١١

{أو ليس اللّه بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمنّ اللّه الذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين} أي ليميّزنهم ويظهر أمرهم بالإبتلاء والاختبار والفتن والمحن.

واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية :

فقال مجاهد : نزلت في ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم،

فإذا أصابهم بلاء من اللّه ومصيبة في أنفسهم افتتنوا. الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون،

فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك. عكرمة عن ابن عباس : نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر،

فارتدوا وهم الذين نزلت فيهم {إنّ الذين توفهم الملائكة ظالمي أنفسهم} ... الآية،

وقد مضت القصة. قتادة : نزلت هذه الآية في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة.

وهذه الآيات العشر مدنية إلى هاهنا،

وسائرها مكي،

وقال مقاتل والكلبي : نزلت في العياش بن أبي ربيعة بن مغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم القرشي،

وذلك إنّه أسلم فخاف أهل بيته فهاجر إلى المدينة قبل أن يهاجر النبي (عليه السلام) ،

فحلفت أمه أسماء بنت مخرمة ابن أبي جندل بن نهشل التميمي أن لاتأكل ولا تشرب ولا تغسل لها رأساً ولا تدخل لبيتاً حتى يرجع إليها،

فلما رأى ابناها أبو جهل والحارث ابنا هشام وهما أخوا عيّاش لأُمّه جزعها وحلفها رهبا في ظلمة حتى أتيا المدينة فلقياه،

فقال أبو جهل لأخيه عياش بن أبي ربيعة : قد علمت أنّك أحبّ إلى أمّك من جميع ولدها وكنت بها باراً،

وقد حلفت أمك إنّها لا تأكل ولا تشرب ولا تغسل رأسها ولا تدخل بيتاً حتى ترجع إليها،

وأنت تزعم أنّ في دينك بر الوالدين،

فارجع إليها فإنّ ربّك الذي تعبده بالمدينة هو ربك بمكة فاعبده بها،

فلم يزالا به حتى أخذ عليهما المواثيق لا يحركاه ولا يصرفاه عن دينه،

فأعطياه ما سأل من المواثيق فتبعهما،

وقد صبرت أمه ثلاثة أيام ثم أكلت وشربت،

قالا : فلما خرجوا من أهل المدينة أخذاه فأوثقاه وجلده كلّ واحد منهما مائة جلدة حتى تبرأ من دين محمّد (رحمهما اللّه) جزعاً من الضرب وقال ما لا ينبغي،

فأنزل اللّه سبحانه فيه : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللّه فَإِذَآ أُوذِىَ} ... الآية.

قالا : وكان الحارث أشدهما عليه وأسوأهما قولا،

فحلف عياش باللّه لئن قدر عليه خارجاً من الحرم ليضربنّ عنقه،

فلما رجعوا إلى مكة مكثوا حيناً ثم هاجر النبي (صلى اللّه عليه وسلم) والمؤمنون إلى المدينة،

فهاجر عياش وأسلم وحسن إسلامه.

ثم إنّ اللّه تعالى قذف الإيمان في قلب الحارث بن هشام،

فهاجر إلى المدينة وبايع النبي (عليه السلام) على الإسلام ولم يحضر عياش،

فلقيه عياش يوماً بظهر قباء ولم يشعر بإسلامه،

فضرب عنقه،

فقيل له : إنّ الرجل قد أسلم،

فاسترجع عياش وبكى،

ثم أتى النبي (عليه السلام) وأخبره بذلك،

فأنزل اللّه سبحانه وتعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَئا} ... الآية.

﴿ ١١