سورة القصص

مكية،

وهي خمسة آلاف وثمانمائة حرف،

وألف وأربعمائة وإحدى وأربعون كلمة،

وثمان وثمانون آية

أخبرنا أبو الحسين الخباري،

قال : حدّثنا ابن حنيش قال : حدّثني أبو العباس محمد بن موسى الدفاق،

قال : حدّثنا عبد اللّه بن روح المدائني،

وأخبرنا الخياري،

قال : حدّثنا طغران،

قال : حدّثنا ابن أبي داود،

قال : حدّثنا محمد بن عاصم،

قالا : حدّثنا شبابه بن سوار الفزاري،

قال : حدّثنا مخلد بن عبد الواحد،

عن علي بن زيد،

عن عطاء بن أبي ميمونة،

عن زيد بن حنيش،

عن أبي بن كعب،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (من قرأ طسم القصص أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بموسى وكذّب به،

ولم يبق ملك في السموات والأرض إلاّ شهد له يوم القيامة أنّه كان صادقاً،

إنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه،

له الحكم وإليه ترجعون).

بسم اللّه الرحمن الرحيم

١-٤

{طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحقّ لقوم يؤمنون إنّ فرعون علا} قال ابن عباس : استكبر،

السدّي قال : تجبر،

وقال قتادة : بغى،

وقال مقاتل : تعظّم،

{فِى الأرض} يعني أرض مصر،

{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} فرقاً وأصنافاً في الخدمة والسحر،

{يَسْتَضْعِفُ طَآفَةً مِّنْهُمْ} يعني بني إسرائيل،

٥

{يذبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنّه كان من المفسدين ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض} يعني بني إسرائيل.

{وَنَجْعَلَهُمْ أَمَّةً} قال ابن عباس : قادة في الخير يقتدى بهم،

وقال قتادة : ولاة وملوكاً،

دليله قوله سبحانه : {وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا} ،

مجاهد دعاة إلى الخير،

{وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} بعد هلاك فرعون وقومه يرثونهم ديارهم وأموالهم،

٦

{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأرض} يعني ويوطِّي لهم في أرض مصر والشام ويُنزلهم إياها،

{وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} قرأ حمزة ويحيى بن وثاب والأعشى والكسائي وخلف بالتاء،

وما بعده رفع على أنّ الفعل {لَهُمُ} ،

وقرأ غيرهم {وَنُرِىَ} بنون مضمومة وياء مفتوحة،

وما بعده نصب بوقوع الفعل عليهم،

{مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وذلك أنّهم أُخبروا أنّ هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل،

فكانوا على وجل منهم،

فأراهم اللّه سبحانه ما كانوا يحذرون.

٧

{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى} قال قتادة : قذفنا في قلبها وليس نبوة،

واسم أُم موسى يوخابد بنت لاوي بن يعقوب {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلا تَخَافِى} عليه،

{وَلا تَحْزَنِى إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} .

أخبرني أبو عبد اللّه الحسين بن محمد قال : حدّثنا مخلد بن جعفر الباقرجي قال : حدّثنا الحسين بن علوية قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال : حدّثنا إسحاق بن بشر قال : أخبرني ابن سمعان،

عن عطاء عن ابن عباس قال إسحاق : وأخبرني جويبر ومقاتل،

عن الضحاك،

عن ابن عباس قال : إنّ بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس،

وعملوا بالمعاصي،

ورق خيارهم أشرارهم،

ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر،

فسلّط اللّه عليهم القبط،

فاستضعفوهم إلى أن نجّاهم اللّه تعالى على يدي نبيّه موسى (عليه السلام) .

قال وهب : بلغني أنّه ذبح في طلب موسى تسعين ألف وليد،

قال ابن عباس : إنّ أُم موسى لمّا تقارب (ولادها)،

وكانت قابلة من القوابل التي وكّلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأُم موسى،

فلما ضربها الطلق أرسلت إليها،

فقالت : قد نزل بي ما نزل،

ولينفعني حبّك إياي اليوم،

قال : فعالجت قبالها،

فلمّا أن وقع موسى (عليه السلام) على الأرض هالها نورٌ بين عيني موسى (عليه السلام) ،

فارتعش كلّ مفصل منها ودخل حبّ موسى (عليه السلام) قلبها،

ثم قالت لها : يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلاّ ومن رأيي قتل مولودك وأخبر فرعون،

ولكن وجدت لابنك هذا حبّاً ما وجدت حبّ شيء مثل حبّه،

فاحفضي ابنك،

فإنّي أراه هو عدونا.

فلمّا خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاء إلى بابها ليدخلوا على أم موسى،

فقالت أُخته : يا أُماه هذا الحرس بالباب،

فلفّت موسى في خرقة،

فوضعته في التنور وهو مسجور،

فطاش عقلها،

فلم تعقل ما تصنع،

قال : فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون،

ولم يظهر لها لبن،

فقالوا : ما أدخل عليك القابلة؟

قالت : هي مصافية لي،

فدخلت عليّ زائرة،

فخرجوا من عندها،

فرجع إليها عقلها،

فقالت لأُخت موسى : فأين الصبي؟

قالت : لا أدري،

فسمعت بكاء الصبي من التنور،

فانطلقت إليه،

وقد جعل اللّه سبحانه النار عليه برداً وسلاماً فاحتملته.

قال : ثم إنّ أُمّ موسى (عليه السلام) لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها،

فقذف اللّه سبحانه في نفسها أن تتخذ له تابوتاً،

ثم تقذف بالتابوت في اليمّ وهو النيل،

فانطلقت إلى رجل نجار من أهل مصر من قوم فرعون،

فاشترت منه تابوتاً صغيراً،

فقال لها النجار : ما تصنعين بهذا التابوت؟

قالت : ابن لي أُخبِّئه في التابوت،

وكرهت الكذب،

قال : ولم؟

قالت : أخشى عليه كيد فرعون،

فلمّا اشترت التابوت وحملته وانطلقت،

انطلق النجار إلى أُولئك الذبّاحين ليخبرهم بأمر أُمّ موسى،

فلمّا همّ بالكلام أمسك اللّه سبحانه لسانه فلم ينطق الكلام،

وجعل يشير بيده،

فلمّا يَدرِ الأُمناء ما يقول،

فلمّا أعياهم أمره قال كبيرهم : اضربوه،

فضربوه وأخرجوه.

فلمّا انتهى النجار إلى موضعه ردّ اللّه سبحانه عليه لسانه،

فتكلم،

فانطلق أيضاً يريد الأُمناء،

فأتاهم ليخبرهم وأخذ اللّه سبحانه لسانه وبصره،

فلم ينطق الكلام،

ولم يبصر شيئاً،

فضربوه وأخرجوه،

فوقع في واد تهوى فيه حيران،

فجعل للّه عليه إن ردّ لسانه وبصره أن لا يدلّ عليه،

وأن يكون معه لحفظه حيث ما كان،

فعرف اللّه عزّ وجل منه الصدق،

فردّ عليه بصره ولسانه فخرّ للّه ساجداً،

فقال : يا رب دُلّني على هذا العبد الصالح،

فدلّه اللّه عليه،

فخرج من الوادي،

فآمن به وصدّقه وعلم أنّ ذلك من اللّه.

فانطلقت أم موسى،

فألقته في البحر،

وكان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها،

وكانت من أكرم الناس عليه،

وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون،

وكان بها برص شديد مسلخة برصاً،

فكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة،

فنظروا في أمرها،

فقالوا له : أيها الملك لا تبرأ إلاّ من قبل البحر يوجد منه شبه الإنسان،

فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك،

وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس.

فلمّا كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه آسية بنت مزاحم،

وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهنّ وتنضح بالماء على وجوههن،

إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج،

فقال فرعون : إنّ هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجرة،

ائتوني به،

فابتدروه بالسفن من كلّ جانب حتى وضعوه بين يديه،

فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه،

وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه.

قال : فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً لم يره غيرها للذي أراد اللّه سبحانه أن يكرمها،

فعالجته ففتحت الباب،

فإذا هي بصبي صغير في مهده،

وإذا نور بين عينيه،

وقد جعل اللّه تعالى رزقه في إبهامه يمصّه لبناً،

فألقى اللّه سبحانه لموسى (عليه السلام) المحبة في قلب آسية،

وأحبّه فرعون وعطف عليه،

وأقبلت بنت فرعون،

فلمّا أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه،

فلطخت به برصها،

فبرأت فقبّلته وضمّته إلى صدرها.

فقال الغواة من قوم فرعون : أيها الملك إنّا نظن إنّ ذلك المولود الذي نحذر منه من بني إسرائيل هو هذا،

رمي به في البحر فَرَقاً منك فاقتله،

فهمّ فرعون بقتله،

قالت آسية : قرة عين لي ولك،

لا تقتله عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً،

وكانت لا تلد،

فاستوهبت موسى من فرعون،

فوهبه لها،

وقال فرعون : أما أنا فلا حاجة لي فيه،

فقال رسول اللّه (عليه السلام) : (لو قال فرعون يومئذ هو قرة عين لي كما هو لك مثل قالت امرأته لهداه اللّه سبحانه كما هداها،

ولكن أحب اللّه عز وجل أن يحرمه للذي سبق في علم اللّه).

فقيل لآسية : سمّيه،

قالت : سميته موشا لأنّا وجدناه في الماء والشجر،

ف (مو) هو الماء،

و (شا) : هو الشجر.

٨

فذلك قوله سبحانه : {فَالْتَقَطَهُ} أي فأخذه،

والعرب تقول لما وردت عليه فجأة من غير طلب له ولا إرادة : أصبته التقاطاً،

ولقيت فلاناً التقاطاً،

ومنه قول الراجز :

ومنهل وردته التقاطاً

لم ألق إذ وردته فراطاً

ومنه اللقطة وهو ما وجد ضالاًّ فأخذ،

{فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} هذه اللام تسمى لام العاقبة،

ولام الصيرورة،

لأنّهم إنما أخذوه ليكون لهم قرّة عين،

فكان عاقبة ذلك أنّه كان لهم،

{عَدُوًّا وَحَزَنًا} ،

قال الشاعر :

فللموت تغذو الوالدات سخالها

كما لخراب الدور تُبنى المساكن

{عَدُوًّا وَحَزَنًا} قرأ أهل الكوفة بضم الحاء وجزم الزاي،

وقرأ الآخرون بفتح الحاء والزاي،

واختاره أبو عبيد،

قال : للتفخيم،

واختلف فيه غير عاصم،

وهما لغتان مثل العدْم والعَدَم،

والسُقْم والسَقَم {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِِئينَ} عاصين آثمين.

٩

{وقالت امرأت فرعون قُرّت عين} أي هو قرّة عين،

{لِّى وَلَكَ تَقْتُلُوهُ} فإنّ اللّه أتانا به من أرض أُخرى وليس من بني إسرائيل،

{عَسَى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ يَشْعُرُونَ} بما هو كائن من أمرهم وأمره،

عن مجاهد،

قتادة {وَهُمْ يَشْعُرُونَ} إنّ هلاكهم على يديه،

محمد بن زكريا بن يسار {وَهُمْ يَشْعُرُونَ} إنّي أفعل ما أريد ولا أفعل ما يريدون.

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا طلحة وعبيد اللّه قالا : حدّثنا أبو مجاهد قال : حدّثني أحمد بن حرب قال : حدّثنا سنيد قال : حدّثني حجاج،

عن أبي معشر،

عن محمد بن قيس {وَهُمْ يَشْعُرُونَ} يقول : لا يدري بنو إسرائيل إنّا التقطناه،

الكلبي {وَهُمْ يَشْعُرُونَ} إلاّ وإنّه ولدنا.

١٠

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} أي خالياً لاهياً ساهياً من كلّ شيء إلاّ من ذكر موسى وهمه،

قاله أكثر المفسّرين،

وقال الحسن وابن إسحاق وابن زيد : يعني فارغاً من الوحي الذي أوحى اللّه سبحانه وتعالى إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن،

والعهد الذي عهدنا إليه أن نردّه إليها ونجعله من المرسلين،

فجاءها الشيطان،

فقال : يا أُمّ موسى كرهتِ أنْ يقتل فرعونُ موسى فتكون لك أجره وثوابه،

وتولّيتِ أنت قتله،

فألقيتِهِ في البحر وغرّقته.

ولمّا أتاها الخبر بأنّ فرعون أصابه في النيل قالت : إنّه وقع في يدي عدوه والذي فررت به منه،

فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد اللّه سبحانه إليها،

فقال اللّه تعالى : {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} من الوحي الذي أُوحي إليها،

وقال الكسائي : {فَارِغًا} أي ناسياً،

أبو عبيدة : {فَارِغًا} من الحزن لعلمها بأنّه لم يغرق،

وهو من قول العرب : دم فرغ إذا كان هدراً لا قِوَد فيه ولا دية. وقال الشاعر :

فإن تك أذواد أصبن ونسوة

فلن تذهبوا فرغاً بقتل حبال

العلاء بن زيد {فَارِغًا} : نافراً،

وقرأ ابن محيض وفضالة بن عبيد : بالزاي والعين من غير ألف،

{إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} قال بعضهم : الهاء في قوله : {بِهِ} راجعة إلى موسى ومعنى الكلام : إنْ كادت لتبدي به أنّه ابنها من شدة وجدها.

أخبرنا عبد اللّه بن حامد الوزان،

قال : أخبرنا مكي بن عبدان،

قال : حدّثنا عبد الرحمن ابن بشر،

قال : حدّثنا سفيان،

عن أبي سعيد،

عن عكرمة،

عن ابن عباس {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} قال : كادت تقول : وا ابناه،

وقال مقاتل : لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر،

فخشيت عليه الغرق،

فكادت تصيح من شفقها عليه،

الكلبي : كادت تُظهر أنّه ابنها،

وذلك حين سمعت الناس وهم يقولون لموسى بعدما شبّ : موسى بن فرعون،

فشق عليها فكادت تقول : لا، بل هو ابني،

وقال بعضهم : الهاء عائدة الى الوحي أي {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى} بالوحي الذي أوحينا إليها أن نردّه عليها.

{لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} قوّينا قلبها فعصمناها وثبّتناها {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} المصدّقين الموقنين بوعد اللّه عزّوجل

١١

{وَقَالَتِ} أم موسى {لأخْتِهِ} لأخت موسى واسمها مريم {قُصِّيهِ} ابتغي أثره حتى تعلمي خبره،

ومنه القصص لأنّه حديث يتبع فيه الثاني الأول،

{فَبَصُرَتْ بِهِ} أبصرته {عَن جُنُبٍ} بُعد،

وقال ابن عباس : الجنب أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به.

وقال قتادة : جعلت تنظر إليها كإنّها لا تريده،

وكان يقرأ {عَن جُنُبٍ} بفتح الجيم وسكون النون،

وقرأ النعمان بن سالم عن جانب أي عن ناحية {وَهُمْ يَشْعُرُونَ} أنها أُخته

١٢

{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} وهي جمع المرضع،

{مِن قَبْلُ} أي من قبل مجيء أم موسى،

وذلك أنّه كان يؤتى بمرضع بعد مرضع فلا يقبل ثدي امرأة،

فهمَّهم ذلك،

فلمّا رأت أُخت موسى التي أرسلتها أُمّه في طلبه ذلك،

وما يصنع به،

فقالت لهم : {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} أي يضمنونه ويرضعونه ويضمّونه إليهم،

وهي امرأة قد قتل ولدها،

فأحبّ شيء إليها أن تجد صبياً صغيراً فترضعه،

{وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} والنصح : إخلاص العمل من شائب الفساد،

وهو نقيض الغش،

قالوا : نعم،

فأتينا بها فانطلقت إلى أُمّها فأخبرتها (بحال ابنها) وجاءت بها إليهم،

فلمّا وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها فذلك قوله :

١٣

{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنّ اللّه وعدها ردّه إليها.

قال السدي وابن جريج : لما قالت أخت موسى : {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} أخذوها وقالوا : إنّكِ قد عرفتِ هذا الغلام،

فدلّينا على أهله،

فقالت : ما أعرفه ولكني إنّما قلت : هم للملك ناصحون،

١٤

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قال الكلبي : الأَشُدّ : ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة،

وقال سائر المفسّرين : الأشد ثلاث وثلاثون سنة،

{وَاسْتَوَى} أي بلغ أربعين سنة.

أخبرنا أبو محمد المخلدي،

قال : أخبرنا أبو الوفاء المؤمل بن الحسن بن عيسى،

قال : حدّثنا الحسن بن محمد بن الصباح،

قال : حدّثنا يحيى بن سليم،

قال : أخبرني عبد اللّه بن عثمان بن خيثم،

عن سعيد بن جبير،

عن ابن عباس في قول اللّه سبحانه : {بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} قال : الأشدّ : ثلاث وثلاثون سنة،

والاستواء : أربعون سنة،

والعمر الذي أعده اللّه إلى ابن آدم ستون سنة،

ثم قرأ {أو لم نعمّركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} .

{حُكْمًا وَعِلْمًا} عقلا وفهماً،

{وَعِلْمًا} قال مجاهد : قيل : النبوة،

{وَ كذلك نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ} .

١٥

{وَدَخَلَ} يعني موسى {الْمَدِينَةِ} قال السدي : يعني مدينة منف من أرض مصر،

وقال مقاتل : كانت قرية تدعى خانين على رأس فرسخين من مصر.

{عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} قال محمد بن كعب القرظي : دخلها فيما بين المغرب والعشاء،

وقال غيره : نصف النهار عند القائلة،

واختلف العلماء في السبب الذي من أجله دخل موسى هذه المدينة في هذا الوقت،

فقال السدّي : كان موسى (عليه السلام) حين أمر بركب مراكب فرعون وبلبس مثل ما يلبس،

وكان إنّما يدعى موسى بن فرعون،

ثم إنّ فرعون ركب مركباً وليس عنده موسى (عليه السلام)،

فلمّا جاء موسى قيل له : إنّ فرعون قد ركب،

فركب في أثره،

فأدركه المقيل بأرض يقال لها : منف،

فدخلها نصف النهار وقد تقلّبت أسواقها،

وليس في طرقها أحد،

وهو الذي يقول اللّه سبحانه : {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} .

وقال ابن إسحاق : كانت لموسى من بني إسرائيل شيعة يسمعون منه ويقتدون به ويجتمعون إليه،

فلمّا اشتد رأيه وعرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه،

فخالفهم في دينه وتكلّم وعادى وأنكر حتى ذكر ذلك منه،

وحتى خافوه وخافهم،

حتى كان لا يدخل قرية إلاّ خائفاً مستخفياً،

فدخلها يوماً {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} .

وقال ابن زيد : لمّا علا موسى فرعون بالعصا في صغره قال فرعون : هذا عدونا الذي قتلت فيه بني إسرائيل،

فقالت امرأته : لا بل هو صغير،

ثم دعت بالجمر والجوهر،

فلمّا أخذ موسى الجمرة وطرحها في فيه حتى صارت عقدة في لسانه،

ترك فرعون قتله وأمر بإخراجه من مدينته،

فلم يدخل عليهم إلاّ بعد أن كبر وبلغ أشدّه،

{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} عن موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره لبُعد عهدهم به.

وقال علي بن أبي طالب (ح) : في قوله : {حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بِلَهْوِهِم ولعبهم،

{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِ نِ هذا مِن شِيعَتِهِ} من أهل دينه من بني إسرائيل،

{وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ} من مخالفيه من القبط،

قال المفسرون : الذي هو من شيعته هو السامري،

والذي من عدوّه طباخ فرعون واسمه فليثون.

وأخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا موسى بن محمد،

قال : حدّثنا الحسن بن علوية،

قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى،

قال : حدّثنا المسيب بن شريك قال : اسمه فاثون وكان خباز فرعون،

قالوا : يسخّره لحمل الحطب إلى المطبخ،

روى سعيد بن جبير،

عن ابن عباس،

قال : لمّا بلغ موسى أشده،

وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل الامتناع،

فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل،

والآخر من آل فرعون،

فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني،

فغضب موسى واشتد غضبه؛ لأنّه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلاّ إنّما ذلك من قبل الرضاعة من أُمّ موسى،

فقال للفرعوني،

خلِّ سبيله،

فقال : إنّما أخذه ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك،

فنازع أحدهما صاحبه،

فقال الفرعوني لموسى : لقد هممت إلى أن أحمله عليك.

وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة والبطش،

{فَوَكَزَهُ مُوسَى} بجمع كفّه ولم يتعمد قتله،

قال الفرّاء وأبو عبيدة : الوكز : الدفع بأطراف الأصابع،

وفي مصحف عبد اللّه (فنكزه) بالنون،

والوكز واللكز والنكز واحد،

ومعناها : الدفع،

{فَقَضَى عَلَيْهِ} أي قتله وفرغ من أمره،

وكلّ شيء فرغت منه فقد قضيته،

وقضيت عليه،

قال الشاعر :

أيقايسون وقد رأوا حفاثهم

قد عضّه فقضى عليه الأشجع

أي قتله.

فلمّا قتله موسى ندم على قتله،

وقال : لم أومر بذلك ثم دفنه (في الرمل)

١٦-١٧

{قال هذا من عمل الشيطان إنّه عدوّ مضل مبين وقال ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم قال ربّ بما أنعمت علي} بالمغفرة فلم تعاقبني {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا} عوناً ونصيراً {لِّلْمُجْرِمِينَ} قال ابن عباس : لم يستثن فابتلى،

قال قتادة : يعني فلن أعين بعدها على خطيئة،

أخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا محمد بن خالد،

قال : حدّثنا داود بن سليمان،

قال : أخبرنا عبد بن حميد،

قال : حدّثنا عبيد اللّه بن موسى،

عن سلمة بن نبيط قال : بعث بعض الأمراء وهو عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك بعطاء أهل بخارى،

وقال : أعطهم،

فقال : اعفني،

فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه،

فقال له بعض أصحابه : وأنت لا)ترزأ)شيئاً،

فقال : لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم.

وبه عن عبد اللّه قال : حدّثنا يعلى،

قال حدّثنا عبيد اللّه بن الوليد الوصافي قال : قلت لعطاء بن أبي رياح : إنّ لي أخاً يأخذ بقلمه،

وإنّما يكتب ما يدخل وما يخرج،

قال : أخذ بقلمه كان ذلك غنىً وإن تركه احتاج،

وصار عليه دَين وله عيال،

فقال : من الرأس؟

قلت : خالد بن عبد اللّه،

قال : اما تقرأ ما قال العبد الصالح : رب بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين،

فلا يعينهم فإن اللّه تعالى سيغنيه.

١٨

{فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَآفًا} من قتله القبطي أن يؤخذ فيُقتل به،

{يَتَرَقَّبُ} ينتظر الأخبار،

{فَإِذَا الَّذِى اسْتَنْصَرَهُ بِامْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه،

وأصل ذلك من الصراخ،

كما يقال : قال بني فلان : يا صاحباً.

قال ابن عباس : أتى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا منّا،

فخذ لنا بحقّنا ولا ترخص لهم في ذلك،

فقال : أبغوا لي قاتله ومن يشهد عليه،

فلا يستقيم أن يقضى بغير بيّنة ولا ثبت فاطلبوا ذلك،

فبينا هم يطوفون (و) لا يجدون ثبتا إذ مرّ موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً آخر يريد أن يسخّره،

فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى،

وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتله القبطي،

فقال موسى للإسرائيلي : {إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ} ظاهر الغواية حين قاتلت أمس رجلا وقتلته بسببك،

وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه.

وقيل : إنّما قال للفرعوني : {إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ} بتسخيرك وظلمك،

والقول الأول أصوب وأليق بنظم الآية.

قال ابن عباس : ثم مد موسى يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني،

فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعدما قال له : {إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ}

١٩

(فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس فخاف أن يكون بعدما قال له : إنك لغوي مبين أراده)،

ولم يكن أراده،

إنّما أراد الفرعوني،

فقال : {يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلاّ أن تكون جباراً في الأرض} بالقتل ظلماً،

قال عكرمة والشعبي : لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين بغير حق.

{وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} ثم تتاركا،

فلمّا سمع القبطي ما قال الإسرائيلي علم أنّ موسى قتل ذلك الفرعوني،

فانطلق إلى فرعون،

فأخبره بذلك،

فأمر فرعون بقتل موسى ولم يكن ظهر على قاتل القبطي حتى قال صاحب موسى ما قال.

قال ابن عباس : فلمّا أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة أي آخرها،

واختصر طريقاً قريباً)وسبقهم فأخبره وأنذره) حتى أخذ طريقاً آخر فذلك قوله :

٢٠

{وَجَآءَ رَجُلٌ} واختلفوا فيه،

فقال أكثر أهل التأويل : هو حزقيل بن صبورا مؤمن آل فرعون،

وكان ابن عم فرعون،

فقال شعيب الجبائي : اسمه شمعون،

وقيل : شمعان.

{من أقصا المدينة يسعى} قال الكلبي : يسرع في مشيه لينذره،

مقاتل : يمشي على رجليه،

{قال يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} أي يهمّون بقتلك ويتشاورون فيك،

وقيل : يأمر بعضهم بعضاً نظيره قوله عز وجل : {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ} ،

وقال النمر بن تغلب :

أرى الناس قد أحدثوا سمة

وفي كلّ حادثة يؤتمر

{فَاخْرُجْ} من هذه المدينة

٢١

{إني لك من الناصحين فخرج} موسى {مِّنْهَا} أي من مدينة فرعون {خَآفًا يَتَرَقَّبُ} ينتظر الطلب

٢٢

{قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ} أي نحوها وقصدها ماضياً لها،

خارجاً عن سلطان فرعون،

يقال : داره تلقاء دار فلان إذا كانت محاذيتها،

وأصله من اللقاء،

ولم تصرف مدين لأنّها اسم بلدة معروفة. قال الشاعر :

رهبان مدين لو رأوك تنزّلوا

والعصم من شغف العقول القادر

وهو مدين بن إبراهيم نُسبتْ البلدة إليه كما نُسبتْ مدائن إلى أخيه مدائن بن إبراهيم {قَالَ عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَآءَ السَّبِيلِ} قصد الطريق إلى مدين،

وإنّما قال ذلك لأنّه لم يكن يعرف الطريق إليها،

فلمّا دعا جاءه ملك على فرس بيده عنزة فانطلق به إلى مدين.

قال المفسّرون : خرج موسى من مصر بلا زاد ولا درهم ولا ظهر ولا حذاء إلى مدين وبينهما مسيرة ثماني ليال نحواً من الكوفة إلى البصرة،

ولم يكن له طعام إلاّ ورق الشجر،

قال ابن جبير : خرج من مصر حافياً،

فما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه.

٢٣

{وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ} وهو بئر كانت لهم {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} مواشيهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ الأمر أَتَينِ تَذُودَانِ} تحبسان وتمنعان أغنامهما عن أن تشذ وتذهب،

وقال الحسن : تكفان (أغنامهما) عن أن تختلط بأغنام الناس وترك ذكر الغنم اختصاراً،

قتادة : (تذودان) الناس عن شائهما،

أبو مالك وابن إسحاق : تحبسان غنمهما عن الماء حتى يصدر عنه مواشي الناس ويخلوا لهما البئر،

ثم يسقيان غنمهما لضعفهما،

وهذا القول أولى بالصواب لما بعده،

وهو قوله : {قَالَ} يعني موسى {مَا خَطْبُكُمَا} ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس؟

{قَالَتَا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ} قرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وابن عامر وابن جعفر وأيوب بن المتوكل : بفتح الياء وضم الدال،

جعلوا الفعل للرعاء أي حتى يرجعوا عن الماء،

وقرأ الآخرون بضم الياء وكسر الدال أي حتى يصرفوا مواشيهم عن الماء،

والرعاء : جمع راع مثل تاجر وتجار،

ومعنى الآية لا نسقي مواشينا حتى يصدر {الرِّعَآءُ} لأنّا لا نطيق أن نسقي،

ولا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض.

{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} لا يقدر أن يسقي مواشيه،

واختلفوا في اسم أبيهما،

فقال مجاهد والضحاك والسدي والحسن : هو شعيب النبي صلى اللّه عليه وعلى جميع الانبياء واسمه شعيب بن بويب بن مدين بن إبراهيم،

قال وهب وسعيد بن جبير وأبو عبيدة بن عبد اللّه : هو بثرون ابن أخي شعيب،

وكان شعيب قد مات قبل ذلك بعدما كفّ بصره،

فدفن بين المقام وزمزم.

٢٤

وروى حماد بن سلمة،

عن أبي حمزة الضبعي،

عن ابن عباس قال : اسم أبي امرأة موسى صاحب مدين بثرى،

قالوا : فلمّا سمع موسى (عليه السلام) قولهما رحمهما،

واقتلع صخرة على رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلاّ جماعة من الناس. شريح : عشرة رجال،

وقيل : إنّه زاحم القوم عن الماء وأخذ دلوهما وسقى غنمهما،

عن ابن إسحاق،

فذلك قوله سبحانه : {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} قال السدي : ظلّ شجرة،

وروى عمر بن ميمون،

عن عبد اللّه قال : أحييت على جمل لي ليلتين حتى صبّحت مدين،

فسألت عن الشجرة التي آوى إليها موسى فإذا شجرة خضراء ترق فما هوى إليها جملي،

وكان جائعاً،

فأخذها فعالجها ساعة فلم يقطعها،

فدعوت اللّه سبحانه لموسى ثم أنصرفت.

{فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ} قال قطرب : اللام ههنا بمعنى إلى تقول العرب : احتجت له،

واحتجت إليه بمعنى واحد،

{مِنْ خَيْرٍ} أي طعام {فَقِيرٌ} محتاج،

قال ابن عباس : لقد قال ذلك وإنّ خضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال ما يسأل اللّه سبحانه إلاّ أكله. قال الباقر : لقد قالها وإنّه لمحتاج إلى شق تمرة.

قالوا : فلمّا رجعتا إلى أبيهما سريعاً قبل الناس وأغنامهما حُفّل بطان،

قال لهما : ما أعجلكما؟

قالتا : وجدنا رجلا صالحاً رحمنا،

فسقى لنا أغنامنا (قبل الناس)،

فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي.

٢٥

{فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَآءٍ} قال عمر بن الخطاب (ح) : مستترة بكم درعها لوف قد سترت وجهها بيدها،

روى قتادة،

عن مطرف،

قال : أما واللّه لو كان عند نبي اللّه شيء ما اتبع مذقتها،

ولكنّه حمله على ذلك الجهد.

{قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} فانطلق موسى معها يتبعها،

فهبت الريح،

فألزقت ثوب المرأة بردفها،

فكره موسى أن يرى ذلك منها،

فقال لها : امشي خلفي،

وانعتي لي الطريق،

ودليّني عليها إن أخطأت،

فإنّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النساء {فَلَمَّا جَآءَهُ} يعني الشيخ {وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} أخبره بأمره والسبب الذي أخرجه من أرضه {قَالَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} يعني فرعون وقومه لا سلطان له بأرضنا.

٢٦

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} وهي التي تزوجها موسى {يا أبتِ استئجره} لرعي أغنامنا {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَ ْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ} ،

فقال لها أبوها : وما علمك بقوته وأمانته؟

فقالت : أما قوته فإنّه لما رآنا حابسي أغنامنا عن الماء،

قال لنا : فهل بقربكما بئر؟

قلنا : نعم،

ولكن عليها صخرة لا يرفعها إلاّ أربعون رجلا،

قال : انطلقا بي إليها (فأخذ) الصخرة بيده فنحّاها.

وأما أمانته فإنّه قال لي في الطريق : امشي خلفي،

وإن أخطأت فارمي قدامي بحصاة حتى أنهج نهجها.

٢٧

{قَالَ} عند ذلك الشيخ لموسى {إِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ} واسمهما صفورة ولباني،

قول شعيب الجبّائي قال : امرأة موسى صفورة،

وقال ابن إسحاق : صفورة وشرفا،

وغيرهما : الكبرى صفرا والصغرى صفيرا {عَلَى أَن تَأْجُرَنِى} يعني آجرني،

وقالت الأئمة : على أن تثيبني من تزويجها رعيّ ماشيتي {ثَمَانِىَ حِجَجٍ} سنين واحدتها حجة،

جعل صداقها ذلك،

قال : (يقول العرب) آجرك اللّه فهو يأجرك بمعنى أثابك {فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا} أي عشر سنين {فَمِنْ عِندِكَ} وأنت به متبرع متفضل وليس مما اشترطه عليك في عقد النكاح {وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} .

{سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللّه مِنَ الصَّالِحِينَ} من الوافين بالعهد،

المحسنين الصحبة

٢٨

{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ} الثمان أو العشر {فَلا عُدْوَانَ عَلَىَّ وَاللّه عَلَى مَا نَقُولُ وكيلا لٌ} شهيد وحفيظ.

وقالت العلماء بأخبار الأنبياء : أنّ موسى وصاحبه (عليهما السلام) لما تعاقدا بينهما هذا العقد أمر صهره احدى بنتيه أن تعطي موسى عصا يدفع بها السباع عن غنمه،

واختلفوا في حال تلك العصا،

فقال عكرمة : خرج بها آدم من الجنة وأخذها جبريل بعد موت آدم،

فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه،

وقال آخرون : لم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب وكانت عصيّ الأنبياء عنده،

فأعطاها موسى.

وقال السدي : كانت تلك العصا استودعها ملك في صورة رجل،

وأمر ابنته أن تأتيه بعصا،

فدخلت الجارية فأخذت العصا فأتته بها،

فلمّا رآها الشيخ قال لابنته،

آتيه بغيرها،

فلمّا رمتها تريد أن تأخذ غيرها فلا تقع في يدها إلاّ هي،

كلّ ذلك تطير في يدها حتى فعلت ذلك مرات،

فأعطاها موسى،

فأخرجها معه،

ثم إنّ الشيخ ندم،

وقال : كانت وديعة،

فخرج يتلقّى موسى،

فلمّا لقيه،

قال : أعطني العصا،

قال موسى : هي عصاي،

فأبى أن يعطيه،

فاختصما حتى رضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما،

فأتاهما ملك يمشي،

فقضى بينهما،

فقال : ضعوها بالأرض فمن حملها فهي له،

فعالجها الشيخ فلم يطقها،

وأخذها موسى بيده فرفعها،

فتركها له الشيخ.

وروى حيان عن الكلبي،

عن أبي صالح،

عن ابن عباس أنّه قال : كان في دار يثرون بيت لا يدخله إلاّ يثرون وابنته التي زوجها موسى،

كانت تكنسه وتنظّفه،

وكان في البيت ثلاث عشرة عصا،

وكان ليثرون أحد عشر ولداً من الذكور،

فكلّما أدرك منهم ولد أمره بدخول البيت وإخراج عصا من تلك العصيّ،

فجعل يحترق الولد حتى هلك كلّهم،

فرجع موسى ذات يوم إلى منزله فلم يجد أهله،

واحتاج إلى عصا لرعيه،

فدخل ذلك البيت وأخذ عصا من تلك العصي وخرج بها،

فلمّا علمت بذلك امرأته انطلقت إلى أبيها،

وأخبرته بذلك،

فسُرَّ بها يثرون وقال لها : إنّ زوجك هذا نبي وإنّ له مع هذه العصا لشأناً.

وفي بعض الأخبار أنّ موسى (عليه السلام) لمّا أصبح من الغد بعد العقد وأراد الرعي قال له صهره شعيب : اذهب بهذه الأغنام،

فإذا بلغت مفرق الطريق فخذ على يسارك ولا تأخذ على يمينك وإنْ كان الكلأ بها أكثر،

فإنّ هناك تنيناً عظيماً أخشى عليك وعلى الأغنام منه. فذهب موسى بالأغنام،

فلمّا بلغ مفرق الطريق أخذت الأغنام ذات اليمين،

فاجتهد موسى على أن يصرفها إلى ذات الشمال فلم تطعه فسار موسى على أثرها،

فرأى عشباً وريفاً لم ير مثله،

ولم ير التنين،

فنام موسى والأغنام ترعى،

فإذا بالتنين قد جاء،

فقامت عصا موسى وحاربته حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى وهي دامية.

فلمّا استيقظ موسى رأى العصا دامية والتنين مقتولا،

فارتاح لذلك وعلم أنّ للّه سبحانه في تلك العصا قدرة وإرادة،

فعاد إلى شعيب،

وكان شعيب ضريراً فمس الأغنام،

فإذا هي أمثل حالا مما كانت،

فسأله،

فأخبره موسى بالقصة،

ففرح بذلك شعيب وعلم أنّ لموسى وعصاه شأناً،

فأراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراماً له وصلة لابنته فقال له : إنّي قد وهبت لك (من) الجدايا التي تضعها أغنامي في هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى اللّه تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام.

قال : فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه،

فما أخطأت واحدة منها إلاّ وقد وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء،

فعلم شعيب أنّ ذلك رزق ساقه اللّه إلى موسى وامرأته،

فوفى له بشرطه وسلّم إليه الأغنام.

٢٩

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأجَلَ} أي أتمه وفرغ منه. أخبرنا محمد بن عبد اللّه بن حمدون قال : أخبرنا مكي بن عبدان عن عبد الرحمن،

قال : حدّثنا عبد الرحمن بن بشر،

قال : حدّثنا موسى بن عبد العزيز،

قال : حدّثنا الحكم بن أبان،

قال : حدّثني عكرمة،

قال : قال ابن عباس : سئل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أي الأجلين قضى موسى؟

قال : (أبعدهما وأطيبهما).

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا أحمد بن عبد اللّه المزني،

قال : حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن سليمان،

قال : حدّثنا محمد بن عبد الجبار الهمذاني،

قال : حدّثنا يحيى بن بكير قال : حدّثنا ابن لهيعة،

عن الحارث بن زيد،

عن علي بن رباح،

عن عتبة بن التيب وكان من أصحاب النبي (صلى اللّه عليه وسلم) يسكن الشام،

ومات في زمن عبد الملك قال : سئل رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) أي الأجلين قضى موسى؟

قال : (أبرهما وأوفاهما).

وروى محمد بن إسحاق،

عن حكم بن جبير،

عن سعيد بن جبير،

قال : قال لي يهودي بالكوفة وأنا أتجهز للحج : إنّي أراك رجلا تتبع العلم،

أخبرني أي الأجلين قضى موسى؟

قلت : لا أعلم،

وأنا الآن قادم على حبر العرب يعني ابن عباس فسأسأله عن ذلك،

فلمّا قدمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك،

فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما،

إنّ النبي إذا وعد لم يخلف،

قال سعيد : فقدمت العراق،

فلقيت اليهودي فأخبرته،

فقال : صدق،

ما أنزل على موسى هذا واللّه العالم. وقال وهب : أنكحه الكبرى،

وقد روي أنّ النبي (عليه السلام) قال : (تزوج صغراهما وقضى أوفاهما) فإن صح هذا الخبر فلا معدل عنه.

وقال مجاهد : لما قضى موسى الأجل ومكث بعد ذلك عند صهره عشراً أخرى،

فأقام عنده عشرين سنة،

ثم إنّه استأذنه في العودة إلى مصر لزيارة والدته وأخيه،

فأذن له،

فسار بأهله وماله،

وكانت أيام الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام،

وامرأته في شهرها لا يدري أليلا تضع أم نهاراً،

فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد،

وأخذ امرأته الطلق،

فقدح زنداً فلم تور (المقدحة شيئاً)،

فآنس من جانب الطور ناراً {قَالَ هْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ} قطعة وشعلة {مِّنَ النَّارِ} وفيها ثلاث لغات : فتح الجيم وهي قراءة عاصم،

وضمها وهي قراءة حمزة،

وكسرها وهي قراءة الباقين،

وقال قتادة ومقاتل : الجذوة : العود الذي قد احترق بعضه،

وجمعها جُذيّ،

قال ابن مقبل :

باتت حواطب ليلى يلتمسن لها

جزل الجُذي غير خوار ولا دعر

{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} أي تستدفئون وتستحمّون بها من البرد

٣٠

{فلمّا أتاها نودي من شاطئ} جانب {الواد الأيمن} عن يمين موسى {فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ} وقرأ أشهب العقيلي {فِى الْبُقْعَةِ} بفتح الباء {مِنَ الشَّجَرَةِ} أي من ناحية الشجرة {أن يا موسي إنّي أنا اللّه ربّ العالمين} قال عبد اللّه بن مسعود : كانت الشجرة سمرة خضراء ترق،

قتادة،

عوسجة،

وهب : علّيق.

٣١

{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ} تتحرك {كَأَنَّهَا جَآنٌّ} وهي الحيّة الصغيرة من سرعة حركته {وَلَّى مُدْبِرًا} هارباً منها {وَلَمْ يُعَقِّبْ} ولم يرجع،

فنودي

٣٢

{يا موسى أقبل ولا تخف إنّك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} فخرجت كأنّها مصباح {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} قرأ حفص بفتح الراء وجزم (الهاء)،

وقرأ أهل الكوفة والشام بضمّ (الراء) وجزم (الهاء)،

غيرهم بفتح (الراء) و (الهاء)،

دليلهم قوله سبحانه : {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} وكلّها لغات بمعنى الخوف والفَرَق.

ومعنى الآية إذا هالك أمر يدك وما ترى من شعاعها،

فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى،

وقال بعضهم : أمره اللّه سبحانه وتعالى أن يضم يده إلى صدره ليذهب اللّه عز وجل ما ناله من الخوف عند معاينة الحية،

وقيل : معناه سكّنْ روعك واخفض عليك جأشك لأنّ من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه،

وضم الجناح هو السكون،

ومثله قوله سبحانه {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} يريد الرفق،

وقوله سبحانه : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي ارفق بهم وألن جانبك لهم،

وقال الفرّاء : أراد بالجناح عصاه.

وقال بعض أهل المعاني : الرهب،

الكُم بلغة حمير وبني حنيفة،

وحُكي عن الأصمعي أنّه سمع بعض الأعراب يقول لآخر : أعطني ما في رهبك،

قال : فسألته عن الرهب؟

فقال : الكُم،

ومعناه على هذا التأويل : اضمم إليك يدك وأخرجها من الكُم؛ لأنّه تناول العصا ويده في كُمّه.

{فَذَانِكَ} قراءة العامة بتخفيف (النون)،

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتشديد (النون) وهي لغة قريش،

وفي وجهها أربعة أقوال : قيل : شدّد النون عوضاً من (الألف) الساقطة ولم يلتفت إلى التقاء الساكنين لأنّ أصله {فَذَانِكَ} فحذفت الألف الأُولى لالتقاء الساكنين.

وقيل : التشديد للتأكيد كما أدخلوا اللام في ذلك. وقيل : شُدّدت فرقاً بينها وبين التي تسقط للإضافة؛ لأنّ ذان لا تضاف. وقيل : للفرق بين تثنية الاسم المتمكن وبينها. قال أبو عبيد : وكان أبو عمرو يخص هذا الحرف بالتشديد دون كلّ تثنية في القرآن،

وأحسبه فعل ذلك لقلة الحروف في الاسم،

فقرأه بالتثقيل.

ومعنى الآية {فَذَانِكَ} يعني العصا واليد البيضاء

٣٣-٣٤

{بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فرعون وملأه إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّى قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِى هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِى إِنِّى أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} وأحسن بياناً،

وإنّما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه {فَأَرْسِلْهُ مَعِىَ رِدْءًا} معيناً،

يقال : أردأته أي أعنته،

وترك همزه عيسى بن عمر وأهل المدينة طلباً للخفّة {يُصَدِّقُنِى} قرأه العامة بالجزم،

ورفعه عاصم وحمزة،

وهو اختيار أبو عبيد،

فمن جزمه فعلى جواب الدعاء،

ومن رفعه فعلى الحال،

أي ردءاً مصدقاً حاله التصديق كقوله سبحانه : {رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآدَةً مِّنَ السَّمَآءِ تَكُونُ} أي كائنة حال صرف إلى الاستقبال.

٣٥

{إنّي أخاف أن يكذّبون قال سنشد عضدك} أن نقويك ونعينك {بِأَخِيكَ} وكان هارون يومئذ بمصر {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} قوة وحجة وبرهاناً {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} .

٣٦

{فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَى بَِايَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَآ إِلا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهذا} الذي تدعونا إليه

٣٧

{في آبائنا الأوّلين وقال موسى} قراءة العامة بالواو،

وقرأ أهل مكة بغير واو،

وكذلك هو في مصاحفهم {رَبِّى أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ} بالمحق من المبطل {وَمَن تَكُونُ لَهُ} ( قرأ) بالياء أهل الكوفة والباقون بالتاء. {عَاقِبَةُ الدَّارِ} أي العقبى المحمودة في الدار الآخرة { إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } لا ينجح الكافرون.

٣٨

{وقال فرعون يا أيّها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين} فاطبخ لي الآجر،

وقيل : إنّه أول من اتخذ الآجر وبنى به.

قال أهل التفسير : لمّا أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح،

جمع هامان العمال والفعلةحتى اجتمع خمسون ألف بنّاء سوى الأتباع والأُجَراء ومن يطبخ الآجر والجص،

وينجر الخشب والأبواب،

ويضرب المسامير،

فرفعوه وشيّدوه حتى ارتفع ارتفاعاً لم يبلغه بنيان أحد من الخلق منذ خلق اللّه السموات والأرض،

أراد اللّه سبحانه أن يفتنهم فيه،

فلمّا فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه،

فأمر بنشابه فرمى بها نحو السماء،

فردّت إليه وهي ملطّخة دماً.

فقال : قد قتلتُ إله موسى،

قالوا : لو كان فرعون يصعده على البراذين،

فبعث اللّه سبحانه جبريل (عليه السلام) (عند) غروب الشمس،

فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع،

فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف رجل،

ووقعت قطعة منها في البحر،

وقطعة في المغرب،

ولم يبق أحد ممن عمل فيه بشيء إلاّ هلك،

فذلك قوله تعالى : {فأوقد لي يا هامان على الطين} ،

{فَاجْعَل لِّى صَرْحًا} قصراً {لَّعَلِّى أَطَّلِعُ إِلَى اله مُوسَى} أنظر إليه وأقف على حاله.

{وَإِنِّى ظُنُّهُ} يعني موسى {مِنَ الْكَاذِبِينَ} في ادعائه كون إله غيري وأنّه رسوله

٣٩-٤٠

{واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنّوا أنّهم إلينا لا يرجعون فأخذناه وجنوده فنبذناهم} فألقيناهم {فِى الْيَمِّ} يعني البحر،

قال قتادة : هو بحر من وراء مصر يقال له : أساف،

غرّقهم اللّه فيه {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}

٤١

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَمَّةً} قادة ورؤساء

٤٢-٤٣

{يدعون إلى النّار ويوم القيامة لا يُنصرون وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} حزناً وعذاباً {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} الممقوتين،

وقال أبو عبيدة وابن كيسان : المهلكين،

وقال ابن عباس : يعني المشوّهين الخلقة بسواد الوجه وزرقة العيون،

قال أهل (اللغة) يقال : قبحه اللّه،

وقبّحه إذا جعله قبيحاً {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَآئرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .

أخبرنا شعيب بن محمد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا أحمد بن الأزهر،

قال : حدّثنا روح بن عبادة،

عن عوف،

عن أبي نصرة،

عن أبي سعيد الخدري،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنّه قال : (ما أهلك اللّه عز وجل قوماً ولا قرناً ولا أُمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل اللّه سبحانه التوراة على وجه الارض غير القرية التي مسخوا قردة،

ألم تر أنّ اللّه سبحانه قال : {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ اولَى} الآية).

٤٤

{وَمَا كُنتَ} يا محمد {بِجَانِبِ الْغَرْبِىِّ} أي غربي الجبل {إِذْ قَضَيْنَآ إِلَى مُوسَى الأمر} أي أخبرناه بأمرنا ونهينا،

وألزمناه عهدنا {وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} الحاضرين هناك تذكرة من ذات نفسك

٤٥

{وَلَاكِنَّآ أَنشَأْنَا} أحدّثنا وخلقنا {قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} فنسوا عهد اللّه سبحانه وتركوا أمره،

نظيره {فَطَالَ عَلَيْهِمُ امَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} ،

{وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا} مقيماً {وَلَاكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا} يعني أرسلناك رسولا وأنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار،

فتتلوها عليهم ولولا ذلك لما علمتها ولما أخبرتهم)بما تشاهده،

وما كنت بجانب الطور إذ نادينا موسى : خذ الكتاب بقوة.

قال وهب بن منبه : قال موسى يا رب أرني محمد (صلى اللّه عليه وسلم) قال : إنّك)لن تصل إلى ذلك،

وإن شئت ناديت أمّته فأسمعتك صوتهم،

قال : (بلى يا رب)،

فقال اللّه سبحانه : يا أُمّة محمد،

فأجابوه من أصلاب آبائهم.

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد الأصفهاني،

قال أخبرنا محمد بن جعفر المطري،

قال : حدّثنا الحماد بن الحسن،

قال : حدّثنا أبو بكر،

قال : حدّثنا سفيان،

عن الأعمش،

عن أبي مدرك،

عن أبي زرعة يعني ابن عمرو بن جرير

٤٦

{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} قال : قال : يا أُمّة محمد قد أجبتكم من قبل أن تدعوني،

وأعطيتكم من قبل أن تسألوني.

وأخبرني عبد اللّه بن حامد الوزان،

قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان،

قال : حدّثنا جيعويه بن محمد،

قال : حدّثنا صالح بن محمد،

قال : وأخبرنا عثمان بن أحمد،

قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الجبلي،

قال : حدّثنا محمد بن الصباح بن عبد السلم،

قال : حدّثنا داود أبو سلمان كلاهما،

عن سلمان بن عمرو،

عن أبي حازم،

عن سهل بن سعد الساعدي،

قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) في قول اللّه سبحانه : {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} قال : (كتب اللّه عزّوجل كتاباً قبل أن يخلق الخلق بألفي عام في ورقة آس،

ثم وضعها على العرش،

ثم نادى : يا أُمّة محمد إنّ رحمتي سبقت غضبي،

أعطيتكم قبل أن تسألوني،

وغفرت لكم قبل أن تستغفروني،

من لقيني منكم يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمداً عبدي ورسولي أدخلته الجنّة).

{وَلَاكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} قراءة العامة بالنصب على الخبر،

تقديره : ولكن رحمناك رحمة،

وقرأ عيسى بن عمر {رَحْمَةً} بالرفع يعني (ولكنه رحمة من ربك) إذا أطلعك عليه وعلى الأخبار الغائبة عنك {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أَتَ اهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ} يعني أهل مكة {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .

٤٧

{وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُ} عقوبة ونقمة {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الكفر والمعصية {فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ ءَايَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وجواب لولا محذوف أي لعاجلناهم بالعقوبة،

وقيل معناه : لما أرسلناك إليهم رسولا،

ولكنا بعثناك إليهم {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسُلِ} ،

٤٨

{فَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا} يعني محمد (عليه السلام) {قَالُوا} يعني كفار مكة {لَوْ أُوتِىَ} محمد {مِثْلَ مَآ أُوتِىَ مُوسَى} كتاباً جملة واحدة.

قال اللّه تعالى : {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَآ أُوتِىَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} قال الكلبي : وكانت مقالتهم تلك حين بعثوا الرهط منهم إلى رؤوس اليهود بالمدينة في عيد لهم،

فسألوهم عن محمد (عليه السلام) فأخبروهم أنّه نعته وصفته،

وأنّه في كتابهم التوراة،

فرجع الرهط إلى قريش،

فأخبروهم بقول اليهود،

فقالوا عند ذلك {ساحران تظاهرا} قرأ أهل الكوفة {سِحْرَانِ} بغير ألف وهي قراءة ابن مسعود،

وبه قرأ عكرمة،

٤٩

واحتج بقوله : {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللّه هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَآ} وقرأ الآخرون بالألف،

واختاره أبو حاتم وأبو عبيدة،

لأن معنى التظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منه بالكتب،

فمن قرأ {سِحْرَانِ} أراد التوراة والقرآن،

ومن قرأ أراد موسى ومحمداً (عليهما السلام).

{وقالوا إنّا بكل كافرون قل} لهم يا محمد

٥٠

{فأتوا بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك} ولم يأتوا به {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَ اهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللّه إِنَّ اللّه لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .

٥١

{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} ابن عباس ومجاهد : فصّلنا،

ابن زيد : وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنّهم عاينوا الآخرة في الدنيا،

وقال أهل المعاني : أي والينا وتابعنا،

وأصلة من وصل الجبال بعضها إلى بعض،

قال الشاعر :

فقل لبني مروان ما بال ذمّة

وحبل ضعيف ما يزال يوصّل

وقرأ الحسن {وَصَّلْنَا} خفيفة،

وقراءة العامة بالتشديد على التكثير

٥٢

{لعلّهم يتذكّرون الذين آتيناهم الكتاب من قبله} أي من قبل محمد (عليه السلام) {هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} نزلت في مؤمني أهل الكتاب

٥٣-٥٤

{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} يعني القرآن {قالوا آمنّا به إنّه الحقّ من ربّنا إنّا كنّا من قبله مسلمين أُولئك يؤتون أجرهم مرتين} لإيمانهم بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر {بِمَا صَبَرُوا} على دينهم،

قال مجاهد : نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا فأُوذوا ويدفعون

٥٥

{بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو} القبيح من القول {أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ} أي دين الجاهلين عن الكلبي،

وقيل : محاورة الجاهلين،

وقيل : لا نريد أن نكون جهالا.

٥٦

{إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} أي من أحببت هدايته،

وقيل : من أحببته،

نزلت في أبي طالب.

حدّثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي إملاءً قال : أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ،

قال : حدّثنا عبد الرحمن بن بشر،

قال : حدّثنا يحيى بن سعيد،

عن زيد بن كيسان،

قال : حدّثني أبو حازم،

عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) لعمّه : (قل لا إله إلاّ اللّه أشهد لك بها يوم القيامة) قال : لولا أن تعيّرني نساء قريش يقلن : إنّه حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك،

فأنزل اللّه سبحانه {إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ} ،

{وَلَاكِنَّ اللّه يَهْدِى مَن يَشَآءُ} .

وأخبرنا عبد اللّه بن حامد الوزان قال : أخبرنا مكي بن عبدان،

قال : حدّثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالا : حدّثنا عبد الرزاق قال : وأخبرنا محمد بن الحسين،

قال : حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي،

قال : حدّثنا عبد الرزاق،

قال : أخبرنا أبو سعيد بن حمدون،

قال : أخبرنا ابن الشرقي،

قال : حدّثنا محمد بن يحيى،

قال : حدّثنا عبد الرزاق،

قال : أخبرنا معمر،

عن الزهري،

عن سعيد بن المسيب،

عن أبيه،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) أنّه دخل على عمّه أبي طالب في مرضه الذي مات فيه وعنده أبو جهل بن هشام وعبد اللّه بن أبي أمية فقال : (يا عمي قل : لا إله إلاّ اللّه كلمة أحاجّ لك بها عند اللّه).

فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبي أُمية : يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطلب؟

فقال : بل على ملّة عبد المطلب. فأنزل اللّه سبحانه {إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللّه يَهْدِى مَن يَشَآءُ} .

{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا عبد اللّه بن يوسف بن أحمد ابن مالك،

قال : حدّثنا محمد بن إبراهيم الطيالسي،

قال : حدّثنا الحسين بن علي بن يزيد المدايني،

قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا الفضل بن العباس الهاشمي،

قال : حدّثنا عبد الوهاب ابن عبد المجيد الثقفي،

قال : حدّثنا يحيى بن سعيد الأنصاري،

عن الزهري،

عن محمد بن (جبير عن) مطعم،

عن أبيه قال : لم يستمع أحد الوحي يلقى على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) إلاّ أبو بكر الصديق،

فإنّه أتى إلى النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فوجده يوحى إليه فسمع {إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَاكِنَّ اللّه يَهْدِى مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} .

٥٧

{وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} الآية نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف وذلك أنّه قال للنبي (عليه السلام) أنّا لنعلم إنّ الذي تقول حقّ،

ولكن يمنعنا إتباعك أنّ العرب تتخطّفنا من أرضنا،

لإجماعهم على خلافنا ولا طاقة لنا بهم،

فأنزل اللّه سبحانه {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ} مكة.

قال اللّه سبحانه : {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا ءَامِنًا} وذلك أنّ العرب في الجاهلية كان يغير بعضهم على بعض،

فيقتل بعضهم بعضاً،

وأهل مكة آمنون حيث كانوا لحرمة الحرم {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ} يجلب ويجمع،

قرأ أهل المدينة ويعقوب (تجبى) بالتاء لأجل الثمرات واختاره أبو حاتم وقرأ غيرهم بالياء كقوله {كُلِّ شَىْءٍ} واختاره أبو عبيد قال : لأنّه قد حال بين الاسم المؤنث والفعل حائل {رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَعْلَمُونَ}

٥٨

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} ،

أي أشرت وطغت،

فكفرت بربّها،

قال عطاء بن رياح : أي عاشوا في البطر والأشر وأكلوا رزق اللّه وعبدوا الأصنام،

وجعل الفعل للقرية وهو في الأصل للأهل،

وقد مضت هذه المسألة {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا} يعني فلم يعمر منها إلاّ أقلها،

وأكثرها خراب،

قال ابن عباس : لم يسكنها إلاّ المسافر ومار الطريق يوماً أو ساعة {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} نظيره قوله سبحانه : {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا} وقوله : {وللّه ميراث السموات والأرض} .

٥٩

{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى} بكفر أهلها {حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا} يعني مكة {رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنّا مهلكي القرى إلاّ وأهلها ظالمون} كافرون

٦٠

{وما أتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند اللّه خيرٌ وأبقى أفلا تعقلون} بالياء أبو عمرو،

يختلف عنه الباقون بالتاء.

٦١

{أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا} يعني الجنة {فَهُوَ لَاقِيهِ} مدركه ومصيبه {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحياةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} في النار،

نظيره قوله سبحانه : {وَلَوْ نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} قال مجاهد : نزلت في النبي (عليه السلام) وفي أبي جهل بن هشام. محمد بن كعب : في حمزة وعلي وفي أبي جهل. السدي : عمار والوليد بن المغيرة.

٦٢

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} في الدنيا أنّهم شركائي

٦٣-٦٤

{قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} وجب عليهم العذاب وهم الرؤوس عن الكلبي،

غيره : الشياطين {رَبَّنَا هؤلاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ} منهم {ما كانوا إيّانا يعبدون وقيل} لبني آدم الكفار {ادْعُوا شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} جواب (لو) مضمر،

أي لو كانوا يهتدون لما رأوا العذاب،

وقيل معناه : ودّوا إذا رأوا العذاب لو أنّهم كانوا يهتدون.

٦٥-٦٦

{ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت} فخفيت واشتبهت {عَلَيْهِمُ انبَآءُ} يعني الأخبار والأعذار والحجج {يومئذ} لأنّ اللّه سبحانه قد أعذر إليهم في الدنيا،

فلا يكون لهم حجة ولا عذر يوم القيامة {فَهُمْ يَتَسَآءَلُونَ} لا يجيبون،

قتادة : لا يحتجّون،

وقيل : يسكتون،

لا يسئل بعضهم بعضاً،

مجاهد : لا يتساءلون بالأنساب كما كانوا يفعلون في الدنيا،

نظيره قوله سبحانه : {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يومئذ وَلا يَتَسَآءَلُونَ} .

٦٧-٦٨

{فأمّا من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين وربّك يخلُقُ ما يشاء ويختار} وهذا جواب لقول الوليد بن المغيرة : {لَوْ نُزِّلَ هذا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} أخبر اللّه سبحانه أنّه لا يبعث الرسل باختيارهم.

وهذا من الجواب المفصول،

وللقراء في هذه الآية طريقان :

أحدهما : أن يمرّ على قوله : {وَيَخْتَارُ} ،

{مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ويجعل (ما) إثباتاً بمعنى الذي،

أي ويختار لهم ما هو الأصلح والخير.

والثاني : أن يقف على قوله : {وَيَخْتَارُ} ويجعل ما نفياً أي ليس إليهم الاختيار،

وهذا القول أصوب وأعجب إليّ كقوله سبحانه : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ،

وأنشدني أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب،

قال : أنشدني أبو جعفر محمد بن صالح،

قال : أنشدنا حماد بن علي البكراوي لمحمود بن الحسن الوراق :

توكل على الرحمن في كلّ حاجة

أردت فإنّ اللّه يقضي ويقدر

إذا ما يردْ ذو العرش أمراً بعبده

يصبْه وما للعبد ما يتخيّر

وقد يهلك الإنسان من جه حذره

وينجو بحمد اللّه من حيث يحذر

وأنشدني الحسين بن محمد،

قال : أنشدني أبو الفوارس حنيف بن أحمد بن حنيف الطبري :

العبد ذو ضجر والربّ ذو قدر

والدهر ذو دول والرزق مقسوم

والخير أجمع فيما اختار خالقنا

وفي اختيار سواه اللؤم والشوم

روى سعيد بن المسيب،

عن جابر بن عبد اللّه،

عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) قال : (إنّ اللّه عز وجل اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين،

واختار من أصحابي أربعة : أبا بكر،

وعمر،

وعثمان،

وعلي (رضوان اللّه عليهم أجمعين) فجعلهم خير أصحابي،

وفي كلّ أصحابي خير،

واختار أُمتي على سائر الأمم،

واختار لي من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي : القرون الأول والثاني والثالث تترى والرابع فردي).

أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شيبة،

قال : حدّثنا جعفر بن أحمد الواسطي،

قال : حدّثنا محمد بن عبيد قال : حدّثنا يوسف بن يعقوب السلمي،

قال : حدّثنا سفيان بن عيينة،

عن عمرو بن دينار،

عن وهب بن منبه،

عن أخيه في قوله : {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} قال : اختار من الغنم الضأن ومن الطير الحمام.

٦٩-٧١

{سبحان اللّه وتعالى عمّا يشركون وربّك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون وهو اللّه لا إله إلاّ هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون قل أرأيتم إن جعل اللّه عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة} دائماً لا نهار معه.

{مَنْ اله غَيْرُ اللّه يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ أَفَ تَسْمَعُونَ }

٧٢-٧٥

{قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّه عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ} لا ليل فيه {من إله غير اللّه يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا} وأخرجنا وأحضرنا {مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا} حينئذ {أَنَّ الْحَقَّ للّه} يعني التوحيد والصدق والحجة البالغة {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} .

٧٦

{إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى} كان ابن عمه لأنّه قارون بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب،

وموسى بن عمران بن فاهث،

هذا قول أكثر المفسرين،

وقال ابن إسحاق : تزوّج يصهر ابن فاهث شميت بنت تباويت بن بركيا بن يقشان بن إبراهيم فولدت له عمران بن يصهر وقارون ابن يصهر،

فنكح (عمران) نجيب بنت سمويا بن بركيا بن رمنان بن بركيا فولدت له هارون ابن عمران وموسى بن عمران (عليهم السلام)،

فموسى على قول ابن إسحاق : ابن اخي قارون وقارون عمه لأبيه وأُمه،

قال قتادة : وكان يسمّى المنوّر لحسن صورته ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة منه،

ولكن عدو اللّه نافق كما نافق السامري.

{فَبَغَى عَلَيْهِمْ} أخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا موسى بن محمد،

قال : حدّثنا الحسن بن علوية،

قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى،

عن المسيّب أنّ قارون كان من قوم موسى {فَبَغَى عَلَيْهِمْ} قال : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل وكان يبغي عليهم ويظلمهم،

قال ابن عباس : كان فرعون قد ملّكه على بني إسرائيل حين كان بمصر،

سعيد،

عن قتادة : {بغى عليهم} بكثرة ماله وولده،

سفيان عنه : بالكبر والبذخ،

عطاء الخراساني وشهر بن حوشب : زاد عليهم في الثياب شبراً {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى} وهي جمع المفتح،

وهو الذي يفتح به الباب {لتنوأُ بالعصبة أولي القوة} أي لتثقل بهم إذا حملوها لثقلها،

يقال : ناء ينوء نوْءاً إذا نهض بثقل،

قال الشاعر :

تنوء بأخراها فلأيا قيامها

وتمشي الهوينا عن قريب فتبهر

واختلفوا في مبلغ عدد العصبة في هذا الموضع،

فقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر،

قتادة : ما بين العشرة إلى أربعين،

أبو صالح : أربعون رجلا،

عكرمة منهم من يقول : أربعون،

ومنهم من يقول : سبعون،

الضحّاك عن ابن عباس : ما بين الثلاثة إلى العشرة،

وقيل : ستون.

روى جرير،

عن منصور،

عن خيثمة،

قال : وجدت في الإنجيل أنّ مفاتيح خزائن قارون توقر ستين بغلا غرّاء محجّلة،

ما يزيد منها مفتاح على أصبع،

لكل مفتاح منها كنز،

مجاهد : كانت المفاتيح من جلود الإبل،

ويقال : كان قارون (أينما) ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه،

وكانت من حديد،

فلمّا ثقلت عليه جعلت من خشب،

فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع،

وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا.

وقال بعضهم : أراد بالمفاتيح الحرَّاس وإليه ذهب أبو صالح. وروى حصين،

عن أبي زرين قال : لو كان مفتاح واحد لأهل الكوفة كان كافياً إنّما يعني كنوزه،

فإن قيل : فما وجه قوله : {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ} وإنّما العصبة هي التي تنوء بها،

قيل فيه قولان : أحدهما يميل بهم ويثقلهم حملها،

والآخر قال أهل البصرة : قد يفعل العرب هذا،

تقول للمرأة : إنّها لتنوء بها عجيزتها،

وإنّما هي تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله،

وقال الشاعر :

فديت بنفسه نفسي ومالي

وما آلوك إلاّ ما أطيق

والمعنى فديت بنفسي ومالي نفسه،

وقال آخر :

وتركب خيلا لا هوادة بينها

وتشقي الرماح بالضياطرة الحمر

وإنّما يشقي الضياطرة بالرماح،

والخيل هاهنا : الرجال.

{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ} من بني إسرائيل {تَفْرَحْ} لا تأشر ولا تمرح،

ومنه قول اللّه سبحانه : {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} ،

وقال الشاعر :

ولست بمفراح إذا الدهر سرّني

ولا جازع من صرفه المتحول

أراد : لست بأشر؛ لأن السرور غير مكروه ولا مذموم {إِنَّ اللّه لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} الأشِرين البطِرين المتكبِرين الذين لا يشكرون اللّه سبحانه على ما أعطاهم.

أخبرني ابن فنجويه،

قال : حدّثنا منصور بن جعفر النهاوندي،

قال : حدّثنا أحمد بن يحيى النهاوندي،

قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن الجارود،

قال : حدّثنا محمد بن عمرو بن حيان عن نفته قال : حدّثنا مبشر بن عبد اللّه في قول اللّه سبحانه وتعالى : {تَفْرَحْ} قال : لا تفسد إنّ اللّه لا يحب الفرحين المفسدين،

وقال الشاعر :

إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة

وتحمل أُخرى أفرحتك الودائع

يعني أفسدتك.

٧٧

{وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَكَ اللّه الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} قال مجاهد وابن زيد : لا تترك أن تعمل في دنياك لآخرتك حتى تنجو من عذاب اللّه،

وهي رواية علي بن أبي طلحة،

عن ابن عباس،

وقال علي (ح) : لا تنس صحتك وقوتك وشبابك ونشاطك وغناك أن تطلب به الآخرة،

وقال الحسن : ولا تنس أن تطلب فيها كفايتك وغناك مما أحل اللّه لك منها.

وأنبأني عبد اللّه بن حامد قال : أخبرنا حامد بن محمد،

قال : حدّثنا أحمد بن علي الحران،

قال : حدّثنا سعيد بن سلمة،

قال : حدّثنا خلف بن خليفة،

عن منصور بن زادان في قوله : {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} قال : قوتك وقوة أهلك. وقيل : هو الكفن لأنّه حظه من الدنيا عند خروجه منها.

{وَأَحْسِن} إلى الناس {كَمَآ أَحْسَنَ اللّه إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ} ولا تطلب {الفساد في الأرض إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين قال}

٧٨

قارون {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} على فضل علم {عِندِى} علمنيه اللّه،

ورآني لذلك أهلا،

ففضلني بهذا المال عليكم لفضلي عليكم بالعلم وغيره،

وقيل : هو علم الكيمياء،

قال سعيد بن المسيب : كان موسى (عليه السلام) يعلم الكيمياء،

فعلّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم،

وعلّم كالب بن نوفيا ثلثه،

وعلم قارون ثلثه،

فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه،

وفي خبر آخر أنّ اللّه سبحانه وتعالى علّم موسى علم الكيمياء،

فعلّم موسى أُخته،

فعلّمت أخته قارون،

فكان ذلك سبب أقواله،

وقيل : على علم عندي بالتصرف في التجارات والزراعات وسائر أنواع المكاسب والمطالب،

وقيل : في سبب جمعه تلك الأموال،

ما أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد اللّه قال : حدّثنا عبد اللّه بن يوسف بن أحمد قال : حدّثنا محمد بن موسى الحلواني قال : حدّثنا خزيمة بن أحمد،

قال : حدّثنا أحمد بن أبي الجواري،

قال : سمعت أبا سلمان الداراني يقول : يبدي إبليس لقارون وكان قارون قد أقام في جبل أربعين سنة يتعبد حتى إذا غلب بني إسرائيل في العبادة بعث إليه إبليس شياطينه،

فلم يقدروا عليه،

فتبدى هو له وجعل يتعبد،

وجعل قارون وجعل إبليس يقهره بالعبادة ويفوقه،

فخضع له قارون،

فقال له إبليس : يا قارون قد رضينا بهذا الذي نحن فيه،

لا تشهد لبني إسرائيل جماعة،

ولا تعود مريضاً،

ولا تشهد جنازة،

قال : فحذره من الجبل إلى البيعة،

فكانوا يؤتون بالطعام،

فقال إبليس : يا قارون قد رضينا الآن أن يكون هكذا كلا على بني إسرائيل،

فقال له قارون : فأي شيء الرأي عندك؟

قال : نكسب يوم الجمعة ونتعبد بقية الجمعة،

قال : فكسبوا يوم الجمعة وتعبدوا بقية الجمعة.

فقال : إبليس لقارون : قد رضينا أن يكون هكذي. فقال له قارون : فأي شيء الرأي عندك،

قال : نكسب يوماً ونتعبد يوماً ونتصدق ونعطي،

قال : فلمّا كسبوا يوماً وتعبدوا يوماً خنس إبليس وتركه،

ففتحت على قارون الدنيا،

فبلغ ماله،

ما أخبرنا ابن فنجويه،

قال : أخبرنا موسى،

قال : حدّثنا الحسن ابن علويه،

قال : حدّثنا إسماعيل بن موسى،

عن المسيب بن شريك {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ} قال : أوعيته وكانت أربعمائة ألف ألف في أربعين جراباً.

قال اللّه سبحانه : {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّه قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ} الكافرة {مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْئلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} قال قتادة : يدخلون النار بغير حساب،

مجاهد : يعني : إنّ الملائكة لا تسأل عنهم لأنّهم يعرفونهم بسيمائهم،

الحسن : لا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ليعلم ذلك من قبلهم فأن سئلوا سؤال تقريع وتوبيخ.

٧٩

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ} قال جابر بن عبد اللّه : في القرمز،

النخعي والحسن : في ثياب حمراء،

مجاهد : على براذين بيض عليها سروج الأُرجوان،

عليهم المعصفرات،

قتادة : على أربعة ألف دابة عليهم وعلى دوابهم (الأُرجوان)،

ابن زيد : في سبعين ألفاً عليهم المعصفرات،

قال : وكان ذلك أول يوم رؤيتْ المعصفرات فيما كان يذكر لنا،

مقاتل : على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأُرجوان ومعه أربعة آلاف فارس وعلى دوابهم الأُرجوان،

ومعه ثلاثمائة جارية بيض عليهن الحليّ والثياب الحمر على البغال الشهب.

{قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنّه لذو حظّ عظيم} من المال

٨٠

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللّه خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّ اهَآ} ولا يلقن ويوفق لهذه الكلمة {إِلا الصَّابِرُونَ} على طاعة اللّه وعن زينة الدنيا.

٨١

{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} قال العلماء بأخبار القدماء : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون،

وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم ولكنه نافق كما نافق السامري فبغى على قومه،

واختلف في معنى هذا البغي،

فقال ابن عباس : كان فرعون قد ملك قارون على بني إسرائيل حين كان بمصر،

وعن المسيب بن شريك : أنه كان عاملاً على بني إسرائيل وكان يظلمهم،

وقيل : زاد عليهم في الثياب شبرا،

وقيل : بغى عليهم بالكبر،

وقيل : بكثرة ماله،

وكان أغنى أهل زمانه وأثراهم. واختلف في مبلغ عدة العصبة في هذا الموضع فقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر،

وقال قتادة : ما بين العشرة إلى أربعين،

وقال عكرمة : منهم من يقول أربعون ومنهم من يقول سبعون،

وقال الضحاك : ما بين الثلاثة إلى العشرة،

وقيل : هم ستون.

وروي عن خثيمة قال : وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلاً غراء محجلة ما يزيد منها مفتاح على إصبع لكل مفتاح منها كنز،

ويقال : كان أينما يذهب تحمل معه وكانت من حديد،

فلمّا ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع،

فكانت تحمل معه على أربعين بغلا،

وكان أول طغيانه أنه تكبر واستطال على الناس بكثرة الأموال فكان يخرج في زينته ويختال كما قال تعالى {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ} .

قال مجاهد : خرج على براذين بيض عليها سروج الأرجوان وعليهم المعصفرات.

وقال عبد الرحمن : خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات،

وقال مقاتل : على بغلة شهباء عليها سرج من الذهب عليها الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثة آلاف جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب،

فتمنى أهل الجهالة مثل الذي أوتيه كما حكى اللّه فوعظهم أهل العلم باللّه أن اتقوا اللّه فإن ثواب اللّه (خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً).

قال : ثم إن اللّه أوحى إلى نبيه موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطاً أخضر لونه لون السماء،

فدعا موسى بني إسرائيل وقال لهم : إن اللّه تعالى يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطاً خضراً كَلَون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها،

وإنه تعالى ينزل من السماء كلامه عليكم،

فاستكبر قارون وقال : إنما تفعل هذه الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا من غيرهم.

ولما قطع موسى (عليه السلام) ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة وهي رئاسة المذبح وبيت القربان لهارون فكان بنو إسرائيل يأتون بهديتهم ويدفعونه إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله،

فوجد قارون في نفسه من ذلك وأتى موسى وقال : يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك،

وأنا أقرأ للتوراة منكما لا صبر لي على هذا،

فقال موسى : واللّه ما أنا جعلتها في هارون بل اللّه تعالى جعلها له فقال قارون : واللّه لا أصدقك في ذلك حتى تريني بيانه،

قال : فجمع موسى (عليه السلام) رؤساء بني إسرائيل وقال : هاتوا عصيكم،

فجاءوا بها فحزمها وألقاها في قبته التي كان يعبد اللّه تعالى فيها وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا،

فأصبحت عصا هارون (عليه السلام) قد اهتز لها ورقٌ أخضر،

وكانت من ورق شجر اللوز،

فقال موسى : يا قارون ترى هذا؟

فقال قارون : واللّه ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر.

فذهب قارون مغاضباً واعتزل موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما،

وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد كل يوم إلا كبراً ومخالفة ومعاداة لموسى (عليه السلام) حتى بنى داراً وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب،

وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.

قال ابن عباس : ثم إن اللّه سبحانه وتعالى أنزل الزكاة على موسى (عليه السلام) فلمّا أوجب اللّه سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار،

وعن كل ألف درهم على درهم،

وعن كل ألف شاة على شاة،

وعن كل ألف شيء شيئاً،

ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل وقال لهم : يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم،

فقالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت،

فقال : آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلاً على أن تقذفه بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه،

فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل : ألف دينار،

وقيل : طستا من ذهب،

وقيل : حكمها،

وقال لها : إني أُموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل،

فلمّا أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل،

ثم أتى موسى فقال له : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض فقام فيهم خطيباً ووعظهم (فكان) فيما قال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين،

ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة،

ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت،

فقال له قارون : وإن كنت أنت؟

قال : وإن كنت أنا،

قال قارون : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال : أنا،

قال : نعم،

قال : ادعوها فإن قالت فهو كما قالت،

فلمّا أن جاءت قال لها موسى : يا فلانة

إنما أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء،

وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت،

فلمّا ناشدها تداركها اللّه بالتوفيق وقالت في نفسها : لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول اللّه،

فقالت : لا كذبوا،

ولكن جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي،

فلمّا تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون ونكس رأسه وسكت الملأ وعرف أنه وقع في مهلكة وخرّ) موسى ساجداً يبكي ويقول : اللّهم إن كنت رسولك،

فاغضب لي،

فأوحى اللّه سبحانه إليه : مُر الأرض بما شئت،

فإنها مطيعة لك،

فقال موسى : يا بني إسرائيل إنّ اللّه بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون،

فمن كان معه فليثبت مكانه،

ومن كان معي فليعتزل،

فاعتزل قارون ولم يبق معه إلاّ رجلان،

ثم قال موسى : يا أرض خذيهم،

فأخذتهم إلى الركَب،

ثم قال : يا أرض خذيهم،

فأخذتهم إلى الأوساط،

ثم قال : يا أرض خذيهم،

فأخذتهم إلى الأعناق،

وقارون وأصحابه في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدّة غضبه عليه.

ثم قال : يا أرض خذيهم،

فانطبقت عليهم الإرض،

وأوحى اللّه تعالى إلى موسى : يا موسى ماأفظك. استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم،

أما وعزتي لو إياي دعوا لوجدوني قريباً مجيباً.

قال قتادة : وذكر (لنا) أنّه يخسف به كلّ يوم قامة وأنّه يتخلخل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة،

قالوا : وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أنّ (موسى) إنّما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله،

فدعا اللّه موسى حتى يخسف بداره وأمواله الأرض.

وأوحى اللّه سبحانه إلى موسى : إنّي لا أعبّد الأرض لأحد بعدك أبداً،

فذلك قوله تعالى : {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} ،

{فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللّه وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ} الممتنعين

٨٢

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِامْسِ} العرب تعبّر بأضحى وأمسى وأصبح عن الصيرورة والفعل،

فتقول : أصبح فلان عاملا وأمسى حزيناً وأضحى معدماً،

إذا صاروا بهذه الأحوال وليس ثَمَّ من الصبح والمساء والضحى شيء.

{يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللّه} اختلف العلماء في هذه اللفظة،

فقال مجاهد : معناه : ألم تعلم؟

قتادة : ألم تر؟،

الفرّاء : هي كلمة تقرير كقول الرجل : أما ترى إلى صنع اللّه وإحسانه؟

وذكر أنّه أخبره من سمع أعرابية تقول لزوجها : أين ابنك؟

فقال : ويكأنّه وراء البيت،

يعني أما ترينه وراء البيت؟

ابن عباس والحسن : هي كلمة ابتداء وتحقيق،

تقديره إنّ اللّه {يَبْسُطُ الرِّزْقَ} المؤرّخ : هو تعجّب،

قطرب : إنّما هو ويلك فأسقط منه اللام،

قال عنترة :

ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها

قول الفوارس ويك عنتر أقدم

وقيل : هو تنبيه بمنزلة ألا وأما. قال بعض الشعراء :

ويكأن من يكن له نشب

يحبب ومن يفتقر يعشْ عيش ضرّ

وقال القتيبى : معناه رحمة بلغة حمير،

وقال سيبويه : سألت الخليل عنه،

فقال : وي كلمة تنبيه منفصلة من كأن فكأنْ في معنى الطب والعلم.

{يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} يقتَّر {لَوْ أَن مَّنَّ اللّه عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} قرأ يعقوب وبعض أهل الشام والكوفة بفتح الخاء والسين،

وقراءة العامة بضم الخاء وكسر السين،

٨٣

{ويكأنّه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض} تكبراً وتجبراً فيها،

{وَلا فَسَادًا} عملا بالمعاصي عن ابن جريج ومقاتل وعكرمة ومسلم البطين : الفساد : أخذ المال بغير حق،

الكلبي : الدعاء إلى غير عبادة اللّه.

{وَالْعَاقِبَةُ} المحمودة {لِلْمُتَّقِينَ} قال قتادة : الجنة

٨٤-٨٥

{من جاء بالحسنة فله خيرٌ منها ومن جاء بالسيّئة فلا يجزى الذين عملوا السيّئات إلاّ ما كانوا يعملون إنّ الذي فرض عليك القرآن} أي أنزله عن أكثر المفسرين،

وقال عطاء بن أبي رباح : فرض عليك العمل بالقرآن {لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قال (الضحاك و) مجاهد : إلى مكة،

وهي رواية العوفي عن ابن عباس،

قال (ابن قتيبة) : معاد الرجل : بلده لأنّه ينصرف ثم يعود إلى بلده.

قال مقاتل : خرج النبي (عليه السلام) من الغار ليلا ثم هاجر من وجهه إلى المدينة،

فسار في غير الطريق مخافة الطلب،

فلمّا أمن ورجع إلى الطريق نزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة،

فاشتاق إليها وذكر مولده ومولد آبائه،

فأتاه جبريل (عليهما السلام)،

فقال : أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟

قال : (نعم)،

قال : فإنّ اللّه سبحانه وتعالى يقول : {إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} إلى مكة ظاهراً عليها.

قال مقاتل : قال الضحاك : قال ابن عباس : إنّما نزلت بالجحفة ليس بمكة ولا المدينة،

وروي جابر عن أبي جعفر،

قال : انطلقت أنا وأبي إلى أبي سعيد الخدري،

فسأله عن هذه الآية :

{لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ،

قال : إلى الموت. وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس،

قال الحسن والزهري وعكرمة : إلى يوم القيامة،

وقال أبو مالك وأبو صالح : إلى الجنة.

أخبرنا عبد الخالق بن علي،

قال : أخبرنا أبو بكر بن حبيب،

قال : حدّثنا يحيى بن أبي طالب،

قال : أخبرنا عمار بن كثير،

قال : أخبرنا فضيلة،

عن ليث،

عن مجاهد في قوله : {لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} قال : إلى الجنة.

٨٦

{قل ربّي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلاّ رحمة من ربّك} قال بعض أهل المعاني : في الكلام تقديم وتأخير تقديره : إنّ الذي فرض عليك القرآن وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب لرادك إلى معاد.

٨٧-٨٨

{فلا تكوننّ ظهيراً للكافرين ولا يصدّنك عن آيات اللّه بعد إذ أنزلت إليك} وهذا حين دعا إلى دين آبائه {وادع إلى ربّك ولا تكوننّ من المشركين ولا تدع مع اللّه إلهاً آخر لا إله إلاّ هو كلُّ شيء هالكٌ إلاّ وجهه} يعني إلاّ هو،

عن مجاهد،

الصادق : دينه،

أبو العالية : إلاّ ما أريد به وجهه.

أخبرنا ابن شاذان،

قال : أخبرنا جيعويه،

قال : حدّثنا صالح بن محمد،

عن جرير،

عن الأعمش،

عن عمرو بن مرة،

عن شهر بن حوشب،

عن عبادة بن الصامت،

قال : يُجاء بالدنيا يوم القيامة،

فيقال : ميزوا ما كان للّه منها،

قال : فيماز ما كان للّه منها،

ثم يؤمر بسائرها فيلقى في النار.

وبه عن صالح،

عن سليمان بن عمرو،

عن سالم الأفطس،

عن الحسن وسعيد بن جبير،

عن علي بن أبي طالب ح أنّ رجلا سأله،

فلم يعطه شيئاً،

فقال : أسألك بوجه اللّه،

فقال له علي : كذبت،

ليس بوجه اللّه سألتني،

إنّما وجه اللّه الحق،

ألا ترى قوله سبحانه وتعالى : {كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} يعني الحق؟

ولكن سألتني بوجهك الخالق كلّ شيء هالك إلاّ اللّه والجنة والنار والعرش. ابن كيسان : إلاّ ملكه. {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .

﴿ ٠