عبد الكريم قال : حدَّثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكير المخزومي قال : حدّثني عبد اللّه بن لهيعة الحضرمي قال : حدَّثنا عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول اللّه سبحانه {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} يعني قد سعد المصدّقون بتوحيد اللّه سبحانه،

ثم نعتهم ووصف أعمالهم فقال عزَّ من قائل {الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} يعني متواضعين لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره،

ولا يلتفت من الخشوع للّه {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} يعني الباطل والكذب {والذين هم للزكوة فاعلون} يعني الأموال كقوله سبحانه في الأعلى {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} يعني من ماله {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} يعني عن الفواحش،

ثم قال {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ

} يعني ولائدهم {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} لا يُلامون على جماع أزواجهم وولائدهم {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلك } فمن طلب الفواحش بعد الأزواج والولائد ما لم يحلّ {فَأُولَاكَ هُمُ الْعَادُونَ} يعني المعتدين في دينهم {وَالَّذِينَ هُمْ مَانَاتِهِمْ} يعني ما ائتمنوا عليه فيما بينهم وبين الناس {وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} يعني حافظين يؤدّون الأمانة ويوفون بالعهود

{والذين هم على صلواتهم يحافظون} يعني يحافظون عليها في مواقيتها،

ثمَّ أخبر بثوابهم فقال {أُولَاكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} ثمَّ بين مايرثون فقال {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} يعني الجنة بلسان الرومية {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} لا يموتون فيها.

أخبرنا محمد بن عقيل القطان قال : أخبرنا حاجب بن أحمد بن سفيان قال : حدَّثنا محمد بن حماد البيوردي قال : حدَّثنا عبد الرزاق قال : أخبرني يونس بن سليم قال أملى علىّ صاحب ايلة عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرَّحْمن بن عبد القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب ح يقول : كان إذا نزل على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) الوحي يُسمع عند وجهه كدوىّ النحل،

فمكثنا ساعة فاستقبل ورفع يديه فقال : (اللّهم زدنا ولا تنقصنا،

وأكرمنا ولا تُهنّا،

وأعطنا ولا تحرمنا،

وآثرنا ولا تؤثر علينا،

وارض عنّا،

ثمَّ قال : لقد أُنزل علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنّة،

ثمَّ قرأ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} عشر آيات).

١٢

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ} يعني ابن آدم {مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} أي من صفوة ماء آدم الذي هو من الطين ومنيّه والعرب تسمّي نطفة الشيء وولده سليله وسلالته لأنّهما مسلولان منه. قال الشاعر :

حملت به عَضب الأديم غضنفراً

سلالة فرج كان غير حصين

وقال آخر :

وهل كنت إلاّ مهرة عربية

سليلة أفراس تجللّها بغل

١٣

{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ} حريز مكين لاستقرارها فيه إلى بلوغ أمدها وهو الرحم.

١٤

{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} قرأ ابن عامر عظماً على الواحد في الحرفين،

ومثله روى أبو بكر عن عاصم لقوله لحماً،

وقرأ الآخرون بالجمع لأنّ إلانسان ذو عظام كثيرة.

{فَكَسَوْنَا} فألبسنا {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ} اختلف المفسرون فيه. قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وعكرمة وأبو العالية والضحاك وابن زيد : نفخ الروح فيه.

قتادة : نبات الأسنان والشعر.

ابن عمر : استواء الشباب،

وهي رواية ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد.

وروى العوفي عن ابن عباس : إنّ ذلك تصريف أُحواله بعد الولادة،

يقول : خرج من بطن أُمّه بعد ما خلق فكان من بدو خلقه الآخر أن استهلّ،

ثمَّ كان من خلقه أن دُلّ على ثدي أُمّة،

ثمّ كان من خلقه أن عُلّم كيف يبسط رجليه،

إلى أن قعد،

إلى أن حبا،

إلى أن قام على رجليه،

إلى أن مشى،

إلى أن فطم،

فعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام،

إلى أن بلغ الحلمَ،

إلى أن بلغ ان يتقلّب في البلاد.

وقيل : الذكورة والأُنوثية،

وقيل : إعطاء العقل والفهم.

{فَتَبَارَكَ اللّه} أي استحق التعظيم والثناء بأنّه لم يزل ولا يزال وأصله من البروك وهو الثبوت.

{أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أي المصوّرين والمقدّرين،

مجاهد : يصنعون و يصنع اللّه واللّه خير الصانعين.

ابن جريج : إنما جمع الخالقين لأنّ عيسى كان يخلق،

فأخبر جلَّ ثناؤه أنّه يخلقُ أحسن ممّا كان يخلق.

وروى أبو الخليل عن أبي قتادة قال : لمّا نزلت هذه الآية إلى آخرها قال عمر بن الخطاب ح (فتبارك اللّه أحسن الخالقين) فنزلت {فَتَبَارَكَ اللّه أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} .

قال ابن عباس : كان ابن أبي سرح يكتب لرسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فأملى عليه هذه الآية،

فلمّا بلغ قوله {خَلْقًا ءَاخَرَ} خطر بباله {فَتَبَارَكَ اللّه أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فلمّا أملاها كذلك لرسول اللّه قال عبد اللّه : إن كان محمد نبيّاً يوحى إليه فانا نبىّ يوحى إليّ،

فلحق بمكة كافراً.

١٥

{ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ} قرأ أشهب العقيلي لمايتون بالألف،

والميّت والمائت،

الذي لم يفارقه الروح بعد وهو سيموت،

والميْت بالتخفيف : الذي فارقه الروح،

فلذلك لم تخفف ههنا كقوله سبحانه وتعالى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}

١٦-١٧

{ثمَّ إنّكم يوم القيامة تُبعثُونَ ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق} وإِنما قيل : طرائق لأن بعضهنّ فوق بعض،

فكلّ سماء منهنّ طريقة،

والعرب تسمّي كلّ شيء فوق شيء طريقة،

وقيل : لأنّها طرائق الملائكة.

{وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} يعني عن خلق السماء،

قاله بعض العلماء،

وقال أكثر المفسرين : يعني عمّن خلقنا من الخلق كلّهم ماكنّا غافلين عنهم،

بل كنّا لهم حافظين من أن تسقط عليهم فتهلكهم.

وقال أهل المعاني : معنى الآية : إنّ من جاز عليه الغفلة عن العباد جاز عليه الغفلة عن الطرائق التي فوقهم فتسقط فاللّه عزّ وجلّ {يمسك السموات أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه} ولولا إمساكه لها لم تقف طرفة عين.

قال الحسن : وما كنّا عن الخلق غافلين أن ينزل عليهم ما يجيئهم من المطر.

١٨

{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِى الأرض} ثمَّ أخرجنا منها ينابيع فماء الأرض هو من السماء.

{وَإِنَّا عَلَى ذَهَاب بِهِ لَقَادِرُونَ} حتى تهلكوا عطشاً وتهلك مواشيكم وتخرب أراضيكم.

١٩

{فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ} بالماء {جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا} يعني في الجنّات {فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} شتاء وصيفاً،

وإنّما خصّ النخيل والأعناب بالذكر لأنّهما كانا أعظم ثمار الحجاز وما والاها،

فكانت النخيل لأهل المدينة،

والأعناب لأهل الطائف،

فذكر القوم ما يعرفون من نعمه.

٢٠

{وَشَجَرَةً} يعني وأنشأنا لكم أيضاً شجرة {تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ} وهي الزيتون،

واختلف القُرّاء في سيناء،

فكسر سينه أبو عمرو وأهل الحجاز،

وفتحه الباقون،

واختلف العلماء في معناه،

فقال مجاهد : معناه البركة،

يعني : إنه جبل مبارك،

وهي رواية عطية عن ابن عباس،

قتادة والحسن والضحّاك : طور سيناء بالنبطية : الجبل الحسن.

ابن زيد : هو الجبل الذي نودي منه موسى عليه السلام،

وهو بين مصر وأيلة،

معمر وغيره : جبل ذو شجر،

بعضهم : هو بالسريانية الملتفّة الاشجار،

وقيل : هو كلّ جبل ذي أشجار مثمرة،

وقيل : هو متعال من السّنا وهو الارتفاع.

قال مقاتل : خُصّ الطور بالزيتون لأن أول الزيتون نبت بها،

ويقال : إنّ الزيتون أول شجرة نبتت في الدنيا بعد الطوفان.

{تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} وأكثر القراء على فتح التاء الأَوّل من قوله تنبت وضم بائه،

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم التاء وكسر الباء ولها وجهان :

أحدهما : أن الباء فيه زائدة كما يقال : أخذت ثوبه وأخذت بثوبه،

وكقول الراجز :

نحن بنو جعدة أصحاب الفلج

نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

أي ونرجو الفرج.

والوجه الآخر : أنّهما لغتان بمعنى واحد نبت وأنبت،

قال زهير :

رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم

قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل

أي نبت {وَصِبْغٍ لِّكِلِينَ} أي إدام نصطبغ به

٢١

{وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأنْعَامِ لَعِبْرَةً} وهي الدلالة الموصلة إلى اليقين المؤدىّ به الى العلم وهي من العبور كأنه طريق يُعبر إليه ويتوصل به إلى المراد.

٢٢-٢٣

{نسقيكم ممّا في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون ولقد أرسلنا نوحاًإلى قومه} قال ابن عباس : سمّي بذلك لكثرة ماناح على نفسه،

واختلف في سبب نوحه،

فقال بعضهم : لدعوته على قومه بالهلاك حيث قال {رَّبِّ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} وقيل : لمراجعته ربّه في شأن أُمته،

وقيل : لأنّه مرَّ بكلب مجذوم،

فقال : إخسأ يا قبيح فأوحى اللّه سبحانه إليه : أعبتني أم عبت الكلب ؟.

٢٤

{فقال يا قوم اعبدوا اللّه مالكم من إله غيرهُ أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلاّ بشرٌ مثلكم يريد أن يتفضل} يتشرف {عَلَيْكُمْ} فيكون أفضل منكم فيصير متبوعاً وأنتم له تبعاً.

{ولو شاء اللّه لأنزل ملائكةً ماسمعنا بهذا} الذي يدعونا إليه نوح

٢٥

{في آبائنا الأولين إنْ هو} ما هو {إِلا رَجُلُ بِهِ جِنَّةٌ} جنون،

نظيرها قوله سبحانه {مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ} ويقال للجن أيضاً : جنّة،

قال اللّه سبحانه {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} وقال {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} يتفق الاسم والمصدر.

{فَتَرَبَّصُوا} فانتظروا {بِهِ حَتَّى حِينٍ} يعني إلى وقت ما،

وقيل : الى حين الموت،

٢٦

فقال لمّا تمادوا في غيّهم وأصرّوا على كفرهم {رَبِّ انصُرْنِى} أعني بإهلاكهم {بِمَا كَذَّبُونِ} يعني بتكذيبهم إياي.

٢٧

{فَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا} فأدخل فيها،

يقال : سلكته في كذا وأسلكته فيه،

قال الشاعر :

وكنت لزاز خصمك لم أُعرّد

وقد سلكوك في يوم عصيب

وقال الهذلي :

حتى إذا أسلكوهم في قتائدة

شلاًّ كما تطرد الجمّالة الشردا

{مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ} .

قال الحسن : لم يحمل نوح في السفينة إلاّ من يلد ويبيض،

فأما ما يتولد من الطين وحشرات الأرض والبق والبعوض فلم يحمل منها شيئاً.

٢٨-٢٩

{فَإِذَا اسْتَوَيْتَ} اعتدلت في السفينة راكباً فيها،

عالياً فوقها {أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد للّه الذي نجّانا من القوم الظالمين وقل ربّ أنزلني منزلا مباركا} قرأه العامة بضم الميم على المصدر أي إنزالاً مباركاً،

وقرأ عاصم برواية أبي بكر بفتح الميم وكسر الزاي أي موضعاً.

٣٠

{وأنت خيرُ المُنْزلين إنَّ في ذلك لآيات وإن كنّا} وقد كنّا،

وقيل : وما كنا إلاّ مبتلين مختبرين إيّاهم بتذكيرنا ووعظنا لننظر ماهم عاملون قبل نزول العذاب بهم.

٣١

{ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ} أي أهلكناهم وأحدّثنا من بعدهم

٣٢-٣٣

{قرناً آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم} قال المفسّرون يعني هوداً وقومه {أن اعبدوا اللّه مالكم من إله غيره أفلا تتّقون قال الملأ من قومه الذين كفروا وكذّبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم} نعّمناهم ووسّعنا عليهم،

والترفة : النعمة،

في الحياة الدنيا {مَا هَذَآ } الرسول

٣٤-٣٥

{إلاَّ بشرٌ مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون أيعدكم أنّكم إذا مُتّم وكنتم تُراباً وعظاما} قد ذهبت اللحوم {أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ} من قبوركم أحياءً،

وأعاد إنّكم لمّا طال الكلام،

ومعنى وكنتم تراباً وعظاماًإنكم مخرجون.

٣٦

{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} قال ابن عباس : هي كلمة بُعْد يقول : ما توعدون،

واختلف القرّاء فيه،

فقرأ أبو جعفر بكسر التاء فيهما،

وقرأ نصر بن عاصم بالضم،

وقرأ ابن حبوة الشامي بالضم والتنوين،

وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين،

وكلّها لغات صحيحة،

فمن نصب جعل مثل أين وكيف،

وقيل : لأنهما أداتان فصارتا مثل خمسة عشر وبعلبك ونحوهما.

وقال الفرّاء : نصبهما كنصب قولهم ثمثّ وربّت،

ومن رفعه جعله مثل منذ وقط وحيث،

ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلاء. قال الشاعر :

تذكرت أياما مضين من الصبا

وهيهات هيهات إليك رجوعها

وقال آخر :

لقد باعدت أُم الحمارس دارها

وهيهات من أُم الحمارس هيهاتا

واختلفوا في الوقف عليها،

فكان الكسائي يقف عليها بالهاء،

والفرّاء بالتاء،

وإنّما أُدخلت اللام مع هيهات في الاسم لأنها أداة غير مشتقّة من فعل فأدخلوا معها في الاسم اللام كما أدخلوها مع هلمّ لك.

٣٧

{إِنْ هِىَ} يعنون الدنيا {إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} يموت الآباء ويحيى الأبناء

٣٨

{وما نحن بمبعوثين إنْ هو} يعنون الرسول

٣٩-٤٠

{إلاّ رجل افترى على اللّه كذباً وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عمّا قليل} عن قليل،

وما صلة {لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} على كفرهم

٤١

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} يعني صيحة العذاب {بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً} وهو ما يحمله السيل

٤٢

{فبعداً للقوم الظالمين ثم أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين} والقرن أهل العصر،

سمّوا بذلك لمقارنة بعضهم ببعض.

٤٣

{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَ ْخِرُونَ} ومن صلة.

٤٤

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} مترادفين يتبع بعضهم بعضاً،

وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو تترى بالتنوين على توهّم أنَّ الياء أصليّة،

كما قيل : معزي بالياء ومعزىً وبهمي وبهما فأُجريت أحياناً وترك اجراؤها أحياناً،

فمَن نوَّن وقف عليها بالألف،

ومن لم ينوّن وقف عليها بالياء،

ويقال : إنها ليست بياء ولكن ألف ممالة،

وقرأه العامّة بغير تنوين مثل غضبى وسكرى،

وهو اسم جمع مثل شتّى،

وأصله : وترى من المواترة والتواتر،

فجعلت الواو تاء مثل التقوى والتكلان ونحوهما.

{كلّما جاء أُمةً رسولها كذّبوه فاتبعنا بعضهم بعضاً} بالهلاك أي أهلكنا بعضهم في أثر بعض.

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} أي مثلا يتحدّث بهم الناس،

وهي جمع أُحدوثة،

ويجوز أن يكون جمع حديث،

قال الأخفش : إنّما يقال هذا في الشّر،

فأمّا في الخير فلايقال : جعلتهم أحاديث وأُحدوثة وإنما يقال : صار فلان حديثاً.

{فبعداً لقوم لايؤمنون} نظيرها {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} ؟

٤٥-٤٦

{ثمّ أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملائه فاستكبروا} تعظّموا عن الإيمان {وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} متكّبرين،

قاهرين غيرهم بالظلم،

نظيرها {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَ فِى الأرض} .

٤٧

{فَقَالُوا} يعني فرعون وقومه {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} فنتّبعهما {وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} مطيعون متذللّون،

والعرب تسمّي كلّ من دان لملك عابداً له،

ومن ذلك قيل لأهل الحيرة : العباد لأنّهم كانوا أهل طاعة لملوك العجم.

٤٨

{فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} بالغرق

٤٩

{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} التوراة {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لكي يهتدي بها قومه فيعملوا بما فيها

٥٠

{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً} دلالة على قدرتنا،

وكان حقّه أن يقول آيتين كما قال اللّه سبحانه {وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ ءَايَتَيْنِ} واختلف النحاة في وجهها،

فقال بعضهم : معناه : وجعلنا كل واحد منهما آية كما قال سبحانه {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا} أي آتت كلّ واحدة أُكلها وقال {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَانصَابُ وَازْلَامُ رِجْسٌ} ولم يقل أرجاس،

وقال بعضهم : معناه : جعلنا شأنهما واحداً لأنّ عيسى ولد من غير أب،

وأُمّه ولدت من غير مسيس ذكر. {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَاهُمَآ} .

أخبرنا أبو صالح منصور بن أحمد المشطي قال : أخبرنا أبو محمد عبداللّه بن محمد بن عبد اللّه الرازي قال : أخبرنا سلمان بن علي قال : أخبرنا هشام بن عمار قال : حدّثنا عبد المجيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عبد اللّه بن سلام في قول اللّه سبحانه {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءَايَةً وَءَاوَيْنَاهُمَآ} قال : دمشق،

وقال أبو هريرة : هي الرملة،

قتادة وكعب : بيت المقدس،

قال كعب : وهي أقرب الأرض الى السماء بثمانية عشر ميلاً. ابن زيد : مصر،

الضحّاك : غوطة دمشق،

أبو العالية : إيليا وهي الأرض المقدسة،

ويعني بالقرار الأرض المستوية والساحة الواسعة،

والمعين : الماء الظاهر لعين الناظر،

وهو مفعول من عانه يعينه إذا أدركه البصر ورآه،

ويجوز أن يكون فعيلاً مَعَنَ يمعن فهو مَعين من الماعون.

٥١

{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} يعني من الحلالات،

يعني : وقلنا لعيسى : كلوا من الطيبات،

وهذا كما يقال في الكلام للرجل الواحد : أيّها القوم كفّوا عنّا أذاكم،

ونظائرها في القرآن كثيرة. قال عمرو بن شريل : كان يأكل من غزل أُمّه،

وقال الحسن ومجاهد : المراد به محمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم)

٥٢

{واعملوا صالحاً إنّى بما تعملون عليم وإنّ هذه} قرأه أهل الكوفة بكسر الألف على الابتداء،

وقرأ ابن عامر بفتح الألف وتخفيف النون جعل إنّ صلة مجازه : وهذه أُمتّكم،

وقرأ الباقون بفتح الألف وتشديد النون على معنى هذه،

ويجوز أن يكون نصباً بإضمار فعل،

أي واعلموا أنّ هذه {أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي ملّتكم ملّة واحدة وهي دين الإسلام.

٥٣

{وأنا ربكم فاتقون فتقطّعوا أمرهم بينهم زُبُراً} قرأه العامة بضم الباء يعنى كتباً،

جمع زبور بمعنى : دان كلّ فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذي دان به الآخر،

قاله مجاهد وقتادة،

وقيل : معناه فتفرقوا دينهم بينهم كتباً أحدثوها يحتجون فيها لمذاهبهم،

قاله قتادة وابن زيد،

وقرأ أهل الشام بفتح الباء أي قطعاً وفرقاً كقطع الحديد،

قال اللّه سبحانه {زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى} .

{كُلُّ حِزْب} جماعة {بِمَا لَدَيْهِمْ} عندهم من الدين {فَرِحُونَ} معجبون مسرورون

٥٤

{فَذَرْهُمْ فِى غَمْرَتِهِمْ} قال ابن عباس : كفرهم وضلالتهم،

ابن زيد : عماهم،

ربيع : غفلتهم {حَتَّى حِينٍ} إلى وقت مجيء آجالهم.

٥٥

{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ} نعطيهم ونزيدهم {مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} في الدنيا

٥٦

{نُسَارِعُ} نسابق {لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ} ومجاز الآية : أيحسبون ذلك مسارعة لهم في الخيرات،

وقرأ عبد الرَّحْمن ابن أبي بكر : يُسارَع على مالم يسم فاعله،

والصواب قراءة العامة لقوله سبحانه {نُمِدُّهُم} .

{بَل لا يَشْعُرُونَ} أنَّ ذلك استدراج لهم،

ثمَّ بيّن المسارعين الى الخيرات فقال عزَّ من قائل

٥٧-٥٩

{إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربّهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا} يعطون ما أعطوا من الزكوات والصدقات،

هذه قراءة أهل الامصار وبه رسوم مصاحفهم.

أخبرنا عبد الخالق بن علي قال : أخبرنا إسماعيل بن نجية قال : حدّثنا محمد بن عمار بن عطية قال : حدَّثنا أحمد بن يزيد الحلواني قال : حدّثنا خلاد عن إبراهيم بن الزبرقان عن محمد ابن حمّاد عن أبيه عن عائشة خ أنّ النبي (صلى اللّه عليه وسلم) كان يقرأ {والذين يأتون ما آتوا من المجيء} .

وأخبرنا الحاكم أبو منصور حمد بن أحمد البورجاني قال : حدَّثنا علي بن أحمد بن موسى الفارسي قال : حدّثنا محمد بن الفضيل قال : حدّثنا أبو أُسامة قال : حدّثني ملك بن مغول قال : سمعت عبد الرَّحْمن بن سعيد الهمداني ذكر أنّ عائشة خ قالت : يا رسول اللّه :

٦٠

{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف اللّه؟

قال : ( لا يا ابنة الصدّيق ولكن هو الذي يصوم ويصلي ويتصدق وهو على ذلك يخاف اللّه سبحانه).

وأخبرنا عبد اللّه بن يوسف قال : حدَّثنا محمد بن حامد قال : حدَّثنا محمد بن الجهم قال : حدَّثنا عبد اللّه بن عمرو قال : أخبرنا وكيع عن ملك بن مغول عن عبد الرَّحْمن بن سعيد بن وهب عن عائشة قالت : قلت : يا رسول اللّه {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال : (لا يا ابنة أبي بكر أو يا ابنة الصديق،

ولكنه الرجل يصوم ويصلّي ويتصدق ويخاف أن لا تقبل منه).

٦١

{أُولَاكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا} يعني إليها {سَابِقُونَ} كقوله (لما نُهوا عنه) و (لما قالوا) ونحوهما،

وكان ابن عباس يقول في معنى هذه الآية : سبقت لهم من اللّه السعادة ولذلك سارعوا في الخيرات.

٦٢

{وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} يعني إلاّ ما يسعها ويصلح لها من العبادة والشريعة : {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ} يعني اللوح المحفوظ {يَنطِقُ بِالْحَقِّ} يبيّن بالصدق ما عملوا وما هم عاملون من الخير والشر،

وقيل : هو كتاب أعمال العباد الذي تكتبه الحفظة وهو أليق بظاهر الآية.

{وَهُمْ يُظْلَمُونَ} يعني يوفّون جزاء أعمالهم ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.

ثمَّ ذكر الكفار فقال عزَّ من قائل

٦٣

{بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ} عمى وغفلة {مِّنْ هذا} القرآن {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ} خبيثة لا يرضاها اللّه من المعاصي والخطايا {مِّن دُونِ ذلك } يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها اللّه سبحانه،

قيل : وهي قوله {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} .

{هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} لابد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة.

٦٤

{حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم} يعني اغنياءهم ورؤساءهم {بِالْعَذَابِ} قال ابن عباس : بالسيوف يوم بدر،

وقال الضحّاك : يعني الجوع وذلك حين دعا عليهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : (اللّهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف،

فابتلاهم اللّه بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة والقدّ والأولاد).

{حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا} يضجّون ويجزعون ويستغيثون،

وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرّع كما يفعل الثور،

قال الشاعر :

فطافت ثلاثا بين يوم وليلة

وكان النكير أن تضيف وتجأرا

يصف بقره. وقال أيضاً :

يراوح من صلوات المليك

فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا

٦٥

{لاتجأروا اليوم إنّكم منّا لا تنصرون} لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم وتضرّعكم.

٦٦

{قَدْ كَانَتْ ءَايَاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ} يعني القرآن {فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أدباركم {تَنكِصُونَ} تدبرون وتستأخرون وترجعون القهقرى،

مكذّبين بها كارهين لها

٦٧

{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} أي بالحرم تقولون : لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم،

وهو كناية عن غير مذكور {سَامِرًا} نصب على الحال يعني أنّهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول االبيت،

ووحّد سامراً وهو بمعنى السمّار لأنّه وضع موضع الوقت،

أراد : تهجرون ليلاً،

كقول الشاعر :

من دونهم إنْ جئتهم سمراً

عزف القيان ومجلس غمر

فقال : سمراً لأن معناه : إنْ جئتهم ليلاً وهم يسمرون،

وقيل : واحد ومعناه الجمع كما قال {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْ} ونحوه.

{تَهْجُرُونَ} قرأ نافع بضم التاء وكسر الجيم أي تفحشون وتقولون الخنا،

يقال اهجر الرجل في كلامه أي أفحش،

وذكر أنّهم كانوا يسبّون رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) وأصحابه،

وقرأ الآخرون بفتح التاء وضم الجيم ولها وجهان :

أحدهما : تعرضون عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) والقرآن والإيمان وترفضونها.

والآخر : يقولون سوءاً وما لا يعلمون،

من قولهم : هجر الرجل في منامه إذا هذى.

٦٨

{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا} يتدبّروا {الْقَوْلَ} القرآن {أَمْ جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَآءَهُمُ الأوَّلِينَ} فأنكروه وأعرضوا عنه،

ويحتمل أن يكون أم بمعنى بل،

يعني : بل جاءهم ما لم يأتِ آباءهم الأولين فكذلك أنكروه ولم يؤمنوا به،

وروي هذا القول عن ابن عباس.

٦٩

{أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} محمداً وأنّه من أهل الصدق والأُمانة.

٧٠

{فهم له منكرون أم يقولون به جنّةٌ} جنون،

كذبوا في ذلك فإن المجنون يهذي ويقول ما لا يعقل ولا معنى له،

{بَلْ} محمد {جَآءَهُم بِالْحَقِّ} بالقول الذي لا يخفى صحته وحسنه على عاقل

٧١

{وأكثرهُم للحق كارهون ولو اتبع الحقُ} يعني اللّه سبحانه {أَهْوَآءَهُمْ} مرادهم فيما يفعل {لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم} ببيانهم وشرفهم يعني القرآن.

٧٢

{فهم عن ذكرهم معرضون أم تسئلهم} على ما جئتهم به {خَرْجًا} أجراً وجعلاً وأصل الخرج والخراج الغلّة والضريبة والأتاوة كخراج العبد والأرض.

وقال النضر بن شميل : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال : الخراج ما لزمك ووجب عليك أداؤه،

والخرج ما تبرّعت به من غير وجوب.

قال اللّه سبحانه : {فَخَرَاجُ رَبِّكَ} رزقه وثوابه

٧٣

{خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وهو الإسلام.

٧٤

{وَإِنَّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} عادلون،

مائلون،

ومنه الريح النكباء.

٧٥

{ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرّ } قحط وجدب {لَّلَجُّوا} لتمادوا

٧٦

{في طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب} يعني القتل والجوع {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ} خضعوا،

وأصله طلب السكون {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} .

قال ابن عباس : لما أتى ثمامة بن أثال الحنفي النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فأسلم وهو أسير فخلّى سبيله فلحق باليمامة،

فحال بين أهل مكة وبين المسيرة من اليمامة وأخذ اللّه قريشاً بسنيّ الجدب حتى أكلوا العِلهز،

فجاء أبو سفيان النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فقال : أُنشدك باللّه والرحم أليس تزعم أنك بُعثت رحمة للعالمين؟

فقال : بلى،

فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع،

فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية :

٧٧

{حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} . قال ابن عباس : يوم بدر،

وقال مجاهد : القحط،

وقيل : عذاب النار في الآخرة. {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} متحيّرون،

آيسون من كلّ خير.

٧٨-٨٣

{وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيى ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنّا لمبعوثون لقد وُعدنا نحن} هذا الوعد {وَءَابَآؤُنَا هذا مِن قَبْلُ} ووعد آباءنا من قبلنا قومٌ ذكروا أنّهم انبياء للّه فلم يُرَ له حقيقة.

٨٤

{إنْ هذا إلاّ أساطير الأولين قل} يا محمد مجيباً لهم

٨٥

{لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون للّه} ولا بدَّ لهم من ذلك،

فقل لهم إذا أقرّوا بذلك {أفلا تذكرون} فتعلمون أنّ من قدر على خلق ذلك ابتداء فهو قادر على إحياءئم بعد موتهم؟.

٨٦-٨٧

{قل من ربّ السموات السبع ورب العرش العظيم سيقولون للّه} .

قرأه العامة : للّه،

ومثله ما بعده فجعلوا الجواب على المعنى دون اللفظ كقول القائل للرجل : من مولاك؟

فيقول : لفلان،

أي أنا لفلان وهو مولاي وأنشد :

وأعلم أنّني سأكون رمساً

إذا سار النواعج لا يسير

فقال السائلون لمن حفرتم

فقال المخبرون لهم وزير

فأجاب المخفوض بمرفوع لأن معنى الكلام : فقال السائلون : مَن الميّت؟

فقال المخبرون : الميّت وزير،

فأجاب عن المعنى. وقال آخر :

إذا قيل من ربّ المزالف والقرى

وربّ الجياد الجرد قيل لخالد

وقال الأخفش : اللام زائدة يعني اللّه،

وقرأ أهل البصرة كلاهما اللّه بالألف،

وهو ظاهر لا يحتاج إلى التأويل،

وهو في مصاحف أهل الأمصار كلّها للّه إلاّ في مصحف أهل البصرة فإنه اللّه اللّه،

فجرى كلٌّ على مصحفه،

ولم يختلفوا في الأول أنّه للّه لأنّه مكتوب في جميع المصاحف بغير ألف وهو جواب مطابق للسؤال في {لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَآ} فجوابه للّه.

{أفلا تتقون} اللّه فتطيعونه

٨٨

{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} ملكه وخزائنه {وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} يعني يؤمن من يشاء ولا يؤمن من أخافه {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} قال أهل المعاني : معناه أجيبوا إن كنتم تعلمون.

٨٩

{سَيَقُولُونَ للّه قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أي تُخدعون وتُصرفون عن توحيده وطاعته.

٩٠

{بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ} الصدق

٩١

{وإنهم لكاذبون ما اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق} فانفرد به لتغالبوا،

فعلا بعضهم على بعض وغلب القوىّ منهم الضعيف.

{سُبْحَانَ اللّه عَمَّا يَصِفُونَ} من الكذب

٩٢

{عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} بالجر،

ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو على نعت اللّه،

غيرهم : بالرفع على الابتداء أو على معنى هو عالم.

وروى رؤيس عن يعقوب أنّه كان إذا ابتدأ رفع وإذا وصل خفض.

٩٣

{فتعالى عمّا يشركون قل رب إما ترينّي ما يوعدون} من العذاب

٩٤

{رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِى فِى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فلا تهلكني بهلاكهم،

والفاء في قوله {فَلا} جواب لأمّا لأنّه شرط وجزاء.

٩٥

{وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ} من العذاب فجعلناه لهم (لقادرون).

٩٦

{ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} يعني بالخلّة التي هي أحسن {السَّيِّئَةَ} أَذاهم وجفاهم يقول : أعرض عن أذاهم واصفح عنهم،

نسختها آية القتال.

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} فنجزيهم به

٩٧

{وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ} استجير بك {مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} أي نزغاتهم عن ابن عباس،

الحسن : وساوسهم،

مجاهد : نفخهم ونفثهم،

ابن زيد : خنقهم الناس.

وقال أهل المعاني : يعني دفعهم بالإغواء إلى المعاصي،

والهمز : شدّة الدفع،

ومنه قيل للحرف الذي يخرج من هواء الفم للدفع همزة.

٩٨

{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} في شيء من أُموري.

{وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ} من العذاب فجعلناه لهم (لقادرون).

{ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} يعني بالخلّة التي هي أحسن {السَّيِّئَةَ} أَذاهم وجفاهم يقول : أعرض عن أذاهم واصفح عنهم،

نسختها آية القتال.

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} فنجزيهم به {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ} استجير بك {مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} أي نزغاتهم عن ابن عباس،

الحسن : وساوسهم،

مجاهد : نفخهم ونفثهم،

ابن زيد : خنقهم الناس.

وقال أهل المعاني : يعني دفعهم بالإغواء إلى المعاصي،

والهمز : شدّة الدفع،

ومنه قيل للحرف الذي يخرج من هواء الفم للدفع همزة.

{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} في شيء من أُموري.

٩٩

{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} يعني هؤلاء المشركين،

وذلك حين ينقطع عن الدنيا ويعاين الآخرة قبل أن يذوق الموت.

{قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} ولم يقل ارجعني وهو خطاب الواحد على التعظيم كقوله (إنّا نحن) فخوطب على نحو هذا كما ابتدأ بلفظ التعظيم.

وقال بعضهم : هذه المسألة إنما كانت منهم للملائكة الذين يقبضون روحه،

وإنما ابتدأ الكلام بخطاب اللّه سبحانه لأنهم استغاثوا أولاً باللّه سبحانه ثم رجعوا الى مسألة الملائكة الرجوع الى الدنيا.

١٠٠

{لَعَلِّى أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} صنعت {كَلا} أي لا يرجع إليها،

وهي كلمة ردع وزجر {إِنَّهَا} يعني سؤاله الرجعة {كَلِمَةٌ هُوَ قَآلُهَا} ولا ينالها.

روت عائشة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا : نرجعك الى الدنيا؟

فيقول : الى دار الهموم والأحزان ؟

بل قدما إلى اللّه عزَّ وجلّ،

وأمّا الكافر فيقول {رَبِّ ارْجِعُونِ} الآية).

{وَمِن وَرَآهِم} أمامهم {بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أي حاجز بين الموت والرجوع الى الدنيا عن مجاهد،

ابن عباس : حجاب،

السدّي : أجل،

قتادة : بقيّة الدنيا،

الضحّاك وابن زيد : ما بين الموت إلى البعث،

أبو أمامة : القبر،

وقيل : الإمهال لا يفتخرون بالأنساب في الآخرة كما كانوا يفتخرون.

١٠١

{فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَذٍ وَلا يَتَسَآءَلُونَ} .

قال أبو العالية : هو كقوله {وَلا يَسَْئلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا} .

وقال ابن جريج : معنى الآية لا يُسأل أحد يومئذ شيئاً بنسب ولا يتساءلون،

لا يمتّ إليه برحم،

واختلف المفسّرون في المراد بقوله {فَإِذَا نُفِخَ فِى الصُّورِ} أىّ النفختين عنى؟

فقال ابن عباس : هي النفخة الأُولى.

أخبرني ابن فنجويه بقراءتي عليه قال : حدَّثنا عبد اللّه بن إبراهيم بن أيوب قال : حدَّثنا أبو عبد اللّه أحمد بن عبد الرَّحْمن بن أبي عوف قال : حدَّثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحّراني قال : حدَّثنا محمد بن سلمة بن أبي عبد الرحيم قال : حدّثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن عبد اللّه بن عباس،

قوله سبحانه

{فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَذٍ وَلا يَتَسَآءَلُونَ} فهذه في النفخة الاولى {نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه} {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَذٍ وَلا يَتَسَآءَلُونَ} {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} .

وقال ابن مسعود : هي النفخة الثانية.

أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه قال : حدَّثنا عبيد اللّه بن محمد بن شيبة قال : حدَّثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدَّثنا يزيد بن موهب الرملي قال : حدَّثنا عيسى بن يونس عن هارون بن أبي وكيع قال : سمعت زاذان أبا عمر يقول : دخلت على ابن مسعود فوجدت أصحاب الخز واليمنة قد سبقوني إلى المجالس،

فناديته،

يا عبد اللّه بن مسعود من أجل أنّي رجل أعجمي أدنيتَ هؤلاء وأقصيتني؟

فقال : ادنُ،

فدنوت حتى ما كان بيني وبينه جليس،

فسمعته يقول : يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينصب على رؤوس الأوّلين والآخرين ثمَّ ينادي مناد : هذا فلان ابن فلان فمن كان له قِبَله حقّ فليأتِ إلى حقّه،

فتفرح المرأة أن يدور لها الحقّ على أبيها أو على زوجها أو على ابنها أو على أُختها،

ثم قرأ ابن مسعود {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَذٍ وَلا يَتَسَآءَلُونَ}

قال : فيقول اللّه سبحانه : آت هؤلاء حقوقهم،

فيقول : ربّ فنيت الدنيا،

فيقول للملائكة : خذوا من أعماله فأعطوا كلّ إنسان بقدر طلبته،

فإن كان ولياً للّه عزَّ وجل وفضلت له من حسناته مثقال حبّة من خردل ضاعفها حتى يدخله بها الجنة،

ثم قرأ ابن مسعود : {إِنَّ اللّه يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} . وإن كان شقيّاً قالت الملائكة : ربّ فنيتْ حسناته وبقي طالبون،

فيقول : خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى سيئاته وصكّوا له صكاً الى النار.

١٠٢-١٠٤

{فمن ثَقُلت موازينُه فأولئك هم المفلحون ومَن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تَلفح} تسفع {وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} عابسون عن ابن عباس،

وقال غيره : الكلوح أن تتقلص الشفتان عن الإنسان حتى تبدو الأسنان.

قال ابن مسعود : ألم تر إلى الرأس المشيّظ بالنار قد بدت أسنانه وقلصت شفتاه.

قال الأعشى :

وله المقْدم لا مثل له

ساعة الشدق عن الناب كلح

أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدَّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن عبد اللّه قال : حدَّثنا محمد بن إسحاق المسوحي قال : حدَّثنا يحيى الحماني قال : حدَّثنا ابن مبارك عن سعيد بن يزيد أبي شجاع عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) في قوله عزَّ وجلّ {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} قال : (تشويه النار فتتقلّص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته).

١٠٥-١٠٦

{ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربّنا غَلبت علينا شِقوتُنا} التي كتبت علينا،

قرأ أهل الكوفة غير عاصم : شقاوتنا بالألف وفتح الشين،

غيرهم : شِقوتنا بغير ألف وكسر الشين وهما لغتان،

وهي المضرّة اللاحقة في العاقبة،

والسعادة هي المنفعة اللاحقة في العاقبة.

{وَكُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ} عن الهدى

١٠٧

{رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا} أي من النار {فَإِنْ عُدْنَا} لما تكره {فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فيجابون بعد ألف سنة

١٠٨

{اخْسَُوا فِيهَا} أي ابعدوا،

كما يقال للكلب : اخسأ إذا طُرد وأُبعد {وَلا تُكَلِّمُونِ} في رفع العذاب فإنّي لا أرفعه عنكم ولا أخفّفه عليكم،

وقيل : هو دلالة على الغضب اللازم لهم فعند ذلك أيس المساكين من الفرج.

قال الحسن : هو آخر كلام يتكلّم به أهل النار ثم لا يتكلّمون بعدها إلاّ الشهيق والزفير ويصير لهم عواء كعواء الكلب لا يُفهمون ولا يَفهَمون.

١٠٩

{إِنَّهُ} هذه الهاء عماد وتسمّى أيضاً المجهولة {كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى} وهم المؤمنون

١١٠

{يقولون ربّنا آمّنا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الراحمين فاتخذتموهم سُخريّا} قرأ أهل المدينة والكوفة إلاّ عاصماً بضم السين ههنا وفي سورة ص،

الباقون : بكسرها.

قال الخليل وسيبويه : هما لغتان مثل قول العرب : بحر لُجيٌّ ولِجّي،

وكوكب دُرّي ودِرِي،

وكُرسي وكِرسي.

وقال الكسائي والفرّاء : الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول،

والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل،

ولم يختلفوا في سورة الزخرف أنّه بالضم لأنّه بمعنى التسخير والاستعباد إلاّ ما روي عن ابن محيص أنّه كسره قياساً على سائره وهو غير قوىّ.

{حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى} أي أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم ذكري {وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} نظيره قوله سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يَضْحَكُونَ} .

١١١

{إِنِّى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} على استهزائكم بهم في الدنيا،

والجزاء : مقابلة العمل بما يستحقّ عليه من ثواب أو عقاب.

{أَنَّهُمْ هُمُ الْفَآزُونَ} قرأ حمزة والكسائي : إنهم بكسر الألف على الاستيناف،

والباقون : بفتحه على معنى لأنهم هم الفائزون،

ويُحتمل أن يكون نصباً بوقوع الجزاء عليه أنّي جزيتهم اليوم الفوز بالجنة.

١١٢-١١٣

{قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} نَسُوا لعظيم ما هم فيه من العذاب مدّة مكثهم في الدنيا،

وهذا توبيخ من اللّه تعالى لمنكري البعث وإلزام للحجّة عليهم.

قرأ حمزة والكسائي : قل كم،

على الأمر،

لأنّ في مصاحف أهل الكوفة قل بغير ألف،

ومعنى الآية : قولوا كم لبثتم،

فأخرج الكلام مخرج الأمر للواحد والمراد به الجماعة إذ كان مفهوماً معناه،

ويجوز أن يكون الخطاب لكلّ واحد منهم أي قل أيّها الكافر.

وقرأ الباقون : قال في الحرفين،

وكذلك هما في مصاحفهم بالألف على معنى قال اللّه تعالى،

وقرأ ابن كثير : قل كم،

على الأمر،

وقال : إن على الخبر وهي قراءة ظاهرة لأنّ الثانية جواب.

وقوله {فَسْ َلِ الْعَآدِّينَ} أي الحُسّاب عن قتادة،

وقال مجاهد : هم الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم.

١١٤

{قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ} في الدنيا {إِلا قَلِيلا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} قدر لبثكم فيها

١١٥

{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} أي لعباً وباطلاً لا لحكمة،

والعبث : العمل لا لغرض،

وهو نصب على الحال عن سيبويه وقطرب،

مجازه : عابثين،

أبو عبيد : على المصدر،

بعض نحاة الكوفة : على الظرف أُي بالعبث،

بعض نحاة البصرة : للعبث. {وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} .

قال أمير المؤمنين علىّ بن أبي طالب ح : (يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم فما خُلق امرؤ عبثاً فيلهو ولا أُهمل سُدىً فيلغو).

وأخبرني محمد بن القاسم بقراءتي عليه قال : حدَّثنا أبو بكر محمد بن محمد بن نصر قال : حدّثنا محمد بن موسى قال : حدّثنا ابن شعيب الحرّاني قال : حدّثنا يحيى بن عبد اللّه ابن الضحاك قال : سمعت الأوزاعي يقول : بلغني أنّ في السماء ملكاً ينادي كل يوم : ألا ليت الخلق لم يخلقوا،

وياليتهم إذ خُلقوا عرفوا ما خُلقوا له وجلسوا فذكروا ما عملُوا.

فصل في ذكر وجوه الحكمة في خلق اللّه سبحانه الخلق

قال المحقّقون : خلق اللّه سبحانه الخلق ليدلّ بذلك على وجوده وكمال علمه وقدرته،

إذ لو لم يخلق لم يكن لوجوده معنى.

وأخبرني محمد بن القاسم قال : حدَّثنا محمد بن يزيد قال : حدَّثنا الحسن بن سفيان قال : حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدَّثنا ابن عُليّة عن منصور بن عبد الرَّحْمن قال : قلت للحسن البصري في قوله سبحانه {ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك} .

قال : الناس مختلفون على أديان شتّى إلاّ من رحم ربك،

ومن رحم ربك غير مختلف.

فقيل له : ولذلك خلقهم ؟.

قال : نعم،

خلق هؤلاء لجنّته وخلق هؤلاء لناره،

وخلق هؤلاء لرحمته وخلق هؤلاء لعذابه.

وأخبرنا محمد بن القاسم الفقيه قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن موسى الفقيه قال : حدَّثنا أبي قال : حدَّثنا محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن أحمد بن نصر قال : سئل جعفر بن محمد : لمَ خَلقَ اللّه الخلق ؟

قال : لأنّ اللّه سبحانه كان محسناً بما لم يزل فيما لم يزل،

إلى ما لم يزل فأراد سبحانه وتعالى أن يفوّض إحسانه إلى خلقه وكان غنيّاً عنهم،

لم يخلقهم لجرّ منفعة،

ولا لدفع مضّرة،

ولكن خلقهم وأحسن إليهم وأرسل إليهم الرسل حتّى يفصلوا بين الحق والباطل،

فمن أحسن كافأهُ بالجنة،

ومن عصى كافأه بالنار.

وقال محمد بن علي الترمذي : إنَّ اللّه سبحانه خلق الخلق عبيداً ليعبدوه فيثيبهم على العبودية ويعاقبهم على تركها،

فإن عبدوه فهم اليوم عبيد أحرار كرام،

وغداً أحرار وملوك في دار السلام،

وإن رفضوا العبودية فهم اليوم عبيد أُبّاق سفلة لئام،

وغداً أعداء في السجون بين أطباق النيران.

ومنهم من قال : خلق اللّه سبحانه الخلق كلّهم لأجل محمد (صلى اللّه عليه وسلم) يدللّ عليه ما حدَّثنا أبو محمد عبد اللّه بن أحمد بن الرومي قال : حدَّثنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد قال : حدّثنا هارون بن العباس الهاشمي قال : حدَّثنا محمد بن ياسين بن شريك قال : حدَّثنا جندل قال : حدّثنا عمرو بن أوس الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب عن ابن عباس قال : (أوحى اللّه سبحانه إلى عيسى (عليه السلام) : يا عيسى آمن بمحمد ومُر أُمّتك أن يؤمنوا به،

فلولا محمد ما خلقت آدم،

ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار،

ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) فسكن).

وسمعت محمد بن القاسم الفارسي قال : سمعت محمد بن الحسن بن بهرام الفارسي يقول : سمعت القنّاد يقول : خلق اللّه سبحانه الملائكة للقدرة،

وخلق الاشياء للعبرة،

وخلقك للمحبة له،

ومن العلماء مَن لم يصرّح القول بذلك ولكنه قال : نبّه اللّه سبحانه في غير موضع من كتبه المنزلة أنّه خلقهم لخطر عظيم مغيّب عنهم لا يجلّيه حتى يحلّ بهم ما خلقهم له،

وهذا معنى قوله سبحانه {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} الآية.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدَّثنا عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدَّثنا داود بن رشيد،

وأخبرني محمد بن القاسم قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن مريس قال : حدَّثنا الحسن بن سفيان قال : حدَّثنا هشام ابن عمار قال : حدَّثنا الوليد بن مسلم قال : حدَّثنا ابن لهيعة عن عبد اللّه بن هبيرة عن حنش ابن عبد اللّه الصنعاني عن عبد اللّه بن مسعود أنّه مرَّ بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} حتى ختم السورة فبرئ،

فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (ماذا قرأت في أُذنه؟)

فأخبره فقال : (والذي نفسي بيده لو أنَّ رجلا موقناً قرأها على جبل لزال).

ثمَّ نَزَّه نفسه سبحانه عمّا وصفه به المشركون من اتخاذ الأنداد والأولاد،

ونسبه إليه الملحدون من السفه والعبث فقال عزَّ من قائل

١١٦

{فَتَعَالَى اللّه الْمَلِكُ الْحَقُّ اله إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} يعني الحسن العظيم

١١٧-١١٨

{وَمَن يَدْعُ مَعَ اللّه الها ءَاخَرَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ}

قال أهل المعاني : فيه إضمار،

مجازه : فلا برهان له به {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ} جزاؤه {عند ربّه إنّه لا يفلح الكافرونَ وقل ربّ اغفر وارحم وأنت خير الراحمين}.

﴿ ٠