٣١{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} عما لا يجوز {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} عمّا لا يحلّ، وقيل : ويحفظن فروجهن أي يسترنها حتى لا يراها أحد. {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ولا يظهرن لغير محرم زينتهن، وهما زينتان : أحداهما ما خفي كالخلخالين والقرطين والقلائد والمعاصم ونحوها، والأُخرى ما ظهر منها، واختلف العلماء في الزينة الظاهرة التي استثنى اللّه سبحانه ورخّص فيها فقال ابن مسعود : هي الثياب، وعنه أيضاً : الرداء، ودليل هذا التأويل قوله سبحانه {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي ثيابكم. وقال ابن عباس وأصحابه : الكحل والخاتم والسوار والخضاب، الضحّاك والأوزاعي : الوجه والكفّان، الحسن : الوجه والثياب. روت عائشة عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنه قال : (لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر إذا عركت أن تظهر إلاّ وجهها ويدها إلى ههنا)، وقبض على نصف الذارع، وإنّما رخّص اللّه سبحانه ورخّص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنّه ليس بعورة، فيجوز لها كشفه في الصلاة، وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره. {وَلْيَضْرِبْنَ} وليلقين {بِخُمُرِهِنَّ} أي بمقانعهن وهي جمع خمار وهو غطاء رأس المرأة {عَلَى جُيُوبِهِنَّ} وصدورهن ليسترن بذلك شعورهنّ وأقراطهنّ وأعناقهن. قالت عائشة : يرحم اللّه النساء المهاجرات الأُوَل لمّا أنزل اللّه سبحانه هذه الآية شققن أكتف مروطهنّ فاختمرن به. {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الخفيّة التي أُمرن بتغطيتها، ولم يبح لهنّ كشفها في الصلاة وللأجنبيين، وهي ما عدا الوجه والكفّين وظهور القدمين {إلاّ لبعولتهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهنَّ أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنَّ أو نسائهنَّ} أي نساء المؤمنين فلا يحلّ لامرأة مسلمة أن تتجرّد بين يدي امرأة مشركة إلاّ أن تكون أَمة لها فذلك قوله سبحانه {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} . عن ابن جريج : روى هشام بن الغار عن عبادة بن نُسيّ أنه كره أن تقبّل النصرانية المسلمة أو ترى عورتها ويتأوّل أو نسائهن. وقال عبادة : كتب عمر بن الخطاب ح إلى أبي عبيدة بن الجراح : أما بعد فقد بلغني أنَّ نساء يدخلن الحمّامات معهنّ نساء أهل الكتاب فامنع ذلك وحُل دونه. قال : ثم إنّ أبا عبيدة قام في ذلك المقام مبتهلاً : اللّهم أيّما امرأة تدخل الحمّام من غير علّة ولا سقم تريد البياض لوجهها فسوّد وجهها يوم تبيّض الوجوه. وقال بعضهم : أراد بقوله {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} مماليكهنّ وعبيدهنّ فإنّه لا بأس عليهن أن يظهرن لهم من زينتهنّ ما يظهرن لذوي محارمهنّ. {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى ارْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} وهم الذين يتبعونكم ليصيبوا من فضل طعامكم ولا حاجة لهم في النساء ولا يستهوونهنَّ. قال ابن عباس : هو الذي لا تستحيي منه النساء، وعنه : الأحمق العنّين. مجاهد : الأبله الذي لا يعرف شيئاً من النساء، الحسن : هو الذي لا ينتشر (زبه) سعيد بن جبير : المعتوه، عكرمة : المجبوب، الحكم بن أبان عنه : هو المخنث الذي لا يقوم زبّه. روى الزهري عن عروة عن عائشة خ قالت : كان رجل يدخل على أزواج النبي (صلى اللّه عليه وسلم) مخنث، وكانوا يعدّونه من غير أُولي الإربة فدخل النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يوماً وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال : (إنّها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان). فقال النبي (صلى اللّه عليه وسلم) (لا أرى هذا يعلم ما ههنا، لا يدخلنّ هذا عليكم) فحجبوه. ابن زيد : هو الذي يتبع القوم حتى كأنه منهم ونشأ فيهم وليس له في نسائهم إربة، وإنما يتبعهم لإرفاقهم إياّه، والإربة والإرب : الحاجة يقال : أربتُ الى كذا آرَبُ إرباً إذا احتجت إليه، واختلف القرّاء في قوله {غَيْرِ} فنصبه أبو جعفر وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والمفضل، وله وجهان : أحدهما : الحال والقطع لأنّ التابعين معرفة وغير نكرة. والآخر : الاستثناء ويكون {غَيْرِ} بمعنى إلاّ. وقرأ الباقون بالخفض على نعت التابعين. {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ} أي لم يكشفوا عن عورات النساء لجماعهن فيطّلعوا عليها، والطفل يكون واحداً وجمعاً. {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} يعني ولا يحرّكُنها إذا مشين {لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} يعني الخلخال والحلي {وَتُوبُوا إِلَى اللّه جَمِيعًا} من التقصير الواقع في أمره ونهيه وقيل : معناه راجعوا طاعة اللّه فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة. |
﴿ ٣١ ﴾